وقفة بين يدي وصية الأمير خوليوت إبن بعانخي
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
بالرغم من اعتدادي بديني الإسلام، وحرصي الأكيد على تشكيل وجداني بكل مايُعْلِي من قدر هذا الدين في دواخلي، إلا إنني أجد (شئا ما) يشدني إلى الأمير خوليوت إبن بعانخي، من خلال وصية عظيمة كتبها على حجر صوان أكْتُشِف في معبد آمون الموجود في جبل البركل، ثم نقلت إلى المتحف القومي في مدينة الخرطوم، ولم تزل باقية هناك.
لقد نشأتُ في قريتي البركل حيث يسمى أهلنا في هذه المنطقة جبل البركل ب(جبل ود الكرسني)، وخلال طفولتي كان جدي رحمه الله يحرص على أخذنا إلى الجبل وكنا مجموعة من أحفاده، فيُشير إليه قائلا:
دا جبل جدي وجدكم ود الكرسني، ثم يزور غرفة صغيرة بجوار الجبل، داخلها (تابوت) مكسو بقماش أخضر اللون، يدس يده فيه ويضع بعض النقود، فأرى امرأة عجوز تحرس الغرفة تأخذ تلك النقود، وهو يراها لكنه لايعترض على ذلك.
وكَبُرتُ، وعلمت بأن تلك الممارسة ما كانت إلا ممارسة صوفية خاطئة، واندثرت الغرفة التي تحوي التابوت بغطائه الأخضر، وتوفى الله العجوز، وإذا بي أُفَاجَأُ بوصية (عظيمة) للأمير خوليوت إبن بعانخي!، هذه الوصية وُجِدَت داخل معبد آمون المنحوت في جوف جبل البركل حجر كبير في شكل مسلة متوسطة الحجم، فإذا بي أصبحتُ أرى وجه خوليوت كلما ذكر الذاكرون إسم جبل البركل، أو إكتحلت عيناي لمرآه خلال أيما عودة لي إلى قريتي البركل!
وإذا بي كذلك أرى الرجل في عدد من الرؤى المنامية يجلس على عرش أبيه الملك بعانخي بوقار الملوك، ويبتسم في وجوهنا ونحن يُفَّعٌ نلعبُ بين يديه، وقد رسخ في اذهاننا بأنه (جدنا الأكبر) ونحن أحفاده!
وصية الأمير خوليوت العظيمة هذه ترجمها من الهيروغليفية إلى العربية البروفيسر العباس سيد أحمد عام 2008م وتتلخص في الآتي:
إنني لا أكذب.
ولا أعتدي على ملكية غيري.
ولا أرتكب الخطيئة.
وقلبي ينفطر لمعاناة الفقراء.
وإنني لا أقتل شخصاً دون جُرمٍ يستحق القتل.
ولا أقبل رشوةً لأداء عملٍ غيرِ شرعيٍّ.
ولا أدفع بخادمٍ استجارني إلى صاحبه.
ولا أعاشر امرأة متزوجة.
ولا أنطق بحكمٍ دون سند.
ولا أنصب الشِراك للطيور المقدسة.
أو أقتل حيواناً مُقدَّساً.
إنني لا أعتدي على ممتلكات المعبد.
بل أقدم العطايا للمعبد.
إنني اُقدم الخبز للجياع.
والماء للعطشى.
والملبس للعُراة.
أفعل هذا في الحياة الدنيا.
وأسير في طريق الخالق.
مبتعداً عن كل ما يغضب المعبود.
لكي أرسم الطريق للأحفاد الذين يأتون من بعدي في هذه الدنيا وإلى الذين يخلفونهم وإلى الأبد.
(خوليوت إبن بعانخي).
تخيلوا بأن هذه الوصية قد كُتِبَت قبل ميلاد المسيح عليه السلام بسبعمائة عام!
وللعلم فإن الفارق الزمني بين أنبياء الله موسى وعيسى، هي ألف وخمسمائة عام كما ورد في قصص الأنبياء لابن كثير، وإذا بي أجد في الوصية وصلا بالوصايا العشر في اليهودية!
وهذه هي الوصايا العشر في اليهودية:
من الوصايا ماينظم علاقة الرب بالإنسان؛
1- لا يكن لك آلهة أخر غيري.
