تقرير حقوقي: الاحتلال يستخدم مدنيين فلسطينيين كدروع بشرية
تاريخ النشر: 31st, May 2024 GMT
سرايا - قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان انه وثقنا استخدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين كدروع بشرية ووضعهم على نحو متعمد في أماكن استراتيجية وأمام الأهداف العسكرية، بقصد محاولة منع مهاجمتها، ولتحصين قواته وعملياته العسكرية في قطاع غزة.
وحمل المرصد في تقرير له جيش الاحتلال كامل المسؤولية عن حياة السيدة وفاء نايف جرار بعد أن اعتقلها واحتجزها لمدة اربع ساعات في منطقة اشتباكات خطرة معرضا حياتها بشكل متعمد للخطر المباشر.
وقال التقرير ان ما تعرضت له جرار من لحظة الاعتقال حتى الإفراج عنها يعكس النمط المتكرر والمنهجي الذي يواجهه الفلسطينيون والفلسطينيات عند الاعتقال من قبل الجيش الصهيوني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
تاليا النص الكامل للتقرير :
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن الجيش الإسرائيلي يتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة السيدة وفاء نايف جرار (49 عامًا)، التي كان قد اعتقلها واحتجزها لمدة اربع ساعات في منطقة اشتباكات خطرة معرضا حياتها بشكل متعمد للخطر المباشر، مبينًا أن ما تعرضت له من لحظة الاعتقال حتى الإفراج عنها يعكس النمط المتكرر والمنهجي الذي يواجهه الفلسطينيون والفلسطينيات عند الاعتقال من قبل الجيش الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، والذي يشمل الاعتقالات التعسفية والتنكيل والاستخدام كدروع بشرية والتعذيب والحرمان من الرعاية الطبية، علاوة على تنصل الجيش الإسرائيلي من المسؤولية عن المعاناة والأذى الناجمة عن جرائمه وانتهاكاته الخطيرة التي يرتكبها بحقهم.
وأوضح المرصد أنه تابع ظروف اعتقال الجيش الإسرائيلي السيدة جرار في 21 مايو/أيار جاري، من منزلها في جنين شمال الضفة الغربية، وإعلانه لاحقا عن إصابتها بجروح خطيرة بانفجار خلال تواجدها داخل الآلية العسكرية التياحتجزت داخلها لمدة أربع ساعات متواصلة، ومن ثم إصدار أمر اعتقال إداري بحقها، قبل الإفراج عنها وتسليمها إلى الارتباط الفلسطيني رغم وضعها الصحي الحرج وغيابها عن الوعي، معرضا حياتها مرة أخرى للخطر. وأكد الأورومتوسطي أن في ذلك محاولة من الجيش الإسرائيلي للتنصل من مسؤوليته عن الإصابات الخطيرة التي تعرضت لها خلال فترة اعتقالها التي أدت إلى بتر ساقيها لأعلى الركبتين وتضرر رئتيها وعمودها الفقري، وللتهربتباعا من التزاماته القانونية المتعلقة بتوفير العناية الطبية وتقديم العلاج اللازم لها.
وأكد الأورمتوسطي أن اعتقال السيدة جرار كان تعسفياً منذ البداية، حيث لم تكن هناك أي أسباب تبرر اعتقالها، وأن اعتقالها يأتي في سياق حملات الاعتقالات الفردية والجماعية التعسفية التي تشنها قوات الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والفلسطينيات أينما وجدوا انتقاما منهم، وأضاف أن الجيش الإسرائيلي نفذ عملية الاعتقال هذه بطريقة عنيفة، حيث قام باقتحام المنزل بالقوة، ودمر معظم محتوياته، ونهب كافة الأموال والمصاغ الذهبية التي كانت موجودة داخل المنزل عند الاقتحام، والتي لم تستردها عائلة السيدة جرار حتى الآن.
وأكد الأورومتوسطي على أن الجيش الإسرائيلي قام باحتجاز السيدة جرار لمدة 4 ساعات في الجيب العسكري بدون نقلها إلى مركز الاعتقال أو التحقيق،بل قام عوضا عن ذلك بنقلها إلى منطقة عمليات عسكرية خطرة، كانت تشهد في حينه عمليات اطلاق نار متبادلة وإلقاء عبوات متفجرة نحو آلياته، مما يدلل على أن الجيش الإسرائيلي قرر بشكل متعمد إبقائها في هذا المكان، على الرغم من معرفته بأن ذلك سيعرضها لخطر الموت و/أو الإصابة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الجيش الإسرائيلي كان يحاول استغلال وجود السيدة جرار في منطقة هجمته العسكرية في جنين، لتسهيل سير عملياته العسكرية وتحصين أفراده وآلياته العسكرية.
