كشف الدكتور الشريف محمد بن على الحسني، المؤرخ ورئيس الرابطة العالمية للإنساب الهاشمية ورئيس الاتحاد العربى للملكية الفكرية، عن تفاصيل جديدة بشأن تاريخ بلاد عسير في الجاهلية والعصر الإسلامي المبكر.

وأوضح الحسني، في تصريح له، أنه ورد في السيرة الحلبية، أن السيدة خديجة رضوان الله عليها، أرسلت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قبل مبعثه الشريف بتجارتها إلى اليمن قبل أن ترسله إلى الشام، ففي السيرة الحلبية، أن النبي قال: "أجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص، الأولى: مع عبدها ميسرة إلى سوق حباشة، وهو مكان بأرض تهامة بينه وبين مكة ست ليال، كانوا يبتاعون منه بزا ورجعا، والثانية مع ميسرة إلى الشام".

وأوضح الحسني، أنه في معجم البلدان قال: "وحباشة سوق من أسواق العرب في الجاهلية، ذكره عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: لما استوى رسول الله، وبلغ أشده وليس له كثير مال، استأجرته خديجة إلى سوق حباشة، وهو سوق بتهامة، واستأجرت معه رجلا آخر من قريش، وقال رسول الله وهو يحدث عنها: ما رأيت من صاحبة أجير خيرا من خديجة، ما كنا نرجع أنا وصاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبئه لنا".

وأكد رئيس الاتحاد العربى للملكية الفكرية، أن سيدنا محمد سافر بالتجارة لخديجة أربع مرات، واحدة إلى سوق حباشة، واثنتين إلى جرش، وواحدة إلى الشام، موضحا أن جرش هي في بلاد عسير وسوقها الشهير الذي تجتمع فيه قبائل أزد عسير، وهكذا فإن سيدنا محمد كما تذكر المصادر أن رحلات النبي إلى اليمن وصلت إلى أربع، فهذا يعني أنه كان على معرفة بما كان يعتمل في اليمن من أحداث ومعتقدات قبل وبعد مبعثه الشريف.

وأضاف أنه على الرغم من بعد عسير عن مركز الدعوة المحمدية التي انطلقت من مكة المكرمة واتساع نطاقها من عاصمة الدولة الإسلامية المدينة المنورة، كانت وفود عسير من أوائل الوفود القادمة إلى المدينة المنورة لإعلان دخول الدين الإسلامي الحنيف، وقد كانت الوشائج الاجتماعية والسياسية والتجارية للأزديين مع تجارة قريش تثبت التواصل التجاري، وكان الأزديون يرسلون تجار منهم يتنقلون في أسواق بلاد الشام واليمن وسوق عكاظ وأسواق قريش وسوق حباشة، منوها إلى أن وجود الثروة الحيوانية والمساحات الزراعية، أهم ما يميز الإقليم وخاصة الموارد المائية التي جعلت منطقتهم تستقبل أعدادا كبيرة من قبائل العرب للعيش الرغد في مناطق أزد شنوءة (أزد السراة)،

وأشار إلى أن الرسالة المحمدية تغلغلت في حياة أهالي بلاد عسير أو قبائل الأزد كما يسمون في أوائل القرن الهجري الأول، وقد تبلور ذلك من خلال إقامتهم عدة مساجد وجوامع ظلت قائمة كمرجع للعلوم والتعليم والمحافظة على تعاليم الدين الإسلامي، وأن هذه المساجد كانت ملتقى للقبائل ومجمعًا لتخريج حفظة القرآن الكريم والحديث الشريف.

وأكد أن مما حفظه مؤرخي السيرة رسالة النبي صلوات الله عليه وآله لأهل جرش (عاصمة عسير في ذلك الوقت)، تلك الرسالة التي أقر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من خلالها حمى أهل جرش الذي يحيط بمدينتهم وذلك بمنحهم حق الرعي والتملك في بلادهم ووضع القوانين الشرعية التي تنظم العلاقات بين الأفراد في شؤون حياتهم المختلفة في ظل أحكام الشريعة الإسلامية، وكانت علاقة سيدنا محمد صفوة البشر ببلاد عسير التجارية الوجدانية والثقافية، ووصلت إلى عسير خلال رحلاته لها في التجارة فهو الصادق الأمين تتجلى هذه السيرة في المواقف النبوية خلال استقباله لوفودها ومعرفته بأهلها وكتابه لأهلها وحسن استقباله لوفودها ونصائحه لهم، وقد انعكست هذه المحبة (لقبائل الازد) في مشاركتهم بحروب الردة بطلب من الخليفة أبي بكر الصديق ومشاركتهم في الفتوحات الإسلامية.

