لماذا يسمّي الإندونيسيون آتشه بوابة الطريق إلى مكة المكرمة؟
تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT
جزيرة سابانغ/إقليم آتشه – قبل 20 عاما، كان لإقليم آتشه الإندونيسي ذكرى خاصة مع موسم الحج حينما ضربته أمواج تسونامي في ديسمبر/كانون الأول 2004 (تزامنت مع الأسبوع الثاني من ذي القعدة 1425 للهجرة)، وراح ضحيتها نحو 230 ألف شخص، إلى جانب تضرر دول أخرى مطلة على المحيط الهندي.
في مجمع الحجاج الذي وُسّع وأعيد إعمار مبانيه بمدينة بندا آتشه، يقول مدير مكتب الشؤون الدينية في الإقليم سابقا عبد الرحمن تي بي إنه عندما وقع التسونامي كان الفوج السابع من الحجاج ينتظر التوجه إلى المطار، فقدر لهم أن يكونوا ضمن ضحاياه.
وكان آخرون قد غادروا قبلهم إلى بلاد الحرمين ليعود كثير منهم ويكتشفوا فقدان كل أو بعض أهلهم، ولم يجد الكثير منهم أحدا في استقبالهم عند عودتهم من موسم الحج.
ما إن يحل موسم الحج حتى يُستذكر المسمى التاريخي لإقليم آتشه وهو "أعتاب مكة المكرمة" أو "بوابة الطريق إلى مكة المكرمة"، وهو حصيلة مسيرة تاريخية امتدت نحو 6 قرون، وربما أكثر، اكتسبها الإقليم من عصر ازدهاره السياسي والاقتصادي وانضباط قانوني في ظل ما عُرف بالقانون الآتشي قديما.
وبرزت مكانة آتشه العلمية والدينية كأهم سلطنات المسلمين في المنطقة آنذاك في منطقة جنوبي شرقي آسيا، جعلتها منطلقا لرحلة الحج التي جمعت بين أداء هذه الفريضة وطلب العلم والتجارة وتقوية العلاقات مع بلاد الحرمين وما حولها من أمصار العرب والعثمانيين.
كل ذلك كان قبل أن تقترب سفن البرتغاليين والهولنديين وغيرهم، كما يقول رئيس مكتب الشؤون الدينية في إقليم آتشه أزهري أبو بكر عبد الله للجزيرة نت.
قامت سلطنات عديدة في آتشه، ومنها سامودرا باساي التي توصف بأنها من أوائل السلطنات المسلمة في جزر ما تُعرف بإندونيسيا اليوم، والتي أُسست عام 1267 م.
وتشير بعض المخطوطات والآثار والنقود الذهبية إلى أن تاريخ هذه السلطنة يعود إلى عام 710 م، مما يؤكد دخول الإسلام في وقت مبكر جدا إلى آتشه وجزر نوسانتارا.
كانت سامودرا مركزا علميا وتجاريا إقليميا ودوليا يلتقي في موانئها تجار من العرب والصينيين والهنود والسياميين والفرس، فكانت بذلك دولة بحرية في أفقها الاقتصادي. وتعاقَب على حكمها 13 سلطانا ابتداء من الملك الصالح.
وكانت ذات نظام إداري وسياسي، وفيها بدأ ازدهار الحرف العربي في كتابة اللغة الملايوية، وورث عن تلك الفترة مخطوطات مثل "حكايات ملوك باساي".
وفي وقت شبه متزامن، قامت سلطنة لاموري في الشمال الشرقي لآتشه، وكانت مركزا تجاريا للعرب والصينيين والهنود وغيرهم من سكان تلك الجزر، وبعض من حكمها كانوا يسمون ملوكا وآخرين سلاطين من القرن الـ10 حتى القرن الـ16. وحسب بعض التقديرات، فإن أمواج تسونامي قد أتت عليها.
