تشو شيوان **

أثارتْ زيارة الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين إلى الصين، الأسبوع الماضي، انتباه العالم لما تحمله الزيارة في وقتها وتوقيتها وجدول أعمالها من الكثير من التطورات في علاقات البلدين، التي أجد أنها قد تخطت في مستواها وثقلها العلاقات الإستراتيجية لتصل لما هو أبعد من هذا بكثير، خصوصاً وأنَّ العالم يشهد اضطرابات متتالية شرقاً وغرباً، في حين أن العلاقات الصينية-الروسية علاقات مبنية على تفاهمات كبرى، أساسها وأهمها: السعي للدفع بالحوكمة العالمية الجديدة الداعية لعالم متعدد الأقطاب.

وبالرجوع لجدول الزيارة، فقد شهد المسرح الوطني الكبير الصيني يوم 16 مايو حدثاً كبيراً في العلاقات الصينية-الروسية، ألا وهو حفل افتتاح "عام الثقافة الصينية الروسية"، والاحتفال بالذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وروسيا، وتفسِّر عروض الأوبرا الموسيقية الرائعة للصداقة طويلة الأمد بين الدولتين الكبيرتين، والتاريخ الذي يجمع البلدين على طول الأمد.

وفي هذا العالم المضطرب، أجد أنَّ تمسك الصين وروسيا بمبادئ "عدم الانحياز وعدم المواجهة وعدم استهداف أطراف ثالثة"، التي تتجاوز التحالف العسكري والسياسي خلال حقبة الحرب الباردة، قد وضع نموذجاً لنمط جديد من العلاقات الدولية للمجتمع الدولي، وجلب استقراراً لا يُقدَّر بثمن للعالم في خضم الاضطرابات المتتالية، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير للدبلوماسية المستقرة لكلا البلدين.

ما أجده مهمًّا، ويُبرهن على مدى قوة العلاقات الثنائية، أنه ومنذ العام 2013 التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فيلاديمير بوتين أكثر من 40 مرة، وهذا الرقم دليل على التوجه الإستراتيجي لقادة البلدين لإيصال العلاقات الثنائية إلى أعلى مستوياتها.

لقد لخص الرئيس الصيني وجهة نظر الصين تجاه روسيا، عندما قال بأنه "يجب علينا دائما تعزيز المبادئ الخمسة للتعايش السلمي والاحترام المتبادل والمساواة والثقة المتبادلة، والاهتمام بشواغل بعضنا البعض، وتقديم المساعدة المتبادلة لبعضنا البعض بصدق من أجل تنمية ونهوض كلا الجانبين"، وهذه الكلمات المهمة تدل على أنَّ العلاقات متينة مهما كان العالم مضطربا ويمر بأزمات غير مسبوقة.

إذا نظرنا إلى التاريخ، فسوف نجد أنَّ كيفية تحقيق التوافق بين الدول الكبرى كان دائمًا مشكلة صعبة. وفي الوقت الراهن، فإنَّ بعض الدول الغربية عازمة على تعزيز "المنافسة بين القوى الكبرى" وإثارة الانقسام والمواجهة في العالم. وفي المقابل، فإنَّ التنمية المستدامة والمستقرة للعلاقات الصينية الروسية تُظهِر أنَّ الدول الكبرى يُمكنها إيجاد الطريقة الصحيحة للتوافق مع بعضها البعض وتحقيق التنمية والتعاون والأمن في العالم.

وبعد مرور 75عامًا، تقف العلاقات الصينية-الروسية عند نقطة بداية جديدة، مُفادها: كيف نخلق مستقبلاً أفضل؟ وانطلاقاً من التوافق الذي توصل إليه الطرفان، سيبذل الجانبان جهودهما على مستويات متعددة مثل تعزيز الثقة السياسية المتبادلة، والتعاون العملي، والتعلم الثقافي المتبادل، وتحسين الحوكمة العالمية.

إنَّ خصوصية العلاقات الصينية-الروسية ومستواها العالي إنما هي انعكاس أولا للأساس المتين للثقة السياسية المتبادلة. وأكدت روسيا مجددا تمسُّكها بمبدأ صين واحدة ومعارضتها لأي شكل من أشكال "استقلال تايوان". وتعرب الصين عن دعمها لروسيا في حماية أمنها واستقرارها وتنميتها وازدهارها وسيادتها وسلامة أراضيها.

إضافة الى ذلك، يعدُّ التعاون الاقتصادي والتجاري من أبرز معالم العلاقات الصينية-الروسية؛ فقد وصل حجم التجارة الثنائية إلى أكثر من 240 مليار دولار أمريكي في العام 2023، وظلت الصين أكبر شريك تجاري لروسيا لمدة 14 عاما على التوالي. وقام الرئيس الروسي بوتين بزيارة خاصة إلى مدينة هاربين لحضور حفل افتتاح معرض الصين-روسيا الثامن؛ مما يعكس رغبة روسيا في توسيع التعاون العملي مع الصين.

ومع انطلاق "عام الثقافة الصينية الروسية" هذا العام، ستستمر سلسلة من أنشطة التبادل الثقافي في توطيد الصداقة بين شعبي البلدين، وباعتبارهما عضوين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن الصين وروسيا تحميان بقوة النظام الدولي القائم على القانون الدولي، وفي جوهره الأمم المتحدة وتؤيدان ممارسة التعددية الحقيقية. ويمكننا القول إن التنسيق الوثيق بين الصين وروسيا على الساحة الدولية سيساعد في كبح جماح ممارسات الهيمنة لبعض القوى الغربية، ومنع العالم من الوقوع في مواجهة أي معسكر، كما أنَّه سيعزز تنمية ونمو "الجنوب العالمي"، مما يكتسي أهمية كبيرة لتحسين الحوكمة العالمية والحفاظ على السلام والتنمية في العالم.

 

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جوعاهم في الجنة.. وبياناتنا في النار!

صراحة نيوز- بقلم / نضال

لن أكتب أرقامًا يتناقلها الإعلام والسياسيون والمنظمات الإنسانية، ولن أزيدها ولو بياناً واحداً؛ فهي كلها قاصرة، بعيدة عن الواقع في حقّ غزة. فأغلب دول العالم لم تتعلم العدَّ والحساب في عقولها في هذا الزمن لأكثر من أصابع اليد، فكانت الآلة الحاسبة بيد مالك الهيمنة الدولية هي من تقوم بكل أعمالنا الحسابية، دون أن نراجعها فكرياً وإنسانياً بقرار واحد نافذ ولو مرة واحدة. فكيف لعقولنا والعالم اجمع أن تستوعب أو تحاسب وتحسب حال أهل غزة وأطفالها، ونحن أشخاص في اغلبنا لا نملك، في حق كل بيان وتصريح، قبل كل فاعل، إلا أن نقول: “حسبنا الله ونِعم الوكيل”.

عالمنا هو عالمٌ منزوع النخوة والضمير، هو عالمٌ يُمتهن التسويف والتبرير، عالمٌ أكبر مواقفه كلمات في مجلس شيوخ، أو ندوة لمجموعة طلابية، أو مسيرة مليونية، أو خطاب في برلمان لدولة أوروبية، أو اجتماع لمن أطلقوا على أنفسهم منظمات حقوق إنسان او حماية دولية. عالم يعيش صحوة كاذبة وأغلبه عالمٌ يدّعي الصحوة — ولا أتحدث هنا عن الدين، فليس من حقي — عالمٌ تدير بعضَه عصابات، وتتناطح في غيره سياسات، وتتفرد في قوانينه وأحكامه أحياناً شخوصُ غباء وسماسرةُ فنادق وعقارات، حتى وصل بأرعنهم أن يرى في شخصٍ، هو أمكرُ نماذج القتل والدمار، أنه يستحق الترشح لجائزة “رجل السلام”! فياللعار!! فهل من عاقلٍ يقبل كل هذه الدسائس؟ أو يستوعب حال أطفالٍ في غزة يستشهدون لغياب لقمة عيش، أو شربة ماء، أو حبة دواء؟!
في غزة أطفال هم شهداء الإنسانية الصامتة.. في غزة، أطفالٌ لا يُستشهدون لنقص الغذاء، بل لنقص وجبة إنسانية في مجتمعٍ يدّعي أنه من الأخيار.. في غزة، أطفالٌ لا يُستشهدون لنقص شربة ماء، بل لجفاف ماء وجهِ عالمٍ لا ترى في ملامحه غير رعونة من يدّعون أنهم من الأبرار.. في غزة، أطفالٌ لا يُستشهدون لقلة أو ندرة أو تأخر وصول دواء، بقدر غياب جرعة مسؤولية دولية حقيقية تقف خلفهم، ومعهم، وتُسند آخر رمق حياة في أعلى نقطة في سمائهم فهم باذن الله من الأبرار. في غزة، جوعاهم في الجنة.. وبياناتُ العالم كلها رمادٌ وسط النار!
في دعم غزة، وبعد اشهر طويلة لن تجد كما هو الأردن، بكل طاقاته وفئاته ومؤسساته وأفراده، وفوق كل ذلك سياسته وقيادته، من يبذل ويعيش ما يُفترض أن يكون سكونَ ليله قبل حركة نهاره، في دعم وصمود وحياة أطفال ونساء وشيوخ بين القصف وركام الدمار، ممن أنهكتهم بياناتُ الشجب الدولية والاستنكار، والدعوات المتكررة لوقف إطلاق النار، أو إغاثة من اختاره الله لجواره، رحمةً بهم ولهم، من العيش بين مجموعة من يدّعون أنهم بشر، ولكن في أغلبهم هم ثلة أشرار.
في غزة، متى سيستفيق العالم ويصل إلى مستوى الإنسانية أو الصدق في القرار؟ ومتى يتعلم العالم من الأردن ما يبذله، بكامل الهمّة والصدق والنخوة والإصرار، في زمنٍ غاب فيه كل الأخيار؟ في غزة اكبر من الشهادة والصمود، في غزة، شوكة اصحاب حق غرسها ابناؤها هم فقط وليس غيرهم، في حلق المستوطن والمحتل غصة، وكل اعوانه من عالم قائم على الاستهتار، بروح وبركة طفل شهيد يسكن ارضاً يدعي مغتصبها انه شعب الله المختار.

مقالات مشابهة

  • ترامب ينفي سعيه لقمة مع الرئيس الصيني ويؤكد: لا زيارة دون دعوة رسمية
  • قائد أخمات الروسية: كييف ترمي بكل ثقلها لوقف التقدم الروسي باتجاه مقاطعة سومي
  • هل تستجيب الصين لمطالب أميركا بوقف استيراد النفط الروسي والإيراني؟
  • ترامب يُكذّب الأنباء عن قمة مع الرئيس الصيني ويشترط دعوة رسمية لزيارة بكين
  • وزير الشئون النيابية يؤكد خلال لقائه السفير السعودي متانة العلاقات بين البلدين
  • الرئيس الصيني يعد نظيره الصربي: قل لي ماذا تريد وستحصل على كل ما تطلبه
  • بوتين: العلاقات الروسية القيرجيزية تسهم في استقرار الفضاء الأوراسي
  • وزيرة التخطيط: بحثنا مع وزيرة التنمية البريطانية مستقبل العلاقات التجارية بين البلدين
  • جوعاهم في الجنة.. وبياناتنا في النار!
  • عالم نفس يكشف علامة غير متوقعة قد تنذر بانهيار زواجك