الله يأمر بني إسرائيل ألا يشركوا بالله إلها آخر، وتحرم عبادة غير الله، وكل ما عبد من دون الله فهو باطل.
2- لا تصنع تمثالا منحوتا ولا صورة لما هو موجود في الجنة.
حرم الله على بني إسرائيل صناعة وتشكيل ما يمثل الله على الأرض وعبادتها، لأنه نوع من أنواع الإخلال بالتوحيد.
3- لا تقسم بإسم الرب باطلا، لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلا.
أمر الله بني إسرائيل أن لا يحلفوا بالله كذبا أو الاستخفاف باسمه، بل يجب معاملة إسم الله باحترام تام وبكل أدب.
4- تذكر يوم السبت وإجعله مقدساً.
أمر الله بني إسرائيل أن يقدسوا كل يوم سبت، وقد أحل الله على بني إسرائيل العمل في كل الأيام إلا يوم السبت فإنه يوم لتقديس الله وللعبادة فقط.
ومن الوصايا ماينظم علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان؛
5- أكرم أباك وأمك.
الله طلب من بني إسرائيل أن يحترموا الوالدين وألا يسيئوا لهما.
6- لا تقتل.
حرم الله على بني إسرائيل القتل المتعمد للإنسان.
7- لا تمارس الزِّنى.
حرم الله على بني إسرائيل الزنا.
8- لا تسرق.
حرم الله على بني إسرائيل أخذ ما هو ليس لهم بغير حق.
9- لا تشهد علي قريبك شهادة زور. حرم الله على بني إسرائيل شهادة الزور التي يترتب عليها ضياع حقوق البشر.
10- لا تشته زوجة جارك.
حرم الله على بني إسرائيل اشتهاء ما ليس لهم.
وإذا بي أُنَقِّبُ وأقرأ أكثر عن الحضارة النَبْتِيَّة الكوشية، فإذا بملوك كوش (موحدون لله) وصلا بديانة آمون!.
واتصلت قراءاتي، فإذا بي أقع على نص ذُكِرَ في الأنجيل في سفر أعمال الرسل الإصحاح 8:26-40 فحواه الآتي:
(تحدث ملاك الرب الي فيليب قائلاً: أستيقظ وإذهب الي الجنوب الي الطريق الذي يذهب الي الأسفل من اورشليم الي غزة الي الصحراء، فأستيقظ وذهب، ولمح رجلاً خصياً من إثيوبيا وكان ذو مرتبة عظيمة عند ملكة اثيويبا الكنداكة، فهو المسئول عن كنوزها، وقد اتي الي اورشليم للعبادة، وهو يستعد للعودة الي دياره جالساً في مركبته الحربية ويقرأ سفر اشعياء الرسول).
إنتهى نص الإنجيل.
وقيل بأن هذه الملكة هي الملكة/ الكنداكة أماني تيري، التي أكتُشِفَ قصرها بجوار جبل البركل، وتم إعلانه في العام من قبل اليونسكو عام 2003 كأحد مواقع التراث العالمي.
والذي يتحدث عنه النص ويسميه بالخصي الأثيوبي انما كان وزير مالية ملكة مروي (الكنداكة أماني تيري)، حيث كانت المنطقة كلها تسمى أثيوبيا.
هؤلاء الكوشيون هم (أصول) وأجداد أهل المكان على امتداد المنطقة من أهلنا، وبالطبع لن يتعارض ذلك مع هجرات عربية أتت من الشمال في مصر وتصاهرت مع امهاتنا (الكوشيات)، ثم طغت اللغة العربية والدين الاسلامي (الموحِّد لله) على أنقاض اليهودية التي لم تعتمر (التثليث) كما حدث للمسيحية.
اللهم أغفر لجدي خوليوت ابن بعانخي وارحمه، واغفر لجدي ود الكرسني وكل الاجدا والاباء، إنك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
عادل عسوم
adilassoom@gmail.com
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
جنبلاط: توسع الاحتلال يستند إلى أيديولوجيا توراتية وخطر إسرائيل الكبرى يتنامى (شاهد)
قال الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط إن من يبحث عن دلائل على أطماع التوسّع الإسرائيلي، فعليه أن يعود إلى النصوص التوراتية، محذرًا من أن مشروع "إسرائيل الكبرى"، الذي يمتد من النيل إلى الفرات، لم يعد مجرد شعار، بل يبدو أنه يُنفّذ بخطى ثابتة.
وفي حديث خاص لموقع "ميدل إيست آي"، أعرب جنبلاط عن خشيته من أن تكون الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على غزة، وتوغلاتها العسكرية في الضفة الغربية وجنوب لبنان وسوريا، مؤشرات على تنفيذ رؤية دينية-سياسية توسعية.
وأضاف: "اعتدنا أن نقول إن إسرائيل الكبرى تمتد من النيل إلى الفرات. ويبدو أن هذا المشروع يُطبّق بشكل تدريجي لكنه مؤكد".
وفي ظل غياب دعم إقليمي ودولي فعّال للفلسطينيين، هاجم جنبلاط قادة الخليج الذين أغدقوا على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمليارات الدولارات خلال زيارته، واصفًا إياهم بـ"الزعران"، مستبعدًا أن يكون لهم تأثير في كبح جماح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصفه بأنه يخوض "حملة شخصية" ضد غزة.
وتوقّع جنبلاط مستقبلاً مظلمًا للقطاع، قائلًا: "غزة ستُزال بالكامل، وسيُجبر أكثر من مليوني فلسطيني على الرحيل. ثم سيأتي الدور على الضفة الغربية، وبعدها الضفة الشرقية – أي الأردن اليوم".
ودعا إلى إعادة قراءة التاريخ والكتب المقدسة لفهم دوافع الحملة الإسرائيلية، قائلاً: "يقولون إن النبي موسى دُفن هناك – من يعلم إلى أين ستتوقف الحملات العسكرية الإسرائيلية؟ الأمر بات متعلقًا بالتاريخ والعقيدة. علينا أن نقرأ التوراة مجددًا".
لا أحد يحمي الفلسطينيين
كما أعرب الزعيم الدرزي عن تشاؤمه حيال مصير الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن لا أحد بات يدافع عنهم، لا في المنطقة ولا في العالم. وقال إن ما يحدث اليوم في غزة هو "مجزرة تُنفذ على مرأى من الجميع".
واعتبر أن آمال الخليج في التأثير على قرار ترامب تجاه رئيس وزراء الاحتلال "لا تستحق التصديق".
وفي الوقت نفسه، أكد جنبلاط أن النضال من أجل فلسطين لن يتوقف، رغم شراسة الهجمة الراهنة.
وقال: "الجنود العرب مقاتلون أكفاء، والمقاومة اللبنانية وكذلك الإسلامية أثبتت شجاعتها. لكننا اليوم نواجه جيلًا جديدًا من التكنولوجيا. ربما يأتي يوم نمتلك فيه هذه التكنولوجيا ونقاتلهم بأسلحتهم. لسنا أدنى منهم، وهم ليسوا أسمى منا".
نعمل مع أحمد الشرع
وأكد الزعيم الدرزي في حديثه لموقع ميدل إيست آي أنه لا يعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي سينجح في تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية منفصلة، رغم محاولاتها المتكررة للظهور بمظهر "الراعي" للأقليات، وعلى رأسها الدروز في الجنوب والأكراد في الشمال.
وأشار جنبلاط إلى أن الاحتلال الإسرائيلي، منذ سقوط نظام بشار الأسد وتولي الرئيس أحمد الشرع قيادة الحكومة الانتقالية، استولت على أراضٍ سورية في الجنوب، بما في ذلك قمة جبل حرمون الاستراتيجية، ونفذ ضربات جوية بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق، بزعم حماية الدروز.
كما رحب برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، مشيدًا بالرئيس السوري الذي وصفه بـ"الرجل الذكي"، مشيرًا إلى أنه استطاع خلال خمسة أشهر فقط كسب اعتراف دولي واسع. وأضاف: "التقيته مرتين، ويبدو واضحًا أنه يعرف ما يريد".
وكشف جنبلاط أنه يعمل حاليًا مع الشرع على خطة لإدماج الفصائل المسلحة الدرزية في سوريا ضمن هيكل الجيش الوطني الجديد، في خطوة تهدف إلى تطمين الطائفة الدرزية ودمجها في الدولة الجديدة.
