عجيب أمر تلك البقعة الغالية، فهى قطعة من أرض مصر، مثلها مثل سائر بقاعها، إلا أنها لها خصوصية عجيبة ومحبة خاصة بين المصريين جميعهم، وكأنك أمام ابن يستحوذ على كل عواطف الأم. ربما لأن المعزة والمحبة تولد من رحم الألم والمعاناة، والتكاليف الباهظة المدفوعة، والأثمان الغالية المسددة، من هنا يتولد الحب، ويزيد الاهتمام، وتنمو المشاعر، ثم تترجم إلى عمل جاد، هذه كانت كلمات العميد محمد عبدالقادر ابن سلاح المدفعية واحد ابطال حرب أكتوبر المجيدة، فى حديثه عن سيناء الحبيببة فى ذكرى عيد تحرير سيناء، ويقول:

إنها سيناء، بوابة مصر الشرقية، والتى دائما ما كانت معبر الغزاة لمصر، والتى على أبوابها تتحطم آمالهم وأحلامهم.

إنها سيناء، التى طمع فيها الكثيرون، ورغب فى الاستيلاء عليها اللصوص، تارة بأفعالهم وتارة أخرى بتصريحاتهم، فتاريخها مع الغزاة يرجع إلى آلاف السنين منذ عصر الهكسوس، واقتطاعها من أمها مصر هدف أكيد لأعدائها، وليست نكسة يونيو 1967 ببعيدة. إلا أن رب العالمين دائما ما يقيض لها من أبنائها من يحميها إذا ما هددت أو يستعيدها إذا ما احتلت. وليس العاشر من رمضان / السادس من أكتوبر 1973 ببعيد. يوم هب جيش مصر العظيم، عابرا قناة السويس وخط بارليف الذى صنف كثانى خط دفاعى حصين عبر العصورـ بعد خط ماجينو فى الحرب العالمية الثانية- فاكتسحه اكتساحا، وقطع اليد الطولى لجيش الدفاع الإسرائيلى، واستعاد سيناء وأعاد بسط سيطرته على كامل التراب الوطنى. ودفع بها إلى أحضان أمها الكبرى مصر.

ولأسباب كثيرة، وخلال حقبة من الزمن ضعفت فيها الدولة سادت شعارات تعمير سيناء، وخصصت ميزانيات التعمير، بينما لم يواكب تلك الشعارات عمل على الأرض يوحى بمصداقيتها. ثم كان أن تخاذلت يد الدولة - فى فترة معينة- عن مراقبة تلك البقعة الغالية، فوجدها الأشرار فرصة سانحة للتسلل التدريجى اليها، آملين فى اقتطاعها وإنشاء كيان إرهابى وجد تشجيعا معنويا يسبقه التشجيع المادى والاستخباراتى من دول بعينها راعية للإرهاب. وفى عام أسود حكم البلاد فيها جاسوس خائن وجدت فيه قوى الشر خير معين لاقتطاع سيناء من أمها مصر وعرضوا عليه الأمر فوافق، تم تسكين المئات من عتاة الإرهاب فى العالم داخل سيناء، وتم تهريب آلاف المساجين من القتلة والمجرمين وتسكينهم فى سيناء، وتسابقت المنظمات الإرهابية العالمية لإيجاد موضع قدم لها، تمهيدا لإقامة ذلك الكيان المزعوم.

التحدى والصمود

ويضيف العميد محمد عبدالقادر فى حديثه لـ«الوفد» عن مخططات إسقاط الدولة بزرع كيان للإرهاب فى سيناء، وكيف واجهته الدولة المصرية:

