أجزم بأني اعتبر نفسي قومياً عربياً مؤمناً بهوية الأمة ووحدتها وأنا مع حرية الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، لتكون فعلا خير أمة أخرجت للناس، ومؤمناً أن لدول الجوار أهدافاً جيوسياسية وهذا حق لكل دولة ذات سيادة تفكر بطريقة استراتيجية وتمارس دبلوماسيتها الناعمة حفاظا على أمنها القومي وأحد أهم مرتكزات الأمن القومي هو تأمين نطاق جوارها الجغرافي الذي ينعكس على أمنها واستقرارها سلبا أو إيجابا.
تربطنا بإيران، وتركيا، وأثيوبيا، وحتى باكستان، وحدة الجغرافيا والكثير من الموروثات الثقافية والفكرية والدينية وخصائص التاريخ وتراكماته، وبالتالي فإن علاقتنا بهذه الدول تعتمد على مدى قدرتنا كعرب أن نعمل وفق منظومة محددة تحمل رؤية العرب كأمة وتعبر عن موقفها العربي المحدد الذي يكفل الحفاظ على الأمن القومي العربي بصورة كلية وجزئية، انطلاقا من قناعتنا بأن عدو عدونا هو بالطبيعة صديقنا.
الأمر الآخر، كانت إيران الشاه تمثل خنجرا في خاصرة الأمن القومي العربي، باعتبارها شرطي أمريكا وحليفاً استراتيجياً للعدو الصهيوني، وجميعنا نتذكر ما حدث بعد قيام ثورة يوليو في مصر بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر _رحمة الله تغشاه _وبعد فشل أمريكا في تطويع الثورة والثوار في مصر، سارعت إلى إنشاء (حلف بغداد) واشترطت على مصر إن أرادت دعماً ومساعدة منها أن تنخرط ضمن ترويكا حلف بغداد الذي تكون من كل من أمريكا والكيان الصهيوني وتركيا وإيران والعراق بقيادة نوري السعيد في عهد الملكية، فوجد عبدالناصر نفسه أمام مهمة إسقاط هذا الحلف الذي هدفه تطويق وتطويع الوطن العربي لصالح أهداف القوى الاستعمارية وخدمة للكيان الصهيوني..
ظل الأمن القومي العربي أحد أبرز أهداف الزعيم جمال عبد الناصر حتى وفاته، وكان أول زعيم عربي يقدم الدعم والمساعدة للمعارضة الإيرانية التي كانت تناضل للتخلص من ( نظام الشاه) الذي لم يتردد في التحالف مع القوى الرجعية العربية الدائرة في فلك واشنطن ولندن، وكان أبرز هذا التحالف في مشاركة الطيارين الإيرانيين في قصف مواقع ثوار سبتمبر في اليمن الجمهوري المدعوم من مصر عبدالناصر، ونظام الشاه ساهم مع المغرب في ضرب ثوار جبهة البوليساريو وساهم إلى جانب فرنسا خلال احتلال الجزائر، ناهيكم عن انه كان حليفا للكيان الصهيوني ضد أصحاب الحق من عرب فلسطين..!
وكانت خلال فترة الشاه الكثير من أنظمة الرجعية العربية تحج إلى طهران لتقبل أيادي الشاه، وظل هذا حتى قيام الثورة الإسلامية في إيران، عام 1979م، في تلك الفترة لم يكن عبدالناصر موجودا ولم يكن هناك شيء نتحدث عنه اسمه (الأمن القومي العربي) الذي انتهي عند بدء محادثات الكيلو 101على طريق الإسماعيلية بين ضباط من الجيش العربي المصري وضباط صهاينة وبرعاية ضباط أمريكيين..!
