لجريدة عمان:
2025-03-25@12:52:23 GMT

هل الحرية المتوازنة يرفضها الإسلام؟

تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT

في مقالي الأسبوع المنصرم، الذي حمل عنوان (عندما تُضرب الحرية في أخص خصائصها)، تحدثت عن قضية ما يسمى بعصر الأنوار في القرنين الـ18 والـ19 الميلادي في الغرب، وكيف انبهر بـه بعض العرب والمسلمين ممن درسوا هناك، وسمعوا ما يقال لهم إن الغرب متمسك بالحريات العامة، وبالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وإن على كل الإنسانية، أن تقتدي بالغرب في أن تكون كذلك في حياتها وفكرها ورؤيتها، وعلى نفس المسار الذي سار عليه الغرب قولًا وفعلًا.

من هنا حصل لبعض من أبناء جلدتنا، من شباب العرب والمسلمين إكبار للغرب لما هو فيه بالفعل، وأن الغرب نهض نهضة ضخمة في كل مجالات العلوم والتكنولوجيا والمدنية الأخرى، وأصاب البعض من شبابنا -كما أشرنا في المقال الأسبوع الماضي- هزيمة فكرية تجاه الغرب، خاصة أولئك الذين مكثوا طويلًا ودرسوا في الغرب في أوائل القرن الماضي، عندما وجدوا الفارق الكبير، دون أن يراجع الظروف التي حصلت للعالم العربي والإسلامي، وساهم فيه الغرب في تخلفه وتراجعه وقضية الصراع الطويل الذي جرى بين الدول الغربية والدولة العثمانية والتي كانت تمسك بالخلافة الإسلامية آنذاك، وهذا ما جعل بعضهم يطالب أن نعيش مثلما يعيش الغربيون في كل مناحي الحياة، بل إن أحد هؤلاء -وهو أحد الباحثين العرب المعروفين، في الساحة الفكرية العربية- طلب القطيعة التامة والكاملة مع فكرنا العربي الإسلامي، والالتحاق بالغرب، وهذه -للأسف- هزيمة فكرية كما أشرنا، ولا تأتي لنا لا بالتقدم ولا بالنهضة، بل علينا ألّا نقلد الآخر، وإنما علينا أن نبدع من ذاتنا كما أبدع وننهض كما نهض. لذلك على الأمة أن تأخذ من الغرب مناهجه العلمية وأسلوب منطلقه في كيفية حصول هذا النهوض والتقدم، لكن الغرب يريد من كل الأمم أن تقلده فقط فيما سار عليه وأن يبقوا مستهلكين، من أجل يكونوا تابعين لا مبدعين. وفي قضايا الحريات وحقوق الإنسان وحريات التعبير، لم يكن الغرب صادقًا وجادًّا لكل الإنسانية، وهذا ما جرى في قضية فلسطين المحتلة، وغزة وقضايا كثيرة حصلت قبل ذلك، كذلك ما جرى لطلاب الجامعات الغربية عندما عبروا عن انتقادهم لدولهم في تعاطيها مع ما يجري في فلسطين من قتل وإبادة جماعية وتهجير وتجويع إلخ..

