قضايا العلم وجدليّاته.. بين الحقيقة والخيال
تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT
مسيرة العلم حافلة بالكثير من الإنجازات والمفاجآت التي لم تتحقق إلا بعد مخاضات علمية صعبة؛ فيأتي كلُ إنجاز بعد سلسلة معقدة من الأفكار التي أشعل العقل الإنساني جذوة تفكيره في تمحيصها، وبذل الجهد في تحويلها إلى فرضيات تتباهى بمنطقها العلمي الذي مهّدها إلى بلوغ مستوى النظرية عبر محاولات من الإثبات العلمي وبرهنته بوسائل رياضية وتجريبية معقّدة، ولا يمكن لشيء أن يولد قبل موعده إلا في خيال الكاتب عبر ما نطلق عليه الخيال العلمي الذي لا تقل مساهمته الإبداعية في بحر الأفكار التي ألهمت العلماء والباحثين؛ فكم من الأفكار التي ولدت في عقول الكتّاب والفلاسفة لم تكن في يومها تتجاوز خيالاتهم الواسعة التي كانت بمثابة أفكار خيالية بعيدة عن الواقع.
تتدافع الأفكار في هذا المقال الذي أسعى بواسطته أن أعيد بعض التأملات الخاصة بالعلم وقوانينه، وبظواهر الحياة التي تباين الإنسان في تفسيرها وفهم مآلاتها المدهشة، وسبق أن خاضت المجتمعات البشرية صراعا فكريا تمازج بين العلم والخيال والخرافة؛ فقضايا مثل قضية الرؤى المنامية التي أذهلت الإنسان في واقع مشهدها المُجرّب التي أحدثت الجدل في الحقل العلمي الذي يحاول جاهدا أن يجد تفسيرا لكثير من مفاصلها، ونقصد بالرؤى المنامية تلك الأحلام التي يراها الإنسان في منامه؛ فتطوف به في «زمكانية» الوجود؛ فيخترق حاجزَ الزمنِ الذي ما إن يقتحم المستقبل ويرى فيه أحداثا سابقة لأوانها في الوجود الواقعي؛ فيُدهشُ بعد حين من الزمن بتحقق هذه الأحداث كما رآها؛ فانقسم العلم في هذا إلى آراء كثيرة غلب عليها رأي نسف إمكانية حدوث اختراق للزمن، وأن الأمر برمته لا يتجاوز عدة تفسيرات منها حدوث الوهم الذي أوهم هذا الإنسان بحدث مستقبلي، أو حدوث الصدفة التي وافق فيها الواقع مشاهد المنام، ولكن ماذا عن تجارب كثيرة عاش أصحابها تجربة الرؤى المنامية مرّات عديدة تتجاوز نسبة الصدفة وحدوث الوهم؟ ومنهم علماء وساسة وفلاسفة سبق أن سردت شهادة بعضهم في كتابي «بين العلم والإيمان»، وقبلها شواهد القَصص القرآنية التي وإن رأى البعض ظرفيتها الزمانية إلا أن استفاضة حدوثها تمنحها ظرفية لا تتعلق بالزمان بل ظرفيتها متصلة بالوعي الإنساني دون تخصيص، لا أريد الاستفاضة في عرض هذه الشواهد تجنبا للتكرار، ويبقى السؤال مطروحا: أيمكن أن نجد لهذه الظاهرة تفسيرا علميا بعيدا عن التأويلات التي خالطت الخرافة فأذهبت بالقيمة العلمية التي فقدت شغفها في فهم هذه الظاهرة المنامية؟ لا تقف فرضيات العلم عند حد معيّن بل تستمر في سريانها، وإحدى هذه الفرضيات التي حاول العلمُ الحديث أن يجد بواسطتها تفسيرا لظاهرة الرؤى المنامية وتحقق أحداثها تتعلق بفيزياء الكوانتم الذي ما يزال يدهش العلماء في تأويلاته لسلوك الذرة وما تحتها، وكذلك هناك ظاهرة يمكن أن نطلق عليها الإدراك اللازمني «Timeless Awareness» التي يتصل مفهومها بفكرة الحقل الكوني المشترك أو الكلي «Zero Point Field» كما جاء في كتاب «The Field» لمؤلفه «Lynne McTaggart»، وكذلك نظرية كتلة الكون «Block Universe Theory» التي تقرر وجود ثلاثة أزمان في الكون (الماضي، والحاضر، والمستقبل) في كتلة واحدة تتوافق -بشكل ما- مع النظرية النسبية في الفيزياء التي ترى وجود الزمن باعتباره بُعدا نسبيا رابعا مع أبعاد المكان الثلاثة. من حيث المنهج العلمي، لا نملك تفسيرا لماهية ظاهرة الرؤى المنامية، ولا نملك قدرة نفي وجود هذه الظاهرة لمجرد ربط أحداثها لأسباب الوهم والصدفة، وكذلك لا نملك أدوات علمية رصينة تُفسّر هذه الظاهرة تفسيرا علميا قاطعا؛ فنثبتها بطريقة علمية.
قضايا أخرى تؤرق مضجعَ العلم وأهله مثل قضية الوعي وماهيتها التي ما زال العلم عاجزا أمام تفسيرها؛ فلجأ العلم إلى الفلسفة في محاولة لإسعافه في فهم معضلة الوعي التي تجاوز جدلها وعي الإنسان وباقي الكائنات؛ فمع ثورة الذكاء الاصطناعي واقترابه من النوع العام «الخارق» تقرر عند بعض العلماء والفلاسفة إمكانية وجود الوعي لهذا الكائن الرقمي، إلا أن تأويل الوعي في الكائن البيولوجي ما يزال مفقودا؛ فكيف يمكن أن يفترض البعض تحقق الوعي في أنظمة رقمية لا يمكن أن تتجاوز قدراتها مفهوم «المحاكاة التي تدهش العقول وتحيّرها»؟ ماذا عن حلم الإنسان الأعظم «الخلود» الذي تخبرنا سرديات التاريخ عن محاولات الإنسان اليائسة في فهم سر الحياة والبحث عن سر خلودها، ووجد العلم نفسه في هذه المَهَمَّة باحثا عن الحلول التي يحاول بواسطتها منح الإنسان الخلود الذي قطع العلم باستحالة تحققه وفقا للمبدأ البيولوجي الذي يؤكد على قانون الفناء، إلا أن هذه الجهود ساهمت في منح هذا الإنسان ظروفا صحية أفضل بدءا من مكافحة الأمراض التي تعتريه، وبلوغا -حتى زمننا- إلى التعديل الجيني الذي يبشّر بمتوسط أعمار طويلة تفوق تصورات العلم السابقة.
تظل هذه القضايا محل جدل لا يمكن أن نرى لها نهاية؛ إذ إنها تصنّف من قضايا العلم الكبرى بجانب قضايا وجودية كبيرة، والأمر برمّته منوط بأفكارنا التي تتأثر بمستجدات العلم وأدواته؛ ومثال ذلك منطق الإنسان قبل اكتشاف الكهرباء؛ فكيف يمكنه -في زمنه الغابر- أن يتصور العالم مع وجود الكهرباء؟ إذ وفقا لمبدأ العقل الجمعي «العام» فإن الإنسان بطبيعته لا يملك تصورا قطعيا لشيء لم يسبق أن جرّبه ورآه، ولكنه يملك التصور الخيالي الذي لا يتجاوز منطقة الظن، ولكن العلم وأدواته كفيل بأن يضع حدا لتساؤلات الإنسان وحيراته الكثيرة. تظل مرتكزات أفكارنا تتأرجح بين الشك واليقين، وبينهما يقبع العقل أسيرَ الخرافة والجهل، إلا أن جنوح الخيال يقود هذا العقل إلى نزعته العلمية التي تعيد نصاب الأفكار إلى مواضعها المنطقية.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه الظاهرة یمکن أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
العلم يؤكد.. عادتان غذائيتان تساعدان على إنقاص الوزن
المناطق_متابعات
توصلت دراسة، استمرت خمس سنوات، وشملت أكثر من 7000 مشارك في منتصف العمر، إلى أن الصيام لفترة أطول ليلًا مع البدء بتناول الإفطار في وقت مبكر، يساعد في إنقاص الوزن ويمنح مؤشر كتلة جسم أقل، وفقًا لما نشره موقع Science Alert.
