واشنطن: مفاوضات سودانية جديدة في السعودية خلال 3 أسابيع
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أمس الثلاثاء أن السعودية ستستضيف "خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة" مفاوضات جديدة لوضع حد للحرب في السودان التي دخلت عامها الثاني.
وأوضح متحدث باسم الخارجية الأميركية أن إعلان خبر استئناف هذه المفاوضات تم في باريس الاثنين الماضي، على هامش مؤتمر دولي تمكن من جمع أكثر من ملياري دولار للسودان الذي يشهد قتالا مستمرا بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وأورد المتحدث أن ممثلي مصر والإمارات والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، "هم شركاء لتسهيل المفاوضات".
بدوره، كتب موفد الولايات المتحدة الخاص إلى السودان توم بيرييلو في حسابه على منصة إكس "في مواجهة الوضع الملح، نرحب بقرار السعودية استئناف مفاوضات جدة خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة".
وقال بيرييلو إن "الحرب على الشعب السوداني يجب أن تنتهي الآن".
وأول أمس الاثنين بحثت السعودية والولايات المتحدة التطورات على الساحة السودانية، وذلك خلال لقاء وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، مع المبعوث الأميركي الخاص للسودان، على هامش مؤتمر باريس حول السودان.
وكانت الإدارة الأميركية عينت بيرييلو مبعوثا جديدا خاصا للسودان في فبراير/شباط الماضي، في خطوة رأى محللون أنها تعكس تغيرا في سياسة واشنطن تجاه الصراع في السودان.
ومنذ انهيار مبادرة جدة للسلام التي رعتها السعودية والولايات المتحدة بعد يوم من دخولها حيز التنفيذ في مايو/أيار 2023، فشل الوسطاء، رغم جهودهم الحثيثة، في إبرام اتفاق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يضع حدا للاقتتال، كما فشلوا في التوصل لهدنة تمكّن من إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدن والبلدات السودانية التي دمرتها الحرب.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني والدعم السريع حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة، فضلا عن دمار كبير ألحقه بالبنى التحتية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أي أهداف تسعى إليها واشنطن من عقوبات السودان؟
كان من المفترض أن تحدد الإدارة الأميركية نوع السلاح الكيماوي والمنطقة التي جرى استخدامه فيها وأثره المباشر في البشر عبر أدلة موثقة ومستقلة
ملخص
على الجيش السوداني أن يجمع الفيديوهات التي تدينه على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعلن حقيقتها بما يملك من أدوات استقصائية ولا يكتفي ببيانات إعلامية أو هجوم سياسي على الولايات المتحدة الأميركية. فهل يفعل ذلك؟
لماذا الآن؟ وما الهدف من العقوبات الأميركية على السودان؟ وما أثرها المباشر في السلطة السودانية الراهنة وأيضاً حياة المواطن اليومية؟
العقوبات الأميركية التي سبق إقرارها بعد اندلاع الحرب السودانية كانت محصورة في نطاق شركات تابعة للجيش أو أفراد منتمين إليه، وأيضاً شركات تابعة لقوات "الدعم السريع" وأفراد منتمين إليها. أمّا هذه المرة فإن العقوبات الأميركية تبدو مؤثرة ربما في القراءة الأولى على المصائر السودانية.
من هنا أنتج القرار الأميركي أسئلة متوقعة في السياقين المحلي السوداني والإقليمي العربي، خصوصاً أنها سوف تقرّ في الأسبوع الأول من يونيو (حزيران) المقبل، وذلك بعد إخطار الكونغرس طبقاً لتصريحات متحدثة الخارجية الأميركية، وذلك على رغم أن القرار الأميركي لا يرتقي إلى المستوى المطلوب من المصداقية الضرورية في مثل هذه الحالات المتعلقة بصورة الدولة التي تمارس وتقر عقوبات على دولة أخرى، خصوصاً أن الأولى هي في مصاف الدول القائدة للنظام العالمي.
في هذا السياق نحن أمام اتهامات للجيش السوداني قائمة على معلومات استخبارية غير متاحة للاطلاع عليها كما يقول كاميرون هدسون، وهو الباحث الأميركي ذو الخلفية المهنية الدبلوماسية والاستخبارية في آن. وبطبيعة الحال لا نستند إلى موقف هدسون هنا، لكن نشير فقط إلى افتقاد الخطوات المطلوبة لجعل مسألة اتهام الجيش السوداني باستخدام الأسلحة الكيماوية في الحرب السودانية الراهنة مستوفية التحقق المستقل والمهني المطلوب لإقرار العقوبات الأميركية، وذلك في ضوء أن الذاكرة السودانية ما زالت تذكر ضرب مصنع الشفاء للأدوية بالخرطوم بهجوم صاروخي أميركي عام 1998، وذلك بمزاعم لم تثبت صحتها بشأن إنتاج المصنع أسلحة كيماوية.
كذلك ما زالت الذاكرة العربية تذكر مزاعم المعسكر الغربي الذي قادته واشنطن ولندن بشأن استخدام العراق أسلحة كيماوية، التي جرى الاعتذار عنها لاحقاً من أعلى المستويات الدبلوماسية البريطانية، لكن بعد أن كلفت الجميع خوض حرب كانت تكلفتها على الصعيدين الجيوبولتيكي والمالي ضخمة.
في ما يخص الحالة الراهنة أي ممارسة الجيش السوداني جريمة استخدام أسلحة كيماوية كان من المفترض أن تقوم الإدارة الأميركية بتحديد نوع السلاح الكيماوي والمنطقة التي جرى استخدامه فيها، وأثره المباشر في البشر عبر أدلة موثقة ومستقلة. هذه المهام هي من وظائف المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، التي كان من المطلوب أن تلجأ إليها الإدارة الأميركية على نحو غير علني، للتحقق من المعلومات الاستخبارية الأميركية وإثبات صحتها من عدمه.
من الطبيعي تحت مظلة الصراع العسكري الراهن في السودان والاستقطاب السياسي الحاد المترتب عليه أن تلقي الاتهامات الأميركية للجيش السوداني أفراداً وجماعات وقوى سياسية منحازين إليها ومروجين لموقفها، إذ وردت بعض الفيديوهات من جانب بعض الأطراف السودانية بشأن استخدام أسلحة كيماوية في السودان، تقول إنها واقعية لكن من دون توثيق الأثر على بشر، ومن دون أدلة على أن هذه الفيديوهات قد جرى تصويرها في السودان في الوقت الحالي، إذ إن هناك اتهامات أخرى بحق الجيش السوداني من جانب الأطراف المحلية السودانية يعود تاريخها إلى عام 2003.
وفي ظل عدم تقديم واشنطن حتى الآن أدلة على ما تذهب إليه أظن أن على الجيش السوداني أن يجمع الفيديوهات التي تدينه على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعلن حقيقتها بما يملك من أدوات استقصائية ولا يكتفي ببيانات إعلامية أو هجوم سياسي على الولايات المتحدة الأميركية.
أما في ما يخص ماهية العقوبات الأميركية المتوقعة وأثرها المباشر في الصعيد السوداني فطبقاً للبيان الأميركي الصادر عن وزارة الخارجية فإن العقوبات المنتظرة متعلقة بخطوط الائتمان، أي ستتضمن قيوداً على كل من الصادرات والمساعدات والمنح الأميركية للسودان، كما أنها ستحرم السودان من القدرة على الاستدانة من المنظمات الدولية.
وطبقاً لذلك فإنه بالتأكيد سوف يتأثر الاقتصاد السوداني بفرض هذا النوع من العقوبات ذات الطابع الاقتصادي على نحو سلبي، وهو ما سينعكس على المواطن السوداني، لكن هذا التأثر سوف يكون مرهوناً بكون الولايات المتحدة وحلفائها هم مصدر الصادرات الوحيد للسودان، وهو أمر غير واقعي، نظراً إلى وجود مصادر أخرى لاستيراد السلع حتى التكنولوجية منها من البديل الصيني، أما على صعيد المساعدات فإنه من المعروف أن إدارة ترمب قد أوقفت الوكالة الأميركية للتنمية، بالتالي فإن حجم التأثر السوداني بمنع الصادرات والمساعدات سوف يكون محدوداً.
ونلاحظ طبقاً للمعطيات السالفة الذكر أن سلسلة العقوبات الأميركية السابقة كانت متوازنة بين طرفي الصراع، بمعنى أنها قد فرضت على الشركات والأفراد الممثلين لكل من الجيش وأيضاً لقوات "الدعم السريع". أما هذه العقوبات فقد خصّت الجيش فقط من جانب واشنطن. بطبيعة الحال، ربما يكون هناك وجود أغراض سياسية لواشنطن طبقاً للنمط العقابي الذي جرى توقيعه ضد الفريق عبد الفتاح البرهان سابقاً، إذ إنه جاء بعد فشل مفاوضات سويسرا في أغسطس (آب) 2024 نتيجة قرار قائد الجيش بعدم الانخراط فيها، إذ كانت واشنطن تأمل في أن تسهم هذه المنصة في وقف الحرب.
ويمكن بلورة الأهداف السياسية الأميركية من العقوبات الأخيرة في عدد من النقاط منها:
- ممارسة أقصى أنواع الضغوط على قيادة الجيش بهدف التخلي عن خيار الحسم العسكري، الذي يبدو أنه ماض فيه في ضوء العمليات الأخيرة في مناطق من كردفان، وكذلك الصمود إزاء حصار دارفور.
- امتلاك واشنطن أوراق ضغط قاتلة ضد الجيش تحجّم وزنه على منصة جدة في حال الوصول إليها، وهو منهج سبق انتهاجه أميركياً أكثر من مرة في السياق السوداني، خصوصاً في اتجاه الضغط لفصل جنوب السودان، إذ جرى التلويح بحال التورط في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك خلال فترة حكمه.
- التماهي مع الخطط الإسرائيلية الاستراتيجية التاريخية في تنفيذ استراتيجيات شد الأطراف لكل من مصر والسودان، وهي التي تعتمد على دعم المتمردين على المركز أو الضغط عليه بمشكلات على حدوده المتاخمة، حيث تنشط حالياً الجمعيات اليهودية ذات الواجهات الإنسانية والخيرية بالولايات المتحدة في دارفور وشرق تشاد للتعامل مع النازحين السودانيين فيها، وتغذية ثقافة الضغائن ضد الخرطوم مستغلة سياستها في عدم التنمية المتوازنة من ناحية، وممارسة التعالي العرقي والإثني على مناطق أطراف السودان.
- تلبية اتجاهات الشركات الأميركية وغيرها في الحصول على الموارد السودانية بعوائد مالية غير عادلة تلبية لحاجات مجتمعات الأعمال الأميركية والعالمية.
إجمالاً، يبدو أن العلاقات الأميركية مع بورتسودان سوف تشهد مرحلة من التعقيد لن يخفف من وطأتها إلا تدخلات إقليمية من كل من القاهرة والرياض على نحو ضاغط وطبقاً لتفاهمات بين العاصمتين، وكذلك تعيين مبعوث أميركي للسودان في المرحلة المقبلة قد يكون قادراً على فهم تعقيدات الملف السوداني وتركيبه، وربما يستفيد من خبرات المبعوث السابق توم بيريليو والإدارة الديمقراطية السابقة عليه .
اندبندنت عربية