لا زالت تداعيات عملية "طوفان الأقصى" تجعل الوضع الاقتصادي في كيان العدو الاسرائيلي يتجه نحو اختبار صعب وسيناريوهات سيئة، حيث أنه يتوجب على بنك "إسرائيل" الآن أن يحدد استراتيجيته لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي في ظل ازدياد التعقيد في المشهد الاقتصادي العالمي في الربع الثاني من 2024.

أظهرت بيانات بنك إسرائيل (البنك المركزي) أمس أن الاقتصاد تباطأ في نيسان الماضي بعد نمو في الربع الأول عقب هزة عنيفة في أواخر 2023 جراء شن الحرب على قطاع غزة.



وأظهر بيان لبنك إسرائيل أن مؤشر حالة الاقتصاد المركب تراجع بنحو 0.15% الشهر الماضي، مما يعكس"بعض التباطؤ في النشاط الاقتصادي".

إذن يواجه الاقتصاد إسرائيل تحديات أكثر شدة، ففي الأشهر الأخيرة، استمرت النقاشات حول تأثير نفقات الحرب على هذا الاقتصاد والذي يسير على طريق الكارثة، ويثير هذا السؤال ما إذا كان ينبغي لبنك إسرائيل التصرف بخفض أسعار الفائدة لتخفيف حدة الوضع، ولكن الواقع أكثر تعقيدا مما يبدو.

فالأرقام الحالية للاقتصاد الإسرائيلي تثير المخاوف بشأن التضخم المفرط، وهي عملية تضخمية تخرج عن نطاق السيطرة وتتجلى في ارتفاع سريع في أسعار السلع والخدمات، ويُعتبر التضخم المفرط خطراً حقيقياً يؤدي إلى خسارة قيمة النقود، كما حدث في كيان العدو خلال الفترة بين عامي 1980 و 1985، حيث بلغ معدل التضخم أكثر من 900%، وقد يؤدي خفض أسعار الفائدة بسرعة كبيرة إلى زيادة التضخم وتصاعده إلى مستويات متطرفة.

ويقول الخبير الاقتصادي عدي سلطان إن فجوات أسعار الفائدة بين إسرائيل والولايات المتحدة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من انخفاض قيمة الشيكل المتقلب بالفعل وزيادة الضغوط التضخمية، ويهدد الفارق الأوسع في الأسعار بين تل ابيب وواشنطن تدفقات رأس المال ويمكن أن يؤدي إلى تقويض العملة المحلية، هذا فضلا عن أن اقتصاد العدو يعاني أيضاً من ارتفاع نسبة البطالة ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تمّ تسريح مئات الآلاف من العمال، أو استدعاؤهم كجنود احتياطيين، وتزايدت طلبات الحصول على إعانات البطالة. يُضاف إلى ذلك التكلفة العالية وغير المتوقّعة مسبقاً للعمليات العسكرية، والتي دفعت كيان الاحتلال إلى استدانة مئات ملايين الدولارات.

وقد تجاوزت فاتورة الحرب الإسرائيلية 18 مليار دولار، الأمر الذي أدى إلى تضخم العجز في الميزانية على مدى 12 شهراً إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي اعتباراً من نيسان الماضي، وكل ذلك يؤكد بأن زيادة الإنفاق والعجز المتزايد يساهمان أيضاً في الضغوط التضخمية، وفي مثل هذه الظروف من المرجح أن يتبنى البنك المركزي الاسرائيلي سياسة نقدية أكثر تقييداً.

وتشير المعطيات المتوفرة حسب هيئة بث العدو الإسرائيلي إلى أن وزارة المالية تقدر أن العجز المالي للعام 2025 سيصل إلى 5.2%، أي ما يقارب 104 مليار شيكل (27 مليار دولار)، وذلك قبل احتساب الإضافة إلى المدفوعات كل من ميزانية وزارة الأمن وكلفة أيام الاحتياط وتمويل إقامة النازحين، وهو ما يزيد هذه التوقعات بشكل ملحوظ العام المقبل.

