تعدد المهام.. مهارة ضرورية أم مجرد خدعة ضارة؟
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
يسعى كثيرون لتنظيم يومهم وتقسيم ساعاته بين العمل، وأداء المهام المنزلية، وتربية الأبناء، وتطوير المهارات الذاتية، وربما ممارسة الهوايات والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية أيضا.
لكن على أرض الواقع، تبدو أعمارنا قصيرة وساعات أيامنا غير كافية لتحقيق كل ما سبق، إلى أن ظهر مفهوم "تعدد المهام" قبل سنوات، وبدا حلا لمشكلة تحقيق كل الأهداف التي نطمح إليها.
وأتاحت التكنولوجيا المزيد من الخيارات، فيما تعددت النصائح والتجارب في هذا الصدد. لكن يبقى السؤال: هل يمكن لعقولنا القيام بمهام متعددة في الوقت ذاته حقا، أم أننا ندفع كلفة كبيرة لهذه المحاولات؟.
ماذا يحدث في أدمغتنا؟يشير تقرير نشره موقع "ذا كونفرسيشن" إلى أن تعبير "تعدد المهام" كان في الأصل خاصا بالآلات لا البشر، ثم ظهرت دراسات تكشف عن فوائد تعدد المهام، لكنها اختصت بالأعمال البسيطة أو "الآلية"، والتي تشكل ضغطا بسيطا جدا على قشرة الفص الجبهي في الدماغ، مثل تناول الطعام أثناء المشي أو مشاهدة الأفلام، أو المشي أثناء الحديث في الهاتف. أما عند ممارسة مهام أكثر تعقيدا، فتتشابك الأمور، وتبدأ آثار ملحوظة في الظهور.
ما يحدث داخل دماغنا لدى محاولة القيام بمهام متعددة في الآن نفسه هو أن قشرة الفص الجبهي في الدماغ تعمل بدايةً على الاحتفاظ بالتركيز على تنفيذ المهمة الأولى، وفي ثوانٍ يتبدل عملها لتركيز الانتباه على المهمة الثانية.
يؤكد علماء الأعصاب أننا لا نقوم بمهمتين في الوقت ذاته، بل ما يحدث في الحقيقة هو قفز سريع للتبديل بين الأنشطة المختلفة، فيما تظل "الذاكرة العاملة" مشغولة لساعات طويلة، بحيث تعيق الأداء الذهني الطبيعي، ويقوم دماغنا في عمليات التبديل تلك بسلسلة من التحولات المعرفية المتتابعة ليمكننا أداء المهمتين معا.
مع تنامي الحاجة للقيام بمهام متعددة، أصبحت هذه طريقتنا لإنجاز أعمالنا في وقت قياسي، ومهارة يفضلها أصحاب الأعمال، فنخوض تلك المحاولات بالفعل، لكن حصادها -كما تشير الدراسات- يكون مكلفا، إذ لا يملك دماغنا تلك القدرة.
وحين تكون المهام أكثر تعقيدا، يزداد الحمل على أدمغتنا، فيكلفنا هذا التتابع في التبديل بين المهام، زمنا أكبر للإنجاز، يستغرقه الدماغ في الانتباه إلى طبيعة المهمة الأخرى، ثم ضبط إعدادات العقل ليناسب إنجازها، وإزاحة الإعداد الخاص بالمهمة الأولى.
تراجع الإنتاجية والإبداعبينما يبدو أن ما يضيع من الوقت هو ثوانٍ قد تكون معدودة في كل مرة نقوم فيها بالتبديل بين المهام، فإن هذه العملية تترك أثرا ملحوظا على قدرتنا على الانتباه والتركيز. وهكذا بخلاف الاعتقاد السائد بأن "تعدد المهام" يعني زيادة الكفاءة والإنتاجية، فإنه يتسبب في ارتكاب مزيد من الأخطاء، مما يؤدي إلى تقليل إنتاجية الفرد بنسبة 40%.