مهدت سلطنة لاموري لظهور سلطنة "آتشه دار السلام" بين عامي 1496 م و1903، وكانت عاصمتها بندا آتشه -عاصمة الإقليم اليوم- دولة ذات نظام سياسي واقتصادي وقانوني، وذات جيش منظم واجه سفن المستعمرين البرتغاليين والهولنديين وغيرهم، وذات أسطول يضم 500 سفينة و60 ألف جندي بحري.
اشتهرت سلطنة آتشه دار السلام بمراكز علمية وعلاقات دولية وتجارة بحرية، وفي عهدها ازدهرت رحلات الحج، فكان أهل آتشه والمسلمون من جزر نوسانتارا وماليزيا وسنغافورة وما جاورها يبحرون إلى آتشه، ومنها إلى بلاد الحرمين.
ولا يمكن الحديث عن دور آتشه في رحلة الحج لسكان جزر المنطقة دون التوجه إلى جزيرتي سابانغ وربيعة التابعتين للإقليم واللتين تقعان في أقصى الشمال الغربي لجزيرة سومطرة.
توجهت الجزيرة نت إلى هناك على متن سفينة في رحلة استغرقت ساعتين من ميناء "بندا آتشه" للقاء مدير مكتب الشؤون الدينية في سابانغ شمس البحر محمد ياسين، ومدير إدارة الحج في المكتب نفسه غزالي بن آدم، للحديث عن أهمية الجزيرة في رحلة الحج عبر القرون.
وسابانغ المطلة على المحيط الهندي هي آخر الجزر المأهولة التي كان الحجاج من سلطنات نوسانتارا (إندونيسيا اليوم) يمرون بها قبل التوجه إلى بلاد الحرمين، مرورا بسواحل ماليزيا وتايلند وبنغلاديش والهند قبل التوجه إلى بحر العرب والبحر الأحمر.
ولم يمحُ تحول سابانغ إلى جزيرة سياحية لسكان آتشه، وغيرهم من السياح الإندونيسيين والأجانب، تاريخها؛ فقد كانت لها مكانة اقتصادية وملاحية مهمة بالنسبة لمن حكم آتشه.
وتذكر كتب التاريخ أنها كانت خط الدفاع الأول من الجهة الغربية الشمالية لسلطنات آتشه، وفي رحلة الحج كان الحجاج من عموم جزر سومطرة وجاوا وكالمينتان وسولاويسي وغيرها من جزر نوسانتارا، يتجمعون في مرافئ بندا آتشه.
ثم يتوجهون بعدها إلى سابانغ قبل الإبحار عبر المحيط الهندي، وعبر بينانغ الماليزية أو قدح شمالي غربي ماليزيا، ثم إلى خليج البنغال أو المالديف، ثم غوجرات الهندية، ثم المخا في اليمن، قبل التوجه إلى بلاد الحرمين، وهذا واحد من عدة مسارات تغيّرت بتطور السفن وبتغير المواسم.
ولم تكن آتشه وجزيرتها سابانغ مجرد ميناء، بل كانت مركزا علميا، وقد يبقى الحاج -كما يقول شمس البحر محمد ياسين- مدة 6 أشهر في حلقات علم شرعي، وهذا ما يفسر وجود 44 من العلماء المدفونين في سابانغ، ولا تزال قبورهم معروفة الشواهد بأسماء أصحابها، ووجودهم وبقاؤهم فيها مرتبط بالدور العلمي لسابانغ وآتشه في رحلة الحج قبل أداء هذه الفريضة وبعدها.
وممن دُفنوا هناك نساء عالمات، ومنهن: تشوت بورية، وأم تشوت كمالة، وأم خديجة، وأم سيتي مارية، وأم كلثوم زوجة أحد العلماء، وأم منغوتا، والأشهر سيتي ربيعة أم سارة المتوفية عام 1779، والتي سميت باسمها "جزيرة ربيعة" الملاصقة لجزيرة سابانغ والتابعة لها إداريا.