وهنا يرى سلطان في حديث لـ"لبنان 24" أن لدى الصندوق السيادي النرويجي استثمارات بقيمة تتجاوز 1.36 مليار دولار عبر 76 شركة في الكيان الصهيوني، منها استثمارات في العقارات والبنوك والطاقة والاتصالات، وتمثل هذه الاستثمارات 0.1% من إجمالي استثمارات الصندوق، بحسب بيانات الصندوق المعلنة. ومن المعروف بأن اقتصاد إسرائيل يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الدولية والدعم من الولايات المتحدة.. لذلك فإن القلق في الأوساط الاقتصادية في إسرائيل من استمرار سحب صندوق الثروة السيادي في النرويج، وهو الأكبر عالمياً، استثماراته من الشركات الإسرائيلية على خلفية تصاعد الإدانات الدولية لجرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال للشهر الثامن على التوالي بحق الفلسطينيين في غزة، ما يجعل كيان الاحتلال منبوذاً استثمارياً ويعمّق متاعب اقتصادها الذي أنهكه بالأساس الإنفاق المتصاعد على الحرب، وتراجع مختلف الأنشطة الاقتصادية، وخفض التصنيف الائتماني.

إن لجوء العديد من الشركات إلى سحب استثماراتها من إسرائيل وفسخ العديد من الصفقات والاتفاقيات التجارية، وذهاب العديد من الدول إلى فرض عقوبات اقتصادية، ومنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا وكندا وتركيا وإسبانيا، كل ذلك يشكل، بحسب سلطان، تهديدات اقتصادية استراتيجية تمسّ صورة إسرائيل وعلاقاتها الدبلوماسية، فالعالم بأجمعه ومن خلال البث الحي والمباشر يشاهد واحدة من أسوأ عمليات الإبادة الجماعية التي عرفتها البشرية بحق الفلسطينيين، مما ساهم في عزلة إسرائيل دوليا وانهيار صورتها الأخلاقية الأمر الذي انعكس على اقتصادها بشكل كبير .

وعليه، يمكن القول إن استمرار العدوان الإسرائيلي في غزة يلقي بظلاله على مستقبل تدفق الاستثمارات الأجنبية نحو تل ابيب، وشهد هذا النوع من الاستثمارات انخفاضا كبيرا في الربع الأول من 2023 إلى نحو 2.6 مليار دولار، حسب تقرير وزارة المالية الإسرائيلية، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 60% مقارنة بالمعدلات الربع السنوية في 2020 و2022.

ويعود السبب في ذلك وفقا للتقرير إلى الاضطرابات السياسية في كيان العدو قبل عملية "طوفان الأقصى" ، خاصة "حركة الإصلاحات القضائية" المزعومة التي قادها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو ما جعل العديد من المستثمرين الأجانب حذرين من استثمار أموالهم في الكيان، كما أدت هذه الإصلاحات إلى هروب العديد من رؤوس الأموال إلى خارج إسرائيل.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

بالأرقام: الحصار اليمني وتداعياته على كيان العدوّ.. سياحة تنهار واقتصاد ينزف

يمانيون../
في عمليةٍ عسكريةٍ نوعيةٍ، فجّرت القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ مفاجأةً استراتيجيةً جديدة من العيار الثقيل، حين أعلنت، ظهرَ اليوم الأحد، استهدافَ مطار اللُّدّ المُسمى صهيونيًّا “بن غوريون” في منطقة يافا المحتلّة، بصاروخٍ باليستي فرط صوتيٍّ.

صاروخ فرط صوتي لم يكشف بيان العميد يحيى سريع، كُنْهَه وصفتَه؛ لاعتباراتٍ تكتيكية، وحساباتٍ استراتيجيةٍ يمنية، لكنهُ كان أسرع من القدرة الصهيونية على الاستيعاب والاعتراض، وأمضى من القرار الصهيوني على التفكير بالرد.

اليمن يكسر قواعد الاشتباك التقليدية:

فرض الحظر الجوي والبحري على الكيان الصهيوني، يشيرُ إلى تحوّل استراتيجي تقوده اليمن ويكسر قواعد الاشتباك التقليدية، ويدخل بذلك مرحلةً جديدةً من معركة الوعي والإرادَة والردع، فارضًا معادلة النار، بإرادَة يمنية لن تتوقف حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة.

عملية حقّقت هدفها بدقةٍ عالية، وتسببت في حالةٍ ذعر داخل عمق الكيان، حَيثُ هرع ملايين المستوطنين إلى الملاجئ، بينما شُلت حركة المطار الحيوي، وبوابة الكيان الجوية الرئيسية، وتوقفت عمليات الإقلاع والهبوط؛ ما يؤشر إلى حجم التأثير الحقيقي لصواريخ اليمن المتقدمة.

ولئن زعمت قوات الاحتلال اعتراضَه جزئيًّا، فَــإنَّ كُـلّ المعطيات الميدانية، من توقف المطار إلى الرحلات العالقة، وبيانات الجبهة الداخلية المذعورة، تؤكّـد أن العملية حقّقت هدفها وأرعبت الكيان من شماله إلى جنوبه.

