بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
على مشاجب الترقب، لم تزل الانظار ترنو بعد نحو عام من اندلاع الحرب في الخرطوم إلى العودة إلى بلاد مقرن النيلين، كما لم تزل تنظر الى حالة الخراب والتدمير الموجع و الممنهج الذي اعترى مناحيها ومبانيها دون أن يستثني فيها شيئا، لتضحى خرابا بعد أن كانت قبلة الجميع، ومحط الأقدام والانظار.
ومع تطاول أمد القتال يتسع حجم الدمار، الذي طال كل البنى التحتية والخدمية، للعاصمة الخرطوم، دون أن تسلم الأشياء، فلا الأماكن بقيت على حالها، ولا الطرقات ولا المنازل ولا الناس، ظلو على ما كانو عليه، لتتسع مع حجم الدمار الآلام والماسي، حيال المصاب الكبير، فكيف تبدو الخرطوم بعد نحو عام من تهجير أهلها؟
مدينة الأشباح
مشاهد اقل ما يمكن ان توصف بالمؤلمة تلك التي تعتري العاصمة الخرطوم والتي تعيش أجزاء واسعة منها في حالة من الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنها وانعدام المياه، لتصبح أقرب إلى مدينة الأشباح، بعد أن فر سكانها منها خوفا من مليشيا الجنجويد، فيما بقيت أرواحهم معلقة في سمائها، يرجون صبحا يلتقون فيه آمنين مطمئنين.
حالة من السكون المخيف يقطعه التدوين المتبادل بين الجيش والمليشيا، فضلا عن استمرار حالات النهب والسلب المتواصلة، لنحو أكثر من عام، حيث لم تزل عمليات السرقة مستمرة بعد أن فقدت كثير من الأسر صبرها ورباطة جأشها، فاثرت المغادرة إلى المناطق الآمنة داخل العاصمة او خارجها، حاملة معها يسيرا من متاع، على أمل العودة من جديد.
الحياة شبة متوقفة
الحياة شبة متوقفة، وفق افادات تحصلت عليها “الكرامة” من مواطنين عجزو عن الخروج من العاصمة نسبة لظروف اقتصادية متعسرة، و آخرين لا يعرفون إلى أي وجهة يتوجهون، فكل ما يعرفونه انهم لن يتركوا شقى سنواتهم للصوص وقاطعي الطريق ينتزعونه دون وجه حق.
وفيما تزداد الأوضاع صعوبة، ترتفع بالمقابل حجم الآمال في توقف الحرب وعودة الأوضاع الى طبيعتها، سيما في ظل تردي الوضع الاقتصادي الصعب داخل الخرطوم تحديدا، والذي تضاعفت على اثره الأسعار بشكل خرافي، لتصبح التكايا والمطابخ وجهة السواد الاعظم للمتواجدين في تلك المناطق مثل منطقة الجريف غرب وأحياء جنوب الحزام مثل الأزهري والسلمة ومايو وحي الانقاذ، التي مازال سكانها متواجدين.
الخرطوم.. القرية
وعلى الرغم من تواجد سكان تلك الأحياء الا انهم يعيشون تحديات كبيرة وفق محمد علي _ اربعيني _ من سكان منطقة الجريف ما زال متواجدا في الخرطوم بعد أن تمكن من إخراج أسرته لمنطقة آمنة، فيما بقي هو لحراسة منزله، مؤكدا ل (الكرامة) ، أن الأوضاع بالعاصمة أصبحت مستحيلة، ففي ظل القتال المستمر، يعاني المتواجدون من المواطنين في الحصول على احتياجاتهم في ظل انقطاع التيار الكهربائي والإمداد المائي والذي تضاعفت على اثره اسعار جوالين و(باغات) المياه.
ويعقد محمد في مقارنة ساخرة ذلك التحول الذي اعترى العاصمة، لتصبح اشبه بالقرية بحد تعبيره، التي لم تدخلها المياه ولا الكهرباء بعد، ناهيك عن الانترنت، ينام سكانها باكرا ويستيقظون يبحثون كيفية قضاء يومهم في التفكير على الحصول على المياه والطعام.
تفاصيل مؤلمة يرويها محدثي وهو يجسد حالة التحول الكبير، للخرطوم وهي رغم تهاويها والحريق، الا انها لم تزل صامدة وشامخة.
دمار كبير
ويقلل محمد في حديثه ل الكرامة، من ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من صور او مقاطع فيديو تبين حجم الدمار في العاصمة، مشيرا إلى ان الحجم كبير للغاية، مطلقا تساؤلاته حول الكيفية التي سيتقبل بها المواطنون صدمة الوضع بعد عودتهم.
