ظاهرة "التنمر" في المدارس.. خطورة لا بُد من مواجهتها (1)
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
منى بنت حمد البلوشية
ظاهرة بات العالم كله يشتكي منها، ويعاني من تبعاتها وويلاتها، ويبحثها المهتمون بالعملية التربوية ونشأة الأجيال للوصول إلى طرق علاجها لخطورتها، حتى باتت تلقى اهتماماً غير عادي من المهتمين بقضايا ومشكلات التربية والتعليم في جميع أنحاء العالم؛ حيث تعتبر هذه الظاهرة سبباً للتعثر الدراسي للكثير من الطلبة، وقد تدفع البعض منهم لكره الدراسة وترك مقاعدها، ألا وهي ظاهرة العنف الشديد بين طلبة المدراس، الذي بلغ حدًّا من التوحش لدرجة أنَّ العالم تعامل معه باسم توصيفي جديد سماه "ظاهرة التنمر".
ولا يُمكن فصل مجتمعنا العربي والإسلامي وعزله عن المجتمع العالمي في ظل هذا التقارب الشديد بين الأفكار والمشكلات التي سُرعان ما تجوب الكرة الأرضية في دقائق معدودة، من خلال برامج التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية...وغيرها، حيث شاهدنا خلال الفترة الأخيرة ذلك المقطع الذي تم تداوله عبر برامج التواصل الاجتماعي بما يحمله من وحشية وتنمُّر على ذلك الطالب الذي كان طريح الأرض من شدة ما تعرَّض له من ضرب مُبرح من المُتنمِّر، والطلبة حوله يصفقون وكأنها مباراة ينتظرون من الفائز بها، وهذه الظاهرة ليست المرة الأولى التي نُشاهدها فهي مُتكررة وكثيرة منها، والمعتدَى عليه سيصبح مُتضرراً نفسيًّا مما سيعانيه مستقبلاً جراء ما حدث له وهو تحت الضرب المُبرح، وهناك العديد من مظاهر التنمر التي سأتحدث عنها في مقالي هذا.
فقد أصبحت المدارس مأوى لهذه الظاهرة، وأصبح انتشارها أمراً أثبتته العديد من الدراسات على مستوى العالم أكمل، مما شغل بال الكثير من المهتمين لهذه الظاهرة. ويُعرِفه ألويس النرويجي المؤسس للأبحاث حول التنمر في المدراس، بأنَّه أفعال سلبية مُتعمَّدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة وطوال الوقت. ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات؛ مثل: التهديد، والتوبيخ، والإغاظة، والشتائم، كما يمكن أن تكون بالاحتكاك الجسدي كالضرب والدفع والركل، أو حتى بدون استخدام الكلمات أو التعرُّض الجسدي؛ مثل: العبوس بالوجه أو الإشارات غير اللائقة، بقصد وتعمُّد عزله عن المجموعة، أو رفض الاستجابة لرغبته. وحسب ما قال ألويس، فلا يمكن الحديث عن التنمر إلا في حالة عدم التوازن في الطاقة أو القوة؛ أي في حالة وجود صعُوبة في الدفاع عن النفس. فالتنمُّر من أكثر المشاكل حضوراً بين المشاكل الأخرى التي تُعاني منها المدارس. وتُشير الدراسات إلى أنَّ ثمانية من طلاب المدارس الثانوية يتغيبون يوماً واحداً في الأسبوع على الأقل بسبب الخوف من الذهاب إلى المدرسة خشية التنمر.
وتوجَد نسب متفاوتة في المراحل الأخرى تتراوح ما بين 50 إلى 80% ممن يتعرضون لحالات التنمر، وهذه النسب مُخيفة وتدفعنا للتساؤل حول هذه الظاهرة وتحليلها بحثاً عن أسبابها وطرق علاجها. ويستغل المتنمر أوقاتاً مُحدَّدة ليقوم بفعلته إزاء أقرانه الذين يراهم أضعف منه بعيداً عن وجود الكبار: كأماكن الفسح المدرسية، وما بين الحصص واستبدالها، ودورات المياة، وأماكن انتظار الحافلات، وفي الطريق للمدرسة والعودة للبيت.
فمن أسباب التنمُّر التي تكثُر: استضعاف بنية الأقران؛ حيث يقوم المتنمِّر بالركل ووضع قدميه على جسد قرينه بدون مقاومة منه، مُستغلاً خروج المعلم من الصف، إضافة للنظرات المزعجة والشتائم، ومواقف كثيرة تُحكى وتحدث، فلا بد لنا من التخفيف من حدَّة هذه الظاهرة التي باتت مخيفة، ويتخوف منها الطلبة، مما يُؤثر سلبًا على مستوياتهم العلمية، وربما تؤدي لعاهات جسدية ونفسية –لا سمح الله- ترافقهم مدى حياتهم.
لذلك؛ لا بد من وضع قوانين صارمة إزاء هذه الظاهرة، والعمل من أجل التخفيف منها، وبحث السُّبل والطرق التي جعلت المتنمِّر يقوم بهذا الفعل، ووضع دراسة وأطر تحمي الطلبة جميعاً من هذه الأفعال المنتشرة التي باتت مؤرقة للمجتمع المدرسي، ولا بد من معرفة الأسباب التي تؤدي لظاهرة التنمُّر، وهذا سيكون في مقالي القادم بإذن الله تعالى، ودمتم وأبناؤكم الطلبة بأمن وأمان وإبداع وتميز.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صحح مفاهيمك| الأوقاف تكثف نشاطها التوعوي بمدارس الدقهلية وأسيوط عن مخاطر التنمر
واصلت مديريات الأوقاف بالمحافظات تنفيذ برامج توعوية تستهدف طلاب المدارس، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، بما يسهم في بناء الوعي، وترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية، وتعزيز الانتماء الوطني.
ففي محافظة الدقهلية، نظّمت مديرية أوقاف الدقهلية عددًا من القوافل الدعوية بالمدارس، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، تحت عنوان: «التوكل وصناعة الأمل في حياة المسلم»، وذلك برعاية الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وبإشراف الشيخ السيد عبد الرحمن ربيع، مدير المديرية.
وأوضحت القوافل أن الأمل يُعد ركيزة أساسية في حياة المسلم، وينبع من الإيمان بالله وحسن الظن به، مؤكدين أن التوكل الصحيح يجمع بين الاعتماد على الله والأخذ بالأسباب، وأن الأمل يعزز الثقة في النصر والفرج، ويُطهّر القلوب من اليأس والقنوط الذي نهى عنه الشرع الحنيف. كما بينت القوافل أن ترسيخ مفهوم الأمل يسهم في بناء شخصية متوازنة وقوية، قادرة على مواجهة تحديات الحياة بروح إيجابية وعزيمة متجددة.
وأكدت القوافل أن هذه الجهود تأتي ضمن الخطة الشاملة لوزارة الأوقاف، الهادفة إلى مواجهة الفكر المتطرف، والتصدي لتراجع القيم والأخلاق، والعمل على استعادة وبناء الشخصية المصرية الوطنية على أسس دينية صحيحة، تسهم في صناعة الحضارة وبناء الإنسان.
كما ركزت اللقاءات على غرس قيم العلم والانضباط والخلق القويم في نفوس الطلاب، وتعزيز وعيهم برسالة طالب العلم في بناء نفسه ومجتمعه ووطنه، بما يحقق إعداد جيل واعٍ وقادر على المشاركة الفاعلة في نهضة المجتمع.
وفي السياق ذاته، نظّمت مديرية أوقاف أسيوط ندوةً تثقيفية بمدرسة النصر الخاصة للتعليم الأساسي، بعنوان: «التنمّر.. مخاطره وآثاره السلبية»، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، وذلك في إطار الدور الدعوي والتوعوي لوزارة الأوقاف، وضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك»، برعاية الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وبإشراف الدكتور عيد علي خليفة، مدير المديرية.
وتناولت الندوة مفهوم التنمّر وصوره المختلفة، موضحة أن الإسلام حذّر تحذيرًا شديدًا من إيذاء الآخرين قولًا أو فعلًا، وأن السخرية والاستهزاء والاعتداء اللفظي أو الجسدي تؤدي إلى إضعاف روابط المجتمع، وتترك آثارًا نفسية عميقة في نفوس المتضررين، مستشهدة بقول الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ [الحجرات: 11].
كما أشار المتحدث إلى أن للتنمّر صورًا متعددة، تشمل التنمّر اللفظي، والتنمر الجسدي، والتنمر الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التنمّر النفسي القائم على التهديد أو الإقصاء أو نشر الشائعات، مؤكدًا أهمية غرس قيم الرحمة واحترام الآخر، وتنمية مهارات التواصل الإيجابي والحوار البنّاء بين الطلاب.
وفي ختام الندوة، وُجّهت رسالة للطلاب بضرورة الوقوف إلى جانب زملائهم، ورفض جميع أشكال التنمّر، والإبلاغ عن أي ممارسات سلبية، مع التأكيد على أن المدرسة يجب أن تظل بيئة تربوية آمنة، تقوم على الاحترام المتبادل، والمودة، والتعاون، بما يحقق رسالة التعليم في بناء الإنسان أخلاقيًا وسلوكيًا إلى جانب التحصيل العلمي.