د. أحمد بن محمد الهنائي **

 

تقوم دوائر التدقيق الداخلي في مختلف وحدات الجهاز الإداري للدولة بدور كبير في المحافظة على المال العام، وذلك من خلال الاختصاصات المناطة بها، والتي جاءت بصفة أساسية في المادة رقم (9) من القانون المالي رقم 47/98، ولعل أبرزها: التحقق من تطبيق القوانين واللوائح والأنظمة ذات الطابع المالي، وكذا مراجعة الإيرادات وسندات الصرف الخاصة بالوحدة الحكومية قبل الصرف للتحقق من كون الإنفاق يتم وفق تلك القوانين واللوائح والأنظمة، بالإضافة إلى مراجعة الأعمال المتعلقة بالمخازن والخزائن والمنقولات الخاصة بالوحدة التي تعمل الدائرة في نطاقها، عوضا عن فحص الدفاتر والحسابات والسجلات والمستندات المالية الخاصة بتلك الوحدة الإدارية.

وبموجب ذات المادة أناط المشرع العماني تبعية التقسيم الإداري الخاص بدوائر التدقيق الداخلي إلى رئيس الوحدة مباشرة.

وتتقاطع اختصاصات دوائر التدقيق الداخلي مع الأهداف المناطة بجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة الواردة في المادة (8) من قانون الجهاز رقم 111/2011، في حين تتماثل اختصاصات كل من دوائر التدقيق الداخلي وجهاز الرقابة الواردة في الفصل الثالث من ذات القانون.

ولئن كان الواقع العملي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي له ما يبرره في تبعية دوائر التدقيق الداخلي لرؤساء الوحدات الحكومية التي تعمل تلك الدوائر في نطاقها، نظراً لحداثة تلك الدوائر، والممارسة الجنينية للاختصاصات المناطة بها، وما تستلزمه الطبيعة العملية من أهمية قرب التبعية الإدارية لتبسيط الإجراءات وسرعة الإنجاز في تسيير أعمال الوحدات الحكومية، إلا أننا نرى أنَّ تحقيق أهداف النظام المالي للدولة من خلال تجويد العمل الإداري لدوائر التدقيق الداخلي يصطدم بركيزتين أساسيتين، هما:

التبعية الإدارية لرئيس الوحدة الحكومية التي تعمل في إطارها الدائرة وتمارس فيها اختصاصاتها القانونية؛ حيث إن الرقابة المالية لدوائر التدقيق الداخلي قد تصطدم في غير قليل من الحالات مع منظومة سير العمل في الوحدة الحكومية، ومن ثم فإن تلك التبعية قد تعطل القيام بالإجراءات السليمة لاختصاصات دوائر التدقيق الداخلي. أوجه التماثل والتباين بين الاختصاصات الخاصة بدوائر التدقيق الداخلي وكل من اختصاصات وزارة المالية وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة. والبين أن هنالك تماثل كبير بين كل من اختصاصات دوائر التدقيق الداخلي واختصاصات جهاز الرقابة كما أن ذات التماثل ينعكس بتناغم بين اختصاصات دوائر الشؤون المالية في الوحدات الحكومية واختصاصات وزارة المالية.

وحاصل القول أن الممارسة العملية السليمة لاختصاصات دوائر التدقيق الداخلي في الوحدات الحكومية يجب أن تكون بمنأى عن ضغوط التبعية الإدارية، فضلاً عن السعي إلى تفعيل الدور الرقابي للدولة بالتنسيق مع محاور رؤية عمان 2040 وبالأخص محور دولة أجهزتها مسؤولة، فإن الأمر يستلزم دراسة ومراجعة تبعية دوائر التدقيق الداخلي لتكون لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة عوض تبعيتها إلى رؤساء الوحدات الحكومية.

************

المراجع:

القانون المالي رقم 47/98. قانون الرقابة المالية والإدارية للدولة رقم 111/2011.

** دكتوراه في القانون الدستوري والعلوم السياسية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الضبط المالي والإداري مفتاح النمو والازدهار

يمثل الفساد المالي والإداري خطرا حقيقيا على بنيان الدول ويقوّض أُسس تطورها واستقرارها، حيث يُبدد الموارد والطاقات ويعطّل جهود التنمية ويغلق أبواب الاستثمار ويعوق الابتكار وتكافؤ الفرص، لذلك تعمل الدول على محاربته حماية لحاضر الأوطان ومستقبلها.