تزامُنُ العملية مع انطلاق صفارات الإنذار في “القدس وغوش عتصيون والبحر الميت”، ووصول الشظايا إلى جنوب الخليل، أعاد إلى المغتصبين الصهاينة مشهدَ الحرب الواسعة، فتعطلت الرحلات الدولية، وتحولت السماء فوق فلسطين المحتلّة إلى فضاءٍ محفوفٍ بالمخاطر؛ ما وضع كبرى شركات الطيران في موقفٍ محرجٍ وأجبرها على وقف الرحلات.

ومع فشل محاولة “هيئة الطيران المدني الصهيونية” طمأنة العالم، جاءت البيانات الملاحية لتكشف الحقيقة الصادمة: “طائراتٌ عالقة في الأجواء، وهبوطٌ متعطل، وخوفٌ متصاعد، وتيهان طائرات فوق مياه المتوسط”.

ووفقًا للمعطيات والمؤشرات الميدانية؛ فَــإنَّ اليمن نجح بتثبيت معادلة فرض الحصار الجوي على مطار اللُّد المحتلّ، فقد تراكمت النجاحات اليمنية، وبلغت “حدًّا لا يطاق”، بحسب وسائل الإعلام العبرية.

النتائج الأولية للحصار اليمني وتكاليف الدفاع:

في الـ 4 من مايو 2025م، انطلقت صواريخ اليمن ودكَّت مطار اللُّد بشكلٍ مباشر، فخلطت أوراق الطيران والسياحة والاقتصاد الصهيوني، وظهر متحدث القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع في بيانٍ متلفز بذات التاريخ، معلنًّا بَدْءَ عملية الحصار الجوي الشامل على كيان الاحتلال.

وحتى 23 مايو 2025م، ألغت 45 شركة طيران دولية جميع رحلاتها من وإلى فلسطين المحتلّة، ومنها: (لوفتهانزا الألمانية – إير فرانس – الخطوط البريطانية – دلتا ويونايتد الأمريكيتان – إيبيريا الإسبانية – ريان إير – ويز إير – إير إنديا – الخطوط البلجيكية والنمساوية والسويسرية).

وفي مواجهة الصواريخ اليمنية، لجأ كيان العدوّ الإسرائيلي إلى استخدام منظومات الدفاع الجوي المتقدمة، مثل “حيتس” و”ثاد الأمريكية”، والتي تتسم بتكاليف باهظة الثمن.

مراكز بحثية أكّـدت أن صواريخ الدفاع الجوي الصهيوني المخصصة لاعتراض صواريخ اليمن، تُقدَّرُ بملايين الدولارات، منها على سبيل المثال: (صاروخ “حيتس 2”: تبلغ تكلفة الصاروخ الواحد حوالي 3 ملايين دولار – صاروخ “حيتس 3”: تبلغ تكلفة الصاروخ الواحد حوالي 2 مليون دولار).

إلى جانب الاستنزاف في منظومة الصواريخ الأمريكية مثل صاروخ “ثاد” الأمريكي، والذي “تتراوح تكلفة الصاروخ الواحد بين 3 إلى 4 ملايين دولار، بينما تبلغ تكلفة بطارية “ثاد” كاملة حوالي 1.2 مليار دولار”.

وهذا يعني -بحسب خبراءَ- أن كُـلَّ صاروخٍ يمني يصلُ إلى الأراضي المحتلّة، يُقابِلُه استنزافٌ مالي ضخم من قبل الاحتلال؛ ما يسلِّطُ الضوءَ على الفجوة الاقتصادية بين تكاليف الهجوم والدفاع، واختلاط مفهوم الردع والأمن بحسابات النصر والهزيمة، ويلعبُ الجيش اليمني جيِّدًا على إيقاع هذا المفهوم.

تداعيات الحصار الجوي.. السياحة تنهار والاقتصاد ينزف:

اليوم، ووفقًا لتصريحات سياسيين وعسكريين صهاينة؛ بات العدوّ مجبرًا على أن يدخل اليمن في صُلب معادلات الأمن القومي الصهيوني؛ فالصاروخ الفرط صوتي لم يكن فقط تكنولوجيًّا متقدمًا، بل كان محمَّلًا برسالةٍ استراتيجية، أن اليمن شريكٌ حقيقي في المعركة، وقراره مستقل، وسلاحه قادر على إصابة شريان الكيان في العُمق وشَلِّه.