هنا كان على النظام الوطنى الحاكم وعلى رأسه الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يقوم بواجبه فى احباط ذلك المخطط والذى يعود بالبلاد سنوات للخلف- وكأن ما كان من دماء سالت لتحرير تلك الأرض شىء هين- فكانت ملحمة مقاومة الإرهاب فى سيناء على مدى ثمانى سنوات والتى تضافرت فيها قوات الجيش مع قوات الشرطة لكل منهما أهدافه طبقا لوظيفته، ملحمة سقط فيها الكثير من الشهداء وأصيب فيها الكثير والكثير من خيرة شباب هذا الوطن، ملحمة كانت مصر أحد طرفيها بينما اشتمل الطرف الآخر على أفراد واستخبارات وأسلحة وذخيرة من دول كثيرة مصنفة كدول متقدمة ترعى الحرية والعدل بينما الإرهاب دينها ومعتقدها. هى معركة بالقياس العلمى ليست متكافئة، إلا أن من خاضها هو نفس الجندى المصرى الذى حارب نفس تلك الدول فى العاشر من رمضان بنفس الإيمان بالله وبالقضية، وبنفس معتقداته التى لا يحيد عنها وبنفس العقيدة القتالية التى تشربها فسرت فى دمه وكيانه، لذا كان النصر حليفهم وإن طالت المدة نظرا لطبيعة العدو المختلفة.

تحرير سيناء والحرب ضد الإرهاب 

ويؤكد العميد محمد عبدالقادر من أوائل العابرين إلى سيناء فى العبور العظيم، أن ملحمة تحرير سيناء فى ٧٣ هى مرحلة إعادة الكرامة، وملحمة تحرير سيناء من الإرهاب هى مرحلة استعادة استقرار واستقلال مصر، ويقول للشباب: إلى أبنائى من شباب هذا الوطن أقول: إن ملحمة تحرير سيناء سواء فى عهدها القديم فى السادس من أكتوبر 1973، بواسطة أبنائها من رجال القوات المسلحة، ضد عدو غاشم طامع فى أرضها تعتمد سياساته المعلنة التوسع مبدأ وعقيدة، فاحتل سيناء فى غفلة من الزمن وبسط عليها يده وظن أنه باق بها إلى ما لا نهاية، بينما كل يوم يمر يشعل فى صدور أبناء القوات المسلحة المصرية ألف جمرة، ويزيد شباب الأمة وشيوخها إصرارا على طرده وتحرير ترابها من ذلك النجس وتحرير نفوسهم من ذلك الإحباط، فالمصرى بطبعه وطبقا لتكوينه رافض لاستلاب حقه، هكذا خلقنا الله، لذا لم يكن غريبا أن تظل القوات المسلحة المصرية رافعة لدرجات استعدادها لمدة ست سنوات كاملة هى مدة احتلال ذلك العدو لسيناء الحبيبة، فيما عرف بحرب الاستنزاف، وهى فترة إعداد كان لا بد منها للتهيؤ لاسترداد الأرض، كانت ساعات التدريب اليومى تتعدى الست عشرة ساعة، تحملها شباب مجند وشباب متطوع وضباط فى مقتبل العمر برضا كامل، فاستعادة وجه مصر المشرق واسترداد أرض مغتصبة كانت تستحق ذلك الثمن، ويا له من ثمن. إنها غيرة المصرى على أرضه أن مسها غريب والتى لا تقل عن غيرته على عرضه. لقد دفع آباؤكم أثماناً فادحة لاستعادة سيناء وضمها إلى حضن الوطن. فافخروا بهم، واعلموا انها جينات كل مصرى التى تدفعه إذا جاء دوره ليُرى بلده منه خيرا أن يفعل بلا تردد. فالأوطان باقية والأشخاص إلى زوال.

ومرت الأيام، وتغيرت الظروف، ولم يتخل أعداء مصر عن أملهم فى انتزاع سيناء منها، وتحويلها إلى شوكة فى جانبها، فأتوها فى رداء مختلف، متسترين بعباءة الدين، علهم يتسللون إلى نفوس شباب مؤمن بطبعه، تؤثر فيه عبارات ظاهرها التقوى وباطنها العذاب. بينما هم بكل مقدس كافرون، وبالله لا يؤمنون، وكل مبتغاهم الاستيلاء على سيناء، إلا أن مسلكهم هذا لم ينطل على رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فكانت ملحمة تحرير سيناء مرة أخرى من أولئك التكفيريين، أشد ضراوة وقسوة فقد كان سلاحهم فيها الخسة والنذالة، فهم عدو لا يميزهم زى ولا لون ولا لغة، فكلهم يرتدى ويتحدث نفس اللغة، وذلك أخطر أنواع العدو. معركة استشهد فيها الكثير وأصيب الكثير وبقيت سيناء حرة شامخة مرة أخرة كعهدنا بها.