وتوجهت الجزيرة نت إلى تلك الجزيرة حيث آخر سكن تاريخي للحجاج في زمن الحج بحرا من نوسانتارا، وقد بقيت منها بعض المباني وتهدمت أخرى بفعل قصف اليابانيين خلال اجتياحهم جزر إندونيسيا مطلع الأربعينيات.
ظل الحجاج الإندونيسيون ولقرون يحجون بالسفر بحرا مرورا بآتشه، حتى كانت أول رحلة جوية لهم بعد الاستقلال بسنوات قليلة وتحديدا عام 1952، وكانت التكلفة ضعف تكلفة السفر بحرا.
ولكن مع تزايد عدد الطائرات وتراجع أسعار التذاكر، صارت تكلفة السفر جوا أقل وتحديدا سنة 1977، حسب ما أظهره أرشيف صحيفة "كومباس" الإندونيسية، ففي ذلك العام حج 7450 إندونيسيا بحرا، في حين سافر جوا 12 ألفا و899 حاجا.
وبحلول عام 1978 كانت آخر رحلة بحرية لسفن شركة "عرفة"، رغم دعم الحكومة لها، حيث واجهت مصاعب مالية ولم يعد بإمكانها الاستمرار في جذب الحجاج للسفر بحرا في رحلة تمتد أكثر من شهر مقارنة بالنقل الجوي.
ومع فتح الحكومة المجال لأي شركة لتقديم عرض لنقل الحجاج بحرا، لم تتقدم أي من السفن للقيام بهذه الخدمة بعد عام 1978، لتنتهي رحلة الحج بحرا بعد قرون من وصول وانتشار وقيام سلطنات مسلمة في جنوبي شرقي آسيا.
تحدث أزهري أبو بكر عبد الله للجزيرة نت عن أوقاف أهل آتشه في بلاد الحرمين، وهو أمر يتميز به الآتشيون عن كثير من المسلمين في جنوبي شرقي آسيا، ومعروف بوقف "بيت الآتشي". وهو مما أوقفه الحبيب عبد الرحمن بوغاك من ماله ومن إنفاق آخرين من بلاده، جمعه ووثقه منذ أكثر من قرنين، وفي إقرار وقفه أن منفعته للحجاج وطلاب العلم من إقليم آتشه أو الآتشيين المقيمين في بلاد الحرمين.
وتذكر مصادر تاريخية أخرى رواية مختلفة بأن بوغاك هو عبد الرحمن بن علوي الحبشي، وأنه جاء إلى آتشه من بلاد الحرمين عام 1760 في عهد السلطان علاء الدين محمود شاه، وكان ممن يثق فيهم السلطان. وفي عام 1808 عاد إلى مكة المكرمة، ومما جمعه من إنفاق أهل آتشه، اشترى أراضي وجعل منها "البيت الآتشي".
ويقول أستاذ كلية الشريعة بجامعة الرانيري في بندا آتشه اليسع أبو بكر، في مقال بصحيفة "سيرامبي" الصادرة في آتشه يوم 30 مايو/أيار الماضي، إن الحبيب بوغاك من منطقة ساحل بوغاك الواقعة شرقي إقليم آتشه، وثبّت الوقف عام 1808 م (1222 للهجرة).
ولا ينسى دور الشيخ عبد الغني الآتشي وهو مواطن سعودي من أصل آتشي، حيث تابع مع المحاكم الشرعية في مكة المكرمة أمر هذه الأوقاف، وبعد وفاته سُلمت الأمانة لابنه منير الآتشي وإلى عالم آخر هو عبد اللطيف بالطو، حتى بُنيت فنادق على قطعتين من تلك الأراضي.
ودارت مناقشات خلال السنوات الماضية مع حاكم إقليم آتشه حتى نُظم شأن توزيع ريع تلك الأوقاف على الحجاج الآتشيين، ويضيف اليسع أبو بكر أنه بعد وفاة منير الآتشي سُلمت مسؤولية الوقف لشخص ثالث هو عبد الرحمن بن عبد الله الآتشي.
ويتسلم 4710 حجاج من آتشه هذا العام معونة قدرها 1500 ريال سعودي من ريع أوقاف أهل آتشه في مكة المكرمة، إضافة إلى 750 ريالا سعوديا يتسلمها كل حاج إندونيسي مقابل استثماره مدخرات حجه طوال فترة انتظاره للحج.
وقد ظل هذا الأمر محققا للحجاج الآتشيين منذ عام 2006، أي بعد انتهاء الصراع المسلح في الإقليم، والذي انتهى بكارثة التسونامي وتوقيع اتفاقية سلام عام 2005 بين الحكومة الإندونيسية و"حركة تحرير آتشه"، وبدء تطبيق حكم محلي خاص بالإقليم بعدها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی رحلة الحج مکة المکرمة التوجه إلى عبد الرحمن أبو بکر
إقرأ أيضاً:
الحج .. رحلة الروح إلى اليوم الآخر
فـي كل عام يحتشد الملايين من المسلمين ملبين أذان أبينا إبراهيم عليه السلام عندما قال الله عز وجل له: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» وهم يلبسون لباسا واحدا على صعيد واحد، يؤدون مناسك الحج فـي مشهد مهيب يستحضر فـي الأذهان مشاهد يوم القيامة، فكل نسك من أعمال الحج يرسم فـي أذهاننا مشهدا مصغرا لمشاهد الآخرة، وهذه المشاهد ليست مرتبطة بالحاج فقط، وإنما يجب على المسلمين جميعا أن يجسدوها فـي ذواتهم ويحجوا بأرواحهم من خلال تأملاتهم فـي نسك الحج، وأن يربطوا تلك الأعمال بحياتهم اليومية، ليكونوا فـي نقاء وصفاء كما يعود الحاج من حجه المبرور كيوم ولدته أمه نقيا وصفحته بيضاء ناصعة.
ولو بدأنا من اللحظة التي يتهيأ فـيها الإنسان للذهاب إلى الحج من أداء ما عليه من حقوق وأمانات وديون للناس ليقبل على الله متخلصا من حقوق العباد، طالبا عفو الله وصفحه وكرمه، واختيار الحملة والرفقة الصالحة التي تبلغه غايته، ثم يقوم بتوديع أهله، وهو بمثابة وداعه الأخير الأبدي عنهم وهو مقبل على الله متخلص من علائق الدنيا.
وعندما يخلع الحاج لباسه المعتاد ويرتدي لباس الإحرام الأبيض فكأنما يخلع الدنيا بكل ملذاتها وزينتها ومناصبها ويقف مجردا أمام الله كما يبعث الناس يوم القيامة لا يتفاضلون فـي لباس أو زينة، وهذا الذي يجب أن تكون عليه نية من لم يوفقه الله للذهاب إلى الحج وهو يعيش هذه الأيام العشر، فـيجب عليه أيضا أن يلبس نية الإقبال على الله، وأن يخلع كل عادة أو عمل يحجبه عن الله، وأن يطهر قلبه من الغرور والكبر والحسد والكراهية، وأن يجعل من عباداته وصلواته لحظات إحرام يخلع فـيها كل ما سوى الله.
