أثار إعلان الزعيم القبلي ورئيس "مجلس الصحوة الثوري" موسى هلال انضمامه إلى الجيش السوداني في الحرب الحالية المندلعة مع الدعم السريع، مخاوف من التبعات القانونية التي يمكن أن تترتب على الجيش بسبب إدراج هلال في قائمة العقوبات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي في العام 2006 على خلفية اتهامات بارتكاب مجموعات كان يقودها انتهاكات كبيرة خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في دارفور في 2003.

كما أثارت الخطوة مخاوف كبيرة حول التعقيدات التي يمكن أن تضيفها للوضع المتأزم في إقليم دارفور الذي يشهد اضطرابات متزايدة تفاقمت أكثر بعد اندلاع الحرب الحالية، وسط قلق شديد من خطورة الاصطفافات القبلية في إقليم كان البعد الإثني سببًا رئيسيًا في إشعال الصراع الذي أدى إلى انقسامات حادة نجم عنها بروز أكثر من 87 حركة مسلحة، وسط تقارير تشير إلى انتشار أكثر من مليوني قطعة سلاح بين السكان الذين ينتمون لأكثر من 30 مجموعة قبلية.

ويتزعم هلال قبيلة المحاميد التي تعتبر أحد ثلاثة فروع تتكون منها قبيلة الرزيقات التي ينتمي لها محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع لفرعها الثالث وهو الماهرية.

اتفاق وتنافس

وزعمت وسائل إعلام محلية أن اتفاقًا تم بين قيادات الجيش وموسى هلال ينص على ضم قواته للقتال إلى جانب الجيش في الحرب الحالية مقابل امتيازات مالية ومناصب في الحكومة المخطط تشكيلها. لكن عددًا من زعماء الإدارات الأهلية وأمراء قبيلة المحاميد رفضوا قرار موسى هلال وقالوا إنه لا يمثل إلا نفسه.

وعقد أمراء قبيلة المحاميد مؤتمرًا صحفيًا بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور الثلاثاء تبرؤوا فيه من تصريحات موسى هلال.

وقال الأمير سنوسي الطاهر كرشوم إن المحاميد تضرروا كثيرًا من حرب الجيش. ومن جانبه قال الأمير عبد الرحمن كبرو إننا كمحاميد لم نفوض موسى هلال للحديث إنابة عننا، وأضاف "نحن نمثل أكثر من 75% من قوات الدعم السريع كيف ننضم إلى الجيش الذي سيطرت عليه جماعات إسلامية متشددة تقتل أبناءنا وتمثل بهم".

وفي العام 2003 وقف هلال إلى جانب الحكومة المركزية في الخرطوم ضد حركات التمرد في دارفور. لكن منذ العام 2006 وضع هلال في قائمة الحظر والعقوبات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي على خلفية تشكيل وتنسيق مليشيات الجنجويد التي يتهمها الغرب بارتكاب جرائم حرب في دارفور ومهاجمة السكان من ذوي الأصول الأفريقية.

وفي يناير 2008، عينه البشير مستشارًا لوزير الحكم الاتحادي، واصفًا إياه بأنه مواطن سوداني وشخصية شديدة التأثير في دارفور.

ومع حلول العام 2015 بدأت الخلافات تدب بينه وبين الحكومة بسبب الصعود السريع لحميدتي. وفي منتصف 2017 تصاعدت حدة الخلاف بين هلال وحميدتي بصورة غير مسبوقة، إلى أن اعتقلته الحكومة في نهاية ذلك العام بعد رفضه قرارًا حكوميًا قضى بدمج قوات حرس الحدود -التي يقود غالبها- في قوات الدعم السريع، التي يقودها حميدتي.

وخلال العامين الأخيرين، تحسنت العلاقات بشكل نسبي بين حميدتي وهلال، مما دفعه لاتخاذ موقفًا محايدًا منذ بداية الحرب، لكن التغيير الأخير كان مفاجئًا بالنسبة للكثير من المراقبين.


مخاوف وتعقيدات

مع اتساع رقعة الحرب في إقليم دارفور ومناطق أخرى من البلاد، تتزايد المخاوف من أن يؤدي الاصطفاف القبلي المتنامي إلى المزيد من التعقيدات في دارفور وتحويل الحرب إلى حرب أهلية تصعب السيطرة عليها.

