لجريدة عمان:
2024-07-27@02:10:38 GMT

هل الحرية المتوازنة يرفضها الإسلام؟

تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT

في مقالي الأسبوع المنصرم، الذي حمل عنوان (عندما تُضرب الحرية في أخص خصائصها)، تحدثت عن قضية ما يسمى بعصر الأنوار في القرنين الـ18 والـ19 الميلادي في الغرب، وكيف انبهر بـه بعض العرب والمسلمين ممن درسوا هناك، وسمعوا ما يقال لهم إن الغرب متمسك بالحريات العامة، وبالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وإن على كل الإنسانية، أن تقتدي بالغرب في أن تكون كذلك في حياتها وفكرها ورؤيتها، وعلى نفس المسار الذي سار عليه الغرب قولًا وفعلًا.

من هنا حصل لبعض من أبناء جلدتنا، من شباب العرب والمسلمين إكبار للغرب لما هو فيه بالفعل، وأن الغرب نهض نهضة ضخمة في كل مجالات العلوم والتكنولوجيا والمدنية الأخرى، وأصاب البعض من شبابنا -كما أشرنا في المقال الأسبوع الماضي- هزيمة فكرية تجاه الغرب، خاصة أولئك الذين مكثوا طويلًا ودرسوا في الغرب في أوائل القرن الماضي، عندما وجدوا الفارق الكبير، دون أن يراجع الظروف التي حصلت للعالم العربي والإسلامي، وساهم فيه الغرب في تخلفه وتراجعه وقضية الصراع الطويل الذي جرى بين الدول الغربية والدولة العثمانية والتي كانت تمسك بالخلافة الإسلامية آنذاك، وهذا ما جعل بعضهم يطالب أن نعيش مثلما يعيش الغربيون في كل مناحي الحياة، بل إن أحد هؤلاء -وهو أحد الباحثين العرب المعروفين، في الساحة الفكرية العربية- طلب القطيعة التامة والكاملة مع فكرنا العربي الإسلامي، والالتحاق بالغرب، وهذه -للأسف- هزيمة فكرية كما أشرنا، ولا تأتي لنا لا بالتقدم ولا بالنهضة، بل علينا ألّا نقلد الآخر، وإنما علينا أن نبدع من ذاتنا كما أبدع وننهض كما نهض. لذلك على الأمة أن تأخذ من الغرب مناهجه العلمية وأسلوب منطلقه في كيفية حصول هذا النهوض والتقدم، لكن الغرب يريد من كل الأمم أن تقلده فقط فيما سار عليه وأن يبقوا مستهلكين، من أجل يكونوا تابعين لا مبدعين. وفي قضايا الحريات وحقوق الإنسان وحريات التعبير، لم يكن الغرب صادقًا وجادًّا لكل الإنسانية، وهذا ما جرى في قضية فلسطين المحتلة، وغزة وقضايا كثيرة حصلت قبل ذلك، كذلك ما جرى لطلاب الجامعات الغربية عندما عبروا عن انتقادهم لدولهم في تعاطيها مع ما يجري في فلسطين من قتل وإبادة جماعية وتهجير وتجويع إلخ..

والإشكال أن بعض الكتاب العرب وبالأخص الذين تأثروا بفكر التغريب، وتتلمذوا على أيدي بعض المستشرقين، وأخذوا عنهم بعض الآراء التي كانت غير منصفة في كثير مما قالوا، عن أمة العرب وحياتها وتاريخها، ولم تكن عادلة، وهم ممن سبقوا الحملات الاستعمارية لاحتلال الكثير من بلدان العرب، ولهم أبحاث ودراسات منها: الحرية وحقوق للإنسان والفكر والفلسفة ليس لها أثر فعلي في حياة العرب، لكنهم -الكتاب العرب المتأثرون بالحضارة الغربية- يسكتون أو يتجاهلون ما فعله الغربيون في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي، حيث إنهم لم يتركوا مسلمًا يعيش بدينه وقيمه وثقافته، بل فُرضوا على المسلمين، إما التنصر أو القتل أو الطرد من الأندلس، وهو ما يسميه الباحثون الغربيون أنفسهم بـ(محاكم التفتيش)، وهي محاكم واضحة الأهداف من حيث القمع والقهر والاستبداد، إذ تسعى هذه المحاكم لتفتيش الناس واكتشاف عقائدهم وتوجهاتهم الفكرية بالقوة القاهرة. لذلك حُورب المسلمون في إسبانيا حربًا شعواء -ليس هنا مقام السرد والكشف لما جرى للمسلمين في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي- إذ لم يتركوا لهم المجال أن يعيشوا بدينهم وهم ربما بمئات الألوف إن لم يكن بالملايين. وهذا يبرز أن الحرية والاختيار الديني للحضارة المسيحية لم تكن تتاح للآخر المختلف، لكن في المقابل، نرى أن الإسلام عندما ساد العراق ومصر والشام وبلاد فارس وتركيا، لم يرفض أصحاب الديانات الأخرى، لا سيما الديانات التوحيدية: (اليهودية والنصرانية)، فقد أعطاهم حقوقهم في العيش الكريم والاستقرار والبقاء على دينهم، وبقيت معابدهم وكنائسهم موجودة حتى الآن في هذه الدول، وهذا دليل حرية الاختيار، دون فرض أو قصر، وهناك حديث للنبي -عليه السلام- يقول:(من آذى ذميًّا فأنا خصيمه يوم القيامة).