على سبيل المثال، في حال الحديث عبر الهاتف أثناء قيامنا بالكتابة، فإن الدماغ يوقف تدفق الأفكار، ويخرج العملية الإبداعية عن مسارها. وخلال الدقائق التي يتوقف فيها الدماغ عن الكتابة يتأهب للاستماع، ثم يعود للكتابة مرة أخرى. هذا الانقطاع البسيط قد يؤدي لارتكاب الأخطاء، كما تقل قدراتنا الإبداعية إزاء حرماننا من التركيز المستمر في المهمة الواحدة، والذي يثمر تدفقا للأفكار وقدرة على الربط بينها، فنصبح بالتالي أقل إبداعا وأكثر سطحية، فضلا عما يتسبب فيه من مشكلات في الذاكرة وتقليل الكفاءة والقلق والإجهاد المزمن.
دراسة نشرتها مجلة "هيلث سايكولوجي ريفيو" في العام 2023، أشارت إلى أن القيام بمهام متعددة يشكل ضغطا عضويا يمكن قياسه على عمل الجهاز العصبي الودي، حيث لاحظ العلماء معدلات أعلى مقارنة بنشاطه عند القيام بمهمة واحدة. كما كشفت الدراسة عن عمل أقل للجهاز العصبي اللاودي، فضلا عن تأثيره في مستويات التوتر والضغط النفسي. وأشار الباحثون إلى تأثير محتمل على الجهاز المناعي أيضا.
قد يبدو لنا أننا أكثر إنتاجية في العصر الحالي، بفضل تعدد المهام، لكنه ليس السبب الحقيقي لهذا الشعور، نحن أكثر إنتاجية بالفعل بفضل الأدوات التكنولوجية المتاحة التي تيسر أعمالنا. أما العقل، فخصائصه لم تتغير، ولا يزال تعدد المهام يكلفنا مزيدا من القلق والتوتر والأرق، وينتهي بعدم القدرة على العمل والتركيز.
القدرات التي نحتاجهافي المقابل، إذا كنت حريصا على إنتاجية أكبر، فإن ما ينصح به الخبراء هو التركيز على الانتباه، وهو -في الواقع- المهارة التي يمكننا تطويرها، وإحداث فارق في قدرتنا على الإنجاز من خلالها:
خصص فترات للتركيز: ينصح الخبراء بتخصيص فترات للتركيز على القيام بمهمة محددة، وإيقاف كل المشتتات كإشعارات الهاتف أو مقاطعات الزملاء. مقاومة إدمان الدوبامين: هناك سر آخر يدفع عقولنا للقيام بمهام متعددة، وهو إدمان الدوبامين المرتبط بالمعلومات الجديدة، والذي يجعلنا نستجيب لمقاطعات مثل الرد على الهاتف بينما نقوم بكتابة رسالة إلكترونية. ما يحدث في الحقيقة هو أن إدمان الدوبامين يحفز الدماغ على فقدان التركيز والبحث عن تحفيز خارجي. الاختيار بين المهام: ينصح علماء الأعصاب بالاختيار بين المهام التي يمكن إنجازها بشكل متواز دون أثر سلبي يذكر، والمهام الأخرى التي تتسبب محاولة إنجازها معا في خسارة الوقت أو هدر الجهد. الراحة: يحتاج الدماغ إلى التوقف بين الحين والحين، سيكون مفيدا الاهتمام بالنشاط البدني والنظام الغذائي الجيد اللذين يزيدان من القدرة على التركيز.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات تعدد المهام بین المهام
إقرأ أيضاً:
مؤتمر الذكاء الاصطناعي.. روبوتات شبيهة بالبشر تلعب وترسم وتنجز المهام
أبوظبي (وكالات) تُجسّد روبوتات شبيهة بالبشر عُرضت العشرات منها في نهاية الأسبوع خلال مؤتمر عالمي بشأن الذكاء الاصطناعي في شنغهاي، طموحات الصين في هذا مجال وأذهلت الكثيرين بقدراتها على أداء مهام متنوعة يؤديها البشر في يومياتهم.
