لجريدة عمان:
2025-05-19@03:29:30 GMT

من ذاكرة الانتفاضة الأولى

تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT

من ذاكرة الانتفاضة الأولى

الطفل محمود مصطفى محمود مطير- مخيم قلنديا - تاريخ الاستشهاد 26-6-2001 - العمر 17 عاما..

تبدأ قصة شهيدنا هذا بمشهد يتكرر في تراجيديا الفقد الفلسطينية، ليس هناك شهيد فلسطيني لم تركض خلفه أمه صارخة في أصدقائه الذين يحملون جثمانه تجاه مقبرة مخيم قلنديا: «استنوا استنوا».

آلاف الأمهات الفلسطينيات صرخن تلك الصرخة الرهيبة، على مدى رحلة الآلام الفلسطينية الفظيعة، ولو جمعنا تلك الصرخات وصهرناها في مصهر الوجع الفلسطيني لهزّت الكون، «استنوا مشان الله استنوا» ويستجيب الشباب طبعا، حتى الحجر يستجيب، إذ من قدر على تجاهل صرخة أم فلسطينية فقدت ابنها للتو؟

قبل ستة أشهر من استشهاده أصيب محمود برصاصة قناص صهيوني، وظل في المشفى الإسلامي في عمَّان يتأرجح بين الحياة والموت إلى اختار له الله هذا النوع الشريف من الموت، دب الذعر والحزن في البيت، لقد فقدنا أعز الآباء، صرخ الأب: الجثمان الذي وصل من عمَّان، وراحت إحداهن تصرخ: يا شهيد ارتاح ارتاح إحنا نواصل الكفاح، وانفجر بيت الشهيد بغناء النسوة المتحلقات حول الجثمان وأم الشهيد، بهذه الجملة، وكان غناء مبللا بالدموع، وأحيانا كانت الدموع تطغى على الصوت فيخرج إيقاع المناحة الفلسطيني المعهود، الإيقاع الذي يعرفه ويتقنه الفلسطيني الذي ما زال يعيش مع الموت في سرير واحد.

الأب صامت بلا حركة عين، يحدق في الجثمان، كأنه تمثال، وكان صوته: الله يرحمه، الحمد لله هو الرد الطبيعي على كل كلمة مواساة أو لمسة كتف من شخص ما حوله، ثم انفجر فجأة في ثرثرة مريحة: (كان متفوقا في دراسته، كان مؤدبا وخلوقا، كان ابني). يدخل أصدقاء الشهيد وهم يبكون، لحظة الوجع الفلسطينية بامتياز، هي لحظة رؤية أم الشهيد لأصحابه الذين طالما جهزت لهم الطعام، وتنصتت على أسرارهم وهم يثرثرون بها تحت الشجرة في الحديقة، تنهار الأم على أكتاف أصحاب شهيدها، وينهارون هم على أقدامها، في الزاوية يسمع صوت انتحاب أب الشهيد وهو يصافح والد أحد أصحاب ابنه، وفي غرفة مجاورة يسمع صوت بكاء أخوات الشهيد وهن يعانقن صديقاتهن الجارات، من خارج البيت في مكان ما، تصل كل نبرات وإيقاعات هذه البكاءات إلى الفضاء، لتشكل معزوفة حزن إلهي كوني، الفضاء سمع هذه الإيقاعات ونطق بجملة واحدة فقط: هذا حزن فلسطيني. في لحظات ما بعد الدفن، يهدأ حزن الفلسطيني، يتحول إلى غصة أو اختناق ساكت أو نحيب كامن، ويبدأ وقت القصص، قصص الشهيد وحكاياته في المدرسة ومع الأصحاب في المظاهرات.

«كان نفسي مرة أمسكه غلطان أو مسيء لحدا، الله يرحمه كان ملاك ملاك». قال زميل له في المدرسة في الصف الحادي عشر تحديدا.

معلم التاريخ في مدرسته قال في بيت العزاء: «ضحى بنفسه من أجل إنقاذ شخص مصاب، خاطر وتقدم لحمل المصاب، لكن رصاصة القناص قالت كلمتها الشيطانية»، هذه عادة فلسطينية معروفة، أن يموت الفلسطيني وهو مجردٌ يحاول إنقاذ شخص مصاب، أعرف كثيرًا من نماذج هذه العادة النبيلة في تاريخ كفاح شعبنا، حياة البلبيسي ابنة الشيخ جراح و المعلمة الوحيدة في مدرسة دير ياسين استشهدت عام 1948 بنفس الطريقة، هربت من القرية مسرعة حين هجم الصهاينة، لكنها تباطأت حين رأت عجوزًا فلسطينيًا جريحا فعادت أمتارا فقط لتسعفه فأصابتها رصاصة من قناص صهيوني.

صاحب بقالة في المخيم: «كان يشتري من عندي دايما بسكوت وكان يظل يطلع على العلبة عشان يتأكد أنه مش إسرائيلي،، الله يرحمه».

ينتهي العزاء بأيامه الثلاثة، يأتي وقت الحزن الحر الداخلي، الذي لم يعد يؤجله معز أو قريب أو صديق يجلس مع العائلة مواسيا، شبابيك الدموع تفتح على مصراعيها، الأب في غرفته ينتحب، والأم بلا طعام، بلا كلام، والأخوة والأخوات، يجلسون مع الصمت.

المشهد الأخير في قصتنا الحزينة: بعد أسبوع من الفقد المر، طرْقٌ مسائيٌ على باب البيت: امرأة حزينة دامعة العينين تدخل، تسأل عن أم الشهيد، تأتي أم الشهيد شبه زاحفة، تقترب المرأة الغاضة منها، تحضنها بقوة وهي تبكي، تبادلها الأم نفس قوة الدموع و الحضن، تخجل من أن تسألها: من أنت؟

لكن المرأة تجيب لوحدها: «أنا أم جمال اللي أنقذه محمود الشهيد ابنك وضحى بنفسه عشانه».

تصيح أم الشهيد: «يا حبيبتي»، تزداد قوة الحضن.

يخرج الأب والأشقاء من الغرف، يصافحون الضيفة، ينضمون مكتفين بالإصغاء إلى حوار بطيء ومتعب، بين أجمل والدتين في العالم.

لاشيء فيهم يتحرك سوى إحساس كبير بفخر وبصيص دموع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أم الشهید

إقرأ أيضاً:

محافظة ذمار تشهد 45 مسيرة حاشدة نصرة للشعب الفلسطيني

يمانيون/ ذمار

شهدت محافظة ذمار اليوم الجمعة، 45 مسيرة جماهيرية حاشدة في عموم مديريات المحافظة، تحت شعار “مع غزة .. لمواجهة الإبادة والتجويع”.
وبارك المشاركون في المسيرات، ضربات القوات المسلحة ضد كيان العدو الصهيوني في عمق الأراضي المحتلة، وآخرها استهداف مطار اللد، واستمرار فرض الحظر على الملاحة البحرية الصهيونية.
وجددّوا التأكيد على ثبات موقف الشعب اليمني الإيماني الراسخ في مساندة الشعب الفلسطيني، ونصرة غزة بكل الوسائل الممكنة، داعين الشعوب الإسلامية والحرة إلى الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه ما يتعرض له الأشقاء في غزة من حرب إبادة جماعية وحصار وتجويع، وتفعيل المقاطعة الاقتصادية للأعداء.
وأشاروا إلى مواصلة النفير والتعبئة والتحشيد لمواجهة العدو الصهيوني، مجددّين التفويض الكامل لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والجهوزية العالية لتنفيذ كل الخيارات، وخوض “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
وأكد بيان صادر عن المسيرة المليونية، الاستمرار في الخروج الأسبوعي في مسيرات مليونية بلا كلل ولا ملل، نصرة ومساندة للشعب الفلسطيني المسلم المظلوم جهاداً في سبيل الله وابتغاء لمرضاته، واستمرارا في الموقف المحق والمشرف.
وخاطب الشعب الفلسطيني عامة وأهل غزة خاصة في ذكرى النكبة الكبرى بالقول “إنكم بجهادكم في سبيل الله، وصبركم، وثباتكم الذي لا مثيل له، واستمراركم في ذلك، فإنكم بكل ذلك تمنعون تكرار النكبة، وأنتم بهذه المواقف الخالدة تقفون حجر عثرة أمام العدو الصهيوني، وتحمون الأمة العربية والإسلامية من تكرار النكبات بحق بلدان أخرى، ونحن معكم وإلى جانبكم، وبتوكلنا على الله، وجهادنا في سبيله، لن تتكرر النكبة؛ بل سيتحقق وعد الله المحتوم بزوال الكيان الظالم، وظهور دين الله على الدين كله ولو كره الكافرون”.
وأضاف “نتشرف برد التحية والسلام وعهود الوفاء للإخوة في سرايا القدس ولكل المجاهدين الأعزاء الذين أهدوا لنا ولقائدنا التحية في عمليتهم الصاروخية الأخيرة ضد الكيان، وخصوا الحشود المليونية في ميدان السبعين وبقية الساحات، ونقول لكم: إن رسالتكم هذه أغلى ما يصلنا في هذه المعركة المقدسة، ولكم منا العهد والوعد بأننا سنبقى إلى جانبكم أوفياء لخط الجهاد والاستجابة لله، مهما كانت التحديات، متوكلين على الله ومعتمدين عليه وواثقين بنصره، والعاقبة للمتقين”.
وأشار البيان إلى أنه وفي الوقت الذي كان العدو الصهيوني يصعد من جرائمه في غزة قتلاً وحصاراً وتجويعاً، كان الكافر المجرم ترمب الشريك الأول للصهيوني في الجريمة يتجول بكل عنجهية، وغطرسة، وكبر، وخيلاء، في بعض العواصم الخليجية، ويجمع الكميات الهائلة جدا وغير المسبوقة في تاريخ البشرية، من أموال الشعوب العربية والمسلمة ليقدم منها الدعم المهول لمجرمي الحرب في كيان العدو ليبيدوا الشعب الفلسطيني ويقتلوا العرب والمسلمين؛ بل وقُدم له في بعض العواصم الفتيات العربيات للرقص بين يديه والتمايل بشكل مذل برؤوسهن المكشوفة في مشهد يعبر عن الانسلاخ الرهيب عن الإسلام، وتعاليم القرآن الكريم، ويدمي القلوب الحية، ويستثير النخوة العربية.
ولفت إلى أن ما يعطي الأمل ويبعث على الاعتزاز هي تلك الصواريخ التي ذهبت أثناء خطاب الكافر المجرم ترامب، ومّرت من فوق رأسه إلى عمق كيان العدو لتقدم شاهداً بأن الإسلام عزيز بعزة الله، وبأن ما يحدث لا يمثل الإسلام، ولا يقبله أهل الإيمان والحكمة، وأن العزة ثابتة لله ولرسوله وللمؤمنين.
وذكّر البيان شعوب الأمة العربية والإسلامية بالمسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية والأخوية التي لا يمكن أن تسقط بمرور الزمن، بل تكبر وتتعاظم تجاه المآسي والفظائع التي تحدث في غزة.. داعيا إياهم إلى التحرك الحقيقي وتفعيل كل الطاقات للدفاع عن إخوانهم، وعن مقدساتهم في فلسطين.
وأكد أن من أقل المسؤوليات جهداً، وأكثرها تأثيراً، المقاطعة الاقتصادية للأعداء، والتي لا يعفى منها أي مسلم، وكذا تنظيم المظاهرات والاحتجاجات.
ودعا العلماء وقادة الفكر والرأي والنخب العلمية والفكرية والسياسية للعمل على رفع حالة الوعي داخل الأمة بضرورة العودة العملية الصادقة إلى القرآن الكريم، والاهتداء والالتزام به، وبأهمية النهوض بالمسؤولية، والجهاد في سبيل الله، ضد أعداء الله وأعداء الإنسانية، وعدم موالاتهم، باعتبار ذلك هو الطريق الصحيح والوحيد لحماية الأمة، وعزتها، وكرامتها، وصون دينها، وكرامة أبنائها، وبلادها، وأن ما دونه هو الهوان والخذلان.

مقالات مشابهة

  • محمود عباس في لبنان الأربعاء لتحديد أطر سحب السلاح الفلسطيني
  • من هو منشد حزب الله الذي تجسس لصالح إسرائيل وأطاح برؤوس حزب الله؟
  • تفقد سير الأنشطة الصيفية بمركز الشهيد الملصي الصيفي بالحالي في الحديدة
  • كان يا ما كان في القدس.. ذاكرة عائلة شاهدة على تاريخ المدينة والنكبة
  • رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق يزور المستشفى الأردني نابلس 6
  • محمود عباس في لبنان الاربعاء: هل يحمل خطة لجمع السلاح الفلسطيني؟
  • محافظة ذمار تشهد 45 مسيرة حاشدة نصرة للشعب الفلسطيني
  • مسيرتان في القبيطة تأكيدا على المضي في إسناد الشعب الفلسطيني
  • 40 مسيرة جماهيرية في تعز تأكيدا على الثبات في نصرة الشعب الفلسطيني
  • أهم حدث في الساحة حاليا هو العدوان الذي يتعرض له السودان من تحالف دولي يدمر في بنيته التحتية