وهذا يدل أن هناك حرية وحقوقًا ضمنها الإسلام لأصحاب الديانات الأخرى، وهذه هي إحدى قيم الحرية، التي يجب أن تكون حقا إنسانيا. وعندما بزغ فجر الإسلام كانت دعوته ناصعة وواضحة في مسألة الحق في الحرية الإنسانية ومنطلقاتها، وفي إعطاء الإنسان الحق في الحرية والكرامة بما أرساه الإسلام من مفاهيم أوجبت هذا الحق لكل بني البشر دون تمييز أو إقصاء، ومنحهم حق الاختيار في الاعتقاد، ولم يُكره أحدًا على اعتناق هذا الدين، وهذا ما تحقق في قوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (سورة يونس الآية 99). وهذه القيمة العظيمة التي أرساها الإسلام لحرية الدين، أسهمت في تحرر الفرد من الخوف والشعور بامتهان الكرامة الإنسانية، وأصبح الناس سواسية لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، والجهد والعلم والدين.. كما جعل الإسلام الاعتقاد والإيمان خاصًّا بالإنسان واختياره بحريته، دون إجبار أو قهر في أن يعتقد ما يشاء ويؤمن عن بيّنة وإدراك وقناعة.

ومن هنا فإن الإسلام أعلى من شأن حرية الرأي والتعبير في الحدود التي لا تتعدى حرية الآخرين أو المساس بهم دون وجه حق، وكما يقول د.منيب محمد ربيع: الإسلام لم يدخر جهدًا في إعطاء هذه الحرية جل عنايته واهتمامه باعتبارها الوسيلة المثلى لنشر الدعوة وإعلانها وإعلاء شأنها عن طريق تفهم جوانبها ومواجهة الناس بها، يقول تعالى: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (سورة آل عمران،آية 104).

فحرية الرأي تضمن للإنسان عرض أفكاره على الغير وإقناعهم بها ثم يحمل كل وزره ما دام قد كُشِف له الحق القائم على الدليل. وهذه الحرية مكفولة للجميع من مسلمين وأهل كتاب، ما دامت لا تحمل على الفوضى أو تشير إلى الفساد والإفساد». والإشكال فيما برز من البعض ممن يتحدث عن الحرية، وهو يناقضها، ويستخدم الحرية، استخدامًا مضادًا للحرية نفسها، عندما يعتدي على حرية الآخرين، باسم الحرية، ومنطلقاتها الرائعة وهو ما يحصل في الغرب بعد السابع من أكتوبر الماضي، فهنا لا تستقيم مضامين الحرية في أن تكون عدوانًا على حرية الآخرين، إذا ما أردنا أن نحدد ما الحرية؟ وما محدداتها؟ بل إنها تنعدم مع أننا نرفعها شعارًا مضادًا لهذه القيمة العظيمة في الحياة الإنسانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كونغرس الباطل والحل الحمساوي

تقسم شاشاتك إلى شاشات كثيرة وتتابع العالم. على شاشاتك المتعددة دمار شامل للبشر والحجر في غزة تجاوره شاشة كونغرس العار يستقبل نتنياهو بالقبل والعناق والتقديس. شاشة لشوارع العالم تناصر غزة وشاشة لشوارع العرب تتزاحم على حفلات فنان بلا صوت يغطي عورة فنه بكشف شعر صدره للفتيات البائسات. شاشة لمحمود عباس يطارد خلايا المقاومة وشاشة لمقاتل حمساوي يفجر المركافا من المسافة صفر. شاشة تنصرك وأخرى تحط من عزيمتك شاشة للأمل وشاشات للتثبيط. لكنك تنتهي إلى أن الأثر الباقي هو القوة وإن من لم يتخذ سبيل حماس سيعيش دهره تحت كونغرس العار ينظم انتخابات على الطريقة التونسية يعرف العالم نتيجتها قبل إنجازها.

