جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-10@20:19:40 GMT

عُمان في اليوم الدولي للحياد

تاريخ النشر: 10th, December 2025 GMT

عُمان في اليوم الدولي للحياد

 

 

 

أحمد بن علي الصبحي

يحتفل العالم في الثاني عشر من ديسمبر من كل عام باليوم الدولي للحياد، وهو اليوم الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 2017 بهدف تعزيز الوعي العالمي بأهمية مبدأ الحياد في العلاقات الدولية ومساهمته في تعزيز السلم والأمن الدوليين. ويمكن تعريف الحياد على أنه الوضع القانوني والسياسي الذي تختاره دولة بالامتناع عن المشاركة في نزاع مسلح بين دول أخرى، وعدم تقديم دعم عسكري أو سياسي أو اقتصادي لأي طرف.

وتتنوع صور الحياد في العلاقات الدولية بين الحياد الدائم الذي تتبناه دول مثل سويسرا منذ القرن التاسع عشر وتكفله معاهدات دولية كمعاهدات لاهاي 1907؛ حيث يمثل التزامًا دستوريًا وقانونيًا يصبح جزءًا من الهوية الوطنية للدولة. وهناك أيضًا الحياد المؤقت الذي تلجأ إليه بعض الدول خلال نزاع معين كما حدث في الحرب العالمية الثانية قبل أن تعود للانخراط في تحالفات، وهو يمنح الدول مرونة أكبر في التكيف مع التغيرات الجيوسياسية المتسارعة. كذلك هناك الحياد الإيجابي الذي لا يقتصر فقط على الامتناع عن المشاركة في الحروب؛ بل يشمل المبادرة الدبلوماسية والوساطة وتقديم الحلول السلمية، وهو يعزز من مكانة الدولة الدولية ويجعلها شريكًا مرغوبًا في جهود الوساطة وبناء السلام. ويقابله الحياد السلبي الذي يقتصر على الامتناع عن المشاركة في الحروب، ولكن دون أي دور فاعل أو مساهمة في حل النزاعات، وقد يؤدي إلى عزلة دبلوماسية وتهميش للدور الإقليمي والدولي للدولة.

في اليوم الدولي للحياد، تبرز سلطنة عُمان كنموذج رائد للحياد الإيجابي في منطقة شرق أوسط شديدة الاستقطاب السياسي والأزمات. فمنذ تولي السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- الحكم في سبعينيات القرن الماضي، وضعت عُمان ركائز سياستها الخارجية على الحياد، عدم التدخل في شؤون الآخرين، واحترام السيادة الوطنية للدول، وهو النهج الذي استمر وأكد عليه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه.

لقد أدركت القيادة العُمانية مبكرًا أن منطقة الخليج والشرق الأوسط تمثل ساحة معقدة من التقاطعات الإقليمية والدولية، وأن أي انحياز لطرف على حساب آخر سيجعل البلاد عرضة لضغوط وتهديدات متعددة. لذلك، اعتمدت عُمان استراتيجية دبلوماسية تقوم على بناء علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، من الشرق والغرب، من الدول الكبرى والصغرى، ومن مختلف المحاور السياسية، مما جعلها محط ثقة الجميع.

استطاعت عُمان البقاء على مسافة واحدة من جميع الأطراف دون انحياز إلى أي طرف، كما امتنعت عن الانخراط في أية تحالفات عسكرية ضد الدول الأخرى، وعلاوة على ذلك برزت كوسيط دبلوماسي موثوق به في حل النزاعات مستعينة بالدبلوماسية الوقائية للحد من انتشار النزاعات ولبناء السلام والأمن في المنطقة والعالم. وفي عالم تتصاعد فيه المخاطر الجيوسياسية، يٌقدم النموذج العُماني درسًا بليغًا على أن الحياد ليس انعزالًا، بل هو أداة فعّالة لبناء السلام. إن الحياد العُماني هو موقف عقلاني يتيح للدول أن تكون مؤثرة وفاعلة على مسرح العلاقات الدولية، دون الانحياز لأي محور، بل بالانحياز لقيم الحوار والتفاهم والسلام.

ومن خلال مواقفها المحايدة عبر أكثر من خمسة عقود من الزمن، جسدت ومارست عُمان الحياد الإيجابي في عدة محطات تاريخية. ولعل من أشهرها خلال الحرب العراقية الإيرانية، والأزمة الخليجية، والأزمة اليمنية، والملف النووي الإيراني، وغيرها من الأزمات التي امتنعت فيها عُمان من الانحياز إلى أحد أطراف النزاع، مفضلة الانحياز إلى السلام والدبلوماسية والمشاركة بفاعلية في الوساطة وحل النزاعات والتي نجحت في كثير منها. هذا النهج العُماني يعكس إرث البلد التاريخي العريق المبني على التسامح والاعتدال والانفتاح، وكذلك إدراكًا عميقًا لأهمية الموقع الجغرافي المطل على مضيق هرمز، أحد أهم شرايين الطاقة العالمية. فبدلًا من الانخراط في صراعات القوى الكبرى، وظفت عُمان موقعها لتعزيز دورها كوسيط موثوق، قادر على مد الجسور بين الشرق والغرب. كما أن الحياد مكّنها من حماية سيادتها، وامنها الوطني، وتنميتها الاقتصادية، وجذب الاستثمارات، وتعزيز صادراتها، في وقت كانت فيه المنطقة تعاني من اضطرابات مستمرة.