وفي مسار تحقيق مستهدفات رؤية «عُمان 2040» التي تُولي أهمية لتعزيز الحوكمة الرشيدة وضمان كفاءة الإنفاق، تنتهج سلطنة عمان سياسات صارمة لضبط إدارة المال العام وترسيخ مبادئ الحوكمة ومكافحة الفساد المالي والإداري باعتبارها ركيزة أساسية في نهجها التنموي، وسبيلا لضمان الشفافية والنزاهة في العمل المؤسسي. وفي هذا السياق يضطلع جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بدور محوري في صيانة المال العام ومكافحة هدر الموارد والحد من ممارسات الانتفاع الشخصي على حساب المصلحة العامة.

ويعكس التقرير الصادر عن الجهاز لعام 2024م حجم الجهد الرقابي المبذول، وتوسع نطاقه، حيث نُفذت 225 مهمة رقابية نتج عنها 172 تقريرا أُبلغت بنتائجها الجهات المعنية، وهو ما يشير إلى الفاعلية الرقابية المؤسسية في تفعيل أدوات المساءلة، ويؤكد على التزام سلطنة عمان بتطبيق معايير الرقابة المالية ومكافحة الفساد.

واللافت في التقرير نجاح جهاز الرقابة في تعميق تواصله وتفاعله مع المجتمع، كونه شريكا في العمل الرقابي حيث جرى التعامل مع 1378 شكوى وبلاغا تتعلق بمخالفات مالية وإدارية وسوء استغلال السلطة وسلامة إسناد المناقصات، وقد تم الانتهاء من فحص 90% منها، مما يجسد أهمية المشاركة المجتمعية والاستجابة السريعة والفعالة تجاه ملاحظات الرأي العام.

إن هذه الأرقام مؤشرات حقيقية لاتساع نطاق الرقابة وتطور منظومة الحوكمة في سلطنة عمان، إذ إن التعامل مع هذا الكم من البلاغات والشكاوى يكشف عن بيئة رقابية نشطة وشفافة تشرك المواطنين في مسؤولية حماية المال العام، وتشجّع على ثقافة الإبلاغ عن مواطن الخلل عبر قنوات رسمية تضمن السرية والنزاهة ووفقا للقانون.

ويحرص جهاز الرقابة على بث التوعية من منطلق إدراكه أن الشفافية والنزاهة لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال الارتقاء بوعي الأفراد والمؤسسات، وترسيخ ثقافة الحفاظ على المال العام وحرمة التعدي على مكتسبات الوطن.

إن نتائج التقارير الرقابية كفيلة بتعزيز أداء الجهاز الإداري للدولة، وتحسين جودة الخدمات العامة ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وضمان استثمار الموارد المالية بعيدًا عن الهدر وسوء الإدارة.

هذه الشفافية تبث الطمأنينة في بيئة الأعمال والاستثمار وتمنح المزيد من الأمان والجاذبية والتنافسية.. وتجعل من الانضباط المالي أولوية قصوى في سياق رؤية متكاملة تعزز ثقة المواطنين والمستثمرين في كفاءة الجهاز الحكومي ونزاهته، وترسخ مقومات دولة المؤسسات والقانون، بما يخدم مسار التنمية الشاملة والمستدامة.

مقالات مشابهة

  • الضبط المالي والإداري مفتاح النمو والازدهار
  • توجيه عاجل من الرقابة المالية بصرف 100 ألف جنيه تعويضا عن كل متوفى بحادث الإقليمي
  • رفع تقرير "جهاز الرقابة" لجلالة السلطان.. و1378 إجمالي بلاغات المخالفات المالية والإدارية
  • شباب النواب ترفض إنشاء الجهاز الوطني للرياضة: تضارب اختصاصات ومخالفة دولية
  • رابطة دوري المحترفين تتولى الرقابة المالية للأندية
  • الرقابة المالية: 13.6 مليار جنيه حجم نشاط التمويل العقاري خلال 4 أشهر
  • بفرمان من جون إدوارد.. تغييرات جديدة بالجهاز الإداري في الزمالك
  • الأمن الداخلي ينفي تعرّض المريمي للتعذيب ويُعلن إخلاء مسؤوليته القانونية
  • جهاز الأمن الداخلي يكشف تفاصيل توقيف «عبد المنعم المريمي»
  • رابطة دوري المحترفين تتسلم مهام الرقابة المالية