في مقابل ذلك تشدد محاسن طه خمسينية ل” الكرامة” بمنطقة الازهري، على صعوبة الوضع بعد أن اجبرتها الظروف على البقاء حيث أنها لا تستطيع أن تتحرك بوالديها المسنين من ولاية لأخرى.
وتشتكي طه من صعوبة الحصول على احتياجاتها رغم َجود بعض الاسواق مثل السوق المركزي والمحال التي يجلب اصحابها بضاعتهم من سوق ستة بالحاج يوسف، بحد قولها، الا انها تعجز عن شرائها لتضاعف الأسعار.
وتضيف: نعاني بشكل كبير في الحصول على احتياجاتنا بسبب ارتفاع الأسعار الباهظ، فضلا عن انعدام بعض الأدوية وارتفاع اسعار الموجود منها، ما جعل والدي المسنين يستغنون عن بعض الأدوية، وانا انظر اليهم في قلة حيلة مني.
يبيتون القوى
في مقابل ذلك يشدد خالد الطيب _ اربعيني _ على سوء الوضع بالخرطوم مؤكدا ل الكرامة وجود مناطق تعاني من انقطاع التيار الكهربائي منذ اندلاع الحرب في السودان؛ واخرى تعاني تذبذبه لكنه يعين المواطنين على قضاء حوائجهم على قلتها، مؤكدا على ان التيار المتذبذب، انقطع الايام الماضية مما اثر بشكل كبير في الحصول على المياه.
وبحسب الطيب فان إنقطاع التيار الكهربائي الذي أدى لتوقف الطلبمات التي تقوم بإستخراج المياه من الابار في بعض الأحياء، مما إضطر سكانها للجوء إلى حلول أخرى وهي الاتيان بها من النهر مباشرة بعد أن كان يتم شرؤاها.
وتابع: أزمة المياه هذه أثرت بشكل فعلي على بعض المطابخ والتكايا التي يعتمد عليها سكان منطقة محلية الخرطوم،وذلك بسبب توقفها عن العمل، ما جعلهم “يبااتون القوى”.
الانترنت والكهرباء
وفي زاوية أخرى من زوايا الحكايات والمشاهد المحزنة للعاصمة الخرطوم، يقف انقطاع الانترنت كاحد اهم المشكلات الكبيرة التي يعاني منها المتواجدين من السكان، حيث أنهم يعتمدون عليه اعتمادا كليا في التحاويلات المالية التي تردهم من الخارج.
ووفق المواطنة نايلة محمد الفكي بحي السلمة بالخرطوم، فإن انقطاع الانترنت بالإضافة للكهرباء كان له اثر كثيرا في سوء الوضع، مؤكدة ل الكرامة ان تردي الوضع الاقتصادي للسكان بسبب توقف تطبيق بنكك مع عدم وجود فرص عمل وغلاء الأسعار حيث وصلت أسطوانة الغاز لمبلغ 70 الف جنيه، جعل المواطنين يلجأون إلى الاعتماد على الهيتر.
وتضيف: وبالرغم من الاعتماد على الهيتر الا ان انقطاع التيار الكهربائي، وغلاء الأسعار اجبر المواطنين يلجأون إلى استخدام الأخشاب وتقطيع جميع الأشجار في الخرطوم، لتصبح العاصمة في صورة قاسية من الدمار والخراب، بينما يصارع المواطنين للبقاء على قيد الحياة.
الكرامة: هبة محمود
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: انقطاع التیار الکهربائی الحصول على الا ان بعد أن
إقرأ أيضاً:
نقل الرفات إلى مقابر رسمية يجدّد حزن العائلات السودانية
الخرطوم – خلال فترة الحرب في ولاية الخرطوم، اضطرت إيمان عبد العظيم إلى دفن شقيقها في فناء المنزل بمدينة بحري بمساعدة جيرانها، بعد أن أصبح الوصول إلى المقابر مستحيلا بسبب المعارك، وتقول للجزيرة نت إن حزنهم تجدد وعاشوا ألم الفقد مرة ثانية، بعد نقل رفاته إلى مقبرة عامة.
ومثل إيمان، عاشت مئات الأسر في الخرطوم مشهد دفن جثامين ذويها مرتين، الأولى كانت تحت أزيز الرصاص وفي ساحات المنازل والمدارس والمساجد وحتى الميادين العامة، حينما كان الخروج إلى المقابر الرسمية ضربا من المستحيل أثناء المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالعاصمة.
أما الثانية فتجري اليوم وسط ترتيبات رسمية وحملة حكومية تهدف إلى نقل الرفات إلى مقابر مخصصة، لتبدأ معها مرحلة جديدة من الألم.
وأعلنت ولاية الخرطوم مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، بدء حملة منظّمة لحصر ونقل الرفات من مواقع الدفن الاضطراري إلى مقابر مجهزة، وشُكّلت لجانا ولائية (نسبة للولايات) ومحلية تضم ممثلين من الطب العدلي والدفاع المدني والهلال الأحمر السوداني، إضافة إلى لجان التسيير والخدمات بالأحياء.