وأوضح الحسني، أن التاريخ العربي الإسلامي وبالتحديد خلال القرن الهجري الأول من ظهور الإسلام يسجل إسهاماتهم الثقافية والفكرية والأدبية، وقد أمدت المجتمع الإسلامي بالكثير من العلماء والمفسرين ورواة الحديث والفقهاء والأدباء والشعراء، كما أن قبائل ازد بلاد عسير قدمت خدمات جليلة للدولة الإسلامية في صدر الإسلام، وذلك بمشاركتها في الفتوحات الإسلامية داخل وخارج الجزيرة العربية، وظهر منهم القادة الميدانيون الذين أثبتوا جدارتهم في تلك الظروف الصعبة، وكان الخلفاء يندبونهم بالاسم ويعينونهم على الأمصار كالقائد عرفجة البارقي وآخرين، وفي حرب مؤته يسجل لنا التاريخ قيام أول مواجهة بين المسلمين والغرب من خلال هذه المعركة ((مؤتة الشهيرة))، والسبب لها وهو مقتل الحارث بن عمير الازدي الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وآله ضمن الكثير من الرسل للأمصار والدول المجاورة، وكانت للرسل حرمة تحميه من البطش، ولكنه تم قتله، فغضب الرسول صلوات الله عليه وآله غضبا شديدا وقرر إرسال الجيش انتقاما لمقتله، فكانت (معركة مؤتة الشهيرة)، كما أن نزول القرآن بسبعة أحرف من ضمنها لهجة الازد (بلاد عسير) حسب تفسير علماء علم القرآن الكريم وفي مقدمتهم العالم الجليل الزركشي، وهكذا عرفنا معرفة النبي بعسير قبل المبعث الشريف وانعكس ذلك بعد المبعث في إسلام عسير وقد شرفت عسير بكتاب النبي الذي أرسله مع وفدهم.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الله علیه وآله سیدنا محمد

إقرأ أيضاً:

الجماعات الإسلامية بين وهم النرجسية واستمراء الدونية

 