والسيدة جرار، هي ناشطة محلية ومنسقة رابطة أهالي شهداء وأسرى جنين، وأم لأربعة أبناء، وزوجها عبد الجبار محمد أحمد جرار (58 عاما) معتقل منذ 7 فبراير/شباط 2024 وصدر بحقه أمر اعتقال إداري 6 أشهر، علمًا أنه اعتقل مرارا سابقا وأمضى 16 عامًا بالسجون الإسرائيلية.
وأفاد حذيفة جرار، نجل السيدة وفاء لفريق الأوروتوسطي، بما يلي: قوة إسرائيلية داهمت منزلنا في 21 مايو بعد محاصرته وإطلاق النار على الكاميرات حول المنزل ومنزل الجيران. الجنود اقتحموا المنزل بهمجية وطلبوا بطاقة والدتي الشخصية وذهبها وشرعوا بتكسير البيت حتى كسروه بالكامل وقلبوه رأسًا على عقب وكانوا يسألون عن الذهب أو أي أموال حتى وجدوه واحتفلوا بوجوده ورسموا نجمة داوود على كل الغرف ولوحوا بالملابس الداخلية بعد العبث بالخزانات ثم دهسها مع القول سندوس عليكم. اقتاد الجنود والدتي للاعتقال، احدى كاميرات الجيران كانت بعيدة عن أعينهم رصدت اعتقالها وركوبها الجيب العسكري الساعة 6:25 دقيقة. مساءً بدأت الأخبار عن انفجار كبير في جنين ومجندة أُصيبت الساعة 12 تغير الحديث أن أسيرة فلسطينية كانت في الجيب العسكري أُصيبت إصابة خطيرة وتم نقلها للعلاج. كانت هي الأسيرة الوحيدة المعتقلة في ذلك اليوم وتواصلنا مع أكثر من جهة للتأكد والساعة الثانية فجرًا تم تأكيد إصابتها ونقلها على رمبم في حيفا. في اليوم التالي صباحًا أصدر الجيش الإسرائيلي بيان عن حدوث انفجار في جنين وإصابة أسيرة فلسطينية ونفي أي إصابات في صفوف الجنود وبدأ الاعلام العبري بالحديث عن بتر ساقها، وانتظرنا يوم 225 حتى استطاع المحامي الدخول للمستشفى وبجهد جهيد وصلها بعد فرض رقابة عسكرية مشددة والتنبيه على الطاقم الطبي بعدم تسريب أي معلومة أو صورة للمصابة وإلا سيتم اعتقاله والمحاكمة. مساءً المحامي رآها وكانت في العناية المكثفة وأخبرنا أنها حالتها مستقرة وإصابتها بالساقين وتم إنقاذ الساق اليسرى ولم يتم البتر وستخضع لصورة طبقية وحاليًا مازالت تحت التخدير ليستطيع جسمها التعافي والتعامل مع الإصابة. في اليوم التالي أجريت الصورة الطبقية وأظهرت إصابة في العمود الفقري لم يتم تحديد المكان وقالوا إنهم وجدوا شظايا في البطن تم إزالتهم وأبلغونا أن الإصابات في ساقيها الاثنين في يوم الخميس 235. وفي اليوم التالي (الجمعة) تواصلت معنا المستشفى وأخبرتنا أن عملية الجريحة وفاء جرار غير ناجحة والدم لا يصل ساقيها وطلبوا أن توقعالعائلة على أوراق لتتم عملية بتر الساقين، كانت صدمة للعائلة وخاصة بعد الحديث عن استقرار حالتها، وحاولنا طلب أن يقيم حالتها طبيب العائلة بعد رفضهم إعطائنا أي تقارير طبية لها وحاولنا الحصول على تصاريح ليراها أي فرد من أفراد العائلة، بقي هذا الموضوع حتى شعرنا باليأس وأخبرنا الأطباء أنه إذا ما تم البتر ستتطور الحالة ويحدث تسمم في الدم وغرغرينا وربما تؤدي إلى وفاتها. وقعنا الأوراق وكان من المفترض أن تُجرى العملية يوم الاثنين صباحًا وقت إرسال الأوراق أخبرونا أن البتر في الساق اليسرى فوق الركبة واليمنى سيتم التحديد في العملية حسب الظروف وحجم الإصابة، ساعات