قيام الثورة الإسلامية في إيران وإسقاط نظام الشاه، أدى إلى انقلاب أنظمة الخليج والأنظمة الرجعية العربية، بما في ذلك نظام مصر السادات على طهران وبدت واشنطن تنسج خيوط تآمرها وتدفع العرب إلى حالة صدام مع الثورة الإسلامية الوليدة انتقاما من هذه الأنظمة على إسقاط نظام الشاه، ثم بدأت فكرة ( فوبيا إيران) تأخذ طريقها للعقل العربي وتمارس( كي الوعي) طارحة فكرة خطورة الثورة الإيرانية على العرب والعروبة، لم يكلف أي نظام عربي نفسه فتح نافذة للحوار مع القيادة الجديدة في طهران، بل تبنى الجميع الرؤية الأمريكية _الصهيونية وراح يسوقها ويرسم سياسته ومواقفه على هذا الأساس..!
كانت الحرب بين العراق وايران بداية المشروع الاستهدافي، ليس لإيران الثورة والدولة، بل وللعراق بقدراته وإمكانياته فتم تطبيق ما اصطلح على تسميته بـ(سياسة الاحتواء المزدوج)، أي التخلص من إيران الثورة ومن العراق الدولة والقدرات بطريقة ذاتية، أي دفع البلدين لتدمير قدراتهما بأيديهما، ثم تأتي لاحقا التدخلات الخارجية لتضع اللمسات الأخيرة على شكل وهوية الدولتين ونظامهما السياسي..!
ثمان سنوات تعمرت الحرب بين العراق وإيران، لم يترفع عنهما سوى ثلاثة أقطار عربية هي سوريا، وليبيا، والجزائر، فيما بقية الأنظمة انخرطت في تلك الحرب بذريعة دعم العراق وهي التي للأسف انخرطت إلى جانب واشنطن ولندن لإسقاط النظام والدولة في العراق بطلب من أمريكا، التي بدأت في عقاب الجزائر بالعشرية الجزائرية، أي الحرب الأهلية بين الدولة والجيش والشعب وجماعة الإسلام السياسي (الإخوان) والتي ذهب ضحيتها نصف مليون عربي جزائري..!
ثم خططت ودفعت الأزمة بين العراق والكويت والتي أدت إلى دخول الجيش العراقي للكويت، لتأتي على إثر ذلك أمريكا بأساطيلها ومدمراتها وحيوشها، فتبددت، بل وتبخرت مصطلحات الأمن القومي العربي، والتكامل الاقتصادي العربي، بل لم يبق من العروبة شيء يذكر بعد عام 1990م.
بالنسبة لسوريا وليبيا، حاولت واشنطن تكبيل دمشق عبر مؤتمر (مدريد للسلام) وفشلت فبدأت في فرض العقوبات على دمشق وتضييق الخناق عليها ومنع أي نظام عربي وخاصة الأنظمة الخليجية من تقديم أي شكل من أشكال الدعم لدمشق.. فيما اتخذت من طائرة (لوكيربي) (مسمار جحا) ضد ليبيا ونظام القذافي، والبدء في فرض العقوبات على ليبيا والزعيم القذافي..!
تزامن كل هذا مع بدء تصعيد الخطاب الاستهدافي ضد طهران والثورة التي سوف تصدرها للمنطقة، ثم ظهرت فكرة التمدد (الشيعي) وخطورة هذا على أهل (السنة)!
ثم برزت فكرة (الأمن القومي العربي) وكيفية حمايته من إيران، فيما الأعلام الصهيونية ترفرف في أكثر من عاصمة عربية..!
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بعد حرب الـ12 يوما مع إيران.. بماذا أوصت مراكز الأبحاث الإسرائيلية نتنياهو؟
اعتبرت مراكز الدراسات الإستراتيجية الإسرائيلية الهجوم على إيران فرصة لتفكيك المشروع النووي الإيراني وتقويض محوره الإقليمي، مع إجماع على أهمية استمرار الضغط العسكري وعدم التسرع في التسوية. ويُظهر تحليل الجبهة الداخلية الإسرائيلية ومواقف الرأي العام دعما ملموسا للعملية العسكرية.