كونغرس المظالم الأبدية

ذلك المجتمع الظالم يعرف قبل الجمهور المتفرج أنه بني واستمر على جثث الملايين من السكان الأصليين ومن العبيد المجلوبين من قارات الأرض لبناء ثروة الرجل الأبيض وقوته بلا سؤال يراجع أسس البناء. ذلك سؤال ممنوع بل تم ردمه خلف الشعارات السفيهة مثل تمثال الحرية هدية فرنسا الاستعمارية لأمريكا الإبادية. تاريخ كامل من الزيف لا يعتبر استقبال نتنياهو الجزار فيه إلا حلقة من مسلسل قهر لا تبدو له نهاية. استغراب الناس من وحشية الاستقبال وبذاءته هي التي تبدو لنا غريبة كأن المتفرج هنا يكتشف أمريكا بعد جهل بطبيعة بنيانها.

وحدها شاشة حماس كانت ترد على مشهد الكونغرس بالياسين 105. فتبدو غير مهتمة بالزيف بل تكتب قصة حريتها بدم كثير. وترسخ مقولة الحرية الأبلغ (القوة يرد عليها القوة ولو بثمن من الأرواح). وترسخ قناعة واضحة في بساطتها إن الأرواح التي لا تدفع في الحرية يمكن العبث بها بفنان بلا صوت. ويمكن تزييف إرادتها بصندوق انتخاب مضروب.

هل على العالم أن يحمل السلاح ضد كونغرس العار؟. هذه الجملة تخيف حتى من يكتبها فما بالك بمن يتخيلها تطبق على الأرض لكن منذ قرنين ترسخ في التاريخ أن الغرب الذي تجمع في كونغرس العار لا يفهم إلا لغة القوة وأن كل الحيل في التعايش معه ولو بالحد الأدنى كانت تنتهي بفرض نماذج عباس في الضفة والسيسي في مصر وما هما إلا مثالين.

وحدها شاشة حماس كانت ترد على مشهد الكونغرس بالياسين 105. فتبدو غير مهتمة بالزيف بل تكتب قصة حريتها بدم كثير. وترسخ مقولة الحرية الأبلغ (القوة يرد عليها القوة ولو بثمن من الأرواح). وترسخ قناعة واضحة في بساطتها إن الأرواح التي لا تدفع في الحرية يمكن العبث بها بفنان بلا صوت. ويمكن تزييف إرادتها بصندوق انتخاب مضروب.ذلك الكونغرس أجهز على المثال المزيف

هذه مكرمة من مكارم الشر إذ يكشف نفسه لكل ذي بصيرة. كثيرون هنا لا يتعلمون من ذلك المشهد البذيء درسا جديدا. لكن آخرين وطنوا النفس على رؤية غرب التزييف والسفه وأن مقولات العدالة وحقوق الإنسان ليست إلا ماعون احتلال وقهر لا تتجاوز أبدا الكراسات التي كتبت عليها. ولذلك فإن الاستقبال الوقح درس بليغ في فهم الغرب الإبادي لمن يريد أن يتعلم.

كم انتظر الفلسطيني أن ينصفه القانون الدولي فيعيد له أرضه السليبة لعيش فوقها مثل باقي البشر؟ كم انتظرت شعوب الأرض لتنتصف من حكامها بوسائل السياسة فتحكم نفسها بالديمقراطية فتنتهي دوما إلى حكم بيادق وعملاء مصنوعين في مخابر ذلك الكونجرس؟ إنما ذلك المشهد تذكير فكيف السبيل للنجاة؟

نعم إنها تذكرة وتعيها عقول واعية وهي قليلة فذلك الكونغرس زيف أرواح العالم وخلق جمهورا لا يستحي من رؤية الموت أمام بيته فيتخطى الجثث إلى مهرجان ويرقص. توجد هنا معضلة لا حل لها في الظاهر كيف يمكن تجميع المظلومين خلف قضية عادلة فلا ينخدعون بلهو عابر عن تحصيل حق أزلي في الحرية؟ وهل من السهل على الناس أن يكونوا مثل حماس وحاضنتها الشعبية؟ ما أسهل طرح الأسئلة وما أعسر الوصول إلى إجابات. لكن رغم ذلك فإن الإجابة تظل مطلبا ملحا.