في السابق، ظلت فلسفة الحياد العُماني الفريدة في الشرق الأوسط لفترة من الزمن صعبة الفهم على البعض، متهمين هذا الحياد الإيجابي بالانعزال أو الصمت السلبي أو حتى الضعف. إلا أن اليوم أصبحت هذه الفلسفة واضحة وتلقى إشادة وتقدير المجتمع الدولي ودول المنطقة بعد أن اتضحت نتائج الانحياز والتدخلات التي تمارسها بعض الدول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والانخراط في التحالفات العسكرية والسياسية المنحازة وحروب الوكالة في منطقة تحتاج الانحياز إلى السلام أكثر من الانحياز إلى الحرب. وهو الأمر الذي يؤكد عليه اليوم خبراء العلاقات الدولية؛ إذ يرون أن التزام الدول بالحياد يعكس نضجًا سياسيًا ورؤية استراتيجية بعيدة المدى، ويمنحها القدرة على بناء شبكة واسعة من العلاقات المتوازنة بعيدًا عن الاستقطابات التي كثيرًا ما تقود إلى أزمات غير محسوبة. كما يؤكدون عى أن الحياد الإيجابي يُعدّ استراتيجية فعّالة في حماية سيادة الدول وتعزيز استقرارها الداخلي.

إنَّ التحديات التي يواجهها العالم اليوم من تصاعد التوترات الجيوسياسية، وانتشار النزاعات الإقليمية، وارتفاع حدة الاستقطابات السياسية، تجعل من الحياد الإيجابي أكثر أهمية من أي وقت مضى. فالعالم بحاجة إلى دول محايدة تستطيع أن تشكل جسورًا للحوار بين الأطراف المتنازعة، وأن توفر مساحات آمنة للتفاوض والوساطة بعيدًا عن الضغوط السياسية والعسكرية. إن الاحتفال باليوم الدولي للحياد ليس مجرد مناسبة رمزية؛ بل هو دعوة متجددة وتذكير للمجتمع الدولي للتفكير في كيفية استخدام الحياد كأداة للسلام في مواجهة الانقسامات العالمية. وعُمان، بسياساتها المتوازنة، تقدم نموذجًا عمليًا يُظهر أن الحياد، حين يقترن بالدبلوماسية النشطة والحكمة السياسية، يصبح قوة حقيقية قادرة على نزع فتيل الأزمات وبناء الجسور بين الشعوب والدول.

في اليوم الدولي للحياد، يتأكد للجميع أن سلطنة عُمان لا تمارس الحياد كمبدأ نظري، بل كنهج عملي راسخ أثبت قدرته على تحقيق السلام والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. تقدم عُمان درسًا عالميًا حول قوة الحياد عندما يقترن بالدبلوماسية النشطة والحكمة السياسية، مما يجعلها منارة للدبلوماسية الهادئة ومثالًا يحتذى به على كيفية أن تكون الدولة فاعلة ومؤثرة دون الانحياز لأي طرف، بالانحياز فقط لقيم السلام والحوار. ويظل اليوم الدولي للحياد دعوة متجددة للمجتمع الدولي للعمل المشترك، ليس فقط للدول التي تتبنى الحياد، بل للجميع، لاستثمار هذا المبدأ كأداة فعّالة للسلام في عالم يتزايد فيه الانقسام والاستقطاب. إن الالتزام بمبادئ الحياد يعزز فرص إقامة علاقات دولية مستقرة ومتوازنة، ويتيح للأمم المتحدة والدول المحايدة القدرة على ممارسة دبلوماسية وقائية فعّالة، ويثبت أن الحياد، حين يقترن بالحكمة السياسية والتصرف المسؤول، يمثل قوة استراتيجية حقيقية تسهم في بناء جسور التعاون بين الدول وتحقيق الأمن العالمي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير العدل يترأس الاجتماع الثالث عشر للجان الوطنية العربية للقانون الدولي الإنساني

ترأس اليوم المستشار عدنان فنجري وزير العدل الجلسة الافتتاحية للاجتماع الثالث عشر للجان الوطنية العربية للقانون الدولي الإنساني، والمنعقد بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية يومي 8 ، 9 ديسمبر، بحضور السفير الدكتور حسين هنداوي  الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، وآنا براتس رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، ومساعدي وزير العدل المعنين.. وجاء ذلك في إطار حرص وزارة العدل على دعم وتعزيز العمل العربي المشترك..

