د. هيثم مزاحم **

يأتي عيد الفطر المبارك هذا العام في ظل استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة وجنوب لبنان وسوريا، بعد أكثر من ستة أشهر من بدء الأعمال الانتقامية البربرية التي تنفذها آلة القتل الإسرائيلية بتمويل وتسليح أمريكيين وغربيين.

ومن خلال مشاهدة بعض سكان قطاع غزة على بعض القنوات الفضائية يوم العيد، قال بعضهم إن هذا العيد لا يشبه أيًا من أعيادهم السابقة، فبعضهم دمرت منازلهم ومتاجرهم وسويت بالأرض، ومعظمهم نزحوا عن مدنهم وبلداتهم إلى مخيمات للنازحين في رفح، فكيف سيفرحون بالعيد وكلهم قد فقد واحدًا أو مجموعة من أفراد عائلاتهم أو أقاربهم أو أصدقائهم وجيرانهم في المجازر الوحشية ضد الفلسطينيين المدنيين، وقد بلغ عددهم نحو 35 ألف شهيد ونحو 76 ألف جريح.

أيُّ عيد وأيُّ فرحة ستأتي معه وسكان غزة ينهشهم الجوع ويقفون على حافة المجاعة في معظمهم، بحسب بيانات المنظمات الدولية؟

ولعل المظهرين الوحيدين من مظاهر العيد اللذين شهدهما قطاع غزة هما زيارة القبور وصلاة العيد أمام أنقاض المساجد التي دمرها العدو الإسرائيلي؛ فقد حرص سكان قطاع غزة على زيارة أضرحة الشهداء والموتى صباح يوم العيد، كما حرصوا على إقامة صلاة العيد أمام المساجد، في دلالة على الصمود والتمسك بالأرض ورفض التهجير القسري والطوعي والخروج من فلسطين برغم الأخطار الجسيمة المحيطة بهم واحتمالات الاستشهاد والإصابة، فضلًا عن خسارة السكان لمنازلهم ومتاجرهم ومصانعهم وتدمير الاحتلال للمستشفيات والمدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة.

وفي مشهد مؤلم، قامت الجرّافات في المناطق التي انسحبت منها قوات الاحتلال الإسرائيلي، مثل خان يونس، بالبحث عن جثامين وأشلاء الشهداء لدفنها يوم العيد، بعدما تحلل معظمها بعد أسابيع من بقائها بين الركام.

وكما في غزة، كذلك في الكثير من مدن وقرى جنوب لبنان، فقد غابت مظاهر العيد التقليدية. لكن سكان القرى الحدودية أصروا على العودة إلى قراهم وزيارة قبور موتاهم يوم العيد وإقامة صلوات العيد في المساجد أو أمام المساجد التي دمرها الاحتلال الغاشم، في تحدٍ لقوات الاحتلال التي يختبئ جنودها فيما فر سكان المستوطنات المقابلة لهذه القرى اللبنانية.

­ماذا بقي من مظاهر العيد في لبنان؟

سؤال يطرح اليوم بسبب التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي عرفتها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وخصوصًا في لبنان. في السابق كانت أولى مظاهر العيد وتقاليده هو زيارة المقابر وقراءة الفاتحة للأقرباء والأصدقاء من الموتى. هذه الظاهرة لا تزال موجودة ولكنها تراجعت نسبيًا بسبب انشغال بعض النَّاس وعدم اعتقاد البعض الآخر بها.

وعلى الرغم من ذلك، تتوافد آلاف العائلات على المقابر في مختلف المدن والقرى اللبنانية صباح العيد، بعد صلاة الفجر، لتنظيف القبور ووضع ورود عليها وقراءة سور القرآن لأرواح الموتى.

ومن المظاهر الأخرى للعيد في لبنان، زيارة الأقارب والجيران والأصدقاء للتهنئة بحلول عيد الفطر المبارك أو عيد الأضحى، وتبادل الهدايا، وخصوصًا حلويات المعمول والبقلاوة. لا تزال هذه الظاهرة منتشرة ولكنها تراجعت قليلًا لسببين، الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار الحلويات، وضعف الروابط الاجتماعية، بحيث أصبحت المعايدة تتم عبر رسائل تطبيق الواتساب أو مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة فيسبوك.