مراكز الأبحاث الصهيونية ومنذ بداية شهر مايو الحالي، وثّقت انخفاضًا في عدد الرحلات الدولية إلى المطار الرئيسي بنسبة 42 %، وانسحاب شركات التأمين العالمية من تغطية الرحلات الجوية فوق الأراضي المحتلّة، في ظل إرباك شامل في جداول الطيران، وتحويل مسارات رحلات إلى دول مجاورة مثل “قبرص واليونان”.

التقارير تؤكّـد تراجع الوافدِين إلى الكيان بنسبة 90 %، وأن أكثر من مليار دولار خسائر مباشرة خلال أقلَّ من شهر، كما أن إشغال الفنادق انخفض إلى مستوياتٍ لم تُسجَّلْ منذ جائحة كورونا؛ ما جعل مكاتب السياحة الأجنبية تعلّق برامجها مع الكيان حتى إشعارٍ آخر.

وأشَارَت التقارير إلى أن قطاع الطيران الصهيوني فقد مئات الملايين من الدولارات، كما تشهد شركات الخدمات الأرضية، النقل، الإطعام، اللوجستيات انهيارا تدريجيًّا، ورغم توجّـه مؤسّسات الاحتلال لدراسة خطة إنقاذ عاجلة لقطاع السياحة، إلا أنها عجزت عن وقف النزيف الذي يسببه الحصار اليمني.

الخسائر المهولة، تضافُ إلى ما يعكسُه القرار اليمني من التأثير النفسي والعملي للعمليات الصاروخية على الحياة اليومية في عموم الكيان، والتي تُظهِر كيف أنها أحدثت حالة من الذعر والشلل في المدن وهروب دائم للملاجئ مع انطلاق صفارات الإنذار؛ ما عطَّل الكثير من الأعمال.

عمليات الإسناد تسعد فلسطين شعبًا ومقاوَمةً:

تأتي عملية اليوم في إطار استراتيجيةٍ يمنيةٍ متصاعدة لنصرة غزة، وتثبت يومًا بعد يوم أن اليمن لا يطلق بيانات تضامنٍ فارغة، بل يترجم مواقفَه إلى أفعال صاروخيةٍ تهزّ أمن الكيان وتربك حساباته، وتفرض على الميدان قوانين جديدة، لم يكن نتنياهو وعصاباته الإجرامية ولا ترامب وإدارته التجارية المتواطئة تتوقّعها.

في السياق، أجمعت حركات الجهاد والمقاومة الفلسطينية على الإشادة بالعملية اليمنية، معتبرةً إياها تحوُّلًا استراتيجيًّا في المواجهة ضد الاحتلال، مشيرةً إلى أن “الإسناد يؤكّـدُ نُبْلَ مواقف الشعب اليمني الشقيق الذي لم تثنه المسافاتُ عن التضامن مع فلسطين”.

بياناتها المتلاحقة نوّهت بنموذج اليمن الملهم، الذي لم ينتظر إذنًا من أحد ولا تحَرّك ضمن حساباتٍ ضيّقة، بل انطلق من إيمانه العميق بعدالة القضية الفلسطينية، ووجوب رفع الظلم وكسر الحصار عن غزة بقراراتٍ حرةٍ وشجاعة.

عبدالقوي السباعي| المسيرة

مقالات مشابهة

  • خبراء ومحللون سياسيون: الضربات اليمنية على كيان الاحتلال تُشكّل ملامح العالم الحر الجديد
  • البنك المركزي: استمرار حرب غزة 6 أشهر يهدد اقتصاد إسرائيل
  • محافظ بنك إسرائيل: استمرار الحرب في غزة يهدد الاقتصاد ويرفع الدين
  • اعتراف خطير من محافظ بنك إسرائيل . ماذا سيحدث في حال استمرار الحرب على قطاع غزة؟
  • محافظ بنك إسرائيل المركزي: استمرار الحرب في غزة يؤثر سلبا على الاقتصاد
  • السويد والنرويج تنتقدان إسرائيل بسبب الوضع الإنساني في غزة
  • 60 مليار ريال قيمة صكوك جديدة
  • تكاليف الحرب تفجّر أزمة اقتصادية في كيان الاحتلال.. وعمليات اليمن تفرض معادلة الاستنزاف
  • بالأرقام: الحصار اليمني وتداعياته على كيان العدوّ.. سياحة تنهار واقتصاد ينزف
  • الاقتصاد العادل