الغارديان تكشف: هكذا هدد وطارد الموساد الإسرائيلي المدعية العامة للجنائية الدولية بسبب فلسطين
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
"لاحقها وهددها بأمنها وأمن عائلتها".. الغارديان: رئيس الموساد هدد المدعية العامة للجنائية الدولية بسبب تحضيرها لفتح تحقيق في جرائم حرب إسرائيلية محتملة في الأراضي الفلسطينية.
كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن الرئيس السابق لجهاز الموساد، وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية، هدد المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في سلسلة من الاجتماعات السرية، وحاول خلال هذه الاجتماعات الضغط عليها للتخلي عن التحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت الصحيفة، الثلاثاء، إن يوسي كوهين، تواصل مع فاتو بنسودا، المدعية العامة السابقة التي شغلت هذا المنصب من 2012 حتى 2021، في السنوات التي سبقت قرارها بفتح تحقيق رسمي حول ارتكاب إسرائيل "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
التحقيق، الذي بدأ في عام 2021، بلغ ذروته الأسبوع الماضي، عندما أعلن خليفة بنسودا، البريطاني كريم خان، السعي إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت وقادة من حماس، بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة.
هذا القرار الذي اتخذه المدعي العام بتقديم طلب إلى الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر بإلقاء القبض على كبار قادة إسرائيل، كانت تخشى الدولة العبرية صدوره منذ فترة طويلة.
أمل كلوني تكشف كواليس "الجنائية الدولية" ودعمها إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة من إسرائيل وحماسوقال مسؤول إسرائيلي كبير إن كوهين تورط بشكل شخصي في العملية ضد المحكمة الجنائية الدولية حدث عندما كان مديرًا للموساد، وحصل على موافقة على مستوى عالٍ وتم تبرير هذه الخطوة على أساس أن المحكمة شكلت تهديدًا بملاحقة عناصر في الجيش الإسرائيلي.
وأوضح مصدر إسرائيلي آخر مطلع على العملية ضد بنسودا، أن هدف الموساد هو النيل منها أو تجنيدها كشخص يتعاون مع مطالب إسرائيل.
وأردف مصدر ثالث مطلع على العملية، أن كوهين كان بمثابة "الرسول غير الرسمي" لنتنياهو.
كوهين، الذي كان أحد أقرب حلفاء نتنياهو وقتئذ والذي أصبح قوة سياسية بارزة في إسرائيل، قاد شخصيًا مشاركة الموساد في حملة استمرت ما يقرب من عقد من الزمن قامت بها إسرائيل لتقويض المحكمة.
"تكتيكات حقيرة"وأكدت أربعة مصادر للغارديان أن بنسودا أطلعت مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية على محاولات كوهين الضغط عليها.
وكان ثلاثة من تلك المصادر على دراية بتفاصيل الإفصاحات الرسمية التي قدمتها بنسودا للمحكمة الجنائية الدولية بشأن هذه القضية.
وقالوا إنها كشفت أن كوهين مارس ضغوطًا عليها في مناسبات متعددة لثنيها عن المضي قدمًا في تحقيق جنائي في قضية فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ووفقاً للروايات التي تمت مشاركتها مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، يُزعم أنه قال لها:
"عليك مساعدتنا ودعينا نعتني بك. أنت لا تريدين التورط في أشياء يمكن أن تعرض أمنك أو أمن عائلتك للخطر". يوسي كوهين لفاتو بنسوداوقال أحد الأشخاص المطلعين على أنشطة كوهين، إنه استخدم "تكتيكات حقيرة" ضد بنسودا كجزء من جهد فاشل في نهاية المطاف لتخويفها والتأثير عليها. وشبهوا سلوكه بـ "المطاردة".
وقام جهاز الموساد بالاهتمام بشكل كبير بأفراد عائلة بنسودا، وحصل على نسخ من تسجيلات سرية لزوجها، وفقًا لمصادر موثوقة على دراية مباشرة بالأمر.
ومن ثم حاول المسؤولون الإسرائيليون استخدام هذه المواد لتشويه سمعة المدعية العامة الدولية السابقة.
وتشكل المعلومات التي تم الكشف عنها حول عملية كوهين جزءًا من تحقيق تجريه صحيفة الغارديان، ومجلة 972+ الإسرائيلية الفلسطينية، ومجلة Local Call الناطقة بالعبرية، والتي تكشف كيف أدارت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية "حربًا" سرية ضد المحكمة الجنائية الدولية لعقد من الزمن.
مكتب نتنياهو يعلقوفي اتصال مع صحيفة "الغارديان"، قال متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي: "الأسئلة المقدمة إلينا مليئة بالعديد من الادعاءات الكاذبة التي لا أساس لها، والتي تهدف إلى إيذاء دولة إسرائيل". ولم يستجب كوهين لطلب التعليق. كما رفضت فاتو بنسودا التعليق.
وذكرت "الغارديان"، أن إسرائيل تلقت الدعم في جهود الموساد للتأثير على بنسودا، من حليف غير متوقع، وهو جوزيف كابيلا، الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية، الذي لعب دورًا داعمًا في هذه المؤامرة.
ويأتي الكشف عن جهود الموساد للتأثير على بنسودا في الوقت الذي حذر فيه كريم خان، المدعي العام الحالي، قبل أيام، من "محاولات إعاقة مسؤولي المحكمة أو تخويفهم أو التأثير عليهم بشكل غير لائق".
ووفقاً لخبراء قانونيين ومسؤولين سابقين في المحكمة الجنائية الدولية، يمكن أن تعتبر الجهود التي بذلها الموساد لتهديد بنسودا أو الضغط عليها جرائم ضد إدارة العدالة بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسي، المعاهدة التي أنشأت المحكمة.
ولم يوضح متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية ما إذا كان خان قد راجع ما كشفت عنه سلفه بنسودا الغامبية الجنسية بشأن اتصالاتها مع كوهين، لكنه أكد أن المدعي العام الحالي لم يلتق أو يتحدث مع رئيس الموساد.
وفي حين رفض المتحدث التعليق على بعض الادعاءات المحددة، إلا أنه قال إن مكتب خان تعرض "لعدة أشكال من التهديدات والاتصالات التي يمكن اعتبارها محاولات للتأثير بشكل غير مبرر على أنشطته".
بنسودا تثير غضب إسرائيلقرار خان بإصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت يعتبر خطوة تاريخية للمحكمة الجنائية الدولية، إذ إنها المرة الأولى التي تتخذ فيها إجراءات ضد قادة دولة متحالفة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة وأوروبا.
عام 2015، قررت المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق أولي في الوضع في فلسطين، وعلى الرغم من عدم إجراء تحقيق كامل، إلا أنها قامت بتقييم مزاعم ارتكاب جرائم من قبل أفراد في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وأثار قرار بنسودا غضب إسرائيل، التي تخشى محاكمة مواطنيها بسبب تورطهم في عمليات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكانت إسرائيل منذ فترة طويلة صريحة بشأن معارضتها للمحكمة الجنائية الدولية، ورفضت الاعتراف بسلطتها. وكثف الوزراء الإسرائيليون هجماتهم على المحكمة، بل وتعهدوا بمحاولة تفكيكها.
أكسيوس: البيت الأبيض يقيّم ما إذا كانت إسرائيل تخطّت "الخط الأحمر" في رفحوبعد بدء التحقيق الأولي، بوقت قليل، بدأت بنسودا وكبار المدعين العامين في تلقي تحذيرات بشأن اهتمام المخابرات الإسرائيلية بعملهم، حسب التحقيق الصحفي.
ووفقاً لمصدرين، كانت هناك شكوك بين كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية حول استقطاب إسرائيل لمصادر داخل قسم الادعاء في المحكمة، المعروف أيضاً باسم مكتب المدعي العام.
وأشار آخر في وقت لاحق إلى أنه وعلى الرغم من أن الموساد "لم يترك بصمته"، إلا أن ذلك كان افتراضًا بأن الوكالة كانت وراء بعض الأنشطة التي علم المسؤولون بها.
ومع ذلك، لم يتم إبلاغ سوى مجموعة صغيرة من كبار الشخصيات في المحكمة الجنائية الدولية بأن مدير الموساد قد اتصل شخصياً بالمدعية العامة.
"حليف مخلص وقوي لنتنياهو"كوهين، جاسوس محترف، يتمتع بسمعة طيبة في أوساط الاستخبارات الإسرائيلية باعتباره مسؤولاً فعالاً عن تجنيد العملاء الأجانب.
كان حليفًا مخلصًا وقويًا لرئيس الوزراء الذي قام بتعيينه مديرًا للموساد في عام 2016 بعد أن عمل لعدة سنوات إلى جانبه كمستشار للأمن القومي.
وبصفته رئيسًا لمجلس الأمن القومي بين عامي 2013 و2016، أشرف كوهين على الهيئة التي بدأت، وفقًا لمصادر متعددة، في تنسيق جهد متعدد الجهات ضد المحكمة الجنائية الدولية بمجرد أن فتحت بنسودا التحقيق الأولي في عام 2015.
ونقلت "الغارديان" أن أول لقاء بين مدير الموساد مع بنسودا حدث في مؤتمر ميونيخ للأمن في عام 2017، عندما قدم نفسه للمدعية العامة السابقة خلال حديث قصير.
وبعد هذا اللقاء، نصب كوهين كمينًا لبنسودا في حادثة غريبة في جناح فندق في مانهاتن، وفقًا لمصادر متعددة مطلعة على الحادث.
وكانت بنسودا قد زارت نيويورك عام 2018 في زيارة رسمية، وكانت تجتمع مع كابيلا، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية آنذاك، في الفندق الذي يقيم فيه. وكانت قد التقت كابيلا عدة مرات من قبل، فيما يتعلق بالتحقيق المستمر الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المزعومة المرتكبة في بلاده.
لكن يبدو أن هذا الاجتماع كان مجرد إعداد لما هو قادم، وفي مرحلة معينة، بعد أن طُلب من موظفي بنسودا مغادرة الغرفة، دخل كوهين، وفقًا لثلاثة مصادر مطلعة على الاجتماع. وقالوا إن الظهور المفاجئ أثار قلق بنسودا ومجموعة من مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية الذين يسافرون معها.
ولم يكن من الواضح سبب مساعدة كابيلا لكوهين، ولكن تم الكشف عن العلاقات بين الرجلين في عام 2022 من قبل صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية، الذي تحدث عن سلسلة من الرحلات السرية التي قام بها مدير الموساد إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2019.
وأكدت مصادر متعددة لصحيفة "الغارديان"، أن الرحلات كانت مرتبطة جزئيًا بعملية المحكمة الجنائية الدولية، ولعب كابيلا، الذي ترك منصبه في يناير 2019، دورًا داعمًا مهمًا في مؤامرة الموساد ضد بنسودا. ولم يستجب كابيلا لطلب التعليق.
"التهديد والتلاعب"وذكرت ثلاثة مصادر، أنه بعد الاجتماع المفاجئ مع كابيلا وبنسودا في نيويورك، اتصل كوهين مرارا بالمدعية العامة، وطلب عقد اجتماعات معها.
ووفقا لشخصين مطلعين على المحادثات، سألت بنسودا كوهين في إحدى المرات كيف حصل على رقم هاتفها، فأجاب
:"هل نسيت ما يمكنني أن أفعله ضمن إطار مهنتي؟" يوسي كوهين لفاتو بنسوداوأوضحت المصادر ، أن رئيس المخابرات "حاول بداية بناء علاقة جيدة" مع المدعية العامة ولعب دور "الشرطي الصالح" في محاولة لكسب ودها، وقالوا إن الهدف الأولي يبدو أنه كان تجنيد بنسودا للتعاون مع إسرائيل.
وبعد ذلك، تبدلت لهجة كوهين وبدأ في استخدام مجموعة من التكتيكات، بما في ذلك "التهديدات والتلاعب"، حسبما قال أحد الأشخاص المطلعين على الاجتماعات.
ودفع هذا بنسودا إلى إبلاغ مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بسلوكه.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلنت المدعية العامة أن لديها أسبابا لفتح تحقيق جنائي كامل في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
ومع ذلك، فقد أرجأت في ما بعد إطلاقه، وقررت أولا أن تطلب حكمًا من الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لتأكيد أن المحكمة لها بالفعل ولاية قضائية على فلسطين.
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية "مراسلون بلا حدود" تتقدم بشكوى جديدة ضد إسرائيل أمام الجنائية الدولية حول مقتل صحافيين في غزة أوروبا منقسمة بشأن سعي الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه وقادة من حماس هكذا رد نتنياهو وحلفاؤه على تحرك مدعي الجنائية الدولية ضده إسرائيل المحكمة الجنائية الدولية الموساد فلسطين الصراع الإسرائيلي الفلسطينيالمصدر: euronews
كلمات دلالية: إسرائيل رفح معبر رفح غزة حركة حماس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل رفح معبر رفح غزة حركة حماس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل المحكمة الجنائية الدولية الموساد فلسطين الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل رفح معبر رفح غزة حركة حماس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الاتحاد الأوروبي فرنسا قطاع غزة مظاهرات فلسطين فولوديمير زيلينسكي السياسة الأوروبية فی المحکمة الجنائیة الدولیة للمحکمة الجنائیة الدولیة فی الأراضی الفلسطینیة المدعیة العامة المدعی العام یعرض الآن Next جرائم حرب رئیس ا مدیر ا فی عام فی غزة
إقرأ أيضاً:
بالأحابيل تُصنع إسرائيل
في سبتمبر الماضي صدر كتاب رئيس المخابرات الإسرائيلية السابق يوسي كوهين الذي تقلد منصبه في 2016 حتى 2021، عنوان الكتاب بالعبرية يُترجم إلى "بالأحابيل تصنع لك حربًا" وهي جملة لها تأصيل ديني تاريخي في كتاب اليهود المقدس (العهد القديم)، حيث ورد في سِفر الأمثال: "لأنك بالأحابيل تصنع لك حربًا"، وهي الجملة التي وُضعت شعارًا للموساد الإسرائيلي، كما أنها شعار لوحدة المستعربين بالجيش الإسرائيلي المعروفة باسم وحدة الدوفدفان (الكرز)، ومدلول الجملة بالطبع يرمز إلى "انتصار" اليهود على أعدائهم بالحيلة والخداع.
يركّز كوهين منذ البداية على فكرة وجودية متجذرة في الوعي الإسرائيلي، أن كل حرب تخوضها الدولة اليهودية هي حرب "وجودية" لا يمكن خسارتها، وفي هذا السياق، تصبح إسرائيل بالنسبة لكوهين "ملاذًا لا بديل عنه"، ومشروعًا لا يمكن السماح بانهياره.
سبق كتاب يوسي كوهين، قبل 35 عامًا، إصدار ضابط موساد سابق يُدعى فيكتور استروفيسكي لكتاب بالعنوان نفسه "بالأحابيل تصنع حربًا" ، وتحدث فيه عن نشاطه في الموساد الإسرائيلي، أما النسخة الإنجليزية لكتاب يوسي كوهين، والتي صدرت بالتزامن مع النسخة العبرية، فقد جاءت بعنوان "سيف الحرية- إسرائيل والموساد والحرب السرية".
