ما زالت مصر ولادة وفيها حاجات كتير حلوة رغم المرار والعلم فى نهاية ملعقة العسل الأسود التى نحلى بها أيامنا وحياتنا وتلك الصعاب المارة بنا رغمًا عنا، ومهما حاولوا شراء الفن والتاريخ ودفع الدولارات والجنيهات لاستضافة وإقامة مهرجانات لفنانين أحياء أو أموات، وتحويل كل ما هو فنى إلى سلعة وتأطير الفنانين فى صورة النماذج الراقية التى تعلن وتعيش حياة الرفاهية والفخامة للإعلان عن الشركات والقصور والمنتجعات السياحية لتصنع لذاتها مجدًا زائفًا، فإذا بالبراءة والأصالة والموهبة الحقيقية والفن المعجون بطين الأرض ومحلى بورد النيل ومروى بمياه النهر وقد صقلته وسوته شمس الوادى الخصيب منذ آلاف السنين، هذا الفن حقيقة ساطعة تتحدى الزمان والصعاب وتسطع فى سماء العالم الجديد كما أنارت العالم من قديم.
هل الأموال والبريق باق أم التمييز والعالمية من خلال المحلية والصدق والتواصل مع الجمهور الحقيقى وليس جمهور المنصات والبرامج والمهرجانات المدفوعة الأجر؟.. على الفنانين أن يكسروا كل تلك الحواجز مع الجمهور ويحضرون الندوات والملتقيات بلا وكيل ولا تكريم … هل فكروا فى عروض مسرحية وفنية فى قصور الثقافة بقرى مصر بلا مقابل? هل فكروا فى التواجد فى ندوات وعروض بالجامعات الإقليمية بلا تكريم? هل فكروا فى إقامة مهرجانات شهرية على مدار العام تجوب المحافظات المصرية وتعرض للجميع نظير مقابل زهيد كما فعلت هاتى الوردات اليانعات اليافعات وهن يجبن شوارع القرية فى عروض مسرحية وفنية يعرضن أعملهن البسيطة العميقة … علنا نعى وندرك أنها مصر التى تثبت مطلع شمس كل يوم جديد أن النور سوف يهزم الظلام، وأن ماء النهر سيستمر يسقى الزرع ويملأ الضرع وينبت الزهر والتمر لأن مصر أرض الخلود.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الفيلم المصرى رفعت عيني للسما المنتجعات السياحية
إقرأ أيضاً:
كان.. يا ما كان
فى واحدة من أهم الظواهر التى تستحق الدراسة مؤخرًا في مجتمعنا المصرى يبدو أن ظاهرة الحنين إلى الماضى المعروفة علميًا (بالنوستالجيا) قد بلغت مداها بين قطاعات عريضة من أبناء هذا الوطن بكل أطيافه بل وأجياله حتى يكاد الأمر أن يصل إلى درجة رفض الواقع بل وإنكاره من فرط الحنين إلى ما كان. لماذا نحن فى هذه الحالة؟ وإن كان ذلك مقبولًا لدى أجيال الوسط والشيوخ التى عاصرت هذا الماضى فكيف نفسر حنين أبناء جيل الشباب أيضًا لما كان قائمًا قبل أن يولدوا؟
فى حكاوى ومناقشات أهل مصر على المقاهى وفي مواقع التواصل ستجد تلك الحالة منتشرة، بل ربما لن يخلو حديث فى مجلس للأهل أو للأصدقاء دون أن يترحموا على أيام قد مضت وكيف كان حال الفن والفكر والثقافة بل والرياضة وحتى السياسة، وعن تلك الأوزان النسبية التى تغيرت لتهبط عدة درجات فى سلم الإبداع، حين تجلس مع أبناء جيل الشيوخ والوسط سيحدثونك عن شبابهم وكيف تربى وجدانهم على فكر وثقافه وذوق مختلف ومتنوع، سيحكون لك أنهم قد كان لديهم كل المدارس الفكرية والفنية وكان متاحًا لهم أن ينهلوا من هؤلاء العمالقة الذين عاشوا وأبدعوا معًا فى توقيت واحد فأحدثوا زخمًا فى شتى مجالات الفكر والفن والسياسة وحتى فى لغة الحديث بل وفى شكل وأناقة ملابس الرجال والنساء وزى أطفال المدارس وطلاب الجامعة.
هل هى الحداثة قد أفقدتنا كثيرًا مما اعتدنا عليه سابقًا قبل أن تُغرقنا موجات التكنولوجيا العاتية وهذه الأنماط السلوكية والفكرية الهشة التى تنتشر بسرعة البرق بين رواد السوشيال ميديا؟ هل هجر الناس الأصالة عن قناعة أم مجبرين حين خلت الساحة من إبداع رصين يحفظ لهذا الشعب هويته السمعية والفكرية؟
ليس الأمر بسيطًا حتى وإن بدا كذلك. فهذا ذوق يتغير وفكر يندثر وعمق يختفى تحت ضربات ولعنات التريند والتيك توك والمهرجانات ودراما العنف والقيم الأسرية المنحلة ومسارح اللهو دون قيمة أو رسالة، ورياضة كلها تعصب وشحن وسباب وفُرقة بين الجميع.. ليس الأمر هينًا فهذا وطن يسرق من ماضيه وقيمته وريادته بين الأمم.. هل نجد إجابة لكل تلك التساؤلات أم يظل الحال كما هو لنهوى أكثر وأكثر فى دوامة الحنين إلي الماضي ونظل نردد بكل حسرة: كان ياما كان.. ؟؟