فيا شباب مصر كونوا لوطنكم عونا على البقاء، انبذوا الخلافات، تجنبوا الشائعات، مصر وإن كانت بفضل الله محروسة، فأنتم أداة حراستها، فلا تكونوا معاول هدم لها، فأنتم وإن كنتم اليوم شبابا، فأنتم غداً آباء وأجداداً، وسيكون لكم أبناء وأحفاد تريدون لهم العيش فى سلام وأمان، انظروا من منظور متجرد لما يقوم به قادة هذا الوطن لصالح أجياله القادمة، بأياديكم يمكن المحافظة على منجزات ذلك الوطن، وبأياديكم يمكن - لا سمح الله - إسقاطه فأيهما تبغون؟ لا تخذلوا أبدا وطنكم، فليس أصعب على وطن من أن يخذله أبناؤه، ابتعدوا عن الشعارات الجوفاء، والجأوا إلى العمل، وبذل الجهد والعرق، وثقوا فى أن يد الله مع الجماعة، وأن الله يبارك لمن يعمل بيده. راجعوا سلوككم وتصرفاتكم واعرضوها على مقاييس الفضيلة والأخلاق، ثم اتخذوا قراركم، فإن كنتم على صواب فمرحباً، وإن كنتم غير ذلك وجب عليكم الرجوع إلى ضمائركم فصححتم أخطاءكم، وضعوا دائما أمامكم (مصر هى الباقية والجميع زائلون).

التنمية وحلم الرئيس 

وعن التنمية فى سيناء وحلم الرئيس بإعادتها للحياة مرة أخرى وفى العيد الـ٤٢ لتحرير سيناء يقول العميد عبدالقادر:

والآن والآن فقط، ها هى سيناء كما حلم بها رئيسنا، وكما شاركناه حلمه، وبعد أن تم ربطها بالوادى بشرايين غير قابلة للقطع وأعنى بها تلك الأنفاق التى جعلت من العبور إلى سيناء متعة بعد أن كانت رحلة عذاب، تنتشر على ربوعها كتائب التعمير، وها هى سيناء ترى للمرة الأولى مجتمعات عمرانية تبنى، وأراض تستصلح، وميناء دولى يجرى بناؤه، وتنتشر على أراضيها المصانع والمزارع السمكية، وتتسع فيها المساحات المنزرعة بعد أن عبرت إليها مياه النيل والمياه المعالجة الصالحة للزراعة. ولأول مرة تنشأ جامعات دولية على أرض سيناء.

لقد دبت الحياة فى سيناء، ولن تتوقف عجلة التنمية التى عرفت طريقها من خلال خطة قومية وضعت لتنفذ، وها نحن نرى كل يوم مظاهر التنفيذ. لم تعد خطط تنمية سيناء مجرد عبارات جوفاء على أوراق تنشر على الملأ فتخدرهم وتطمئنهم بينما لا تغيير يحدث. الآن يجرى تنفيذ خطط تنمية وتطوير سيناء على قدم وساق بمتابعة حثيثة شبه يومية من رئيس الجمهورية.

فلتسترح وتهدأ أرواح شهداء أكتوبر الذين أعادوا سيناء إلى حضن أمها مصر وبذلوا فى سبيل ذلك الغالى والنفيس وأبنائهم من شهداء عمليات مقاومة الإرهاب الذين ساروا على نهجهم فى حماية سيناء من الإرهاب. وكأننى أراهم فى جنات النعيم راضين مطمئنين ضاحكين مستبشرين شاعرين بأن دماءهم لم تذهب سدى.