والإشكال أن بعض الكتاب العرب وبالأخص الذين تأثروا بفكر التغريب، وتتلمذوا على أيدي بعض المستشرقين، وأخذوا عنهم بعض الآراء التي كانت غير منصفة في كثير مما قالوا، عن أمة العرب وحياتها وتاريخها، ولم تكن عادلة، وهم ممن سبقوا الحملات الاستعمارية لاحتلال الكثير من بلدان العرب، ولهم أبحاث ودراسات منها: الحرية وحقوق للإنسان والفكر والفلسفة ليس لها أثر فعلي في حياة العرب، لكنهم -الكتاب العرب المتأثرون بالحضارة الغربية- يسكتون أو يتجاهلون ما فعله الغربيون في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي، حيث إنهم لم يتركوا مسلمًا يعيش بدينه وقيمه وثقافته، بل فُرضوا على المسلمين، إما التنصر أو القتل أو الطرد من الأندلس، وهو ما يسميه الباحثون الغربيون أنفسهم بـ(محاكم التفتيش)، وهي محاكم واضحة الأهداف من حيث القمع والقهر والاستبداد، إذ تسعى هذه المحاكم لتفتيش الناس واكتشاف عقائدهم وتوجهاتهم الفكرية بالقوة القاهرة. لذلك حُورب المسلمون في إسبانيا حربًا شعواء -ليس هنا مقام السرد والكشف لما جرى للمسلمين في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي- إذ لم يتركوا لهم المجال أن يعيشوا بدينهم وهم ربما بمئات الألوف إن لم يكن بالملايين. وهذا يبرز أن الحرية والاختيار الديني للحضارة المسيحية لم تكن تتاح للآخر المختلف، لكن في المقابل، نرى أن الإسلام عندما ساد العراق ومصر والشام وبلاد فارس وتركيا، لم يرفض أصحاب الديانات الأخرى، لا سيما الديانات التوحيدية: (اليهودية والنصرانية)، فقد أعطاهم حقوقهم في العيش الكريم والاستقرار والبقاء على دينهم، وبقيت معابدهم وكنائسهم موجودة حتى الآن في هذه الدول، وهذا دليل حرية الاختيار، دون فرض أو قصر، وهناك حديث للنبي -عليه السلام- يقول:(من آذى ذميًّا فأنا خصيمه يوم القيامة).

وهذا يدل أن هناك حرية وحقوقًا ضمنها الإسلام لأصحاب الديانات الأخرى، وهذه هي إحدى قيم الحرية، التي يجب أن تكون حقا إنسانيا. وعندما بزغ فجر الإسلام كانت دعوته ناصعة وواضحة في مسألة الحق في الحرية الإنسانية ومنطلقاتها، وفي إعطاء الإنسان الحق في الحرية والكرامة بما أرساه الإسلام من مفاهيم أوجبت هذا الحق لكل بني البشر دون تمييز أو إقصاء، ومنحهم حق الاختيار في الاعتقاد، ولم يُكره أحدًا على اعتناق هذا الدين، وهذا ما تحقق في قوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (سورة يونس الآية 99). وهذه القيمة العظيمة التي أرساها الإسلام لحرية الدين، أسهمت في تحرر الفرد من الخوف والشعور بامتهان الكرامة الإنسانية، وأصبح الناس سواسية لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، والجهد والعلم والدين.. كما جعل الإسلام الاعتقاد والإيمان خاصًّا بالإنسان واختياره بحريته، دون إجبار أو قهر في أن يعتقد ما يشاء ويؤمن عن بيّنة وإدراك وقناعة.

ومن هنا فإن الإسلام أعلى من شأن حرية الرأي والتعبير في الحدود التي لا تتعدى حرية الآخرين أو المساس بهم دون وجه حق، وكما يقول د.منيب محمد ربيع: الإسلام لم يدخر جهدًا في إعطاء هذه الحرية جل عنايته واهتمامه باعتبارها الوسيلة المثلى لنشر الدعوة وإعلانها وإعلاء شأنها عن طريق تفهم جوانبها ومواجهة الناس بها، يقول تعالى: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (سورة آل عمران،آية 104).

فحرية الرأي تضمن للإنسان عرض أفكاره على الغير وإقناعهم بها ثم يحمل كل وزره ما دام قد كُشِف له الحق القائم على الدليل. وهذه الحرية مكفولة للجميع من مسلمين وأهل كتاب، ما دامت لا تحمل على الفوضى أو تشير إلى الفساد والإفساد». والإشكال فيما برز من البعض ممن يتحدث عن الحرية، وهو يناقضها، ويستخدم الحرية، استخدامًا مضادًا للحرية نفسها، عندما يعتدي على حرية الآخرين، باسم الحرية، ومنطلقاتها الرائعة وهو ما يحصل في الغرب بعد السابع من أكتوبر الماضي، فهنا لا تستقيم مضامين الحرية في أن تكون عدوانًا على حرية الآخرين، إذا ما أردنا أن نحدد ما الحرية؟ وما محدداتها؟ بل إنها تنعدم مع أننا نرفعها شعارًا مضادًا لهذه القيمة العظيمة في الحياة الإنسانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

القمر يُظلم الشمس جزئيا.. كيف سيبدو كسوف 29 مارس من الفضاء؟

#سواليف

يوم السبت، 29 مارس/آذار 2025، سيشهد العالم كسوفا جزئيا للشمس، حيث سيمر #القمر أمام #الشمس، ليبدو وكأنه يأخذ “قطعة” منها.

