التحالف مع البريكس: كيف تعيد تركيا رسم سياستها الخارجية؟
تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT
ضمن 15 دولة تمّت دعوتها، شاركت تركيا في اجتماع وزراء خارجية مجموعة دول "البريكس"، الذي عقد في روسيا.
وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الذي ترأس وفد بلاده في الاجتماعات، كان قد استبق الزيارة بالإعلان خلال زيارته الصين، مطلع يونيو/ حزيران الجاري، عن رغبة بلاده في الانضمام إلى التجمع الاقتصادي المهم، ليعاد فتح الملف بكل أبعاده الجيوستراتيجية والاقتصادية والأمنية.
الانعطافة التركية الأحدث صوب البريكس، جدّدت رغبة قديمة أعلنها الرئيس رجب طيب أردوغان، عام 2018 لكن طواها النسيان حينها.
هذا التموضع الجديد للسياسة الخارجية التركية، لا يمكن فصله عن تصريحات فيدان أثناء زيارته بكين، بشأن العلاقات الثنائية، والدور المأمول من الصين في بناء نظام عالمي جديد.
فهذا التلازم بين الدوافع الاقتصادية، والمنطلقات الجيوسياسية، هو الذي يمنحنا مساحة أكبر لفهم التموضع التركي الجديد، وإلا فإن دولًا أخرى سبقت تركيا في الالتحاق بالتجمع الذي تبلغ قيمة اقتصادات دوله مجتمعة أكثر من 28.5 تريليون دولار، أي حوالي 28% من الاقتصاد العالمي.
إعادة تشكيل النظام العالميترى تركيا أن النظام العالمي الحالي، استنفد مبررات استمراره، حيث يدعو أردوغان منذ سنوات إلى إصلاح مؤسساته الدولية، وفي القلب منها مجلس الأمن الدولي، بزيادة عدد الدول الأعضاء الدائمة فيه، رافعًا شعار: "العالم أكبر من خمس".
كما أكد أثناء أزمة كورونا، أن العالم سيشهد ولادة نظام عالمي جديد عقب انتهاء الأزمة، قبل أن تحل أزمتا الحرب الروسية – الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على غزة.
في بكين أعاد فيدان تأكيد المعنى ذاته بقوله: " إن الجنوب العالمي، الذي يضم دولًا ذات حكومات وخلفيات تاريخية مختلفة، تعاني من عدم تمثيلها في النظام العالمي بالقدر الذي تستحقّه".
من هنا تأمل تركيا في أن تلعب الصين دورًا ملموسًا في مأسسة النظام الجديد بعيدًا عن الهيمنة الأميركية التي خلّفت فوضى عارمة لا تخطِئها العين.
لذا استمعنا إلى انتقاد ضمني من فيدان لتلك الهيمنة "دون ذكر الولايات المتحدة" بتأكيده ضرورة الحفاظ على استقرار الصين ووحدة وسلامة أراضيها، كما رفض التدابير الأميركية الاقتصادية الاستثنائية ضد الصين بتشديده على أنه ليس "من الصواب وقف التنمية الاقتصادية في الصين".
إن علاقة التحالف بين واشنطن وأنقرة، لم تمنع الأخيرة من إدراك أن هيمنة قطب أوحد على العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، أدّت إلى خسائر متعددة وعميقة، وأنه قد آن الأوان للدفع نحو عالم متعدد الأقطاب.
من هنا يعدّ البريكس بوابة مهمة لانخراط تركيا في نشاط اقتصادي جماعي مع محور روسيا – الصين، الذي يمتلك إمكانات كبيرة مرشّحة للتصاعد خاصة في مجال الطاقة.
إضافة إلى ذلك، تدرك أنقرة أن تعظيم التعاون الثنائي مع بكين يبدأ من بوابة الاقتصاد، حيث كشف فيدان عن ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة في مشروع "الممر الأوسط"، ومبادرة "الحزام والطريق" في موازاة ما يحدث في ممرات النقل الأخرى، مثل طريق التنمية الذي يتم تنفيذه بالاشتراك مع العراق.