أما الأطفال فإن نصيبهم من العيد أكبر، فهم ينتظرون هذا اليوم حتى يجمعون "العيدية" وهي هدية من المال يُعطيها الأقارب، ويعتبرها الأطفال فرصة لجمع بعض المال، مما يجعلهم يصرون على زيارة أكبر عدد ممكن من الأقارب لهذه الغاية.

وينفق الأطفال بعض الأموال التي يأخذونها من الأهل والأقارب على شراء الحلويات والعصائر، وبعض المفرقعات واللعب في الملاهي والمراجيح، ودخول قاعات السينما وغيرها من مراكز الترفيه والألعاب.

ثياب العيد والمراجيح

تدأب العائلات على شراء ثياب العيد لأطفالها، بحيث يجب أن يلبس الطفل ثيابًا وأحذية جديدة، يتباهى بها مع ألعابه. لكن بعض العائلات الفقيرة لا تقدر على ذلك وأطفالها محرومون من هذه الفرصة. وبرغم ذلك، تقوم بعض الجمعيات الخيرية الإسلامية بالاستفادة من تبرعات المحسنين وصدقاتهم خلال شهر رمضان المبارك لشراء الثياب والأحذية والهدايا للأطفال اليتامى والفقراء، بحيث لا يشعرون بالتمييز الاجتماعي والحرمان الاقتصادي.

وزكاة الفطر هي صدقة واجبة على الصائمين يدفعونها ليلة عيد الفطر، وتساهم في إعانة الفقراء والمحتاجين.

وكان الفقراء يحتارون في عيدي الفطر والأضحى بما يُفرحون أولادهم؛ فالإمكانات منعدمة ووسائل إدخال البهجة إلى قلوب الأطفال قليلة، فكانت مرجوحة العيد. فكرة مرجوحة العيد بدأت بمبادرات فردية فكان الشخص ينصب مرجوحة حديدية في باحة منزله ويقصده جيرانه وأطفالهم للعب والاستمتاع بالمرجوحة طيلة أيام العيد.

وكان هناك في بيروت حرش يسمّى حرش العيد، أصبح اليوم حديقة عامة كبيرة مليئة بأشجار الصنوبر، ولكنها لا تزال تحت التأهيل وغير مفتوحة كليًا للجمهور. في الأعياد توضع فيها المراجيح التقليدية اليدوية، بحيث يدفع الأطفال مبلغًا صغيرًا كي يلعبوا فيها. وكان هناك صندوق الفرجة، وهو عبارة عن صندوق يخبئ فيه صاحبه بعض الأشياء الغريبة، ويعرضها مقابل مبلغ من المال، يخدع بها الأطفال.

ولا يزال جزءًا من الحرش هذا مفتوحًا في أيام الأعياد فقط لإقامة المراجيح، لكن رواده قلّوا، بسبب منافسة مدائن الملاهي المتطورة، وعدم رغبة الأطفال بالأشياء القديمة.

ويتواجد حول المراجيح عدد من البسطات التي تبيع الألعاب البلاستيكية الخفيفة وخاصة المسدسات والبنادق والعرائس الخاصة بالفتيات، والمفرقعات النارية.

المطاعم والمقاهي

ولا شك أن متاجر الحلويات والعصائر هي المستفيدة الأولى من الأعياد لما تبيعه من حلويات وعصائر للزبائن؛ سواءً ما يأكلونه أو يشربونه أو يقدمونه للزوار أو هدايا لمن يزورون. أما المطاعم والمقاهي فهي فرصتها لاستقبال المؤمنين الذين أنهوا صيامهم ويريدون التعويض، فيذهبون للفطور والغداء والعشاء والجلوس والسمر في المطاعم والمقاهي. لكن معظم سكان بيروت وضاحيتها الجنوبية ممن هم أصلًا من الجنوب أو البقاع أو الشمال أو الجبل، يستفيدون من عطلة العيد للذهاب إلى قراهم وبلداتهم كي يزوروها ويزوروا الأقارب والأهل، وخصوصًا قبور أمواتهم.  

هذه أهم مباهج العيد في لبنان الذي يأتي في وقت تتواصل فيه الأزمة الاقتصادية والمواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي الذي واصل غاراته على بعض القرى الحدودية يوم العيد فيما واصلت المقاومة الإسلامية عملياتها ضد مواقع قوات الاحتلال وتجمعات جنوده في مقابل الحدود اللبنانية وفي مزارع شبعا المحتلة.