يخاطب كوهين الإسرائيليين في كتابه بالعبرية، ويكشف فيه عن نشاطه في الموساد، ونجاحاته في اختراق إيران وحزب الله، وتنفيذ عمليات اغتيال، ومنذ السابع من أكتوبر يظهر يوسي كوهين بشكل دائم في المنصات الإعلامية الإسرائيلية، في مقابلات وحوارت، ليعبر عن موقفه ورؤيته للحرب الإسرائيلية على غزة، ويجمع في كتابه بين رؤيته الأمنية والسياسية.
يعرض كوهين في كتابه صعوده كشاب متدين داخل الموساد الذي تسيطر عليه نخبة عسكرية علمانية، ويقلل من شأن الأجهزة الأخرى، سواء أمنية أو استخباراتية، ويحملها مسئولية الإخفاقات الأخيرة، كما يُبِعد كوهين عن نفسه تهمة المشاركة في ملف الأموال القطرية، المعروف باسم "قطر جيت".
يُعرف كوهين نفسه على أنه "يميني أمني"، ولذا يحمل كتابه "تؤملات" في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وحتى تطوير الذات، يسرد نشاطه الذي استمر لمدة 35 عامًا بالموساد، فيروي تجربته داخل الموساد بوصفها تجربة تشكيل للهوية قبل أن تكون تدريبًا مهنيًا، فعميل الموساد – كما يصفه – هو مزيج من الدقة، والجرأة، والقدرة على الاندماج، والذكاء العاطفي، والمرونة الذهنية. هذا "الجين" الموسادي، كما يسميه، هو جزء من سرّ القوة الإسرائيلية في مواجهة أعداء غير تقليديين في بيئة معقدة.
من خلال هذه العدسة، يشرح كوهين كيف تُخطَّط العمليات الدقيقة، وكيف تُبنى الهويات الوهمية، وكيف يتحوّل الخداع إلى أداة استراتيجية لا تقل أهمية عن القوة العسكرية، ويقدّم مثالًا بارزًا بعملية تفجير أجهزة الاتصال (البيجر) في لبنان، التي وُصفت بأنها واحدة من أكثر الضربات دقة وتأثيرًا في المواجهة مع حزب الله.
تأخذ إيران مساحة مركزية في الكتاب، يرى كوهين أن النظام الإيراني غير قابل للثقة، ويستعرض عملية سرقة الأرشيف النووي الإيراني بوصفها نقطة مفصلية كشفت حقيقة طموحات طهران، ويعتبر أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في عهد ترامب كان نتيجة مباشرة لهذه العملية، ومثالًا على كيف يمكن للعمل الاستخباراتي أن يغيّر توازنات عالمية.
يفرد كوهين مساحة واسعة للحديث عن العلاقات مع الولايات المتحدة، وخصوصًا الرئيس دونالد ترامب، الذي يصفه بـ"القائد الذي يفهم القوة ويقدّر الولاء"، ويرى أن ما تحقق في عهده – خصوصًا اتفاقيات أبراهام – لم يكن ليحدث لولا الجرأة السياسية ورؤية مشتركة بين واشنطن وتل أبيب وأبوظبي.
يمزج الكتاب بين السيرة الأمنية لكوهين وبين الطمح السياسي، فيقدم نفسه كضابط موساد استثنائي، لذا يعتد كوهين بنفسه باعتباره "الوحيد" القادر على إنقاذ إسرائيل بعد 7 أكتوبر 23، ومن هنا؛ جاء الكتاب بأسلوب تمجيد لشخصه، نبرة الكتاب بطولية ذاتية مشحونة بتضخيم إنجازاته، ويتضح منه تسويق كوهين لنفسه كسياسي مستقبلي، ورئيس حكومة إسرائيلية بعد انتهاء عهد بنيامين نتنياهو.
محمد عبد الدايم هندام، كاتب وشاعر، صحفي حر، أكاديمي، مُحاضر الأدب العبري الحديث والدراسات الإسرائيلية، كلية الآداب، جامعة المنصورة.
[email protected]