في جريمة بشعة تُضاف إلي سجل فظائعها التي تمددت بطول السودان وعرضه .. اغتالت مليشيا وعصابات التمرد الرمز الكردفاني حمدان البولاد .. مزقوا قامته المديدة بوابل من الرصاص .. أسكتوا صوته ومادروا أن دمه الطاهر الذي روي عتبة منزله بحي كليمو سيبقي إلي الأبد شاهداً علي ظلم التمرد الباغي وطغيانه الذي تجاوز كل مشاهد الحروب والنزاعات المشابهة في كتاب تاريخ البشرية القريب .

. والبعيد ..

وحمدان البولاد الذي أقدمت مليشيا التمرد علي تصفيته في منزله ووسط أسرته بجنوب كردفان قيمة وطنية وأهلية سامقة .. ظلّ وفياً لأهله وحريصاً علي قيمة الحوار والتسامح الوطني مع كل ألوان الطيف السياسي ..

عاش البولاد معتزّاً ومعتدّاً بأنصاريته وإنتمائه لحزب الأمة .. وعندما أشعلت مليشيا التمرد السريع الحرب في الخرطوم بذل البولاد مع قيادات ورموز الإدارة الاهلية بكردفان عامة وجنوب كردفان خاصة .. بذل جهداً مخلصاً أن تبقي ألسنة الحرب اللعينة بعيداً عن النسيج الإجتماعي الهش بكردفان .. ولأن الراحل العزيز عاش حياته واضحاً ومباشراً في مواقفه فقد إلتزم جانب الجيش السوداني لقناعته الراسخة أنه لاخيار لكل أهل السودان غير المؤسسة العسكرية غطاءاً وخيمة يديرون تحتها ماشجر بينهم من خلافات وتقاطعات في الشأن العام ..
كنا ضيوفاً عليه قبل سبع سنوات خلون .. زرناه في دكانه بسوق كادوقلي الكبير رفقة الأستاذ يوسف عبدالمنان .. وجدنا عنده طيفاً من أهل السياسة والإعلام والإدارة الأهلية يجتمعون عنده كل يوم للتداول في مجريات الأحداث .. دكان البولاد في سوق كادوقلي كان برلماناً وغرفة أخبار ومكتب إجتماعات وإرساليات من كل السودان .. وقبل هذا وذاك كان متجره ( تكية) يغشاها الناس عفواً لتناول شهي الطعام فقد كان قدحه وصحنه الكبير يفيض بالعصيدة التي جمّلتها عافية الحلال والنوايا الطيبة ..

برحيل حمدان البولاد تفقد كردفان عامة وجنوب كردفان خاصة أحد أعمدة الحكمة والسياسة .. غيّبوه في وقتٍ تحتاجه كل ألوان الطيف الأهلي هناك .. وسيفتقده أهله الحوازمة .. كان حريصاً أن يقف أمامهم في الموقع الصحيح لصناعة التاريخ .. سقط شهيداً في بيته ليكتب بدمه الطاهر فصلاً جديداً من فصول الشهادة علي الدنيا والناس ..

خسر الذين ظنوا أن الرصاص الغادر سيطوي تأثير حمدان البولاد في المشهد السياسي والإجتماعي بجنوب كردفان .. ستلاحقكم جريمة قتله حتي قيام الساعة .. وعند الله تجتمع الخصوم ..
عبد الماجد عبد الحميد