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في بيروت

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ممنوعون من زيارة بيت لحم.. استعدادات مسيحية خجولة لأعياد الميلاد في غزة

غزة- للعام الثالث على التوالي تغيب شجرة عيد الميلاد عن بيت ليزا الصوري التي قتلها الاحتلال الإسرائيلي برفقة زوجها طارق وطفلها عيسى بصاروخ استهدف كنيسة القديس بيرفيريوس في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة.

مُسحت عائلة ليزا من السجل المدني، وانطفأت معها أضواء الأعياد التي اعتادت إضاءتها كل عام مصحوبة بدعوات السلام.

في غزة، تعود أعياد الميلاد حزينة على المسيحيين الذين اعتادوا أن يبدؤوا احتفالاتهم في منتصف ديسمبر/كانون الأول من كل عام بقرع أجراس الكنائس في البلدة القديمة استعدادا لاستقبال العيد لطائفتي الكاثوليك والأرثوذكس.

لكنّ الحرب الإسرائيلية على غزة قتلت فرحتهم وتركت فيهم جروحا غائرة يصعب التخلص منها.

يعيش في غزة هذه الأيام 667 فلسطينيا مسيحيا فقط (مواقع التواصل)فرحة منقوصة

تحاول مي عياد أن تعيد طقوس عيد الميلاد إلى بيتها بعدما غابت عنه لعامين قضتها بين القصف والجوع والنزوح.

وتقول مي -وهي أم لـ3 أطفال- للجزيرة نت إن صغيرتها مريم لا تعي ما هي شجرة عيد الميلاد، حيث نشبت الحرب وهي في الثانية من عمرها.

لكنها ستحرص هذا العام على اصطحاب أبنائها إلى الكنيسة وقت إضاءة شجرة الميلاد، ليعيشوا الطقوس التي حُرموا منها بسبب الحرب القاتلة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة.

وتشير عياد إلى صغيرتها التي تعرفت على "بابا نويل" من خلال الفيديوهات المتداولة عبر الإنترنت، وراحت تسألها عنه ومتى سيأتي، لكنْ لم تكن لديها إجابات وقت الحرب، متمنية أن يأتي عيد الميلاد بسلام وفرح دون حرب، وأن تجتمع ببقية أفراد عائلتها في الضفة المحتلة.

وللعام الثالث على التوالي تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق معبر بيت حانون (إيرز) وتحرم الفلسطينيين المسيحيين من الوصول إلى مدينة بيت لحم، حيث موسم الحج إلى كنيسة المهد هناك، وذلك في إطار العقوبات الجماعية التي تفرضها على أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع.

إعلان

ورغم أن الاحتلال كان يعرقل سفر الكثير من المسيحيين المقيمين في غزة إلى محافظات الضفة المحتلة في السنوات التي سبقت الحرب فإنه كان يسمح لمرور عدد من النساء وكبار السن، لكنه يمنع حاليا خروج أي منهم.

استهداف متعمد

كانت عياد تحتمي وأسرتها بالكنيسة طوال العدوان الإسرائيلي على غزة، ونجوا من الموت مرات عدة حين كان القصف يشتد حول البلدة القديمة، حيث تتمركز الطائفة المسيحية قرب كنائسها هناك.

واستهدفت إسرائيل خلال الحرب 3 كنائس رئيسية مباشرة، ومنها ما تكرر استهدافها أكثر من مرة، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها وإلحاق أضرار جسيمة بمبانيها التاريخية ومرافقها الخدمية.

ويعيش في غزة هذه الأيام 667 فلسطينيا مسيحيا بعدما قتلت قوات الاحتلال أكثر من 20 منهم خلال حرب الإبادة التي شنتها على القطاع، أي ما يزيد على 3% من إجمالي عددهم، في حين اضطر المئات منهم إلى مغادرة القطاع خلال الأشهر الأولى للحرب، وذلك وفق آخر إحصائية حصلت عليها الجزيرة نت من الجهات الحكومية.

مسيحيو غزة يستعدون لموسم الأعياد بعد عامين من الحرب (مواقع التواصل)غربة قصرية

تعيش عبير متّى تجربة قاسية بعدما خرجت من غزة مرافقة لمصابة لتلقّي العلاج في مصر، ولم تستطع حتى اللحظة العودة إلى القطاع بسبب استمرار إغلاق قوات الاحتلال معبر رفح.