كما دعا الشركات الصينية، خاصة العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، إلى العمل في تركيا للاستفادة من موقعها في الوصول إلى أسواق أوروبا والشرق الأوسط.
حضور الملفّ الفلسطينيتأثير حرب غزة على إعادة تموضع السياسة الخارجية، بدا واضحًا في تحركات أنقرة في منظمة التعاون الإسلامي، أو في علاقتها مع الولايات المتحدة، وصولًا إلى الإجراءات العقابية الاقتصادية التي اتخذتها بحق إسرائيل.
لذا كان الملف الفلسطيني مصاحبًا لفيدان في زيارته الصين، إذ أكد من هناك " أن حساسية الصين تجاه فلسطين أمر مهم للغاية، وأن أنقرة تقدر تضامن بكين مع الفلسطينيين ودعمها القوي لحل الدولتين في الشرق الأوسط".
كما دعا الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى "عقد مؤتمر سلام دولي شامل ومختصّ وفعال للتوصل إلى حلّ في فلسطين".
الاستعداد لتطوّرات الحرب الأوكرانيةمنذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، اتبعت تركيا سياسة معتدلة إزاء الطرفين، حيث رفضت فرض عقوبات على روسيا، لكنها رفضت العملية العسكرية ضد أوكرانيا، ودعمت الجيش الأوكراني بالعديد من الصناعات الدفاعية.
هذه السياسة أتاحت لتركيا لعب أدوار إيجابية، حيث نجحت في تدشين ممر الحبوب في يوليو/ تموز 2022 بالتعاون مع طرفي الصراع والأمم المتحدة.
كما استطاعت تركيا حمل روسيا وأوكرانيا على توقيع اتفاق لإنهاء الحرب، قبل أن تتنصل منه كييف بضغط أميركي – بريطاني.
لكن ثمة تطورات مهمة تنتظر الحرب، وذلك بانخراط أوسع لحلف "الناتو" في المعركة.
فالاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية الحلف، الذي عقد في العاصمة التشيكية براغ مؤخرًا، أفصح عن عزم دول الحلف زيادة دعمها العسكري لأوكرانيا كمًّا وكيفًا، مما يضع الحلف في مواجهة مباشرة مع روسيا.
هذا السيناريو حذّر منه فيدان عقب انتهاء الاجتماعات، مشددًا على أن تركيا لا تريد أية مواجهة بين الناتو وروسيا، إذ تدرك أنقرة أن مواجهة من هذا النوع قد تضعها في صدام مباشر مع روسيا، وهو الأمر الذي تتحاشاه دائمًا.
فبحسب تقرير نشرته صحيفة التلغراف في 4 يونيو/حزيران الجاري فإن الحلف يعمل على توفير ممرات برية لنقل قوات ومعدات أميركية إلى شرق أوروبا، حال نشوب مواجهات برية روسية – أوروبية.
التقرير أشار إلى أن الاستعدادات انتهت إلى تسمية خمسة ممرات، منها ممر يبدأ من تركيا، ثم بلغاريا وصولًا إلى رومانيا، مما يعني انغماسًا أوسع في الحرب، لا تريده تركيا.
لذا أعاد فيدان خلال زيارته الصين، تأكيد محددات الإستراتيجية التركية بشأن الأزمة: " إنه على الرغم من ابتعاد البلدين عن سياسة العقوبات ضد روسيا، فإنهما يؤكدان على سيادة البلدين (روسيا وأوكرانيا) وسلامتهما الإقليمية".
بعبارة أخرى.. لا عقوباتِ تركية متوقعة ضد روسيا، ولا انخراطَ في عمل ينال من سيادتها وسلامة أراضيها.
لكن تحقيق تلك الإستراتيجية المتوازنة ليس بالأمر السهل، لدولة مثل تركيا تمتلك ثاني أكبر قوة برية في حلف "الناتو"، الذي ينتظر منها مساهمة أكبر في المواجهة المرتقبة مع روسيا.
ومن هنا فإن هذا التموضع الجديد من أنقرة تجاه البريكس والصين، ربما يخفف من رد الفعل الروسي تجاه تركيا، حال تطورت الأزمة إلى مواجهة مباشرة بين روسيا و"الناتو".