وقال: "ذهبت إلى دمشق كي أُعلن للدروز في لبنان وسوريا وإسرائيل أنني أُقرّ بشرعية النظام الجديد في دمشق، ونعمل على دمج المقاتلين الدروز في البنية الجديدة للدولة تدريجيًا. هذه هي الطريقة الوحيدة لتهدئة المخاوف".
كما هاجم جنبلاط الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي لدروز إسرائيل، قائلًا إنه لا يحق له التحدث باسم دروز سوريا أو لبنان لأن "جماعته صغيرة للغاية"، مضيفًا أن طريف لا يمثل سوى نفسه.
ولفت إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يختلف فيها مع طريف، مشيرًا إلى رسالة سابقة وجهها إليه بعد استقباله رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أعقاب مجزرة بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، والتي راح ضحيتها 12 مدنيًا، بينهم 10 أطفال.
وبينما ألقى الاحتلال باللوم على صاروخ أطلقه حزب الله، أكد سكان البلدة، ومعظمهم من الدروز السوريين، أن القتلى سقطوا جراء شظايا صاروخ من منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية.
حزب الله يُدمج تدريجيًا بالجيش
قال الزعيم الدرزي إن دعوات بعض الأطراف اللبنانية لنزع سلاح حزب الله يجب أن تتم بالحوار وليس بالقوة، مشيدًا بموقف الرئيس اللبناني جوزيف عون الذي أكد أن معالجة هذا الملف لا يمكن أن تتم إلا عبر التفاهم الوطني.
وأوضح جنبلاط في حديثه لموقع ميدل إيست آي أن عملية دمج حزب الله في مؤسسات الدولة قد بدأت بالفعل، معتبرًا أن "الجيش اللبناني بدأ تدريجيًا بتولي بعض وظائف حزب الله على الأرض".
لكن جنبلاط حذر من أن الانتهاكات اليومية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي للهدنة المعلنة منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تهدد بانفجار جديد، وقال: "الهدنة من طرف واحد فقط. إسرائيل تنتهكها يوميًا بالغارات والاغتيالات، وهذا ما قد يؤدي إلى تصعيد خطير".
وأكد جنبلاط على ضرورة دمج عناصر حزب الله ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية، معتبرًا أن ذلك يشكّل جزءًا من الحل الطويل الأمد، لكنه شدد في الوقت نفسه على أهمية إعادة إعمار المناطق الجنوبية التي دمرتها الغارات الإسرائيلية خلال العدوان الأخير.
وقال: "ربع المباني في البلدات الجنوبية دُمرت بالكامل، وفقًا لصور الأقمار الصناعية. لماذا نربط إعادة الإعمار بإعادة هيكلة القطاع المصرفي؟ الأمريكيون ما زالوا يمنعون أي تمويل لإعادة إعمار الجنوب".
حزب الله قاتل بشجاعة
وفي تقييمه لمجريات المواجهة الأخيرة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، التي بدأت مع تصعيد الحزب ردًا على الحرب في غزة، قال جنبلاط إن مقاتلي حزب الله أظهروا شجاعة على الأرض، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة تكنولوجيا غربية متطورة رجّحت كفة الاحتلال.
وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي ردّ على ضربات حزب الله بهجوم جوي واسع النطاق في أيلول/سبتمبر 2024 أسفر عن مقتل الأمين العام للحزب حسن نصرالله وعدد من كبار قادته، أعقبه اجتياح بري شامل للجنوب اللبناني في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه.
وقال جنبلاط: "لقد قاتلوا بشجاعة، لكن الثمن كان فادحًا على المجتمع الشيعي، في الجنوب وفي مناطق أخرى. كما أنهم تعرضوا لاختراق أمني واضح، تجلّى في عملية اغتيال نصرالله".
وأضاف: "اعتقد حزب الله أنه يستطيع الحفاظ على توازن الردع مع إسرائيل، لكن هذا أثبت أنه وَهْم. نحن نواجه جيلاً جديدًا من الحرب – جيل التقنية الدقيقة، والاستخبارات المتقدمة، والسلاح الذكي. ولا يمكن لأي شجاعة أن تصمد أمام هذه الفجوة الهائلة في القدرات".