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

لماذا تفشل السياسة الأمريكية في السودان؟

زين العابدين صالح عبد الرحمن
يظل السودان غائبا في مخيلة صانع القرار الأمريكي، و أمريكا أسقطت ورقة السودان من أجندتها منذ أن رفض السودان في ستينيات القرن الماضي المعونة الأمريكية حيث كانت أمريكا تريد أن يلعب السودان دور القط لمواجهة التمدد الشيوعي في أفريقيا، و بعد الرفض وافقت حكومة عبود بزيارة رئيس الاتحاد السوفيتي ذلك الوقت للسودان ليونيد برجنيف في نوفمبر 1961م، أيضا تحفظ السودان على دعوة إدارة ريغان أن يقوم بذات الدور الذي كان قد طلب منه من قبل. مما اقفت شركة شيفرون عملية استخراج البترول باعتبار أن كمية البترول غير تجارية، و هناك قول هي ضغوط خليجية لأنها لا تريد إغراق سوق البترول.. فالإدارة الأمريكية لم تسهم في عملية بناء السودان، أو دعمت مشاريعه التنموية، و لم توف بعهودها في اتفاقية "نيفاشا" التي أدت إلي تقسيم السودان.. كل سياستها إملاءات دون أي فائدة تعود للشعب السوداني، و توقع عقوبات اقتصادية على السودان و هي تعلم أن العقوبات لا تطال إلا الشعب، و تستثنى من العقوبات تصدير الصمغ العربي لها لمصلحة شركاتها ..
بعد ثورة ديسمبر 2018م وجدت أمريكا ضالتها، أن يكون لها دورا في صناعة القيادات التي تريدها علي قمة السلطة في البلاد، و استطاعت الإدارة الأمريكية أن تتحرك بفاعلية وسط القوى السياسية من خلال سفارتها، و رفعت درجة التمثيل من قائم بالأعمال إلي درجة سفير، و كانت عضوا في الرباعية، و الترويكة الداعمة للإيغاد، و المؤثر على قرار رئيس البعثة الأممية فوكلر، هذا غير تأثيرها على الاتحاد الأوروبي، و بعد إقالة حكومة حمدوك من قبل المكون العسكري في 25 أكتوبر غيرت سفيرها، و جاءت ب "جون غودفيري" باعتباره أكثر فاعلية في إدارة الأزمات، ثم أرسلت مساعدة وزير خارجيتها " مولي في" لتبدأ مرحلة بداية "الاتفاق الإطاري" و الذي فشل ،و أدى للحرب الدائرة الآن.. أمريكا تعلم يقينا أن القيادات التي كانت تراهن عليها قد فقدت بريقها، و بعد انقلاب 25 أكتوبر عندما نزلت الشارع رفضتها الجماهير، و اقتنعت أمريكا أنها لا تستطيع أن تغامر وسط الرفض الشعبي، و حرب أصبحت فيها الميليشيا متهمة بممارسة لإبادة و التهجير و السرقة و النهب..
منذ انقلاب الجبهة الإسلامية في 30 يونيو 1989م و مرورا بعدد من الرؤساء الأمريكيين أثناء حقبة الإنقاذ، أن أغلبية الدبلوماسيين الأمرييكين الذين شغلوا منصب مساعدين لوزراء الخارجية للشؤون الأفريقية؛ كانوا دائما يؤكدون أنهم لا يستطيعون التعامل مع الشأن السوداني إلا من خلال المراور بعواصم بعض دول المنطقة.. الأمر الذي يؤكد أن أمريكا جاهلة تماما بالشأن السوداني تحتاج أن تتزود بمعلومات من تلك العواصم، و هي حريصة أن تكون تعاملاتها مع السودان من خلال تلك العواصم بسبب هذا الجهل، أو هي لا تريد أن تؤثر سلبا على مصالح حلفائها في المنطقة.. مما يدلل أن السودان على هامش أجندتها .. و دلالة على ذلك؛ أن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان "توم بيرييلو" الذي طاف على عواصم الدول المجاورة للسودان، لم يكلف نفسه التوجه للسودان.. بل جاء بفكرة توسيع منبر جدة، و إدخال "الاتحاد الأفريقي و الإيغاد" من باب المناورة لأن الهدف هو إدخال الأمارات.. و أكبر خطأ أرتكبته القيادة العسكرية كان الذهاب للمنامة و هم يعلمون ذهاب الأمارات إلي هناك، و كان وراءه أمريكا التي تحاول أن تجد مخرجا للأمارات بسبب دعمها المتواصل للميليشيا.. و أمريكا رغم أنها تراجعت عن دعم القوى التي كانت قد راهنت عليها من قبل لإستلام السلطة، إلا أنها سمحت أن تتولى مهمة الدعم الأمارات، و أمريكا تعلم يقينا أن الأمارات هي التي جاءت بحمدوك، و فرضته على " تقدم" و المكالمة التي كان قد أجراها وزير الخارجية الأمريكي بلنكين مع رئيس مجلس السيادة و القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان بهدف الذهاب إلي منبر جدة، هي تمت بضغط من دولة الأمارات، باعتبار أنها تريد أن ترسل رسائل بأنها ماتزال لديها القدرة على الضغط لتسوية سياسية، حتى لا تسمح أن تتشتت المجموعة التي تدور في فلكها.. كما تعلم أن المؤتمر الذي تم في أديس أبابا مؤخرا نجح في حشد ناس دون أن يكون لهم ثقل جماهيري داعم لهم داخل السودان، بل أحدث شروخا في بعض القوى المنتمية إليه..
أن السلطة في السودان تعلم أن الإدارة الأمريكية المتورطة في أزمات عديدة الآن، لا تستطيع أن تدخل في أزمة أخرى، و لا تستطيع أن تصدر أي قرار من مجلس الأمن بهدف تدخل دولي تحت البند السابع في السودان، و أيضا تعلم أن أي تحرك لها شاهرة العصى ليس في صالح مصالحها في المنطقة، و أن جري الأمارات المحموم في اتجاهات مختلفة لعقد مؤتمرات توافقية و تسوية سياسية، بين الجيش و الميليشيا مسألة ما عادت مقبولة لأغلبية الشعب السوداني، و الذي يعتبر أكبر متضرر من الحرب، كما تعلم الأمارات و الذين يدورون في فلكها أن حسم الحرب عسكريا من قبل الجيش سوف يغيير كل الأجندات السياسية في السودان، و أيضا سوف يؤدي إلي بروز قيادات جديدة لا تقبل المساومة.. أن أمريكا حقيقة أمام معضلة أن تقف مساندة للأجندة الأماراتية، أم أن تبتعد لكي تعطي فرصة لعملية الحسم العسكري، و تقبل بنتيجة إفرازاتها السياسية.. نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • إليكم تفاصيل مسلسل أحمد العوضي في رمضان 2025
  • المطاعم السودانية في القاهرة.. تجارب وليدة فرضتها الحرب
  • الدين والدولة في السودان
  • السفير البريطاني يكذب خبراً حول تمويل «تقدم»
  • مليشيا صارت لحم راس شاعرها أزهري محمد علي ومدير أعمالها الهمبول عبد الله حمدوك!!
  • عضو بمجلس السيادة في السودان يؤكد إصرار الجيش على حسم التمرد
  • حماس: بايدن يتحدث عن أفكار عامة ونحن بحاجة لاتفاق واضح التفاصيل
  • ما الدور الذي تلعبه أفريقيا الوسطى في حرب السودان؟
  • لماذا تفشل السياسة الأمريكية في السودان؟
  • دراسة ونقد: وقصة قصيرة