يمانيون – متابعات
على الرغمِ من استمرارِ الإبادةِ الجَماعيةِ للشعبِ الفلسطينيِّ في قطاعِ غزةَ وتصعيدِ العدوِّ الصهيونيِّ ضد النازحين في رفح، واصل النظامُ السعوديُّ تحَرُّكاتِه للاقتراب أكثرَ من صفقة التطبيع مع “إسرائيل” والتي يطمع للحصول في مقابلها على اتّفاقات دفاعية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويحاول تغطيتَها بعنوان الحرص على مصلحة الفلسطينيين، من خلال دعاية ما يسمى “حَلَّ الدولتَينِ” الذي يمثِّلُ في حقيقته تصفيةً للقضية الفلسطينية، كما أن السعوديّة لا تستطيع حتى أن تضمنَ التزامَ العدوِّ به.

وفي آخرِ تحَرُّكات هذا المسار، قالت وكالةُ الأنباء السعوديّة الرسمية: إن ولي عهد المملكة محمد بن سلمان استقبل، الأحد، مستشارَ الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، والذي تردّد على السعوديّة عدةَ مرات خلال السنوات الأخيرة في إطار العملِ على إبرام صفقة التطبيع بين الرياض والعدوّ الصهيوني.

وقالت الوكالة السعوديّة: إن ابن سلمان وسوليفان “بحثا الصيغةَ شبهَ النهائية لمشروعات الاتّفاقيات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية والتي قارب العمل على الانتهاء منها” وهي إشارة إلى الاتّفاقيات الدفاعية التي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قبل أسابيع؛ باعتبَارها جُزْءًا من صفقة التطبيع، حَيثُ تطمح السعوديّة للحصول على امتيَازات دفاعية وأمنية من واشنطن مقابل الذهاب نحو العلاقة الرسمية مع العدوّ الصهيوني.

وكان بلينكن قد صرَّحَ قبل أسابيعَ من السعوديّة بأن التوصُّلَ إلى الاتّفاق مع السعوديّة ربما أصبح قريبًا؛ وهو ما يشير إليه حديثُ الوكالة السعوديّة عن “صيغة شبه نهائية” بوضوح.

وبرغم أن النظامَ السعوديَّ يحاول أن يُخفِيَ ما يتعلقُ بالتطبيع في هذا الصفقة، ويبرز الاتّفاقات الأمنية والدفاعية على الواجهة؛ ليجعل الأمرَين يبدوان وكأنهما منفصلان، فَــإنَّ سوليفان الذي يزور السعوديّة حَـاليًّا كان قد أكّـد مطلع مايو الجاري على أنه لن يكون بالإمْكَان إبرام أية اتّفاقات دفاعية مع السعوديّة بدون موافقتها على التطبيع مع العدوّ الصهيوني.

وقال سوليفان وقتها في تصريحات نقلتها صحيفة “فايننشال تايمز”: إن “الرؤية المتكاملة هي تفاهم ثنائي بين الولايات المتحدة والسعوديّة مصحوبًا بالتطبيع بين إسرائيل والسعوديّة” مُشيراً إلى أن “كل ذلك يجب أن يأتي معًا، ولا يمكن فصل جزء عن الآخر”.

وأضاف: “أتوقَّعُ أن تسمعوا في الأشهر المقبلة من الرئيس والآخرين منا المزيدَ عن الطريق الذي نعتقدُ أنه يمكن أن يؤدي إلى “إسرائيلَ” أكثر أمنًا ومنطقة أكثر سلمًا”.

وبدلًا عن الحديث عن التطبيع، لجأت الوكالة السعوديّة إلى رفع عنوان خادع، حَيثُ قالت: إن ولي العهد السعوديّ ناقش مع سوليفان “إيجاد مسار ذي مصداقية نحو حَـلّ الدولتين بما يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني” وهي محاولة مكشوفة لتقديم خدعة حَـلّ الدولتين كمطلب فلسطيني؛ مِن أجلِ إظهار صفقة التطبيع كإنجاز في سبيل مصلحة الفلسطينيين، حَيثُ تطلب السعوديّة من الولايات المتحدة أن تقنع العدوّ الصهيوني بالتجاوب مع مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية صغيرة؛ مِن أجلِ إتمام صفقة التطبيع والترويج لها كحل حقيقي، على الرغم من أن هذا “الاعتراف” لا يمثل في الحقيقة سوى شرعنة للاحتلال ولاغتصاب معظم الأرض الفلسطينية.