وأخيرًا؛ فإن الجغرافيا التي منحت تركيا ميزات إستراتيجية هائلة، فرضت عليها أيضًا تحديات هائلة لوجودها في قلب منطقة مشتعلة ومأزومة، ما يحتم عليها مراجعات دائمة وجادة لسياستها الخارجية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
هل تحمل رؤية صمود لسلام السودان تحولا في موقف التحالف؟
الخرطوم- في مبادرة جديدة لتحريك الجمود السياسي في السودان، طرح التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود" بزعامة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، رؤية لإنهاء الحرب، سلمها لخصومه السياسيين. بينما يعتقد مراقبون أنها تحتاج إلى تعديلات جوهرية وتنازلات حتى تحقق اختراقاً في جدار الأزمة.
وكانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" قد حلت نفسها في 10 فبراير/شباط الماضي، بعد خلافات بين مكوناتها عن إعلان حكومة موازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وعلى إثر ذلك، شكل الرافضون لتشكيل الحكومة تحالف "صمود"، بينما انضمت فصائل ومجموعات سياسية إلى تحالف السودان التأسيسي "تأسيس" الذي يعد لتشكيل حكومة موازية.
وكشف تحالف "صمود" عن رؤية سياسية لإنهاء الحرب، عبر خارطة طريق متعددة المسارات، تشمل وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وإصلاحًا جذريًا في المؤسسات العسكرية، وعدالة انتقالية، إضافة إلى فترة حكم مدني انتقالية تمتد عشر سنوات، نصفها تأسيسي ونصفها بحكومة منتخبة.
مضامين الرؤيةتضمنت المبادرة -التي حصلت الجزيرة نت على نسخة منها- وقفًا دائمًا لإطلاق النار كخطوة أولى، يُتبع باتفاق سلام شامل لا يكتفي بإنهاء القتال فقط، بل يؤسس لمرحلة سياسية جديدة.
كما شمل المشروع بناء وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية فدرالية، تقوم على الفصل التام بين الانتماء الديني للمواطنين والدولة، على أن تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان والمعتقدات.
وتقر الرؤية بحظر النشاط السياسي لحزب المؤتمر الوطني، بزعامة الرئيس السابق عمر البشير وواجهاته، أو تمثيله في أي من مؤسسات الحكم والمفوضيات، ويمنع إعادة تسجيله أو تسجيل جمعياته ومنظماته وواجهاته، كما تؤول كل ممتلكاته وأمواله وأسهمه لصالح وزارة المالية.
وتشمل الرؤية مسارات مختلفة منها:
المسار الإنساني: ويتمثل بإيصال المساعدات وحماية المدنيين. مسار وقف إطلاق النار: ويُعنى بالاتفاق على وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية الدائمة. المسار السياسي: ويشمل إطلاق حوار وطني يخاطب جذور الأزمة، ويرسي سلاماً مستداماً في البلاد. إعلانوحددت الرؤية مدة الفترة التأسيسية الانتقالية الأولى بخمس سنوات، تنتهي بانتخابات عامة، تعقبها فترة تأسيسية انتقالية ثانية مدتها خمس سنوات أخرى، تقودها حكومة منتخبة تلتزم بإكمال مهام التأسيس.
سجال سياسيقال المتحدث باسم تحالف "صمود" بكري الجاك، في تصريح صحفي، إن التحالف سلّم رؤيته لكل من: قوى الحرية والتغيير– الكتلة الديمقراطية برئاسة جعفر الميرغني، وحزب البعث الأصل، وحزب المؤتمر الشعبي، ومبارك الفاضل المهدي الذي يقود تحالف قوى التراضي الوطني، والتجاني السيسي زعيم تحالف قوى الحراك الوطني، وطلب اجتماعات معهم للوصول إلى توافق عن أسس ومبادئ إنهاء الحرب.
