يتسبب القلق والاكتئاب في خسارة 12 مليار يوم عمل على مستوى العالم، فضلا عن تريليون دولار للاقتصاد العالمي سنويا، وهي خسائر تتزايد كل يوم مع الأزمات الإنسانية والصحية المتوالية في عالم يعاني فيه 280 مليون شخص من الاكتئاب، وسط تراجع الخدمات النفسية بشكل ملحوظ في العديد من البلدان التي تعد فيها فرصة الحصول على مساعدة نفسية رفاهية.

من هنا، تبرز أهمية "النظافة النفسية والعقلية".

ورغم السمعة الطيبة التي يتمتع بها مصطلح "العقل النظيف" والتي تشير غالبا إلى الذكاء الشديد، فإن للمصطلح قصة غريبة، إذ كان يشير في الأصل إلى نشاط دشنته رابطة أطلقها كليفورد وتنغام بيرز مطلع القرن الماضي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما الحل الأمثل للتعامل مع الطفل الذي يريد كل شيء؟ما الحل الأمثل للتعامل مع ...list 2 of 2سحر الذكريات الجميلة كيف يسهم في تحسين المزاج؟سحر الذكريات الجميلة كيف يسهم ...end of list

وقبل استعراض الممارسات التي تساعد الشخص على الاستمتاع بعقلية ونفسية نظيفة، سنستعرض أدناه قصة مصطلح "العقل النظيف".

مصطلح "العقل النظيف" اشتهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية في وصف برنامج للتنشئة الصحية والمسؤولة للأطفال (غيتي إيميجز) قصة "العقل النظيف"

تأسست الرابطة الوطنية للصحة العقلية بشكل رسمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة وتحديدا في العام 1946، وكانت منظمة تطوعية تعمل بشكل وثيق مع الأطباء النفسيين والحكومة، وتقدم خدماتها من دورات تعليمية وعلاج.

ورغم أن الهدف من المنظمة كان تحسين العلاج والرعاية في المصحات العقلية، فإن مؤسس الرابطة كليفورد وتنغام بيرز كان يرى أهمية التركيز على الوقاية والعلاج المبكر من المشاكل العقلية.

ومن هنا ظهر مصطلح "النظافة العقلية والعاطفية"، لكنه حين ظهر للمرة الأولى، ارتبط بشكل أساسي بمرحلة الطفولة، إذ تم النظر إلى تلك المرحلة باعتبارها الأهم للحيلولة دون وقوع مشاكل عقلية أكثر خطوة، أو مشاكل اجتماعية لاحقة.

وبالفعل، تم التشجيع على إنشاء عيادات إرشادية لعلاج الأطفال الذين تظهر عليهم علامات سوء التكيف وصعوبات التعلم، ونشر الدعاية حول أهمية التنشئة الصحية والمسؤولة للأطفال، فوُضعت قواعد صارمة لقياس الذكاء والتشخيص النفسي والعقلي للأطفال، خلصت إلى تشخيص عدد كبير من الأطفال والبالغين بـ"القصور العقلي".

ويمكن فهم الصورة بشكل أوضح عبر اقتباس من كتيب أصدرته الرابطة في العام 1930، والذي حسم الموقف من الأطفال الذين تم وصمهم بأنهم "يعانون من القصور العقلي":

من المعروف أن حال الطفل الذي يتم تدريبه لسنوات في إحدى المؤسسات سيتدهور بشكل مؤسف نتيجة لبقائه بضعة أشهر في المنزل. وبنفس الطريقة أيضاً، فإن الطفل ذو درجة الذكاء المنخفضة من المرجح أن يظل عاجزا وقذرا وغير خاضع للسيطرة إذ تُرك دون تدريب، وهو عبء لا يطاق تقريباً على المؤسسة التي يجب إرساله إليها في النهاية.

وفي مرحلة لاحقة من القرن الماضي، توصل العلماء إلى أن بقاء الأطفال في مؤسسات التأهيل -التي يفترض أنها كانت معدة لعلاجهم من "القصور العقلي" – تسبب في خلل عاطفي أثناء التعامل مع الآخرين، دون أن يقابله عجز فكري كما كان متصورا! لتتم بعدها إعادة النظر في ممارسات المؤسسة التي أخرجت مصطلح "النظافة العقلية" إلى العالم.

