العرب والأتراك.. بين القومية الزائفة والأخوة التاريخية
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
عندما نتأمل اليوم ما يدور من أحداث في تركيا، ونحللها بعيون المؤيدين والمعارضين نجد سؤالا يطرح نفسه علينا وهو: إلى أي مدى يمكن لما نراه بأعيننا أن يعبر عما يحدث بالفعل؟! لا سيما أننا في عصر وسائل التواصل التي يحل الواقع الافتراضي فيها محل الواقع الحقيقي.
ما مدى الإنصاف في تكوين وجهة نظر أو تصور معين بناء على ما نراه من وقائع -أو ما يُرادُ لنا- أن نراه ونقبله باعتباره حقيقة صادقة؟
لقد ظهر في تركيا في الآونة الأخيرة تصورات مضللة ووجهات نظر لا أساس لها من الحقيقة.
ولكي يكون الكلام واضحا هل يمكننا الحديث عن وجود عداوة تجاه العرب في تركيا؟ وإذا كان الأمر كذلك فما مدى صحة هذه الدعوى؟!
زيادة التعارف وتعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية للأمم مع بعضها، والاستثمارات والمشاريع الجديدة التي ستنفذ في مجالات متعددة لا سيما في التعليم والسياحة؛ كفيلة بإظهار مدى تشابه دول المنطقة وتقاربها وعدم جدوى الانسياق وراء دعاوى الفُرقة وتأجيج نيران الفتنة.
من المعلوم أن ملايين السياح العرب يأتون إلى تركيا كل عام، بالإضافة إلى أن هناك أكثر من 3 ملايين ضيف عربي في تركيا. فحتى لو قبلنا جدلا أن مقاطع الفيديو والأخبار التي تتردد، صحيحة -مع أن كثيرا منها أكاذيب أو تشويهات- فإنها تظل في كل الأحوال حالات فردية تمثل واحدا في المليون أو واحدا في بضعة ملايين، وقد ثبت لنا أن العديد من تلك القصص والمقاطع المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي ليست إلا أكاذيب وافتراءات.
لا مانع من أن نطرح سؤالا آخر لنناقش القضية على أسس نظرية علمية، هل القومية شيء سيئ؟
الحقيقة أن من الطبيعي أن يحب الشخص أمته، وبعبارة أخرى لا يمكن إدانة شخص لمجرد حبه لشعبه وعاطفته تجاهه. لكن ما لا يجب أن نتغافل عنه أو أن نمرره كما لو كان سلوكا طبيعيا هو الادعاء بتفوق أمةٍ ما وتميُّزها، في تعبير صارخ عن الاستبداد والغطرسة العميقة. ولذلك فإن هناك فرقا وجوديا كبيرا بين القومية والفاشية التي رأينا أمثلتها الأولى في أوروبا.
وبينما تعني القومية رعاية قيم الأمة ومبادئها التي تربَّت عليها وتنتمي إليها، ثم المضي بها قُدما بين الأمم الأخرى، فإن الفاشية تعني ألا يُقدِّر الإنسان سوى عالمه الذي يخصه.
في حالة شعوب الشرق الأوسط، القومية مهمة للحفاظ على ثرواتها، لكن الفاشية تعد تدميرا لمستقبل هذه الثروات الثقافية والوجودية.
وبالنسبة للأمة التركية فإنها كما كان القدماء يقولون "زوَّجت بناتها من 7 قارات وتزوج شبابها من 7 قارات"، وبعبارة أخرى فإن للأمة التركية تجربة تاريخية وعلاقات مع كل الدول تقريبا. ولذلك فإن العرب لم يكونوا أبدا أجانب بالنسبة للأمة التركية، بل هم أنساب. "الآخر" بالنسبة لشعب الأناضول يرتبط مفهومه بالقسوة والظلم لا بالعرق، فالآخر يعني الظالم بغض النظر عن عِرقه.
لذلك فإن تصوير الأمم التي عملت جنبا إلى جنب لأكثر من ألف عام دعما للقيم والمثل العليا المشتركة؛ على أنها أمم متعادية، هو تصوير غير واقعي، ولو أحسنّا الظن فإنه تصوير لوضع مؤقت، لذلك فإن ألاعيب "القومية الصغرى" التي تجري في منطقتنا باتت معروفة جيدا، وقد أصبحت تمثل أعظم اختبار للأجيال القادمة.
الموقف الذي يجب اتخاذه والتمسك به ضد تلك "القومية الصغرى" هو أن تحافظ كل أمة على استقلالها وسماتها وتراثها وخصوصيتها، لكن لا ينبغي أن تتحول هذه الذاتية إلى حائل بينها وبين التواصل مع الآخرين والمضي قُدما معهم إلى المستقبل.
في كل مجتمع يوجد أولئك الذين يرتكبون أخطاء من أجل مصالحهم الشخصية وحساباتهم اليومية. وهناك أيضا جروح يريد بعض الناس خدشها، وخطوط صدع يريدون شَقَّها من أجل بقائهم على قيد الحياة ورفاهيتهم الشخصية. لكن نسبة من يفعلون ذلك ضئيلة ولا قيمة لها إذا تم وضع الأكثرية الغالبة من السكان في الاعتبار.
وهنا تظهر أهمية زيادة جسور التعارف لأنها الطريقة الوحيدة للقضاء على الألاعيب والتصورات الفاشية التي يسعى أولئك المغرضون لفرضها. فزيادة التعارف وتعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية بين الأمم، والاستثمارات والمشاريع الجديدة المشتركة في مجالات متعددة -ولا سيما في التعليم والسياحة- كفيلة بإظهار مدى تشابه دول المنطقة وتقاربها وعدم جدوى الانسياق وراء دعاوى الفُرقة وتأجيج نيران الفتنة.
وكما قال الشاعر التركي يونس إمره "فلنتقارب ونتعارف ونجعل الأمر سهلا".
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی ترکیا
إقرأ أيضاً:
كما حدث في “فلسطين التاريخية”.. غضب وقلق من شراء إسرائيليين للعقارات في قبرص: “الله وعدهم بالجزيرة”
#سواليف
تشهد #قبرص موجة غير مسبوقة من #الغضب_الشعبي ضد #الإسرائيليين و”الصهيونية”، على خلفية اتساع نطاق شراء #العقارات من قبل #مستثمرين_إسرائيليين، بحسب تقرير لصحيفة “يديعوت أحرنوت”.
وتحولت القضية إلى موضوع محوري في الخطاب السياسي والإعلامي، وسط تحذيرات من ” #مخطط إسرائيلي #صهيوني منظم للسيطرة على الأرض”.
وجاءت ذروة هذا الجدل خلال مؤتمر لحزب “أكيل” اليساري، ثاني أكبر #الأحزاب في البلاد، حيث صعد أمينه العام ستيفانوس ستيفانو من لهجته، محذرا من أن عمليات الشراء الإسرائيلية، خاصة في مناطق استراتيجية قرب البنى التحتية الحساسة، تشكل تهديدا خطيرا للسيادة القبرصية.
مقالات ذات صلةوقال ستيفانو إن “الوضع يشبه ما حدث في #فلسطين_التاريخية، حيث بدأ الاستحواذ على الأرض تدريجيا”، زاعما أن عمليات شراء العقارات في قبرص جزء من “خطة أوسع” تشمل إقامة مناطق مغلقة للسكان، ومدارس دينية، ومعابد، ونفوذ اقتصادي متزايد.
وأضاف أن هذه التحذيرات لا تنبع من كراهية أو معاداة للسامية، بل من خوف حقيقي من فقدان السيطرة على الأراضي القبرصية، متهما الحكومة بعدم ضبط عمليات بيع العقارات للأجانب، خاصة للإسرائيليين، ومطالبا بتحرك فوري.
وفي تطور لافت، شارك السفير الفلسطيني لدى قبرص، عبد الله العطاري، في المؤتمر بصفته متحدثا رسميا، في أول ظهور من نوعه لسفير أجنبي في فعالية حزبية داخل الجزيرة، ما يشير إلى تصاعد الحساسية الإقليمية للملف.
بالتوازي، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصا تيك توك، مقاطع فيديو ذات طابع معاد للإسرائيليين، تظهر أفرادا من الطائفة اليهودية المتشددة يتحدثون بلكنة إسرائيلية عن شراء العقارات في قبرص، ويزعمون أن “الله وعدهم بالجزيرة بعد إسرائيل”.
وتضمنت بعض الفيديوهات أسئلة مثل: “لماذا تسرقون منازلنا؟” ويجيب أحدهم: “إن لم نأخذها، سيأخذها غيرنا”، مع خلفية موسيقية لأغنية “هافا ناجيلا”، وهو ما أثار ردود فعل واسعة بين المستخدمين القبارصة.
وتزايدت التقارير بأن الإسرائيليين يتملكون عقارات في الجزء التركي من الجزيرة أيضا، رغم القيود القانونية والسياسية المفروضة على هذه المنطقة.
وينتشر خطاب التحريض ضد الإسرائيليين في قبرص وسط تحذير من الانزلاق إلى ترويج نظريات المؤامرة بشأن الحركة الصهيونية.
وفي بيان له، دعا السفير الإسرائيلي لدى قبرص، أورين أنوليغ، إلى “رفض إثارة الخوف والشيطنة الجماعية”، مؤكدا أن انتقاد سياسات إسرائيل يجب ألا يتحول إلى استهداف للإسرائيليين كأفراد أو مستثمرين.
من جهته، رد حزب “أكيل” بأن انتقاداته تستند إلى مخاوف سيادية واقتصادية، وأن وصف أي معارض لإسرائيل بأنه معاد للسامية يستخدم لتكميم الأصوات.
وبحسب بيانات رسمية، يعيش في قبرص نحو 2.500 إسرائيلي بشكل دائم، إلا أن التقديرات تشير إلى أن العدد الحقيقي قد يتراوح بين 12 إلى 15 ألفا، نظرا لدخول عدد كبير منهم بجوازات سفر أوروبية. كما ينشط كثير من الإسرائيليين في شراء العقارات لأغراض الاستثمار والسكن.
ويأتي هذا التصعيد وسط أزمة إسكان متفاقمة في قبرص وشعور متزايد لدى بعض المواطنين بأن “الإسرائيليين يشترون كل شيء”.