تلك هى سيناء الحلم... وقد تحقق.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: سيناء بوابة مصر الشرقية جيش مصر تحرير سيناء ملحمة تحریر سیناء فیها الکثیر سیناء من فى سیناء إلا أن

إقرأ أيضاً:

في رسالة مؤثرة.. هذا آخر ماقالته التلميذة “صفاء” قبيل الارتماء من أعلى كورنيش آسفي

إيمان تيسي ـ مراكش الآن

تركت التلميذة “صفاء” رسالة صوتية مؤثرة ممزوجة بدموعها على الهاتف النقال، الذي كان بحوزتها، قبيل أن تقرر وضع حد لحياتها رميا من أعلى جرف أموني بمدينة آسفي.

“صفاء” أوضحت من خلال رسالتها الصوتية الدوافع التي معها قررت إنهاء حياتها، كما طلبت من كل من تعرفهم الدعاء لها بالرحمة والمغفرة وأن يسامحوها عن فعلتها، والتي لم تكن لتقدم عليها لولا خوفها من تبعات ضبطها في حالة غش خلال اجتياز المادة الاولى من امتحانات الباكالوريا، وهو ما عبرت عنه بقولها: “جراو عليا من الامتحان وقالوا لي حالة غش..”

وتابعت “صفاء” وهي تذرف الدموع وتتحسر على ضياع فرصة اجتياز الامتحانات قائلة: “قالو لي عمرك باقي دوزي شي امتحان آخر..” وهو ما أشعرها بالرعب ربما لكونها رسمت طريقا آخر مخالفا لما كانت تعيشه من ذي قبل بعد حصولها على شهادة الباكالوريا، لا أحد يعلم ما كانت ترسمه في مخيلتها قيد حياتها وما أحلامها، لكن الطريقة التي اختارتها لترجمة كل ذلك الى واقع لم تكن صائبة وجرت عليها نهاية مأساوية.

وختمت التلميذة رسالتها الصوتية وهي في قمة اليأس بعبارة “والله ما نبقى عايشة..” والدموع تخنقها وقلبها يحترق حزنا على ضياع السنة الدراسية وباقي السنوات القادمة وهو ما فهمته من المتابعة بسبب الغش في الامتحان الاشهادي الوطني في دورته العادية يونيو، لتسود الدنيا في عينيها وتقرر وضع هاتفها النقال الى جانب حقيبتها والنزول بضع خطوات من أعلى الجرف ثم الاستسلام  الى قرار القفز لتسقط فوق الصخور  وهو ما أدى الى اصابتها برضوض وجروح متفرقة وكسور خصوصا على مستوى الرأس والحوض الرجلين.

يذكر ان التلميذة “صفاء” كانت قد وضعت حدا لحياتها، صباح اليوم الاثنين، رميا من أعلى جرف أموني بكورنيش آسفي كرد فعل منها على منعها من إكمال الامتحان بعد ضبطها في حالة غش واتخاذ قرار المتابعة في حقها، لتفارق الحياة مباشرة عقب نقلها بواسطة سيارة الاسعاف الى مستشفى محمد الخامس بالمدينة، حيث تم وضع جثتها في مستودع حفظ الجثث.

مقالات مشابهة

  • رمضان السيد: ناصر ماهر موهبة كان يستحق البقاء في الأهلي.. وتصريحات حسام حسن غير مناسبة
  • في رسالة مؤثرة.. هذا آخر ماقالته التلميذة “صفاء” قبيل الارتماء من أعلى كورنيش آسفي
  • محافظ شمال سيناء: يفتتح موسم الصيف والشواطئ
  • افتتاح موسم الصيف بشمال سيناء بحضور المحافظ
  • المشدد 15 سنة لـ4 متهمين كونوا تشكيلا عصابيا للاتجار بالمخدرات ببنها
  • بهذه الطريقة.. كيت ميدلتون تعوّض غيابها عن عرض عسكري
  • نائب قائد عام شرطة عجمان يكرم عدداً من الموظفين المتميزين والمتعاونين
  • البابا تواضروس يزور الفيوم للمرة الثانية
  • شبانة: عواد يماطل في التجديد للزمالك.. ومحمد صبحي يرغب في البقاء
  • الشباب والرياضة تستعد لانطلاق مبادرة «صيف شبـابنا» في شمال سيناء