سيتمكن المصورون من الأرض من التقاط هذه #الظاهرة_المثيرة، بينما ستقوم مجموعة من الأقمار الصناعية في الفضاء بتصوير الظل الذي سيلقيه القمر على الأرض.

وخلال هذه الظاهرة الفلكية، يُسقط القمر نوعين من الظلال: الظل الخارجي الأكبر والمعروف باسم “شبه الظل”، والظل المركزي الأصغر والأغمق المعروف باسم “الظل”.

مقالات ذات صلة عمال سوريون أرادوا تسميم الطعام في العراق.. ما حقيقة القصة؟ 2025/03/25

ويحدث الكسوف الكلي يحدث عندما يسقط الظل على منطقة محدودة على الأرض، وهو ما يُعرف بمسار الكسوف الكلي، ومع ذلك، في 29 مارس، لن يحدث كسوف كلي، بل ستتأثر الأرض فقط بشبه الظل، مما سيؤدي إلى كسوف جزئي.

ماذا سترى الأقمار الصناعية أثناء الكسوف؟
وفي حين أن الكسوف الجزئي سيكون مرئيا من أوروبا، غرب إفريقيا، شرق كندا والشمال الشرقي للولايات المتحدة، ستُظهر الأقمار الصناعية ظلا مظلما يعبر المحيط الأطلسي، يتداخل مع جانب الأرض الذي يكون في الليل، والسبب وراء ذلك هو أن ظل شبه القمر سيكون أكثر ظلمة في بعض المناطق، مثل منطقة نونافيك في كيبيك بكندا، حيث سيحجب القمر 94% من الشمس عند شروقها. وفي أوروبا، سيكون الكسوف أقل وضوحا، مما يجعل من الصعب على الأقمار الصناعية إظهار الظل بوضوح.

لماذا يتحرك ظل القمر من الغرب إلى الشرق؟
على الرغم من أن الشمس والقمر والنجوم يظهرون وكأنهم يتحركون من الشرق إلى الغرب، فإن ظل الكسوف يتحرك دائما من الغرب إلى الشرق، والسبب في ذلك هو أن القمر يدور حول الأرض في نفس اتجاه دورانها، لكنه يسير بسرعة أكبر تصل إلى 3,700 كيلومتر في الساعة، مما يجعله يتقدم على دوران الأرض. كذلك، يزيد انحناء الأرض من سرعة حركة الظل.

أين يمكنك مشاهدة صور الأقمار الصناعية لظل القمر؟
الأقمار الصناعية الجيولوجية المختصة بمراقبة الطقس والبيئة على ارتفاع 36 ألف كيلومتر من الأرض تميل إلى التقاط أفضل الصور لظل الكسوف.

ومن بين الأقمار الصناعية التي يُمكن مراقبتها: “GOES-16″، و”Copernicus Sentinel-3″، و”Himawari”، بالإضافة إلى ذلك، قد يتمكن رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية من تصوير الكسوف، كما فعلوا خلال الكسوف الكلي في 8 أبريل/نيسان 2024.

مقالات مشابهة

  • دول الغرب تتاجر بدمائكم
  • الأمم المتحدة تدعو لاحترام حرية الصحافة والتظاهر السلمي في تركيا
  • القمر يُظلم الشمس جزئيا.. كيف سيبدو كسوف 29 مارس من الفضاء؟
  • خبيران: إسرائيل تريد استسلام العرب وهذا المطلوب لوقف تمددها
  • عندما تتحول القيم الديمقراطية إلى ذريعة سياسية
  • هل يتجاهل الغرب احتجاجات تركيا ضد أردوغان؟
  • عيد اليحيى: أول من لبس التاج من العرب هو هوذة بن علي من بني حنيفة..فيديو
  • وزير الخارجية المصري يؤكد على أهمية ضمان حرية الملاحة بالبحر الأحمر
  • «وزير الخارجية»: يجب التوقف الكامل عن استهداف السفن وضمان حرية الملاحة الدولية
  • الدراما السورية في عام 2025 تتنسم عطر الحرية وتطرح رواسب السنوات الماضية