طويلة من الانتظار تمكن محامون من زيارتها وأعلمونا أن البتر سيكون تحت الركب وأثناء وجودها بالعمليات أصدرت السلطات الإسرائيلية أمر اعتقال إداري بحقها مدة 4 أشهر. تفاجأنا بالأمس (الخميس) بقرار إسرائيلي بالإفراج عنها والتنصل من مسؤولية علاجها. تواصلنا مع عدة جهات مثل أطباء بلا حدود ونادي الأسير وهيئة الأسرى وتواصلنا مع كل المؤسسات الممكن أن تساعد في هذا الشأن وكان هناك إصرار إسرائيلي على نقلها والتنصل من مسؤولية علاجها فيما كنا ومنذ اليوم الأول نطالب الجيش الإسرائيلي بالإفراج عنها وتحمل مسؤوليته عن وضعها الصحي وتكفله بعلاجها ولكن هو يتنصل من كل شيء. كانت مشكلتنا منذ اليوم الأول هي الرواية الإسرائيلية، مساء الخميس حصلنا على التقرير الطبي الخاص بها بسبب إجراءات النقل واكتشفنا أن كل المعلومات مغلوطة فالبتر كان فوق الركب لساقيها الاثنتين وعندها تسمم في الدم وكسر في الفقرة رقم 12 (4) من العمود الفقري من الممكن أن يؤدي إلى شلل بالإضافة لتكسر ضلوعها وهذا سببه كدمات في الرئة وتم تركيب جهاز للتنفس وطوال أيام الاعتقال لم نعرف بموضوع تضرر الرئة إلا بالأمس وحتى الآن ومن 235 كان من المفترض تصويرها صورة رنين مغناطيسي، كان واضح الإهمال الطبي المتعمد والمستشفى يتبع للجيش بالإضافة لتحريض من المستوطنين على وجودها في المستشفى ونشروا أنه ليس على رئيس الصحة الإسرائيلي المشاركة في علاج الإرهابين، وكان في مظاهرة لهم على باب المستشفى وهم حاملين صورتها ويطالبون إخراجها منها. تمكنا من ترتيب أوراق قدومها وبسبب التأخر في الوقت وعدم وجود خطة علاجية أو أوراق معها فطلبنا أن تُنقل ومعها طبيب وصرحنا على الإعلام أنها إن نُقلت بدون طبيب فهذا يعني محاولة اغتيالها لسوء وضع الصحي الذي يحتاج لمتابعة وهي قد كانت في العناية المكثفة ولم تكن متيقظة. استلمها اليوم الخميس الأهل من حاجز سالم ونقلتها سيارة إسعاف مع طبيب للحاجز وأخذتها الطواقم الطبية الفلسطينية ونُقلت إلى مستشفى ابن سينا.
وأمام هذه الجريمة، فإن المرصد الأورومتوسطي، يرى أن اعتقال السيدة جرار تعسفا ومن ثم احتجازها داخل الجيب العسكري عدة ساعات دون نقلها إلى مراكز التحقيق ونقلها إلى منطقة تشهد اشتباكات، يعكس حجم الانتهاكات التي تعرضت لها، وبخاصة تعمد الجيش الإسرائيلي تعريض حياتها وسلامتها للخطر بشكل مباشر، وهذا ما حصل بالفعل، واستخدامها على ما يبدو كدرع بشري، وبخاصة أنه سبق للجيش الإسرائيلي استخدام المدنيين كدروع بشرية، بما في ذلك الأطفال، بشكل متكرر خلال اقتحام مخيم جنين ومخيم بلاطة في نابلس.
كما وثق الأورومتوسطي استخدام الجيش الإسرائيلي مدنيين فلسطينيين كدروع البشرية ووضعهم على نحو متعمد في أماكن استراتيجية وأمام الأهداف العسكرية، بقصد محاولة منع مهاجمتها، ولتحصين قواته وعملياته العسكرية في قطاع غزة. حيث عمد الجيش الإسرائيلي استخدام المدنيين الفلسطينيين لحماية نقاط تجمع وتحرك قواته أثناء الاقتحامات البرية وتنفيذ الهجمات العسكرية، وكذلك إجبارهم على السير أمام الآليات العسكرية لدى اقتحام منازل وبنايات يُعتقد أنها مفخخة.