دأبت الجماعات الإسلامية على تقديم نفسها كضحية لظلم الاخرين، متخذة من خطاب المظلومية وسيلة أساسية لاستقطاب الشباب المسلم إلى صفوفها, وذلك بإستحضار احداث تاريخية معيّنة بعد تجريدها من أسبابها وظروفها المصاحبة.
فهي تستحضر مثلًا حادثة اغتيال حسن البنا لتُظهرها كجريمة استهداف لداعية مصلح، دون أن تشير إلى أنها جاءت ردًّا على اغتيال الجماعة لرئيس وزراء مصر محمود النقراشي.
وتُحيي ذكرى قمع جمال عبد الناصر للإخوان لتصوّرها كعداء لعلماء الدين، دون أن تذكر أن ذلك كان ردّ فعلٍ على محاولتهم الفاشلة لاغتياله.
كما تتباكى على مأساة حماة، متجاهلة أنها كانت نتيجة تمردٍ مسلح قادته الجماعة بالتزامن مع الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، وبعد سلسلة من الاغتيالات التي نفذتها بحق ضباط بعثيين، وبعد مجزرة كتيبة المدفعية التي ارتكبتها بحق عشرات العلويين.
ولو أمعنّا النظر، لوجدنا أن أحلك الفصول الدموية التي مرت بها الأمة كانت على أيدي هذه الجماعات ذاتها، ابتداءً من جرائم الوهابية في بلاد الحرمين الشريفين، مرورًا بجرائم الجماعات الإسلامية في الجزائر ومصر والعراق واليمن وسوريا وغرب السودان والصومال وباكستان والهند، وانتهاءً بعملياتها الدامية التي طالت الأبرياء في عواصم العالم الكبرى مثل موسكو ونيويورك ولندن ومدريد وغيرها.
وقد تفوقت هذه الجماعات على غيرها من التنظيمات الإجرامية بتعمدها استهداف أكثر الأماكن ازدحامًا بالناس: كالمساجد، والأسواق، ووسائل المواصلات، وصالات العزاء والأفراح، بل وحتى الجنازات. كما تفننت في ابتكار أبشع أساليب القتل والتنكيل، من الذبح بالسكاكين والحرق والرمي من المرتفعات، إلى بقر بطون الحوامل، وأكل أكباد الضحايا، والتحرش بجثث النساء.
ومع كل ذلك، ما زالت هذه الجماعات تعيش دور الضحية في خطابها الإعلامي وأدبياتها الثقافية، متجاهلةً ركام الجرائم التي ارتكبتها بحق الآخرين، ومسؤوليّتها التاريخية عن تشويه صورة الإسلام وإغراق الأمة في دوامة من العنف والعنف المضاد.
صحيح أن بعض رموز هذه الجماعات يقبعون اليوم في سجون السعودية لأسباب تافهة ويتعرضون للتعذيب، غير أن مراجعة أدبياتهم تكشف أنهم ليسوا سوى “شياطين مقيّدة”، وهذه ليست مبالغة ولا تجنّيًا، فالكثير منهم كانوا من أبرز المحرّضين على ارتكاب تلك الجرائم البشعة في مختلف البلدان التي عانت من العنف باسم الدين.
إن نرجسية الجماعات الإسلامية لا تتوقف عند سلخ الإنسان عن دينه فحسب، بل تمتد لتجرده من فطرته الإنسانية أيضًا، وتاريخها المعاصر مليء بالشواهد على ذلك.
فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أطلق علي عبدالله صالح حملة قمع واسعة ضد عناصر الجماعات الإسلامية في اليمن، خصوصًا العائدين من أفغانستان، في محاولة للتقرب من الولايات المتحدة. وقد وصل به الأمر إلى حد السماح للمحققين الأمريكيين بالتحقيق مباشرة مع المعتقلين.
ويومها لم يجرؤ أحد من قيادات تلك الجماعات على الاعتراض أو حتى التنديد، في حين ان الطرف الوحيد الذي رفض تلك الممارسات، واعترض على تسليم الشيخ عبدالمجيد الزنداني للأمريكيين، هم أنصار الله بقيادة السيد حسين بدر الدين الحوثي.
بل إنهم أطلقوا حينها شعار البراءة من أمريكا كردّ فعل على تلك الانتهاكات وعلى الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وهو الموقف الذي دفع النظام في النهاية إلى إعلان الحرب عليهم.
المفارقة أن تلك الجماعات التي وقف أنصار الله إلى جانبها بدافع الأخوّة الدينية والوطنية، تحوّلت بين عشيةٍ وضحاها إلى رأس حربةٍ في الاعتداء عليهم منذ حرب صعدة الأولى وحتى اليوم.
لم يُسجِّل التاريخ من قبل هذا القدر من النذالة في سلوك أي جماعة بشرية، حتى في زمن الجاهلية الأولى، كما هو حال الجماعات الإسلامية المعاصرة. وهذا أحد مصاديق قول الرسول ﷺ: «بُعثتُ بين جاهليتين، أُخراهما شرٌّ من أُولاهما».
هذا المستوى من الانحطاط الأخلاقي تكرّر مرةً أخرى بعد طوفان الأقصى، فبينما كانت حكومة صنعاء منشغلةً بمعركة وقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة وفكّ الحصار عنها، كانت تلك الجماعات تتجهّز عسكريًا وإعلاميًا لحربٍ وحصار اليمن.
بل إنها طالبت الأمريكيين والإسرائيليين بإشراكها في المعركة بهدف إسقاط صنعاء وتكرار سيناريو إسقاط دمشق، وبادرت إلى نصحهم باستهداف قيادات أنصار الله لضمان توقف العمليات اليمنية المساندة، بينما كانت غزة لا تزال تُذبح من الوريد إلى الوريد.
نرجسية الجماعات الإسلامية لا تنبع فقط من تقديس الذات كما هو حال النازية والفاشية والصهيونية، بل تنبع أيضًا من شعورها بالدونية تجاه القوى الخارجية التي تستقوي بها لتُمارس نرجسيتها على المستوى المحلي فقط.

‏ويمكن رصد دونية تلك الجماعات في إخلاصها للحكومتين الإماراتية والسعودية، رغم أنهما تصنّفانها كجماعاتٍ إرهابية، ورغم ما ارتكبته بحقها من جرائم.
نستنتج من ذلك أن الجماعة الإسلامية لم تكن سوى نبتة شيطانية تجذرت في جسد الأمة على مدى عقود، برعاية بريطانية ثم أمريكية، وأن الأمة لن تستعيد عافيتها إلاَّ باقتلاع هذه النبتة من وعيها.
ولو أن الأمة التزمت بتحذير الله ورسوله من تلك الجماعات، لما نهلت من نبعِ قرنِ الشيطان، ولا جعلت أشدّ الناس كفراً ونفاقًا قدوتها.

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة بنها ووكيل الأزهر الشريف يفتتحان ندوة الإيمان أولا
  • رابط التسجيل في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن الكريم.. جوائز 450 ألف جنيه سَجِّلْ الآن
  • أدعية ثلث الليل الواردة عن النبي الكريم
  • سعد الصغير يكشف كواليس خلافه مع سمسم شهاب ويشيد بموقفه الإنساني
  • آخر ما نزل من القرآن الكريم وسبب اختلاف المفسرون
  • هل كان النبي يصلي ويسلم على نفسه أثناء التشهد في الصلاة؟..الإفتاء توضح
  • أجمل دعاء قبل النوم.. كلمات مباركة من وصايا الرسول
  • حكم تعزية أهل الميت في الشرع الشريف
  • الرحمة المهداة .. القدوة والأسوة
  • الجماعات الإسلامية بين وهم النرجسية واستمراء الدونية