وإذا أتينا إلى الركن الأكبر من أركان الحج وهو الوقوف بعرفة، وهذا الركن لا يكتمل الحج إلا به، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الحج عرفة» هذا اليوم يجسد يوم الوقوف الأكبر بين يدي الله، وهو صورة مصغرة ليوم الجمع، حين يجتمع الناس فـي صعيد واحد حفاة عراة ينتظرون رحمة الله ويجأرون إلى الله بالدعاء والدموع، «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» فهو يوم يعرف فـيه الإنسان قدره، ويتذكر مصيره ويستعد للقاء ربه، ينتظر رحمة الله أن تنزل عليه، وتمحى فـيه ذنوبه، ويعفو عنه ربه، ففـي هذا اليوم يعتق فـيه الناس، ويهدم فـيه عمل الشيطان، ويمتلأ قلب الشيطان غيظا، ويصبح فـي هذا اليوم صغيرا حقيرا مدحورا وهذا ما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: «ما رُئيَ الشيطانُ يومًا هو فـيه أصغرُ ولا أدحرُ ولا أحقرُ ولا أغيظُ منه يومَ عرفةَ وما ذاك إلَّا لما يرَى من تنزُّلِ الرحمةِ وتجاوُزِ اللهِ عن الذنوبِ العظامِ، إلَّا ما كان من يومِ بدرٍ فقيل: وما رأَى يومَ بدرٍ ؟ قال : أما إنَّه قد رأَى جبريلَ عليه السلامُ وهو يَزَعُ الملائكةَ»، فعلى المسلم من لم ينل شرف الوقوف بعرفة، أن لا يفرط فـي ثواب هذا اليوم، فليكثر من عمل الصالحات من صيام وصدقة وإقبال على الله ومناجاته والبكاء بين يديه واستمطار رحمته ومغفرته.
وحين يبيت الحاج بمزدلفة، بعد وقوفه بعرفة فإنما يبيت فـي مرحلة انتظار بين الوقوف والجزاء، ينام بجوار الملايين من حوله، ولكن لا يشعر إلا بنفسه وربه، فـي سكينة واطمئنان، وقبل ذلك يجمع الحصى، ويجهزه، وهو ينتظر الفجر حتى يرجم الشيطان وكل ما يغضب ربه، من المعاصي والذنوب والآثام.
وعندما تشرق الشمس يبدأ برمي الجمرات وهو يستحضر رمي كل جمرة فـي داخلنا، فـيرجم شيطان الغفلة، والهوى، وكل ذنب أو عادة لا يرتضيها الله للمؤمنين، كما يستحضر الموقف الذي حاول فـيه إبليس اللعين أن يثني أبينا إبراهيم عن القيام بأمر الله الذي كان يمثل البلاء العظيم الذي نجح فـيه أبو الأنبياء عندما انقاد إلى أمر الله واستطاع أن يتغلب على نفسه وعلى الفطرة من أجل الاستجابة للخالق، الذي أمره أن يذبح ابنه، وبسبب هذا التسليم والطاعة والانقياد وتحقيق معنى العبودية، أثابه الله بأن استبدل ذبح ابنه بأن أنزل عليه الله كبشا من الجنة يكون أضحية لله بدلا من أن يضحي بابنه، فالاستجابة لأمر الله ورجم وساوس الشيطان يؤدي إلى النجاح ويحقق معنى العبودية الحقة لله تعالى.
وكأن الطواف بالبيت، وخاصة طواف الوداع، يشبه طواف الأرواح حول عرش الرحمن، فـي ختام الرحلة، حيث يترك الحاج الكعبة بقلب متعلق، وعين دامعة، وروح مشتاقة، وهي تعود إلى الحياة بعد تأدية هذه المناسك العظيمة، وهي موقنة بلقاء الله، وعازمة على استئناف العمل بعد أن جعل الله الحاج خاليا من الذنوب كيوم ولدته أمه، فالله تعالى يقول: «فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا». إن لم تستطع أن تحج ببدنك، فلا أقل من أن تحج بروحك كل يوم، واجعل كل سجدة عرفة، وكل صلاة طوافا، وكل دمعة هديا، وكل يوم إحراما جديدا، وهذه المواسم التي أهدانا الله إياها هي محطات للتزود بالفضل العظيم والثواب الجزيل، للوصول إلى مرضاته، والتعلق بأستار ثوابه.