التصويت يبدأ الإثنين.. تعرف على 30 دائرة مُلغاة بانتخابات مجلس النوابإعلان نتائج إعادة انتخابات مجلس النواب في 20 دائرة الملغاة.. الخميسالأربعاء والخميس.. المصريون يصوتون في 30 دائرة ملغاة بانتخابات مجلس النوابالإثنين والثلاثاء.. المصريون بالخارج يصوتون في 30دائرة ملغاة بانتخابات مجلس النوابرئيس لجنة متابعة إعادة انتخابات مجلس النواب بسوهاج: إحالة مقدمى الرشاوى للنيابة العامةعودة اللجان بـ20 دائرة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب بعد انتهاء ساعة الراحةالإدارية العليا تتلقى 200 طعن على نتيجة المرحلة الثانية بانتخابات مجلس النوابدعاية اإنتخابية .. القبض على أحد أنصار مرشح بالبحيرة في انتخابات مجلس النوابلليوم الثاني.. الوطنية للانتخابات تتابع لجان التصويت في 20 دائرة بإعادة انتخابات مجلس النوابوفاة مرشح بإمبابة في اليوم الأخير من التصويت بإعادة انتخابات مجلس النواب

وفي بداية الاجتماع دعا وزير العدل الحضور إلى الوقوف دقيقة حِداد علي أرواح القضاة الأربعة شهداء الواجب، وقراءة الفاتحة لهم، واستهل كلمته بالترحيب بالوفود المشاركة من الدول العربية الشقيقة، موجهاً التحية إلى جامعة الدول العربية لاستضافتها هذا الاجتماع وإلى البعثة الدولية للصليب الاحمر لمشاركتها المخلصة في دعم الجهود الدولية لتعزيز ثقافة القانون الدولي الإنساني، كما وجه الشكر للجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني بدولة قطر لرئاستها المتميزة للاجتماع السابق وجهودها البناءةِ في إنشاء اللجنة العربية الدائمة للقانون الدولي الإنساني.

وأشاد في كلمته بما شهدته منطقتنا العربية من جهود واسعة في تطوير الأطر التشريعية والمؤسسية المرتبطة بتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني، مضيفاً أن جمهورية مصر العربية قد قطعت خطوات راسخة في هذا الشأن بتوجيهات حكيمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي سواء من خلال التعاون البناءِ مع الشركاء الدوليين والمشاركة الفعالة في المحافل الدولية المختلفة، مؤكِدًا علي الدور المحوري للجنة القومية للقانون الدولي الإنساني في تنسيق العمل المؤسسي بين الجهات الوطنية المعنيّة ومساهمتها في إعداد مقترحات تشريعية وتطوير كوادر متخصصة وتنظيم دورات وندوات لنشر ثقافة القانون الدولي الإنساني.

وعقب الاجتماع عقد مجموعة من اللقاءات الثنائية بدأت مع آنا براتس رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، بحثا خلالها تعزيز أوجه التعاون بين الجانبين، كما ناقشا الأحداث المُتعلقة بالمنطقة العربية والأوضاع في غزة والسودان.

ثم عقد لقاءين مع كلٍ من الدكتور عبدالله بن مدرك الرويلي، أمين عام اللجنة الدائمة للقانون الدولي الإنساني بالمملكة العربية السعودية، والوفد المرافق له، والدكتورة فريدة الخمليشي، رئيس اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني بالمملكة المغربية، بحثا خلالهما سُبل تعزيز التعاون والجهود في ترسيخ مبادئ القانون الدولي الإنساني على المستوى العربي، وتبادلا خلال اللقاءين الدروع التذكارية بين الجانبين.

طباعة شارك وزير العدل المستشار عدنان فنجري الاجتماع الثالث عشر للجان الوطنية العربية للقانون الدولي الإنساني اجتماع اللجان الوطنية العربية للقانون الدولي الإنساني جامعة الدول العربية

مقالات مشابهة

  • الجامعة العربية تستضيف مؤتمرا حول التكنولوجيات الحديثة والقانون الدولي الإنساني
  • لقاء زيلينسكي وميلوني.. ما الدور الذي يمكن أن تلعبه إيطاليا في محادثات السلام؟
  • جنوب السودان تلتزم الحياد وتعتزم تأمين هجليج النفطية بغرب كردفان
  • وزير العدل: الحكومة السودانية تعاملت بانفتاح مع كل مبادرات السلام
  • يديعوت: توني بلير خارج مجلس السلام الذي اقترحه ترامب لإدارة غزة
  • فايننشال تايمز: إبعاد توني بلير من “مجلس السلام” الذي اقترحه ترامب بشأن غزة
  • وزير العدل يترأس الاجتماع الثالث عشر للجان الوطنية العربية للقانون الدولي الإنساني
  • وزير العدل يترأس الاجتماع الـ 13 للجان الوطنية العربية للقانون الدولي الإنساني
  • الصليب الأحمر: الانتهاكات بحق المدنيين تعكس تآكلا خطيرا في القانون الدولي