واعتادت عبير في السنوات التي سبقت الحرب أن تحتفل مع بقية أفراد عائلتها المقيمين في محافظات الضفة المحتلة عبر الإنترنت، وذلك بسبب تكرار رفض الاحتلال منحها تصريحا للوصول إليهم.

وتقول للجزيرة نت "جرت العادة أن أضيء شجرة عيد الميلاد في غزة، في حين شقيقتي تضيئها في رام الله، ونحتفل سويا".

وتستذكر عبير كيف كان الحظ يحالف والدتها قبل وفاتها بالسفر إلى بيت لحم لتجلب الهدايا إلى أحفادها، لكن الاحتلال الآن يحرم الجميع من هذه الطقوس.

يذكر أن المسافة بين مدينتي غزة وبيت لحم تُقدّر بـ75 كيلومترا فقط، لكنّ الاحتلال يقطع بحواجزه العسكرية الأواصر بينهما.

محاولة للفرح

بدوره، يقول عضو مجلس وكلاء الكنيسة الأرثوذكسية في غزة إلياس الجلدة إن "عيد الميلاد يأتي هذا العام وحرب غزة قد انتهت إلى حد ما، وننتظر أجواء جديدة لنفرح بالعيد وبأننا نجونا من الحرب المجنونة".

ويضيف الجلدة للجزيرة نت "لا نزال نشعر بالحزن لما خسرناه طوال الحرب من الأفراد والأبنية كحال أهالي القطاع المكلومين، ومع ذلك ننظر بعين الأمل لما هو قادم لتتغير أجواء الحرب وتعود الحياة لغزة".

وأوضح أن الكنيسة شيعت نحو 27 شهيدا مسيحيا قتلتهم إسرائيل خلال قصف أبنية الكنيسة، مشيرا إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزة حرم مسيحييها من الاحتفال وإضاءة شجرة عيد الميلاد مرتين.

وذكر أن المرة الأولى التي لم تتم فيها إضاءة فيها شجرة عيد الميلاد كانت في ديسمبر/كانون الأول 2023 وقت حصار الكنيسة في مدينة غزة واقتراب الجيش الإسرائيلي منها، وقبلها بأسابيع قليلة ودّعوا نحو 18 شهيدا مسيحيا فكان من الصعب الاحتفال وسط الظروف القاسية، أما المرة الثانية فكانت في عام 2024 حينما كانت المجاعة تعصف بمدينة غزة وسط الخطر والقصف المستمر.

إعلان

وأشار الجلدة إلى أن هذا العام ستضاء شجرة عيد الميلاد داخل الكنيسة، لمحاولة بث الأمل والفرح للأطفال والعائلات، لإشعارهم أن الفرح قادم وأن أجواء الحرب انتهت.

ولفت إلى أن الاحتلال كان يسمح قبل الحرب على غزة بدخول نحو 400 مسيحي إلى الضفة الغربية والقدس للمشاركة في أعياد الميلاد، في حين يمنع البقية بحجة "دواع أمنية".

وعن أمنيات مسيحيي غزة في عيد الميلاد، يتمنى عضو مجلس وكلاء الكنيسة الأرثوذكسية بغزة انتهاء الحرب وإعمار القطاع، والاستقرار بدلا من النزوح في الخيام وساحات الكنيسة، وإضاءة الشجرة العام المقبل بسلام وأمان.

مقالات مشابهة

  • بالفيديو: داتا النظام تعود.. ماذا يجري بين سوريا ولبنان؟
  • حزب الله: الدولة معنيّة بتثبيت السيادة والمقاومة أدّت دورها في مساندتها
  • ممنوعون من زيارة بيت لحم.. استعدادات مسيحية خجولة لأعياد الميلاد في غزة
  • غارات عنيفة من الجنوب إلى البقاع ولبنان سيطالب الميكانيزم بالانسحاب الاسرائيلي من النقاط المحتلة اولا
  • نائب عن حزب الله: يجب التركيز على وقف عدوان إسرائيل قبل السلاح
  • مساحات تصل إلى 130مترا .. كيفية التقديم على وحدات مشروع ظلال 2025 كاملة التشطيب
  • هجوم مُركّز من التيّار على وزير الطاقة
  • عبد المسيح: رفع قيصر إنذارٌ مبكر ولبنان لن يبقى رهينة سلاح خارج الدولة
  • حمية عرض حجم الأضرار في لبنان بعد العدوان خلال القمة الاقتصادية العربية-الفرنسية
  • ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة