إبراهيم عيسى يكشف "رقمًا مروعًا" لعدد شهداء مصر في نكسة يونيو 1967
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
أكد الإعلامي إبراهيم عيسى، أننا نكرر الأخطاء دائمًا وتكرار الخطأ يعني أننا نجرم بحق التاريخ، قائلا: "لم نتعلم من التاريخ لأننا لم نقرأه ولم ندرسه ولم نفكر فيه"، مشددًا على أنه لم يدرس أحد النظام العربي وأصبحنا نعتمد على الاسطوانات والكذب بشأن الأحداث والتاريخ.
وأضاف إبراهيم عيسى، خلال تقديم برنامج "حديث القاهرة"، المُذاع عبر شاشة "القاهرة والناس"، : "لم نغير منهج 67 حتى الآن ونكرر اخطاءه ولم نتعلم من نصر أكتوبر المجيد، وكأنه لم يحدث وعدنا لنفس أمراض نكسة 67"، مشددًا على أننا لسنا مجتمعات معنية بالتاريخ وتكرر الأخطاء دائمًا.
وأوضح إبراهيم عيسى، أن حرب 1967 أنتجت 9800 شهيدًا مصريًا من جنود وضباط مصر، لم نعرف هذا الرقم الصحيح للشهداء إلا في عام 1971، وهي أرقام مروعة، ولم يتم إعلان الحقائق ولم يتم دراستها بشكل كبير.
ويرى إبراهيم عيسى أن نكسة يونيو هي منتج مجتمع يعاني من غياب الديمقراطية ووجود قيود على الحرية والصحافة، قائلا إن المشير عبد الحكيم عامر نصح الرئيس جمال عبدالناصر بتغيير نظام الحكم وتوسيع هامش الحريات في خطاب استقالته من قيادة الجيش.
اقرأأيضًا.. إبراهيم عيسى: نكسة 67 كانت كارثة.. وخرجنا منها بفضل نوابغ العسكريين (فيديو)
وأوضح أن هزيمة يونيو مناسبة حتى نعرف السر، قائلا: "منتج يونيو 67 هو ليس هزيمة عسكرية فقط وهي منتج مجتمع وبهذه المناسبة لازم الشعب المصري يعرف، ومن المعروف أن الوثائق تنشر بعد 30 سنة واحنا بقالنا 55 سنة بعد النكسة ومن حقنا جميعا أن نعرف".
ويناشد الإعلامي إبراهيم عيسى، الرئيس عبد الفتاح السيسي إتاحة وثائق وتسجيلات ومحاضر ثورة يوليو لكل مواطن، معبرًا: "أناشد الرئيس السيسي أن يعطي الشعب تاريخه ويصدر تعليماته بأن تكون الوثائق والمستندات والمحاضر وأن تكون في أيدي الجميع سواء كانوا صحفيين أو مؤرخين أو شباب أو إعلاميين وكل وطني مهتم حتى لا نكرر أخطاءنا ومشاكلنا ولا بد أن نعرف ما الذي جرى لصالح الأمة".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإعلامي إبراهيم عيسى الأخطاء الديمقراطية إبراهیم عیسى
إقرأ أيضاً:
بين الجَغِم والبلّ: خرائط الموت التي ترسمها الجبهة الإسلامية على أجسادنا
إبراهيم برسي
في بلادٍ تكسّرت فيها البوصلات، ولم يتبقَّ للناس سوى البكاء على ما لا يُبكى عليه، وجدنا أنفسنا في زمنٍ تُحكمه مفردتان فقط: “الجَغِم والبلّ”. ليستا مجازًا، بل تقنية للقتل الشعبي، تُمارَس في وضح النهار، ويباركها العقل المغسول تحت إيقاع أناشيد الحرب.
“الجَغِم” لم يعد فعلاً بدائيًا لشخص يبتلع ما ليس له، بل تحوّل إلى ماكينة مؤسسية تلتهم الذهب، والنفط، والموتى، وتُنتج بلاغات وفتاوى.
أما “البلّ”، فقد صار طقسًا شعبيًا لإضفاء الشرعية على هذا الجشع. كلمة تُقال بصوت خافت، لكنها تحمل في طيّاتها استسلامًا جماعيًا. كأنك تقول: دع الأمر للقدر، فالعدو دائمًا هو الآخر، والحرب دائمًا هي الحل.
تقول عالمة النفس الفرنسية ماري فرانس هيريجوين:
“الأنظمة السلطوية لا تحتاج لإقناعك، بل فقط لإرباكك، لتخلق مساحة ذهنية تُمكِّنها من غرس أفكارها كحقائق.”
وهذا بالضبط ما فعلته الجبهة الإسلامية حين تسلّلت إلى المؤسسة العسكرية، لا كضيف، بل كمضيفٍ أعاد تعريف معنى الوطن، والعدو، والموت.
في بورتسودان، تُدار الدولة من ثكنة عسكرية، ويُحكم البلد عبر فتاوى القهاوي.
في نيالا، يُدفن الموتى دون أسماء.
في الفاشر، صارت المقابر أكبر من المدارس.
في أم درمان، تُخفي العائلات أبناءها لا من العدو، بل من الجيش.
ولفهم ما نحن فيه، لا بد أن نتذكّر ما حدث في رواندا عام 1994.
حينها، لم يكن السلاح هو المشكلة، بل الكلمة. في راديو “ميل كولين”، كانت الأغاني الشعبية تُغنّى، ثم تتبعها دعوة صريحة:
“اقطعوا التوتسي كالأنشاب.”
هكذا تبدأ المجازر: بمصطلحات تبدو عفوية، بعبارات يُردّدها الناس دون إدراك، ثم ينفجر العنف.
“بلّ بس”، اليوم، تُشبه تمامًا تلك العبارات. تُفتح بها أبواب الجحيم، وتُشرعن بها مجازر لا تُشبه المجازر، بل تُشبه النشيد الوطني بصيغة جنائزية.
يقول أنطونيو غرامشي:
“الهيمنة لا تتحقق بالعنف وحده، بل بالموافقة الصامتة للمقهورين.”
وهذه الموافقة هي ما تفعله الجبهة الإسلامية كل يوم، حين تحوّل المواطن إلى “متلقٍ”، ثم إلى “مُبرِّر”، ثم إلى “جلّاد”، باسم الدولة أو الدين أو القبيلة.
أما الذين يجغمون بالفعل، فهم ليسوا على الجبهات، بل في البنوك، في دبي، في أنقرة، في الدوحة، وفي القاهرة.
يجغمون العقود، والشركات، والذهب، والمستقبل.
يحرقون البلاد، ثم يتهمون المواطن بأنه لم “يبلّ بما فيه الكفاية”.
هل هذا وطنٌ أم مسرح عمليات؟
هل هذه حربٌ أم إعادة تموضع للجبهة تحت رايات جديدة؟
هل ما زلنا بشرًا، أم مجرّد وقود بين “الجَغِم والبلّ”؟
لكننا نعرف.
نعرف أن الجبهة لا تحارب لتنتصر، بل لتحكم.
وأن المواطن لا يموت فقط، بل يُعاد إنتاجه كأداة للقتل.
نعرف أن “الجَغِم” صار مصيرًا، و ”البلّ” صار عقيدة.
لكننا، رغم كل شيء، نعرف.
ومن يعرف، لا ينجو بالمعرفة… بل يُساق بها إلى النفي.
أشد أنواع الغسيل دموية، ليس ذاك الذي يُبيّض القميص، بل الذي يُغطّي الجريمة بلون الراية.
وحين تتدفق الأكاذيب من الشاشات إلى الدماغ، يتحوّل المواطن إلى جندي دون أن يرتدي الزي العسكري.
يضحّي بابنه، ويصفّق لمن نهب راتبه، ويقولها دون تفكير:
“بلّ بس… نحنا في معركة وجود وكرامة.”
تستعيد ذاكرتنا نموذج سيراليون، حيث تحوّل الأطفال إلى قتلة باسم “الوطن”.
تقول الباحثة الكندية نومي كلاين:
“حين يُعاد تعريف العنف كضرورة أخلاقية، تنهار البنية النفسية للإنسان، ويصبح القتل فعلَ طمأنينة.”
وهذا ما نراه:
مواطنون يتعاملون مع الحرب كأنها زواج مقدّس، ومع الموت كأنه استثمار مضمون في سوق الوطنية.
في “الخوي والنهود”، لم يعد الناس يتساءلون عمّن هو على حق، بل عمّن لا يزال على قيد الحياة.
في “دنقلا وكسلا”، لا يُسأل الأب عن حلم ابنه، بل عن موقعه على الخارطة:
في الجيش؟ في الدعم؟ أم في المقابر؟
السودان اليوم ليس بلدًا، بل سجن مفتوح يدور فيه الحارس والضحية في حلقة “بلّ وجَغِم”، بين رصاصتين، ورايتين، وبيانين.
نحن الذين كُتب علينا أن نعيش بين “الجَغِم والبلّ”، لا نملك حتى ترف الصمت.
لأن الصمت نفسه صار مشاركة في الجريمة.
لأن “البلّ” اليوم يعني أنك قبلت أن تُمحى،
و ”الجَغِم” يعني أنك صرت جزءًا من ماكينة المحو.
وحدهم الذين لا يبلّون ولا يجغمون، من يكتبون بأجسادهم معنى الوطن.
أما الباقون، فقد اختاروا شكلهم في الجنازة: بين قاتلٍ يبتسم، ومبرّرٍ يبرّر، وجثةٍ تصفّق في الغياب.