وعند اندلاع الحرب في دارفور في العام 2003، والتي أدت إلى قتل وتشريد نحو 3 ملايين وتعرض العديدين للتعذيب والقتل والاغتصاب، لجأ نظام المخلوع عمر البشير إلى الاستعانة بقيادات قبلية محلية كانت تضم مجموعات متخصصة في النهب المسلح والترويع وهي المجموعات التي شكلت قوام المليشيا التي كونها موسى هلال.

وبفعل التمويل الضخم الذي كان يحصل عليه من حكومة البشير والذي قُدر بمليارات الدولارات وهيمنته على الآلاف من أفراد المليشيا القبلية التابعة له، اكتسب هلال نفوذًا قويًا في الإقليم، ويُعتقد أنه قاد بنفسه في مراحل مختلفة هجمات منظمة ضد المدنيين في عدد من مناطق الإقليم التي ارتكبت فيها أعمال قتل واغتصاب ونهب راح ضحيتها الآلاف من المدنيين العزل معظمهم من النساء والأطفال.

ويُعتقد على نطاق واسع وجود تعاون وثيق بين موسى هلال وعلي محمد علي عبد الرحمن المعروف بـ "كوشيب" الذي تجري محاكمته حاليًا في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تحت طائلة الاتهام بالمشاركة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، ضمن قائمة تضم البشير الذي تولى رئاسة السودان خلال الفترة من 1989 وحتى أبريل 2019 عندما أطاحت به ثورة شعبية اندلعت في ديسمبر 2018.

ويشير الناشط الدارفوري أدم محمد إلى "ارتباط قوات موسى هلال بالعديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية"، مما يضعه تحت طائلة القانون باعتباره زعيمًا لتلك المجموعة التي صنعها نظام البشير لتنفيذ أجندة تطهيرية في المنطقة.

ويقول محمد لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الجرائم التي ارتكبتها مجموعة هلال لا تنفصل عن طبيعة تركيبة المليشيات القبلية الأخرى التي تكونت في الأساس من قطاع طرق ومجموعات متخصصة في النهب المسلح. لكن هلال نفى في عدد من المناسبات مسؤوليته عن ارتكاب فظائع مشيرًا إلى أنه كان يسهل لرجال القبائل التابعين له مهمة الدفاع عن أراضيهم بعد دعوة حكومية للدفاع الشعبي ضد "المتمردين".

الإضرار بالجيش

أكدت مصادر رفض عدد من قيادات الجيش إعطاء مجموعة هلال وضعية مستقلة ضمن متحركات الجيش، مبدية مخاوفها من حدوث اختراقات بسبب الانتماءات القبلية المشتركة والتعقيدات المحيطة بذلك. كما عبر البعض عن مخاوفهم من أن يؤدي وجود قوات هلال إلى إضعاف موقف الجيش بشكل أكبر أمام المجتمع الدولي باعتبار أنه مدرج في قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي.

وفقًا للخبير القانوني كمال محمد الأمين عبد السلام، فإنه وفي حال ثبوت استئناف الجيش التعامل مع موسى هلال فإن ذلك يعني مخالفة قرارات مجلس الأمن الدولي مما يلقي بتبعات قانونية متعددة على الجيش السوداني.

ويوضح عبد السلام لموقع "سكاي نيوز عربية" أن مجلس الأمن أصدر عقوبات على هلال بموجب الفقرة 3 من قانون المجلس وهذا يعني أنه تمت إدانته بالاشتراك في ارتكاب جرائم خطيرة في دارفور".

ويضيف "لا يجوز قانونًا التعامل مع هلال لأن ذلك سينعكس سلبًا على علاقة السودان الخارجية".

ويبدي المحامي المعز حضرة استغرابه من قبول الجيش التعاون مع مجموعة موسى هلال، معتبرًا أن ذلك يشكل استمرارًا لعقلية استنساخ المليشيات التي يرى أنها أحدثت أضرارًا بالغة بالبلاد ونسيجها الاجتماعي.

ويقول حضرة لموقع "سكاي نيوز عربية" "انضمام هلال للجيش رغم إدانته من مجلس الأمن الدولي سيحدث ضررًا قانونيًا كبيرًا بالجيش وسيجعله أمام عزلة جديدة ربما تمنع التعاون الدولي معه وتغلق عليه منافذ التسليح القانونية وهذا أمر خطير للغاية".