وقال المدير التنفيذي لمحلية بحري عبد الرحمن أحمد عبد الرحمن، للجزيرة نت، إن هذه الحملة تهدف إلى تخفيف العبء النفسي على الأسر وتنظيم المشهد الصحي والإنساني في الخرطوم.
ووفق عبد الرحمن، تشرف على هذه الحملة "اللجنة العليا لجمع رفات المتوفين أثناء معركة الكرامة"، وتستهدف نقلها من الميادين والأحياء السكنية.
وتعتمد عملية النقل على 4 مراحل:
حصر مواقع الدفن الاضطراري داخل الأحياء. إبلاغ العائلات وإشراك ممثلين عنهم في كل خطوة من النبش وحتى الدفن. نبش الرفات تحت إشراف مختصين من الطب العدلي. إعادة الدفن في مقابر مخصصة مع توثيق كامل للبيانات. إعلانمن جهته، أوضح مدير هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم هشام زين العابدين -في حديث للجزيرة نت- أن عمليات نقل رفات الضحايا بدأت منذ سيطرة الجيش السوداني على الولاية، حيث قامت فرق ميدانية بدفن جثامين لمواطنين ومقاتلين في مقابر رسمية.
وأكد أن الربع الأول من العام 2026 سيشهد خلو الخرطوم بمحلياتها السبع من أي قبر مدفون خارج المقابر المخصصة، وأشار إلى تحديات تواجه عمل الفرق الميدانية المعنية بعمليات النبش والدفن، منها نقص الأكياس المخصصة للجثامين، "مما قد يؤثر على سير العمل بالصورة المطلوبة".
وحسب زين العابدبن، قامت قوات الدعم السريع بتخريب وحدات الحمض النووي (دي إن إيه) المخصصة لحفظ عينات أعداد من الجثامين المدفونة، وهو ما صعّب مهمة التعرّف على الكثير من الضحايا، وأوضح أنهم لجؤوا لحلول بديلة من خلال ترقيم الجثامين وتوثيق مراحل الدفن، ومن ثم دفنها في مقابر جُهزت خصيصا لمجهولي الهوية.
ودعا مدير هيئة الطب العدلي الجهات الفاعلة والمنظمات والمواطنين إلى مساعدتهم في تجهيز القبور، وأكد أن العمل الذي ينتظرهم كبير ويحتاج لتضافر الجهود بين الحكومة والمواطنين.
من جانبها، قالت نائبة رئيس لجنة التسيير والخدمات بحي شمبات بمدينة بحري شيرين الطيب نور الدائم، للجزيرة نت، إن اللجنة قامت بعمليات حصر للقبور الموجودة داخل المنازل والمساجد والميادين في عدد من الأحياء، كخطوة أولية قبل وصول الفرق الطبية وبدء عمليات النبش ونقل الجثامين.
وأضافت أن الحملة انطلقت في عدد من المناطق بمدينة بحري يوم الاثنين الماضي بمشاركة الجهات الحكومية والمنظمات.
وحول دورهم فيها، أفادت نور الدائم بأنهم يقومون بإبلاغ ذوي الضحايا للحضور ومتابعة الإجراءات الرسمية مع الفرق القانونية والطبية حتى تتم عملية النقل والدفن. وفي حالة عدم حضور أحد من أقارب المتوفين يتم إيقاف عملية النبش وفقا لتوجيهات عمل "اللجنة العليا لجمع رفات المتوفين".
وتشمل أدوارهم في حملة نقل الرفات:
الحصر الميداني، وتحديد مواقع القبور الاضطرارية، وتجميع البيانات، والتواصل المباشر مع الأسر. التنظيم الميداني ودعم الفرق في عمليات النبش والدفن. التنسيق بين الفرق الميدانية وأهالي المتوفين وضمان حضور الأسرة أو ممثل عنها.وطالبت نائبة رئيس لجنة التسيير والخدمات بحي شمبات المواطنين بالتبليغ عن أماكن وجود القبور الاضطرارية حتى تتمكن الفرق الميدانية من الوصول إليها.
وأشارت إلى أن البلاد تحتاج إلى مزيد من الجهود لاستكمال عمليات البناء وإعادة الإعمار، وأن ما يقومون به هو "عمل يمهّد لتهيئة بيئة سليمة لعودة المواطنين".
وعلى الرغم من صعوبة أن يعيش الناس وداعا ثانيا لأحبائهم، فإن عمليات النبش ونقل رفات المتوفين تمثل في جوهرها خطوة من خطوات التعافي وإعادة ترتيب ما خلفته الحرب في ولاية الخرطوم.
إعلان