التوقيت أهم مما تظنولا يقتصر الحفاظ على وزن صحي على ما تأكله فحسب، بل ربما يتعلق أيضًا بوقت تناول الطعام، حيث تشير دراسة بحثية إلى أن عادتين يوميتين ترتبطان بوزن صحي للجسم مع مرور الوقت، هما تحديدًا تناول الفطور مبكرًا وتمديد فترة الصيام ليلًا.
أخبار قد تهمك وفد منظومة قطاع الطيران المدني يشارك في معرض باريس الجوي 2025 16 يونيو 2025 - 11:54 مساءً ضمن فعاليات معرض باريس الجوي 2025.. المملكة وبنما توقعان اتفاقية في مجال خدمات النقل الجوي 16 يونيو 2025 - 11:39 مساءًجاءت هذه النتائج من بحث نُشر في الدورية الدولية للتغذية السلوكية والنشاط البدني، بقيادة معهد برشلونة للصحة العالمية ISGlobal، بدعم من مؤسسة “لا كايكسا”.
أجاب المشاركون في الدراسة على أسئلة مفصلة حول نظامهم الغذائي وأسلوب حياتهم وأوقات وجباتهم وقياسات أجسامهم. وبعد خمس سنوات، عاد أكثر من 3000 مشارك في الدراسة للمتابعة وتقديم معلومات وقياسات صحية محدثة.
الساعة البيولوجيةأوضحت لوسيانا بونس-موزو، الباحثة في ISGlobal وقت الدراسة والتي تعمل حاليًا في كلية IESE للأعمال، أن “نتائج الدراسة تشير، بما يتماشى مع دراسات حديثة أخرى، إلى أن تمديد فترة الصيام الليلي يمكن أن يساعد في الحفاظ على وزن صحي إذا اقترن بعشاء مبكر وفطور مبكر.
وربما يتماشى تناول الطعام في وقت مبكر من اليوم بشكل أكبر مع الإيقاعات اليومية، ويسمح بحرق أفضل للسعرات الحرارية وتنظيم الشهية، مما يمكن أن يساعد في الحفاظ على وزن صحي. ولكن من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات قاطعة، لذا سيتعين انتظار أدلة أكثر دقة قبل إصدار التوصيات”.
عندما نظر الباحثون في البيانات حسب الجنس، وجدوا اختلافات ملحوظة. في المتوسط، كان مؤشر كتلة الجسم لدى النساء أقل من الرجال، وكانوا أكثر ميلًا لاتباع النظام الغذائي المتوسطي. كما أنهم يميلون إلى تحمل مسؤوليات منزلية أو رعاية أكبر. ولكن أفادت النساء أيضًا بتدهور صحتهن النفسية بشكل عام.
علامات التحذيراستخدم فريق الباحثين تقنية إحصائية تُسمى “التحليل العنقودي” لتجميع الأفراد ذوي الخصائص المتشابهة. من نتائج هذا التحليل، لفت انتباه الباحثين مجموعة صغيرة من الرجال الذين كانت وجبتهم الأولى في اليوم بعد الساعة 2:00 ظهرًا، والذين صاموا في المتوسط لمدة 17 ساعة.