ومع ذلك، فَــإنَّ موقف العدوّ الصهيوني واضح في رفض أي اعتراف بأية دولة فلسطينية؛ ولذلك تتحدث العديد من التقارير أن النظام السعوديّ سيكتفي فقط بتعهد من الصهاينة بالتجاوب مع مسألة حَـلّ الدولتين؛ مِن أجلِ الترويج الدعائي لصفقة التطبيع، ومحاولة تقديمها للرأي العام كإنجاز سياسي.

المصالح الأمريكية الخَاصَّة هي الأكثر حضورًا في مشهد الاتّفاق:

وبقدر ما يكشفُه الإصرارُ على التطبيع من حرص سعوديّ فاضح على تصفية القضية الفلسطينية وكأنها تشكل تهديدًا له، فَــإنَّه يكشف أَيْـضاً عن عجز واضح لدى نظام الرياض عن التعلم من التجارب والاستفادة من المتغيرات، حَيثُ ترى السعوديّة أن الحصول على اتّفاقيات دفاعية مع الولايات المتحدة يمثل مصلحة كبرى تستحق التفريط لأجلها بأي شيء آخر، لكن الحقيقة هي أن هذه الاتّفاقات لن تمثل حماية حقيقية للسعوديّة التي سبق لها أن لمست فشل الدعم الأمريكي في حمايتها من الضربات اليمنية طيلة سنوات العدوان، كما لمست الانتهازية الأمريكية المهينة في التعامل مع موضوع الحماية بالذات، حَيثُ تحول الأمر في عهد إدارة ترامب إلى ابتزاز علني فاضح للنظام السعوديّ.

هذا أَيْـضاً ما ألمح إليه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي إلى ذلك، في خطابه قبل عشرة أَيَّـام، حَيثُ أكّـد أن “مساعي البعض لعقد اتّفاقيات حماية مع الأمريكي لن تنفع، بل ستفتح الباب للابتزاز الدائم”.

وفي الوقت الذي ترى فيه السعوديّة أن الاتّفاقات الأمنية ستحمي المملكة من أية تهديدات، فَــإنَّها تتجاهل حقيقة أن التهديدات التي تواجهها المملكة تأتي نتيجةَ إصرارها على تنفيذ المشاريع والتوجّـهات الأمريكية في المقام الأول، وبالتالي فَــإنَّ استمرارَ هذه العلاقة مع الولايات المتحدة هي مصدر التهديد، كما أن أية اتّفاقيات دفاعية مع واشنطن قد تزيد الضغط على السعوديّة للتورط أكثر في حروب وصراعات الولايات المتحدة في المنطقة؛ بذريعةِ “الدفاع المشترك”.

وفي هذا السياق أَيْـضاً يرى تحليل نشرته وكالة “رويترز”، تزامنًا مع زيارة سوليفان إلى المنطقة (السعوديّة وإسرائيل) أن الاتّفاقيات التي سيتم إبرامها مع السعوديّة لها فوائد استراتيجية عديدة للولايات المتحدة أبرزها “دعم أمن إسرائيل، وبناء تحالف أوسع ضد إيران” وهو ما يعني أن المصالح الأمريكية الخَاصَّة هي الأكثر حضورًا في مشهد السياسة والدفاع والأمن، بل وحتى فيما يتعلقُ بالمشاريع التجارية التي يُفترَضُ أن يتضمنها الاتّفاق، حَيثُ ترى الولايات المتحدة -بحسب تحليل رويترز- أنَّ من المهم “تعزيز العلاقات الأمريكية مع واحدة من أغنى الدول العربية في وقت تسعى فيه الصين إلى توسيع نفوذها في الخليج”؛ أي أن مسار المشاريع التجارية سيكون محكومًا؛ باعتبَارات المنافسة بين الولايات المتحدة والصين.

وبحسب تحليل “رويترز” أَيْـضاً فَــإنَّ الولايات المتحدة ستستفيد من الاتّفاق مع السعوديّة من خلال “وضع قطاع الصناعة الأمريكي في موقع رئيسي” للفوز بعقود المشاريع في السعوديّة؛ وذلكَ لأَنَّ الشركات الأمريكية “تتنافس مع نظيراتها في روسيا والصين ودول أُخرى على الأعمال التجارية العالمية” بحسب الوكالة؛ الأمر الذي يؤكّـد أَيْـضاً على أن المصالح الأمريكية ستكون مهيمنة على كُـلّ مفاعيل الاتّفاق الذي تسعى السعوديّة جاهِدَةً لإبرامِه وخيانةِ القضية الفلسطينية لأجله.

المسيرة نت: / ضرار الطيب

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: المصالح الأمریکیة الولایات المتحدة صفقة التطبیع مع السعودی ة دفاعیة مع أ ی ـضا ف ــإن

إقرأ أيضاً:

كيف ستؤثر السعودية في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟

أصبحت المملكة العربية السعودية عنصرًا حاسما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقرر إقامتها في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، في ظل التحولات الجارية في العلاقة بين الرياض وواشنطن.

ونشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية تقريرًا  ترجمته "عربي21"، تحدثت فيه عن الدور السعودي، وأنه بينما يستعد الرئيس جو بايدن للنضال من أجل إعادة انتخابه، يجد البيت الأبيض نفسه أيضا يتنافس على النفوذ بين العديد من اللاعبين على المسرح العالمي، ومن بينهم شريك طويل الأمد.

يعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 38 سنة، واحدا من أصغر رؤساء الدول الفعليين في العالم، وهو القوة الدافعة وراء الأجندة القومية التي تترسخ في المملكة. ويتولى والده، الملك سلمان البالغ من العمر 88 سنة، حكم البلاد منذ سنة 2015، لكنه سلم السلطة بشكل متزايد لابنه السابع منذ تنصيبه وليا للعهد سنة 2017 ورئيسا للوزراء سنة 2022، خاصة وسط مخاوف متزايدة بشأن صحة الملك.

وقد أدى التحول الذي أشرف عليه ولي العهد إلى تحولات كبيرة في النظرة الداخلية للمملكة، التي تبنت نهجًا أكثر انفتاحا مع تقليل الاعتماد على النفط، من بين مبادرات أخرى تتماشى مع رؤية 2030 الطموحة. وقد أدى ذلك أيضًا إلى إعادة ضبط العلاقات الخارجية والسعي إلى علاقات أكثر قوة مع القوى الرائدة الأخرى، بما في ذلك أكبر منافسي الولايات المتحدة: الصين وروسيا.


وذكرت المجلة أنه رغم تأكيد المسؤولين في الرياض وواشنطن أهمية الشراكة بينهما، إلا أن الخلافات الأخيرة والمفاوضات المضنية الجارية حاليًا حول مستقبل تعاونهما أثارت تساؤلات جدية فيما يتعلق بمصير أحد أهم مواطئ الأقدام الإستراتيجية في الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة.

وحدّد علي الشهابي، الخبير السياسي السعودي الذي أسس مركز أبحاث المؤسسة العربية ويعمل الآن في المجلس الاستشاري لنيوم، وهو أحد "المشاريع العملاقة" المستقبلية العديدة الموضحة في رؤية 2030، عاملين أساسيين وراء تحقيق المملكة التوازن في العلاقات الدولية: أحدها الأهمية المتزايدة للصين باعتبارها أكبر مستورد منفرد للنفط السعودي وشريك يرغب في تزويد السعودية بالأسلحة والتكنولوجيا دون أي شروط؛ والثاني عدم موثوقية العلاقة مع الولايات المتحدة التي يمكن أن تتقلب بشكل كبير اعتمادًا على التيارات السياسية في واشنطن.

صانعو الملوك في الشرق الأوسط
أوضحت المجلة أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية تعود إلى السنوات الأولى لتأسيس المملكة، التي قاد مؤسسها، الملك عبد العزيز بن سعود، سلسلةً من الفتوحات استمرت ثلاثة عقود ليوحّد جزءًا كبيرًا من شبه الجزيرة العربية بحلول سنة 1932. وقد تطورت هذه العلاقات إلى شراكة إستراتيجية خلال الحرب العالمية الثانية وطوال الحرب الباردة، حيث كانت الرياض بمثابة حصن رئيسي ضد النفوذ السوفيتي في المنطقة، حتى في خضم بعض النزاعات الكبرى مثل حظر النفط سنة 1973 بسبب الدعم الأمريكي لـ "إسرائيل" في حربها مع مصر.


لم تسبب علاقة المملكة الغامضة بهجمات 11 أيلول/سبتمبر انتكاسة دائمة في العلاقات، بل توطدت العلاقة بشكل أكبر خلال الحرب على الإرهاب في القرن الحادي والعشرين، وستظل السعودية لاعبًا رئيسيًا في الجهود الأمريكية لمواجهة النفوذ الإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولا يزال يُنظر إليها على أنها شريك مهم في هذا المسعى.

ورغم استفادة الولايات المتحدة على المدى الطويل من نفوذ المملكة باعتبارها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم وخادمة لأقدس المواقع الإسلامية، هذا إلى جانب تمتعها بحماية البنتاغون وسط الاضطرابات الإقليمية، إلا أن المصالح بدأت تتباعد في السنوات الأخيرة وأصبح الانقسام ملحوظًا بشكل خاص في ظل إدارة بايدن.

على عكس ترامب، الذي عزز العلاقات مع ولي العهد الصاعد، اتخذ بايدن موقفًا أكثر تشددًا مع المملكة وولي عهدها، وخلال الحملة الانتخابية، وصف بايدن السعودية بأنها "منبوذة" بسبب مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، الذي ربطته المخابرات الأمريكية مباشرة بولي العهد. وقد أعلن عن وقف مبيعات الأسلحة الهجومية بسبب مخاوف من تدخل المملكة في الحرب الأهلية اليمنية كواحدة من أولى خطواته الرئيسية في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط.

وأشارت المجلة إلى أنه لا يبدو أن زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية في تموز/ يوليو 2022 قد فعلت الكثير لإصلاح العلاقات المتوترة، وقد مضت الرياض في تحدي الدعوات الأمريكية لزيادة إنتاج النفط بالتنسيق مع بقية الدول الأعضاء في تحالف أوبك+ وسط ارتفاع تكاليف الطاقة على خلفية العقوبات المفروضة على حرب روسيا في أوكرانيا.

وفي تناقض حاد مع الاستقبال البارد لبايدن، تلقى الرئيس الصيني شي جين بينغ ترحيبًا حارًا في وقت لاحق من نفس السنة عندما أشرف على أول قمة بين الصين والدول العربية على الإطلاق. وبعد أشهر، أعادت الرياض العلاقات الدبلوماسية مع طهران بموجب اتفاق توسطت فيه بكين، وشرع كلاهما في دمج نفسيهما في كتلتين متعددتي الأطراف تتمتع فيهما الصين وروسيا بنفوذ كبير، وهما منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس.


واليوم، يتطلع بايدن مرة أخرى إلى الرياض للحصول على الدعم وسط الحرب المستمرة في قطاع غزة، ويسعى إلى تأمين ما يسمى بالصفقة الضخمة التي من شأنها أن تشمل ضمانات أمنية أمريكية، مع ذلك، وجدت إدارة بايدن أن السعودية تقود صفقة صعبة لأنها تستخدم نفوذها الجيوسياسي المتنامي لخدمة مصالح الرياض على أفضل وجه في التعامل مع كل من القوى الكبرى والقوى الناشئة.

عالم جديد وشجاع متعدد الأقطاب
أكدت المجلة أن الرياض تتمتع بوضع فريد يسمح لها بمتابعة هذا المسار نظرًا لمكانتها المؤثرة بالفعل كعضو رائد في منظمة أوبك وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، فضلًا عن كونها واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في مجموعة العشرين، لكنها ليست وحدها على هذا الطريق. تشمل الدول التي تتبنى دورات مماثلة البرازيل والهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا، وجميعها سعت إلى توسيع وتنويع محافظها الدولية في الشرق والغرب على حد سواء، وتشكل معًا ما أشار إليه الخبراء في مؤسسة صندوق مارشال الألماني بـ "الدول العالمية المتأرجحة".

وحسب كريستينا كوش، نائبة المدير العام لصندوق مارشال الألماني في الجنوب، فإنه بالنسبة للسعودية - كما هو الحال بالنسبة للعديد من القوى المتوسطة في الجنوب العالمي - الانحياز هو الاستجابة المنطقية لنظام عالمي أكثر تقلبًا وتعقيدًا وتعددًا للأقطاب. إنه ليس زواجًا، بل مجموعة من العلاقات المرنة التي ترى الرياض أنها تستطيع بها التحوط ضد عدم الاستقرار الدولي والاستفادة من نقاط قوتها وأصولها لتحقيق أقصى استفادة. وأضافت أن هذه الاستراتيجية ضرورية بشكل خاص للمملكة لأن التكيف واستدامة نموذج أعمالها الجغرافي الاقتصادي يعتمد على العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة والصين وروسيا على حد سواء.


وقد لاحظ برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون، التعديل الاستراتيجي في وجهة نظر الرياض. ووفقًا لهيكل فإن السعودية تدرك أن العالم لم يعد أحادي القطب حيث تهيمن الولايات المتحدة فقط على كل شيء، وإنما نتجه نحو عالم متعدد الأقطاب مع ظهور قوى أخرى مثل الصين والهند، وعليها الحفاظ على العلاقات مع أكبر عدد من هذه الدول، خاصة هذه القوى الصاعدة التي تعد من كبار عملائها في مجال النفط والبتروكيماويات.

السعودية أولا
وصف هيكل هذا النهج بأنه سياسة "السعودية أولا"، مستحضرا مبدأ "أمريكا أولا" الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمن الذي أعاد ترامب إحياءه مؤخرًا. وحسب هيكل، فإن المملكة تعمل بشكل أكبر مع التركيز على القومية، وليس أي أيديولوجية أخرى، وتضع مصلحتها الذاتية قبل المصالح الإقليمية والمصالح القومية العربية والإسلامية، التي كانت تشكل عوامل مهمة في وقت سابق، فضلا عن المصالح الأمريكية.

وأضاف هيكل أن سياسة "السعودية أولاً" لا تهدف إلى تهديد الولايات المتحدة بالتحول إلى الصين، وإنما نظرا للتوترات الأخيرة في العلاقات بين الرياض وواشنطن، فإنها تظهر القدرة على "النظر إلى خيارات أخرى، لتنويع العلاقات قدر الإمكان". وأشار هيكل إلى أن قرار قمع النشطاء والحركات السياسية الإسلامية بدأ فعليًا في عهد الملك السابق عبد الله، وقد وضع بن سلمان حدًا للإسلاميين. وعندما يتعلق الأمر بالسياسة، فهو يركز أكثر على القومية بدلاً من الإسلاموية.

وأوضحت المجلة أن هذا التغيير مهّد الطريق لمزيد من الإصلاحات الاجتماعية، بما في ذلك رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة، وتخفيف نظام الوصاية وإنشاء مراكز ترفيهية جديدة. كما فتحت السعودية الباب أمام جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وحملات الترويج للسياحة، وإقامة الحفلات الموسيقية والفعاليات الرياضية، وحتى تنظيم أول عرض أزياء لملابس السباحة النسائية في المملكة، مع وجود تقارير عن افتتاح متجر للمشروبات الكحولية لأول مرة.


وأشار كل من هيكل والشهابي إلى أن هناك مخاطر في هذا المسعى، نظرًا للعلاقات التقليدية للمملكة مع التيارات الإسلامية المتشددة. فقد كانت هذه الأيديولوجيات، وأبرزها المدرسة الوهابية المدعومة من الدولة، بمثابة حجر الزاوية لشرعية آل سعود، ولكن التفسيرات الأكثر أصولية للإسلام تم قمعها بشكل حاسم مع استمرار المسيرة نحو رؤية 2030. لكن ما لا تشمله هذه الإصلاحات هو التنازلات الأساسية بشأن المخاوف الأوسع التي يثيرها المسؤولون الأمريكيون بشكل متكرر عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية وحرية التعبير وقضايا حقوق الإنسان الأخرى في النظام الملكي. وحسب هيكل فإن قبول واشنطن لهذا الوضع والمضي قدمًا هو مسألة أولويات بالنسبة للولايات المتحدة.

وقد تواصلت المجلة مع المتحدث باسم السفارة السعودية في الولايات المتحدة، فهد ناظر، الذي أكد أن المملكة تتمتع بعلاقات ممتازة مع الغالبية العظمى من الدول في جميع أنحاء العالم، وتعتقد أنها في وضع فريد لحل الخلافات بين الشمال العالمي والجنوب العالمي والشرق والغرب. وأضاف ناظر أنه في الوقت الذي تملك فيه السعودية كل الأسباب لتنمية علاقاتها مع مختلف البلدان بناءً على مصالحها الاقتصادية في سياق رؤية 2030، فإن العلاقة مع الولايات المتحدة لم تستمر لمدة ثمانية عقود فحسب، بل يتم أيضًا تعميقها وتوسيعها لتشمل الآن التقنيات المتقدمة ومرونة سلسلة التوريد واستكشاف الفضاء.

ثمن الفشل
أفادت المجلة بأن الصحفي والباحث السعودي البارز عبد العزيز الخميس عرض حلاً يمكن لإدارة بايدن من خلاله تحسين علاقاتها المضطربة مع الرياض، وذلك عبر تعزيز الحوار الدبلوماسي وتقليل الانتقادات العامة ومراعاة الاختلافات الجيوسياسية والمصالح المتباينة وتقديم التنازلات المتبادلة بشأن القضايا الاقتصادية والأمنية. ولكن الخميس يرى أنه إذا فشلت الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار في علاقتها مع المملكة، فقد تنشأ العديد من المخاطر، بما في ذلك إضعاف النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وتعزيز نفوذ المنافسين مثل الصين وروسيا فضلا عن التأثير سلبًا على استقرار أسواق الطاقة العالمية.


ونقلت المجلة عن محمد الحامد، المحلل الجيوسياسي السعودي الذي يشغل منصب رئيس شركة النخبة السعودية الاستشارية، أن توصل الولايات المتحدة إلى وضع "الدولة المتأرجحة" مع السعودية هو أمر أساسي لتحقيق الاستقرار وبناء المزيد من العلاقات. وحسب الحامد فإن هناك فرصة حقيقية لتحقيق التوازن في العلاقات السعودية الأمريكية من خلال إصلاح ما أفسده الزمن من محاولات تشويه العلاقات مع حليف أمني مهم للولايات المتحدة.  وأضاف الحامد أن ثقل السعودية الاقتصادي والجيوسياسي يحتم على الولايات المتحدة أن تأخذ بعين الاعتبار المصالح السعودية في المفاوضات. وقد تحتاج الولايات المتحدة إلى الموازنة بين أجندة أيديولوجيتها الإدارية والفوائد الأوسع المتمثلة في الحفاظ على علاقة قوية مع الرياض.

مقالات مشابهة

  • تعرف على إحصائيات العدوان الصهيوني على غزة خلال 240 يوما
  • التطبيع مع الاحتلال مهدد بالفشل.. هذه الصفقة تحتاجها أمريكا من السعودية
  • بلينكن يبحث مع رئيس الصومال المصالح الأمنية المشتركة بالقرن الإفريقي
  • رحلات مشبوهة من بنغازي إلى نيكاراغوا، رغم التحذيرات الأمريكية
  • فتوح يدين استمرار العجز الدولي في وقف مجازر الإبادة التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة
  • أسامة السعيد: أمريكا هى الوحيدة القادرة على تغيير مسار الحرب فى غزة
  • الولايات المتحدة والناتو يؤكدان الالتزام الدائم بدعم أوكرانيا
  • ارتفاع حصيلة الإبادة الجماعية في غزة إلى 36224 شهيداً غالبيتهم نساء وأطفال
  • كيف ستؤثر السعودية في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟
  • كيف تؤثر السعودية في الانتخابات الأمريكية؟