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات دارفور المحاميد حميدتي موسى هلال موسى هلال الجنجويد الدعم السريع قوات الدعم السريع الجيش والدعم السريع مجلس الصحوة دارفور المحاميد حميدتي موسى هلال الملف السوداني مجلس الأمن الدولی الدعم السریع فی دارفور موسى هلال فی إقلیم أکثر من

إقرأ أيضاً:

وزير المالية السوداني: وقف الحرب أولا وشعبنا سيحكم نفسه بنفسه

وفي حلقة جديدة من بودكاست "ذوو الشأن"، سلط الدكتور جبريل إبراهيم، الذي يترأس حركة العدل والمساواة، الضوء على مسيرته الحافلة بالتحولات، من قرية طينية نائية على الحدود التشادية إلى أروقة السياسة والاقتصاد في السودان، مرورا بتجربة دراسية وعملية غنية في اليابان والسعودية ولندن.

وتناول الوزير السوداني الأوضاع الاقتصادية الراهنة، معترفا بصعوبتها جراء الحرب، لكنه نفى وجود مجاعة شاملة، مشيرا إلى وفرة الإنتاج الزراعي ومشكلة رئيسية في إيصال الغذاء للمتضررين، كما تطرق إلى جذور الصراع في دارفور، وخلفيات تأسيس حركة العدل والمساواة، وموقفه من حمل السلاح.

بدأ الدكتور جبريل إبراهيم حديثه مستذكرا طفولته في قرية صغيرة قرب الطينة، المحاذية لتشاد، حيث الحياة القاسية وشظف العيش. وقال "الناس تتنقل نصف اليوم للوصول إلى مصادر المياه، وتعُود نصف اليوم الآخر"، واصفا كيف قاده إعجابه بمظهر أخيه الأكبر الأنيق إلى الالتحاق بالمدرسة.

وروى كيف تنقل بين المدارس الداخلية من الطينة إلى الفاشر، ثم إلى جامعة الخرطوم، مواصلا "انزياحا شرقا" أوصله إلى اليابان، التي يسميها البعض "بلاد الوقواق"، موضحا أن اسمها الحقيقي "واكوكو" يعني "بلاد السلام".

إعلان

وأمضى إبراهيم 7 سنوات في اليابان، حيث درس الاقتصاد وأتقن اللغة اليابانية، التي بدأت تتآكل بمرور الزمن، على حد قوله. وعن تجربته هناك، ذكر كيف كان الأفارقة منظرا غريبا لليابانيين، خاصة في القرى، حيث كان الأطفال يتجمعون حولهم.

تكوين ورؤى اقتصادية

وبعد اليابان، انتقل وزير المالية للعمل في السعودية لمدة 4 سنوات، مدرسا للاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قبل أن يعود إلى السودان حيث كُلف بتأسيس شركة "عزة" للنقل الجوي، وهو الاسم المستعار الذي كان يُطلق على السودان إبان الاستعمار.

ثم غادر إلى تشاد ومنها إلى الإمارات، قبل أن يستقر في لندن لاجئا بعد أن طلبت الحكومة السودانية آنذاك تسليمه، وأوضح أن اتهامه بدعم الثورة في دارفور كان السبب وراء طلب تسليمه.

وعن الأوضاع الاقتصادية الحالية، أقر إبراهيم بصعوبتها، مشيرا إلى أن معظم النشاط الاقتصادي ومصادر إيرادات الدولة كانت متمركزة في العاصمة الخرطوم التي تضررت بشدة، وأكد أن الدولة لم تصل إلى الصفر في إيراداتها، وتعتمد حاليا على مواردها الذاتية من ضرائب وجمارك وعوائد الذهب.

ونفى الوزير وجود مجاعة شاملة، مؤكدا أن إنتاج السودان من الغلال يفوق الحاجة، وأن برنامج الغذاء العالمي يشتري الذرة من السودان لتصديرها، وأرجع شح الغذاء في بعض المناطق إلى ممارسات "المليشيا المتمردة" التي تمنع وصوله، فضلا عن فقدان القدرة الشرائية للمواطنين النازحين.

رؤية لإعادة البناء

وطرح الدكتور جبريل إبراهيم رؤيته لإعادة بناء الاقتصاد السوداني، مرتكزة على محورين: الأول هو الاستثمار في "رأس المال البشري" عبر التعليم النوعي والخدمات الصحية، والثاني هو تطوير البنية التحتية المادية من طرق وجسور والسكك الحديدية وموانئ وشبكات خدمات.

وأشار إلى سعي وزارته قبل الحرب لرفع نصيب التعليم والصحة في الميزانية إلى 40%. ولتمويل البنية التحتية، دعا إلى شراكات إستراتيجية بنظام البناء والتشغيل ثم تحويل الملكية "بي أو تي" (BOT)، مؤكدا تهيئة البيئة التشريعية لذلك.