الحدث السنوي الذي يقام بعنوان "المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي" (WAIC)، يهدف إلى إبراز تقدم الصين في هذا القطاع المتطور باستمرار، إذ تسعى الحكومة الصينية إلى ترسيخ مكانة البلاد كقوة رائدة عالميا في كل من التكنولوجيا والتنظيم.
دعا رئيس الوزراء لي تشيانغ إلى الحوكمة الرشيدة وتقاسم الموارد، وأعلن خصوصا عن إنشاء هيئة، كانت بادرت بكين إلى إطلاقها، تهدف إلى تحفيز التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي.
وأكد أن "إيجاد توازن بين التنمية والأمن يتطلب توافقا عاجلا وأوسع نطاقا من جميع أفراد المجتمع".
في أروقة المؤتمر الذي عُقد نهاية الأسبوع، كان الحماس السمة الغالبة.. يرى يانغ ييفان، مدير البحث والتطوير في شركة "ترانسورب" المتخصصة في الذكاء الاصطناعي ومقرها شنغهاي، أن "الطلب مرتفع للغاية حاليا، سواءً من حيث البيانات أو السيناريوهات أو تدريب النماذج، الجو العام في هذه المجالات حيوي جدا".
هذا العام، يُمثل مؤتمر WAIC لحظة فارقة للصين بعد إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي محلي من شركة "ديب سيك" DeepSeek الناشئة، والذي يضاهي بأدائه منافسيه الأميركيين بتكلفة أقل.
يقول المنظمون إن أكثر من 800 شركة شاركت في الحدث، مع عرض أكثر من 3000 منتج، بما يشمل روبوتات شبيهة بالبشر استحوذت على الاهتمام الأكبر من الزوار.
في أحد الأكشاك، يعزف روبوت على الدرامز على أنغام أغنية "وي ويل روك يو" الشهيرة لفرقة "كوين" البريطانية، بينما تقوم روبوتات أخرى بتحركات تشبه ما يفعله عمال خطوط التجميع، أو تلعب الكيرلنغ ضد خصوم من لحم ودم، أو تقدم المشروبات من آلة بيع.
وتوقف الحاضرون عند مدى تطور هذه الآلات اللافت مقارنةً بما قدّمه معرض العام الماضي.
تدعم الحكومة الصينية الروبوتات، وهو مجال يعتقد بعض الخبراء أن الصين قد تفوقت فيه بالفعل.
في جناح "يونيتري"، يسدد الروبوت G1 الذي يناهز طوله 1.30 متر، الركلات ويدور ويتأرجح مع الحفاظ على توازنه بانسيابية، مُحاكياً مباراة ملاكمة.
قبل افتتاح المؤتمر، أعلنت الشركة، ومقرها هانغتشو (شرق) عن إطلاق روبوت بشري جديد يحمل اسم "R1" بسعر يقل عن ستة آلاف دولار.
من جانب آخر أعلنت شركات صينية عاملة في قطاع الذكاء الاصطناعي عن تحالفين جديدين بهدف تطوير منظومة محلية لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية في ظل مساعي هذه الشركات للتأقلم مع قيود التصدير الأميركية على شرائح إنفيديا المتقدمة.
ويأتي الإعلان عن تشكيل التحالفين بالتزامن مع المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي المنعقد في شنغهاي ويُختتم اليوم الاثنين.
وشهد المؤتمر عرض عدد كبير من المنتجات الجديدة، مثل نظام حوسبة الذكاء الاصطناعي من هواوي الذي يعتقد الخبراء أنه ينافس أكثر منتجات إنفيديا تقدما، بالإضافة إلى منتجات صديقة للمستهلكين مثل عدة أنواع من نظارات الذكاء الاصطناعي الرقمية.
ويجمع (تحالف ابتكار منظومة النماذج والرقاقات) عددا من مطوري النماذج اللغوية الكبيرة الصينيين ومصنعي رقائق الذكاء الاصطناعي.
ويهدف التحالف الثاني، وهو (لجنة غرفة التجارة العامة في شنغهاي للذكاء الاصطناعي)، إلى "تعزيز التكامل العميق لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتحول الصناعي".