وضع المواطن العربي خارج غزة هو وضع بشر محتل من ذلك الكونغرس وإن لم تنزل المارينز على الأرض. لنتذكر مسرحية الانتخابات العربية منذ نصف قرن. إنها منة غربية وليست إنجازا شعبيا. يتابعون مشهدا مفبركا ويزعمون عدم التدخل في أمر الأوطان احتراما لشعوبها لكن النتيجة تكون دوما حاكم عربي يخدمهم ويقهر شعبه ولو سمحوا له باستعمال جملة كاذبة عن "التطبيع خيانة عظمى". بديل ذلك ليس دعوتهم للتدخل بل منعم من التدخل وتوجيه السياسات بواسطة عملاء محليين. الوعي بالحرية بصفتها حياة لا بصفتها متعة عابرة.

الحل الحمساوي

ليس بالضرورة بالياسين 105. فقد قتل رئيس عربي على منصة لكن وضع الشعب لم يتغير بل ازداد سوءا. الحل الحمساوي هو الإيمان بالحق في الحرية والصبر على تحقيقها ولذلك وسائل غير قتالية منها المقاطعة بوعي ومنها النضال بالصندوق الانتخابي ومنها تحريك الشوارع وهذه متاحة بقليل من وعي الحرية في مقابل بذاءة الكونغرس.

أيها الغرب المزيف لم نعد نؤمن بك ولا بقانونك ولا نراك مرجعا. هذه جملة صالحة كمقدمة وعي ثم تبنى عليها جمل كثيرة ليس منها ذلك النواح المتقن عن عصر ذهبي عربي يبدأ بكانت العرب ذات يوم وكان عندهم.من أين تبدأ هذه المعركة؟ توجد نخب تفهم هذا السؤال وتتفق مع مقدماته وتنصف كاتبه لكنها لا تتقدم للفعل لأنها لم تتخط حاجز خوفها من دفع الأثمان. وكثير من هذا الخوف مزروع من قبل ذلك الكونغرس وأمثاله.

أيها الغرب المزيف لم نعد نؤمن بك ولا بقانونك ولا نراك مرجعا. هذه جملة صالحة كمقدمة وعي ثم تبنى عليها جمل كثيرة ليس منها ذلك النواح المتقن عن عصر ذهبي عربي يبدأ بكانت العرب ذات يوم وكان عندهم.

هناك جمل بديلة "كانت جنوب إفريقيا تعيش أبارتايد ونجحت في التحرر". "كانت بلدان أمريكا اللاتينية يحكمها انقلابيون عملاء لكنها حررت شعوبها بالانتخابات بعد صبر طويل". "كانت غزة محتلة لكنها بذلت مائة ألف شهيد فلم يعد يجرؤ عليها عدو أو خائن". مثل هذه الجمل يمكن تحويلها إلى مفاتيح وعي ليجد كونغرس المظالم نفسه محاصرا في قبته. إذ لم يعد متاحا له أن يبيد شعوب الأرض مثلما أباد المحليين ذات غزو.

هل هذا ممكن؟ إنها حلول مثالية تكتب تحت التكييف. من كان يظن أن جماعة بشرية صغيرة عزلاء معزولة ومحاصرة وجائعة تصمد لأقوى آلة حربية في الكون والتاريخ لمدة شهور عشرة وتركعها للتفاوض، تلك الجماعة وذلك الوعي هو الحل. إذا تأملت ذلك يمكنك البدء في الدفاع عن نفسك ضد كونغرس التزييف.

مقالات مشابهة

  • المكاري : ألتزم أن تبقى وزارة الإعلام منبراً للدفاع عن الحرية المسؤولة
  • «طريق الحرير الروحي» يناقش الاعتدال في الإسلام
  • مصدر رفيع المستوى: مصر أكدت باجتماع روما تمسكها بصيغة تضمن حرية الحركة بغزة
  • صحيفة بريطانية: هاريس أشد خطراً على أمن الغرب من ترامب
  • #الكلمة_الحرة_معتقلة .. عاصفة إلكترونية العاشرة مساء اليوم
  • ستريدا جعجع لرئيس القوات: معكَ دائماً في مواعيد الحرية والحياة
  • نجوى إبراهيم تهاجم ارتداء الحلق للرجال: ينفع تلبس مايوه وتمشي في الشارع وتقول حرية شخصية؟
  • كونغرس الباطل والحل الحمساوي
  • إصدار قانون حرية تداول المعلومات أبرزها.. توصيات هامة لـ "اتصالات البرلمان" بشأن برنامج الحكومة
  • «كاميلا هاريس» المتوازنة