وشدد الأورومتوسطي على الحظر المُطلق لاستخدام المدنيين كدروع بشرية خلال النزاعات المسلحة، باعتبارهم أشخاصًا محميين وفقًا للقانون الدولي الإنساني بقواعده العرفية والمكتوبة، بما في ذلك ما نصت عليه اتفاقيات جنيف وبروتوكولها الأول. ويُعتبر استخدام المدنيين كدروع بشرية جريمة حرب تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفقًا لنظام روما الأساسي. ولذا، يجب تفعيل المساءلة القضائية الدولية لمرتكبي هذه الجرائم وتحقيق العدالة للضحايا.
ويشير المرصد أن مجمل ما تعرضت له جرار هو نموذج لسياسة التعذيب والتنكيل الذي يتعرض له المعتقلون الفلسطينيون، بما في ذلك النساء، علاوة على الحرمان من الرعاية الطبية الضرورية والمنقذة للحياة والتنصل من المسؤولية عن جرائمه والتزاماته الناتجة عنها، كتقديم العلاج، رغم أنه بموجب قواعد القانون فإن الجيش الإسرائيلي يتحمل مسؤولية سلامة الأشخاص الذين يحتجزهم، وبالتالي عليه التكفل الكامل بعلاجها وتعويضها عن الضرر الذي لحق بها، مشيرًا إلى أن الإفراج عنها بالشكل الذي تم يعكس أن اعتقالها بالأساس لم يكن له أي أساس وأنه جاء في إطار التعسف والإجراءات الانتقامية ضد الفلسطينيين.
وبناءً على ذلك، يحمل المرصد الأورومتوسطي إسرائيل المسؤولية الكاملة عن حياة المُعتقلة المفرج عنها، السيدة وفاء جرار، والإصابة الخطيرة التي تعرضت لها كنتيجة مباشرة للجرائم المتعددة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحقها. ويؤكد على أن مسؤولية إسرائيل تجاه السيدة جرار وعلاجها لا تنتهي بمجرد الإفراج عنها. ويطالب المرصد الأورومتوسطي بالتحرك الفوري والجاد لوقف جميع جرائم الجيش الإسرائيلي التي يرتكبها ضد المدنيين في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، وضمان مساءلته على هذه الجرائم.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: المرصد الأورومتوسطی أن الجیش الإسرائیلی استخدام المدنیین الإفراج عنها السیدة وفاء کدروع بشریة نقلها إلى أن اعتقال تعرضت له فی جنین فی ذلک
إقرأ أيضاً:
المليشيات والأذرع العسكرية للمشروع الإسرائيلي تنفذ مخطط التفكيك والتقسيم في اليمن
لم تعد التحركات الأخيرة في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة مجرد “صراعات داخلية” حسبما يصورها البعض، فالأحداث التي شهدتها حضرموت، والمهرة ، وعدن وغيرها خلال الأيام الماضية كشفت بوضوح حجم المخطط الخارجي الذي يدار من الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة ودعم اماراتي، وينفذ عبر أدوات محلية تتمثل في مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي و طارق عفاش، اللذين يقدمان نفسيهما كقوى محلية، بينما هما في الحقيقة أدوات احتلال بالوكالة، تعمل ضمن صفقة مكتملة الأركان تهدف إلى تفتيت اليمن والسيطرة على ثرواته وموانئه وموقعه الاستراتيجي.
الثورة / مصطفى المنتصر
وقد شهدت المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة ، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة وعدن، خلال الأيام الماضية تحولات خطيرة كشفت حجم التورط الخارجي في الشأن اليمني، ووضعت المجلس الانتقالي الجنوبي وميليشيات طارق عفاش في واجهة المشهد باعتبارهما الأدوات المحلية المنفذة لأجندة إماراتية–إسرائيلية–أميركية تهدف إلى تفكيك اليمن وتقويض سيادته ، فالتطورات الميدانية التي جرت بوتيرة خاطفة لم تكن نتيجة صدامات داخلية بقدر ما كانت انعكاساً لمخطط خارجي محكم، بدأ مع الانتشار المفاجئ لمليشيات الانتقالي في مدن وادي حضرموت والمهرة ومحيط عدن، وسط انسحابات غير متوقعة من بعض المليشيات المحسوبة على حزب الإصلاح الموالي للسعودية في مشهد حمل كل ملامح الترتيب المسبق والتنسيق عالي المستوى.