إعلان

وفيما يتعلق بالمساعدات الخارجية، أوضح أن أموال الغرب "مُسيّسة"، وأن الدعم حاليا يأتي عبر طرف ثالث، غالبا وكالات الأمم المتحدة، بعد تصنيف التغيير في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 انقلابا، وأشاد بالدعم الإغاثي من الدول العربية والخليجية وإيران وتركيا.

الحرب والسياسة والمستقبل

وتطرق وزير المالية إلى الحرب الدائرة مع قوات الدعم السريع، معتبرا إياها "مشروعا إقليميا ودوليا كبيرا" وأن الدعم السريع "مجرد أداة تستخدم مرحليا"، وربط الصراع بأطماع في سواحل البحر الأحمر وموارد السودان المائية والزراعية والمعدنية، وربما بمحاولة "تغليف المسألة بمحاربة الإسلام السياسي".

وبشأن الأوضاع في الفاشر، أكد صمود المدينة أمام هجمات الدعم السريع المتكررة، قائلا "لن تسقط بإذن الله"، مشيرا إلى رمزيتها التاريخية كعاصمة لإقليم دارفور.

وعن موقفه من الحكم العسكري، قال إبراهيم إنه مع الحكم المدني تماما، وإن الظرف الحالي فرض وجودا عسكريا في السلطة، مددت الحرب عمره.

وأعرب عن ثقته في قدرة الشعب السوداني على تغيير الأنظمة العسكرية عبر الثورات، متوقعا حوارا سودانيا-سودانيا شاملا بعد الحرب لرسم خارطة طريق نحو انتخابات حرة.

وردا على تصريحات الفريق البرهان حول أداء بعض الوزراء، نفى الدكتور جبريل أن يكون من المقصودين، مؤكدا أن التعيينات في الدولة تخضع لإجراءات وقوانين تحد من سلطة الوزير المطلقة، وأن صلاحياته في التعيين المباشر تقتصر على 3 أشخاص.

جذور الصراع في دارفور

وعاد إبراهيم بالذاكرة إلى نشأة حركة العدل والمساواة، مؤكدا أنها حركة قومية وليست قبلية أو إقليمية، تهدف إلى تحقيق العدالة والتنمية المتوازنة في كل أقاليم السودان. وأوضح أن فكرة الحركة تبلورت منذ عام 1995 نتيجة شعور بالظلم والتهميش.

وكشف الوزير أنه كان "الوحيد الذي اعترض على حمل السلاح" في المؤتمر الذي تقرر فيه ذلك بألمانيا، مفضلا الحوار، لكن قناعة الأغلبية كانت أن الحكومة آنذاك "لا تسمع إلا أصوات المدافع". ورغم ذلك، أكد أنه ليس نادما على خيار التمرد المسلح الذي فرضته الظروف.

إعلان

وأرجع أسباب الصراع في دارفور إلى الشعور بالظلم من قبل المركز في توزيع الفرص والمشروعات التنموية، وإلى دور الحكومة أحيانا في "اللعب على التناقضات القبلية وتفضيل مكونات على أخرى"، مما أدى إلى تطاحن كبير.

واختتم الدكتور جبريل إبراهيم حديثه بالتأكيد على أن وقف الحرب هو الأولوية، وأن الشعب السوداني بعد ذلك "سيحكم نفسه بنفسه"، معربا عن تفاؤله بمستقبل السودان رغم التحديات الجسيمة.

30/5/2025

مقالات مشابهة

  • نادي الاتحاد السعودي يكرم السوداني كمال الدولي
  • وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتية”
  • الجيش السوداني يُنقذ 71 طفلاً من قبضة الدعم السريع
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلا من “الدعم السريع”
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلًا زجّت بهم قوات الدعم السريع في القتال
  • وزير المالية السوداني: وقف الحرب أولا وشعبنا سيحكم نفسه بنفسه
  • البرهان يصدر قرار عاجل بشأن إتهامات أمريكية بإستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في الحرب
  • الجيش السوداني يصد هجوما غرب كردفان والدعم السريع يسيطر على الدبيبات
  • السوداني يؤكد اهتمام الحكومة برفع كفاءة مطار بغداد الدولي والارتقاء بخدماته
  • السوداني يوجه بتسهيل عمل المقاولين ومعالجة المعوقات التي تواجههم