ويتفق باحثو هذه المراكز على أن الحل المثالي للمعضلة الإيرانية هو إسقاط النظام، وأن هذا يمكن أن يحدث من خلال ضربات عسكرية واستخباراتية لمقدرات النظام ومؤسساته، وتشجيع الجمهور الإيراني على إطلاق انتفاضات لإسقاط النظام الإيراني.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"دبلوماسية التجارة لا المعونة".. إستراتيجية أميركية جديدة في أفريقياlist 2 of 2أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالميend of listواستقصت ورقة تحليلية عنوانها: "مراكز الأبحاث الإسرائيلية والهجوم على إيران توصيات بمواصلة الضربات ومنع تطوير الصواريخ الإيرانية" نشرها مركز الجزيرة للدراسات للباحث نهاد محمد الشيخ خليل، ما تناولته مراكز الأبحاث الإسرائيلية عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية، التي اندلعت بين 13 و23 يونيو/حزيران 2025، بالبحث والتحليل.
وناقشت الورقة ما صدر عن مركزين يحظيان بأهمية في إسرائيل، هما: معهد دراسات الأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية (مسجاف)، ومعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي "آي إن إس إس" (INSS).
وقد اعتمدت هذه الورقة على تحليل نصوص الأوراق المنشورة على موقعي المعهدين خلال الحرب، بوصفها مؤشرا على المزاج الإستراتيجي الإسرائيلي.
وتم تقسيم الدراسة إلى 6 محاور أساسية هي:
إنجازات الضربة العسكرية. تشخيص واقع إيران ومحورها. أهداف الحرب كما طرحتها مراكز البحث. صمود الجبهة الداخلية الإسرائيلية. المواقف الإقليمية والدولية. الموقف الأميركي. خلاصة واستنتاجاتتُظهر الورقة تفاعلا واسعا ومعمقا ومواكبا للوقائع من معهدي الأبحاث اللذين تناولت الدراسة أوراقهما (معهد دراسات الأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية، ومعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي).
ويمكن إجمال أبرز الاستنتاجات التي خلصت لها الدراسة في النقاط التالية:
أولا: تمجيد الإنجازات العسكرية في مجالي الدفاع والهجوم، إضافة إلى القدرات الاستخبارية، والنجاح في استعادة الردع بعد هزة السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهذه نقطة اتفاق بين المعهدين. ثانيا: برزت تباينات بين توقع إمكانية إسقاط النظام الإيراني، كما رأى باحثو مسجاف، وتحذيرات مركز "آي إن إس إس" من المبالغة في تقدير الضعف الداخلي الإيراني. كما يظهر تباين في تقييم صمود إيران؛ إذ رأى بعض المحللين أنها ضعيفة وقابلة للانهيار، بينما شدد آخرون على تماسك النظام ورغبته في جرّ إسرائيل لحرب استنزاف. ثالثا: تشابه الخطاب في كلا المعهدين في تصوير الحرب فرصة إستراتيجية لتفكيك المشروع النووي الإيراني وتقويض محوره الإقليمي، مع إجماع على أهمية استمرار الضغط العسكري وعدم التسرع في التسوية. رابعا: يُظهر تحليل الجبهة الداخلية الإسرائيلية ومواقف الرأي العام دعما ملموسا للعملية العسكرية؛ وهذا يعطي غطاء سياسيا للقدرة على استمرارها في حدود 3 أشهر على أقصى تقدير، لكن الأغلبية كانت تبدي استعدادا للصمود لمدة شهر واحد. خامسا: تتقاطع التحليلات في قراءة حذرة لمواقف دول الخليج والأردن، التي تمزج بين إدانة الهجوم وتفادي التصعيد مع إيران، وفي نفس الوقت المشاركة في اعتراض الصواريخ والطائرات المُسيّرة المنطلقة من إيران باتجاه إسرائيل. سادسا: يتفق باحثو المعهدين على أن الحل المثالي للمشكلة الإيرانية هو إسقاط النظام، وأن هذا يمكن أن يحدث من خلال ضربات عسكرية واستخباراتية لمقدّرات النظام ومؤسساته، وتشجيع الجمهور الإيراني على إطلاق انتفاضات لإسقاط النظام الإيراني. إعلان