وكشفت مصادر في تحالف "صمود" للجزيرة نت، أنهم سيبعثون بنسخة من الرؤية الجديدة إلى رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
في المقابل، قالت تنسيقية القوى الوطنية القريبة من الجيش بقيادة محمد سيد أحمد "الجكومي"، إن الرؤية المطروحة لإنهاء الحرب من "صمود" جاءت "كاجترار لمبادئ عامة وشعارات فضفاضة، تفتقر كلياً لأي آليات عملية وواضحة لوقف الحرب".
وذكرت التنسيقية، في بيانها، إن "صمت هذا التحالف عن تحديد موقف واضح وصريح من التمرد (في إشارة إلى قوات الدعم السريع)، يثير الشكوك عن نواياه الحقيقية، بل يؤكد أنهم لا يزالون يراهنون على التمرد كوسيلة لإعادة تشكيل المشهد السياسي بما يضمن عودتهم إلى السلطة".
من جانبه يرى المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة "التيار" عثمان ميرغني، أن الرؤية التي طرحها "صمود" تمثل "مقالا طويلا يختلط فيه الرأي بالتحليل وخارطة الطريق، مع تناقضات غريبة تقدم فكرة ثم تتبنى نقيضها".
وينتقد المحلل في حديث للجزيرة نت، اقتراح مرحلتين انتقاليتين مدتهما 10 سنوات، ليصل عمر البلاد إلى 80 عامًا تحت التجريب والانتقال منذ استقلالها. كما أن الحكومة والهياكل التي تُعيَّن في الفترة الانتقالية الأولى تنتهي بانتخابات، ثم تُطالب الحكومة المنتخبة الالتزام بقرارات فترة انتقالية معينة لا تستند إلى شرعية انتخابية.
وحتى تحقق الرؤية قدراً من التوافق، يعتقد ميرغني أنها تحتاج إلى تعديلات جوهرية، تنطلق من مفهوم الأمن القومي للأزمة وليس الحل المفضي إلى امتيازات سياسية.
ووفقا له، فإن الاعتراف بالجيش كقوة شرعية تحمي البلاد ولا يجوز منازعته فيها يعد خطوة أساسية مهمة لتأسيس منصة سياسية جامعة.
حوار وليس حلامن جهته دافع رئيس الآلية السياسية في تحالف "صمود" وزعيم حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، عن رؤيتهم للسلام، وعدّها دعوة إلى الحوار المفتوح في مسارات الخروج من الأزمة وإعادة بناء الدولة.
ويوضح الدقير في منشور على صفحته في منصة "فيسبوك" أن "الرؤية ليست نصّا مُقدّسا ولا مشروعا مفروضا، بل هي دعوة جادة للتفكير الجماعي والتفاعل البنّاء من أجل توحيد الإرادة الوطنية في اتجاه إيقاف الحرب وإحلال السلام والتوافق على مطلوبات التأسيس الوطني المعافى من أمراض الماضي".
ويقول الدقير إن "تجاوز الكارثة الراهنة ليس مستحيلا، ويمكن للسودانيين أن يجعلوا من أزمتهم منصة لانطلاقة جديدة، ومدخلا لمسار نهضوي طال انتظاره، إذا تغلّبت إرادتهم الجامعة على شتاتهم المُدمِّر".
إعلانأما الباحث والمحلل السياسي محمد علاء الدين، فيرى أن رؤية "صمود" حملت أجندة للحوار السياسي وليس حلا للأزمة. كما أن التحالف قدم تنازلات لأول مرة بتسليم رؤيتهم لكتل سياسية موالية للجيش ودعوتهم للحوار معه، بعدما كان يرفض الجلوس إليهم في طاولة واحدة، مما يشير إلى تحول في موقفه.
ويقول الباحث السياسي للجزيرة نت، إن "صمود" يتهم الإسلاميين بالوقوف وراء الحرب والتأثير على القرار العسكري، وفي الوقت ذاته يقر بحظر نشاط حزب البشير، مما يعكس عدم اتساق دعوته للحوار من أجل إنهاء الحرب، بينما يتم إقصاء الفاعلين فيها، فالحوار يتم مع الخصوم وليس الأصدقاء، وتحقيقه اختراقاً يتطلب تنازلات متبادلة ولو كانت مؤلمة.