قواعد إماراتية إسرائيلية تدير التحركات العسكرية للسيطرة على الممرات
وتشير المعطيات السياسية والأمنية إلى أن تلك التحركات لم تكن وليدة اللحظة ولا تعبيراً عن نزعة انفصالية فحسب، بل جاءت استجابة مباشرة لتوجيهات صادرة من غرف عمليات إماراتية وإسرائيلية أُنشئت خلال الأشهر الماضية في قواعد وجزر جنوبية، وارتبطت بمنظومة مراقبة ومعلومات توفرها واشنطن وتل أبيب ضمن ما يُعرف بـ “التحالف الأمني الجديد” الذي تسعى أبوظبي إلى تثبيته شرق البحر العربي. وتؤكد مصادر عسكرية أن سرعة السيطرة على المواقع العسكرية والنقاط الحساسة لم تكن ممكنة لولا أن الانتقالي تلقى دعماً عملياتياً مباشراً، سواء في الخطط أو في وسائل الاتصال والتوجيه، وهو ما جعل الأداء العسكري يتجاوز قدرات هذه المجموعات التي اعتادت العمل بأسلوب عشوائي لا علاقة له بتنفيذ عمليات منظمة بهذا المستوى.
وفي جوهر هذا التحرك العسكري، ظهرت مصالح إسرائيلية واضحة تتجاوز وجود الإمارات في الجنوب اليمني المحتل فالمناطق التي اندفع إليها الانتقالي ليست مجرد مدن يمنية، بل مساحات ترتبط بالساحل العربي ومحطات النفط والغاز وممرات بحرية تشكل أهمية خاصة للبحرية الإسرائيلية، الساعية منذ سنوات لإيجاد موطئ قدم آمن لها في المحيط الهندي وباب المندب. وقد سبق أن كشفت تقارير محلية ودولية عن وجود خبراء إسرائيليين في سقطرى وفي قواعد إماراتية داخل عدن والمكلا والمهرة والساحل الغربي، مما يجعل التحركات الأخيرة امتداداً طبيعياً لمسار اختراق مدروس للجنوب اليمني بهدف إحكام السيطرة على مواقع حيوية يمكن استخدامها في التجسس وعمليات الرصد أو حتى كمنصات عسكرية ضد محور المقاومة.
الانتهاكات وعمليات التطهير العنصري
ومع الاندفاعة العسكرية للانتقالي، شهدت حضرموت والمهرة موجة واسعة من الانتهاكات التي طالت ضباطاً وجنوداً ومدنيين من أبناء المحافظات الشمالية، في سلوك يعكس العقلية العنصرية التي تغذيها أبوظبي داخل أذرعها العسكرية والتي تتشابه إلى حد ما مع الانتهاكات التي تنفذها مليشيات الدعم السريع الموالية للإمارات في السودان. أقدمت مليشيات الانتقالي على إعدام عدد من المواطنين والضباط في ما يسمى المنطقة العسكرية الأولى بعد اعتقالهم، وحجز جثثهم قبل أن يُسلموا جثثاً إلى المستشفيات.
وبحسب مصادر حقوقية التي كشفت عن خسائر ما وصفته بالهجوم “المنظم” الذي شنته مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، على مدينة سيئون وعدد من مديريات وادي حضرموت ومحافظة المهرة، سقوط ما يقارب 100 قتيل في المواجهات الأخيرة.
كما طالت الاعتقالات مئات المدنيين الذين جرى اقتيادهم من الشوارع والأسواق ومن نقاط التفتيش بسبب انتمائهم المناطقي، في انتهاكات صارخة وصفتها منظمات حقوقية بعمليات تطهير عرقي لا علاقة لها بالقانون ولا بالأعراف.
وفي سيئون تحديداً، وثق شهود عمليات نهب منظمة للمقرات الحكومية والممتلكات الخاصة بالتزامن مع دخول مليشيات الانتقالي وطارق عفاش، في وقت تحدث فيه سكان مناطق عدة عن سطو على المركبات والمحلات التجارية ومحاولات للاستيلاء على منازل مملوكة لمدنيين.
وانتقلت هذه الانتهاكات إلى الاعتداء على شخصيات اجتماعية جنوبية رفضت التواجد وتأييد هذه العمليات العسكرية، وتعرض بعض الناشطين للتهديد بالتصفية، في محاولة لإسكات أي صوت رافض وتحويل الجنوب إلى منطقة خاضعة بالقوة لحكم الميليشيات ،وتزامن هذا الانتشار مع إدخال مجموعات تابعة لطارق عفاش إلى مناطق متفرقة من المهرة وحضرموت، في خطوة بدت مكشوفة من حيث الهدف والدافع، خصوصاً أن الإمارات تعتمد على هذه الميليشيات كذراع عسكرية ثانية موازية للانتقالي، تستخدمها لضبط إيقاع المشهد وضمان عدم خروج القرار المسلح عن قبضتها.
ويصف مراقبون هذا التوزيع للقوى بأنه محاولة لصناعة “مليشيات دولة موازية” تتقاسم النفوذ وتتبع جميعها القيادة الإماراتية، بحيث لا يملك اليمنيون أي قدرة على فرض قرار وطني مستقل في المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرة الاحتلال السعودي الإماراتي.
توحيد الجبهة الوطنية لمواجهة مشروع احتلال
ان توقيت هذه التحركات لا ينفصل عن المشهد الإقليمي، إذ يرى محللون أن صعود العمل المقاوم اليمني ضد الكيان الصهيوني في البحر الأحمر وباب المندب دفع واشنطن وتل أبيب إلى البحث عن أوراق ضغط داخلية لإعادة تشكيل الجبهة الجنوبية وخلق إرباك يحد من قدرة صنعاء على مواصلة عمليات الردع ، ويبدو أن الإمارات تولت دور “المقاول” التنفيذي لهذه الخطة، محاولة تحويل الجنوب المحتل إلى قاعدة ضغط بديلة، عبر استخدام أدواتها المحلية لإشعال الفوضى وتأجيج الصراع الداخلي.
ولأن المشهد يرتبط بصورة مباشرة بمخطط احتلال جديد، فإن خطورته لا تقتصر على الانتهاكات أو السيطرة الميدانية، بل تتعدى ذلك إلى تهديد وجودي لوحدة اليمن وسيادته. فالمشروع الذي يجري تنفيذه في حضرموت والمهرة وعدن لن يقف عند هذا الحد وتكريس لحدود الانفصال المعلن الذي يتبناه الانتقالي، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة تشكيل المناطق الجنوبية والشرقية المحتلة ككيان تابع للإمارات وإسرائيل، تتحكمان بموارده وثرواته وموانئه وممراته البحرية، فيما يُترك أبناؤه رهائن لمليشيات تعمل بالوكالة ولا تؤمن بالانتماء للوطن والوحدة ولا بالنسيج الوطني.
إن التطورات الأخيرة تضع اليمن أمام مرحلة دقيقة، فالصمت على ما يجري يعني القبول بالاحتلال الجديد الذي يتخفى خلف شعارات سياسية زائفة بينما يعمل على تدمير ما تبقى من سيادة وطنية ، والوقائع الميدانية تؤكد أن الانتقالي وميليشيات طارق عفاش لم يعودا قوى محلية، بل أصبحا جزءاً من منظومة إقليمية ودولية تستهدف اليمن أرضاً وشعباً وهوية، وتعمل على تمزيق الجنوب واستخدامه منصة عدائية ضد مصالح اليمنيين ، ومع كل ذلك، فإن إرادة الشعب اليمني ومسار التحرر الذي تقوده صنعاء يشكلان السد الحقيقي في مواجهة هذا المشروع، وقد أثبتت التجارب أن اليمنيين قادرون على إفشال المخططات الخارجية مهما بدت معقدة ومتعددة الأطراف.
وما يجري في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة ليس سوى مرحلة من مراحل التهديد الخارجي ، والتي تتطلب توحيد الجبهة الوطنية وإسناد القوى الوطنية الرافضة للاحتلال، وتحويل الوعي الشعبي إلى قوة مواجهة قادرة على إفشال جميع محاولات فرض الوصاية والهيمنة الأجنبية.