ارتبط مصطلح "النظافة العقلية" سابقا بمرحلة الطفولة باعتبارها المرحلة الأهم للحيلولة دون حدوث مشاكل لاحقة (غيتي) روتين النظافة العقلية والعاطفية

في أواخر خمسينيات من القرن الماضي، أبطلت تجربة علمية عُرفت باسم "دراسة بروكلاندر" التمييز ضد الأطفال الموصومين بـ"التخلف العقلي"، وتسببت في تعديل السياسات العلاجية القائمة على العلاقات الأسرية والاجتماعية.

وأكدت التجربة أيضا أن العلاقات الاجتماعية والأسرية من شأنها أن تعزز الصحة العقلية لمن يعانون صعوبات التعلم وليس العكس، إلا إن مصطلح "العقل النظيف" بقي قائما ولكن بشكل مختلف.

فبحسب الموسوعة البريطانية، يشير مصطلح "النظافة العقلية" إلى علم الحفاظ على الصحة العقلية والوقاية من الاضطرابات لمساعدة الأشخاص على العمل بكامل إمكاناتهم العقلية.

ويشمل جميع التدابير التي يمكن اتخاذها لتعزيز الصحة العقلية والحفاظ عليها، ومنها:

إعادة تأهيل المضطربين عقليا. الوقاية من الأمراض العقلية.

المساعدة على التكيف في عالم مرهق.

ممارسة الرياضة تساعد في تصفية الذهن إلى جانب الحفاظ على الصحة البدنية (غيتي) خطوات لتعزيز الصحة العقلية

وتشتمل برامج "النظافة النفسية" على كل من العلاج النفسي والعلاج الدوائي ومجموعات الدعم، وتتضمن عددا من الخطوات الأساسية التي من شأنها تعزيز الصحة العقلية، أهمها:

تغطية الاحتياجات الأساسية للذات، كالطعام والنوم بشكل صحي، وعدم التهاون بشأنهما. احترام الذات والوثوق بها، بما يتطلبه من قبول النفس والإيمان بها، والوثوق بالآخرين أيضا. إقرار العواطف والتحكم بها، ليس بإنكارها، أو تجاهلها، بل بالتعرف عليها جيدا، وتفسيرها وتنظيم شدتها، بحيث تتناسب الاستجابة مع الحدث، وهذا أيضا مفتاح الذكاء العاطفي. وضع أهداف قابلة للتحقق تجنبا للشعور بالإحباط مع القدرة على إدارة التوقعات وفقا للواقع. الانتباه إلى المشاعر السلبية أولا بأول، فلا بأس من الشعور بالخوف أو الشك، أو الضيق، لكن الاستسلام لتلك المشاعر أو التفكير بطريقة إيجابية هو خيارك الشخصي. تعلم كيفية الاسترخاء والتعامل مع الشدائد، تجنبا للشعور بالإجهاد المستمر، فعلى الرغم من أن الشعور بالتوتر والإجهاد أمور طبيعية في المواقف الصعبة، فإن استمرار الشعور بالإنهاك خلال فترات الاستقرار والهدوء يتطلب عددا من التمرينات والممارسات الخاصة بكيفية الاسترخاء وعلى رأسها اليقظة الذهنية. الانتباه إلى أهمية الحياة الاجتماعية، والعناية بالعلاقات في المحيط القريب والبعيد، سواء في محيط الأسرة، أو الأصدقاء، أو حتى العمل. ممارسة التمارين بانتظام، للحفاظ، ليس فقط على الصحة البدنية، ولكن أيضا لتصفية الذهن، حيث تساعد ممارسة الرياضة إدارة الأمور الشخصية بشكل أفضل. يتطلب الحفاظ على الهدوء عددا من التمرينات والممارسات الخاصة بالاسترخاء وعلى رأسها اليقظة الذهنية (غيتي) هل يستحق الأمر العناء؟

يحذر استشاري الطب النفس الدكتور أحمد عبد الله، مما تنطوي عليه بعض المصطلحات الرائجة في مجال الطب النفسي ومن بينها "النظافة النفسية".

ويقول المدرس بكلية الطب بجامعة الزقازيق بمصر، "ثمة خطوط عريضة تتعلق بالصحة النفسية، يمكننا أن نراها تحت عناوين عديدة مثل: الصحة النفسية الإيجابية، أو النظافة النفسية، وغيرها، كالنوم الكافي في الأوقات المناسبة مثلا، أو التقليل من استخدام الشاشات للكبار والأطفال، لكن يظل السؤال بشأن بعض التفاصيل الدقيقة تحت العناوين الجذابة المماثلة".