وبالمقارنة مع بقية الرجال، كانت هذه المجموعة تميل إلى اتباع أنماط حياة أقل صحة (أكثر عرضة للتدخين وقلة النشاط البدني وقلة الالتزام بالنظام الغذائي المتوسطي)، وكانت مستويات تحصيلهم العلمي أقل، وكانوا أكثر عرضة للبطالة. ولم تُلاحظ هذه الأنماط لدى أي مجموعة من النساء.
عادة غير فعالة تمامًاتقول كاميل لاسال، الباحثة في ISGlobal ومشاركة رئيسية في الدراسة، إن “هناك طرقا مختلفة لممارسة ما يُعرف بـ”الصيام المتقطع”، وتتعلق الدراسة بإحداها، وهي الصيام الليلي. ما تم ملاحظته في مجموعة فرعية من الرجال الذين يمارسون الصيام المتقطع بتخطي وجبة الفطور هو أن هذه الممارسة لا تؤثر على وزن الجسم. وقد أظهرت دراسات تدخلية أخرى أجريت على مشاركين يعانون من السمنة أن هذه التكتيكات ليست أكثر فعالية من تقليل السعرات الحرارية في إنقاص وزن الجسم على المدى الطويل”.
التغذية الزمنية: آفاق جديدةتشير آنا بالومار كروس، الباحثة في ISGlobal وقت الدراسة، وتعمل حاليًا في IDIAP جوردي جول، إن الدراسة تعد “جزءًا من مجال بحثي ناشئ يُعرف بـ”التغذية الزمنية”، والذي لا يركز فقط على تحليل ما يتم تناوله من طعام، بل أيضًا على أوقات اليوم وعدد مرات تناول الطعام”. وتضيف كروس أن البحث “يرتكز على معرفة أن أنماط تناول الطعام غير المعتادة والتي يمكن أن تتعارض مع النظام اليومي، وهو مجموعة الساعات الداخلية التي تنظم دورات الليل والنهار والعمليات الفسيولوجية التي تصاحبها”.
فوائد صحية أوسعوتُشكل هذه الدراسة استمرارًا لسلسلة أبحاث ISGlobal حول التغذية الزمنية، والتي نشرت في السنوات الأخيرة دراستين أخريين بنتائج في الاتجاه نفسه.
وفي هاتين الدراستين، لوحظ أن تناول العشاء والفطور مبكرًا يرتبط، على التوالي، بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري من النوع الثاني.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط 17 يونيو 2025 - 1:45 صباحًا شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد16 يونيو 2025 - 11:26 مساءًرسميًا.. النصر يفسخ عقد ماجد الجمعان أبرز المواد16 يونيو 2025 - 11:22 مساءًالذهب يهبط أكثر من 1% أبرز المواد16 يونيو 2025 - 11:02 مساءًالرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يطلق صفحة مركز الوثائق والمحفوظات الإلكترونية أبرز المواد16 يونيو 2025 - 10:38 مساءًمحافظ الأحساء يستقبل المهنّئين بعيد الأضحى أبرز المواد16 يونيو 2025 - 10:22 مساءًمكافحة المخدرات تقبض على مقيمَين بمنطقة نجران لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر16 يونيو 2025 - 11:26 مساءًرسميًا.. النصر يفسخ عقد ماجد الجمعان16 يونيو 2025 - 11:22 مساءًالذهب يهبط أكثر من 1%16 يونيو 2025 - 11:02 مساءًالرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يطلق صفحة مركز الوثائق والمحفوظات الإلكترونية16 يونيو 2025 - 10:38 مساءًمحافظ الأحساء يستقبل المهنّئين بعيد الأضحى16 يونيو 2025 - 10:22 مساءًمكافحة المخدرات تقبض على مقيمَين بمنطقة نجران لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر وفد منظومة قطاع الطيران المدني يشارك في معرض باريس الجوي 2025 وفد منظومة قطاع الطيران المدني يشارك في معرض باريس الجوي 2025 تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً أجمل رسائل وعبارات صباح الخير وأدعية صباحية للإهداء 24 أبريل 2022 - 9:35 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2025 | تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن