آلات الموسيقى العُمانية التقليدية والهُوية الثقافية «6»
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
في البداية كان الإنسان الأول يصنع آلاته الموسيقية من المواد الطبيعية التي لا تتطلب تدخلا كبيرا في تهيئتها لاستخراج الأصوات منها. ومن الطبيعي هنا أن تكون صناعة الأوتار والآلات الوترية عامة جاءت في مرحلة متأخرة وكذلك تحديد طابع النغمات ودرجاتها ونسبها بالقياس إلى ابتكار الآلات الإيقاعية والنفخ.
وقد ذكرنا في مقالات سابقة عددا من الآلات الموسيقية القديمة التي لا تزال مستعملة في الموسيقى التقليدية العُمانية.
واستعمال أنواع آلات الموسيقى التقليدية في الموسيقى الحديثة يمثل في الواقع تحديا كبيرا، وربما السبب الأكبر هو بساطة صناعة هذه الآلات من جهة وعدم توفر العازفين الماهرين من جهة أخرى. ولكن قد يكون للتأليف الموسيقي في المستقبل دور نحو توظيف بعض آلات الموسيقى التقليدية، وإعادة صناعتها وتهيئتها لمواكبة الفكر الموسيقي الجديد وتطور أساليب العزف.
وفي واقع الممارسة يوجد عدد كبير من الآلات الإيقاعية العُمانية المستعملة في صناعة الضروب الإيقاعية التقليدية، وتستعمل عادة في أداء الصوتين الإيقاعيين الغليظ والرفيع، والحليات الزخرفية. وبناء على هذه الأدوار تصنع الآلات الموسيقية العُمانية وتتنوع أحجامها، غير أن الصناّع لا يلتزمون بمقاييس موحدة لها. وقد قام الدكتور يوسف شوقي مصطفى بقياس عدد من هذه الطبول وهي موثقة في معجم موسيقى عُمان التقليدية، ولاحظت أنها رغم وحدة التسمية كالرحماني مثلا إلا إنها في الوقت ذاته مختلفة الأحجام، وكذلك طبول الكواسر والمراويس وغيرها.. ومع أن كل آلة إيقاعية يمكن للعازف استخراج الصوتين الإيقاعيين المعروفين (الرفيع والغليظ) منها إلا أنه في واقع الممارسة والأداء الفني لا يستغنى عن اجتماع أنواع عديدة من الآلات الإيقاعية، وأحجامها تحدد وظيفتها الفنية في الأداء وصناعة الضروب الإيقاعية والتطريب الإيقاعي.
وهكذا يمكن تعريف الموسيقى التقليدية العُمانية بأنها موسيقى إيقاعية، وفي هذه المناسبة أستدرك بأن مصطلح «الموسيقى» في جميع مقالاتي جامع للآلات والغناء. وقد كان العرب يستعملون مصطلح السماع بهذا المعنى، والسماع آلة من الآلات الإيقاعية العُمانية والعربية عامة وتسمى كذلك الطار وجمعها طارات.
وكما ذكرت فإننا عندما نتحدث عن آلات موسيقية تقليدية عُمانية فنحن نتحدث عن آلات بدأت بعضها بالانسحاب التدريجي من الواجهة الفنية العُمانية وصناعة الأغنية الحديثة، ذلك لأن أساليب الغناء العربي والغربي وآلاتهما الموسيقية هي التي تستقطب الآن الموسيقيين من مختلف الأجيال، ويعمل هؤلاء على دمجها مع أساليب الغناء المحلي العُماني، وفي الساحة تجارب موسيقية عُمانية متنوعة في هذا الشأن.
من هنا أتطلع إلى أن تفسح دار الأوبرا السلطانية المجال لنا نحن أصحاب هذه التجارب الموسيقية الحديثة لعرضها أمام مرتاديها في برنامج مستمر خاص للحفلات العُمانية.. وهذا اقتراح مهم ربما أخصص له مقالًا في هذه الزاوية المتواضعة.
من جهة متصلة، يمتلك الموسيقيون العُمانيون المعاصرون مهارات رفيعة في الأداء الفني على عدد كبير من الآلات الموسيقية العربية والفرنجية إن صح التعبير، وينشغل معظمنا نحن الممارسون بالتوظيف الفني للآلات الموسيقية بأنواعها المختلفة في الأداء الفني المعاصر، وأقصد بالتوظيف الفني الأداء التعبيري الذي يتعامل مع أنواع مختلفة من الآلات التي لها مساحات وطبقات صوتية وأنظمة موسيقية متنوعة واستغلال القدرات والمهارات الفنية للعازفين.
وهكذا، وكما ذكرت في مقال سابق، تواجهنا إشكالية جادة في تعريف آلات الموسيقى العُمانية المستعملة في صناعة الموسيقى الحديثة لعدم وجود أغنية عُمانية حديثة تؤدى اليوم بآلات موسيقية تقليدية عُمانية صرفه. إن واقع الممارسة اليوم يفرض تحديات وإشكالات متنوعة في ظل تحولات ثقافية وفنية كبرى للممارسين والمتلقيين، وإيجاد معادلة مناسبة تحل مسألة الحفاظ على الموروث وتفادي الجمود من جهة وتلبية احتياجات الموسيقيين المبدعين والمجددين من جهة أخرى. والأهم في هذا الشأن توفر الظروف الملائمة للممارسة الموسيقية وملاحظة أنواع هذه الممارسات الإبداعية ومنجزاها الثقافية والفنية. علما بأنه لا يوجد شعب في هذه الدنيا حسب معلوماتي لم يستعمل آلات من حضارة أخرى، والموسيقى التقليدية العُمانية خير مثال على هذا. ولكن في وقتنا هذا اختلط فيه استعمال الآلات اللحنية متعددة الأنظمة الموسيقية بكثافة، ورغم هذا التشويش وعدم وضوح الرؤية كما قد يبدو أحيانا فالموسيقى العربية ونظامها المقامي الذي ننتمي إليه يستوعب معظم هذه الآلات الموسيقية بما في ذلك الثابتة الدوزان بعد توحيده حسب النظام الموسيقي المعدل كمعيار، والأهم في هذا الشأن هو العلم والمهارة. إن أهم ما في الآلات الموسيقية هو تنوع طابع أصواتها وطبقاتها وقدرتها على ترجمة فكر المؤلفين الموسيقيين ومهارات العازفين وعبقرياتهم.
الآلات الموسيقية موضوعها كبير وشأنها أكبر في الفعل الموسيقي وصناعة الجمال الصوتي، ورغم هذا سيكون هذا المقال ختام هذه السلسلة من المقالات التي حملت العنوان أعلاه.
مسلم الكثيري موسيقي وباحث
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الموسیقى التقلیدیة الآلات الموسیقیة آلات الموسیقى الأداء الفنی من الآلات فی الأداء الع مانیة ع مانیة من جهة
إقرأ أيضاً:
هل انتهى زمن السامبا؟.. ريو دي جانيرو تُقيّد الموسيقى الحية على الشواطئ
إذا سبق لك زيارة شواطئ ريو دي جانيرو، فربما يبدو هذا مألوفًا، موسيقى السامبا تُصدح من كشك قريب، وكوكتيلات الكايبيرينيا التي يبيعها الباعة المتجولون، وكراسي ممتدة على الرمال.
قد يصبح العثور على هذه الأشياء صعبًا الآن، إلا إذا كان البائعون حاصلين على التصاريح اللازمة.
أصدر رئيس البلدية إدواردو بايس مرسومًا في منتصف مايو يضع قواعد جديدة للواجهة البحرية للمدينة، مؤكدًا رغبته في الحفاظ على النظام العام والسلامة العامة والبيئة، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات السلمية بين السياح والسكان.
من المقرر أن تدخل هذه الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ في الأول من يونيو، وهي تحظر بيع الطعام والشراب، وتأجير الكراسي، واستخدام مكبرات الصوت، وحتى الموسيقى الحية في الأكشاك دون تصاريح رسمية، كما سيُسمح للأكواخ الشاطئية بحمل أرقام فقط، بدلًا من الأسماء المبتكرة التي تُعرف بها حاليًا.
رحّب البعض بهذه الخطوة لمعالجة ما يعتبرونه نشاطًا فوضويًا على الشاطئ، بينما يرى آخرون أن المرسوم يهدد ثقافة ريو الشاطئية الحيوية وسبل عيش العديد من الموسيقيين والبائعين المحليين الذين قد يجدون صعوبة أو استحالة في الحصول على تصاريح.
وقد أثارت خطوة تنظيم الموسيقى على شواطئ ريو حساسية بالغة.
وقال خوليو ترينداد، الذي يعمل منسق موسيقى في الأكشاك: من الصعب تخيل ريو دي جانيرو بدون موسيقى البوسا نوفا، وبدون السامبا على الشاطئ". وأضاف: "بينما يغني العالم أغنية فتاة إيبانيما، لن نتمكن من عزفها على الشاطئ.
من جانبه قال أورلا ريو، صاحب الامتياز الذي يدير أكثر من 300 كشك، في بيان: إن القيود المفروضة على الموسيقى تُمثل إسكاتًا لروح الواجهة البحرية. إنها تُمس بروح ريو الديمقراطية والموسيقية والنابضة بالحياة والأصيلة.
هل يمكن إيقاف هذا أو تغييره؟يسعى البعض إلى إيجاد سبل لوقف تطبيق المرسوم، أو على الأقل تعديله للسماح بالموسيقى الحية دون ترخيص. لكن دون جدوى تُذكر حتى الآن.
رفع المعهد البرازيلي للمواطنة، وهو منظمة غير ربحية تدافع عن الحقوق الاجتماعية وحقوق المستهلك، دعوى قضائية الأسبوع الماضي يطالب فيها بتعليق المواد التي تُقيّد الموسيقى الحية، مُدّعيًا أن هذا الإجراء يُقوّض حرية ممارسة النشاط الاقتصادي، وقد قضت إحدى المحاكم بأن المجموعة ليست طرفًا شرعيًا لتقديم شكوى، وتستأنف المنظمة غير الربحية القرار.
في الأسبوع الماضي أيضًا، ناقش المجلس البلدي لمدينة ريو مشروع قانون يهدف إلى تنظيم استخدام الساحل، بما في ذلك الشواطئ والممرات الخشبية. يدعم هذا المشروع بعض جوانب المرسوم، مثل تقييد الموسيقى المُضخّمة على الرمال، ولكنه لا يشترط حصول الأكشاك على تصاريح للموسيقيين. لا يزال الاقتراح بحاجة إلى تصويت رسمي، وليس من الواضح ما إذا كان ذلك سيحدث قبل الأول من يونيو.
في حال الموافقة، ستكون لمشروع القانون الأولوية على المرسوم.
يُدرّ النشاط الاقتصادي على شواطئ ريو، باستثناء الأكشاك والحانات والمطاعم، ما يُقدّر بأربعة مليارات ريال برازيلي (حوالي 710 ملايين دولار أمريكي) سنويًا، وفقًا لتقرير صادر عن مجلس مدينة ريو عام 2022.
يزور ملايين الأجانب والسكان المحليين شواطئ ريو سنويًا، ويستمتع الكثيرون منهم بتناول الذرة الحلوة والجبن المشوي أو حتى ملابس السباحة أو الأجهزة الإلكترونية التي يبيعها الباعة على الرمال المترامية الأطراف.
انتقدت عضوة المجلس المحلي داني بالبي مشروع القانون على وسائل التواصل الاجتماعي.
ما الفائدة من إقامة فعاليات ضخمة بمشاركة فنانين عالميين وإهمال من يصنعون الثقافة يوميًا في المدينة؟، هذا ما قالته الأسبوع الماضي على إنستغرام، في إشارة إلى الحفلات الموسيقية الضخمة التي أحيتها ليدي غاغا في وقت سابق من هذا الشهر ومادونا العام الماضي.
وأضافت بالبي: إن إجبار أصحاب الأكشاك على إزالة أسماء أعمالهم واستبدالها بأرقام يُقوّض هوية العلامة التجارية وولاء العملاء، الذين يستخدمون هذا الموقع كمرجع.