ويرى مدرس الطب النفسي أن اضطلاع جهة معينة أو منظمة، أو رابطة بتحديد ما هو طبيعي، وما هو غير طبيعي، أمر مثير للريبة، يستحق الانتباه، ويضرب مثالا بالتغيير الذي طرأ على دليل التشخيص الذي يعمل وفقه أطباء الطب النفسي.

ويختم، "لذلك أنصح المتعمقين في التعامل مع مصطلحات الطب النفسي من المهتمين والهواة بضرورة التركيز مع التفاصيل الدقيقة التي قد لا تتناسب مع ثقافاتنا وعاداتنا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات نفسي الصحة العقلیة الطب النفسی

إقرأ أيضاً:

نائب وزير الصحة: الاستثمار في الصحة النفسية هو استثمار في الإنسان والمجتمع

 أكد الدكتور محمد الطيب، نائب وزير الصحة والسكان لشئون الحوكمة والتطوير المؤسسي، أن الصحة النفسية ليست فرعا من فروع الطب، بل هي أساس لبناء مجتمع متوازن ومتماسك، مشيرًا إلى أن مجتمعا يتمتع بالسلام النفسي هو مجتمع قادر على الإنتاج والتنمية المستدامة.

وأوضح الطيب فى كلمة له خلال الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يوافق العاشر من أكتوبر من كل عام،أن وزارة الصحة والسكان تولي اهتماما متزايدًا بالصحة النفسية، من خلال تشغيل الخط الساخن للدعم النفسي على مدار أيام الأسبوع لتقديم الاستشارات النفسية المجانية، بالإضافة إلى توسيع نطاق خدمات الدعم النفسي في مبادرة "حياة كريمة"، والتي تضمنت حتى الآن أكثر من 23 ألف زيارة توعية وتدريب للفئات الأكثر احتياجًا، لاسيما النساء المعرضات للعنف أو الضغوط الاجتماعية.

وأضاف نائب الوزير أن الصحة النفسية أصبحت محورًا رئيسيًا في خطط الحوكمة والتحول الرقمي داخل القطاع الصحي، مؤكدًا أن التحول الحقيقي في التنمية يبدأ من الاستثمار في الإنسان، والعناية بصحته النفسية جزء لا يتجزأ من هذا الاستثمار.

وأشار إلى أن أحدث الأبحاث الطبية العالمية — ومنها تقارير منظمة الصحة العالمية لعام 2025 — تؤكد أن كل دولار يُستثمر في برامج علاج الاضطرابات النفسية يحقق عائدا اقتصاديا يقدر بأربعة دولارات نتيجة لتحسن الإنتاجية وتقليل معدلات الغياب عن العمل.

وأضاف أن هناك دراسات مصرية حديثة  اظهرت أن واحدا من كل خمسة مواطنين يعاني من أعراض نفسية تحتاج إلى دعم أو تدخل مبكر، وهو ما يبرر التوسع في خدمات الصحة النفسية المجتمعية التي تتبناها الوزارة حاليا.

واختتم الطيب كلمته بالتأكيد على أن الصحة النفسية مسؤولية مجتمعية مشتركة، داعيًا جميع الجهات الحكومية والمدنية والإعلامية إلى تعزيز الوعي وتخفيف وصمة المرض النفسي، مشددا على أن من يؤمن بالإنسان يجب أن يؤمن بحق كل فرد في صحة نفسية آمنة وكريمة.
 

مقالات مشابهة

  • شمال الباطنة تناقش تعزيز الصحة النفسية
  • إفرام: مبادرات رياضية في رعشين تعزز التنمية المحلية والسياحة
  • شيخ العقل يعزّي دولة قطر بوفاة الدبلوماسيين في شرم الشيخ
  • نائب وزير الصحة: الاستثمار في الصحة النفسية هو استثمار في الإنسان والمجتمع
  • تعز تعقد أول مؤتمر حول الآثار النفسية للحرب في اليمن
  • «في اليوم العالمي للصحة النفسية»
  • قيادات الصحة يغيبون عن المشاركة في انتخابات نقابة الأطباء
  • تعرف إلى المعارضة الفنزويلية التي سرقت جائزة نوبل للسلام من ترامب
  • استراتيجية وطنية لدمج الصحة النفسية في خطط مواجهة الأزمات
  • تعرف إلى أبرز الفيتامينات التي يحتاجها الإنسان لا سيما النساء بعد الأربعين