أسباب الدعوة لاستبعاد المؤتمر الوطني وواجهاته من أي دور في المرحلة الانتقالية
تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT
عبد الجبار محمود دوسة
المشهد السوداني القاتم الآن والمتسربل بوشاح الحرب، هو نتاج لتراكمات سالبة عديدة، ربما للجميع قدر من المساهمة في إنتاج تلك السلبيات ولكن القدر الأعظم منها بلا شك يقع على المؤتمر الوطني الذي كان حاكماً بلا قناع قبل انقلاب 25 اكتوبر 1989م، ومن تحت القناع ما بعده. لنراجع هذه المسيرة باختصار ونرى ما إذا كان ممكناً من الناحية العقلانية والحكيمة والأخلاقية أن يكون المؤتمر الوطني بواجهاته مساهماً في تشكيل الفترة الانتقالية.
معلوم للجميع أن المؤتمر الوطني تنظيم بِذْرَتَه الأساسية هو تنظيم "الأخوان المسلمون" والذي دخل الانتخابات في العام 1965 باسم "جبهة الميثاق الإسلامي" ثم في أواخر السبعينات من القرن الماضي عقد المصالحة مع نظام مايو وتحول بعدها إلى مسمّى "الجبهة القومية الإسلامية"، ثم خطط للاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكري في العام 1989م وحكم البلاد منفرداً باسم "حزب المؤتمر الوطني"، تحت مشروع التمكين على مدى ثلاثين عاماً تقريباً، قبل أن تندلع ثورة ديسمبر 2018م وتزيح قيادته عن السلطة لكن ظل التنظيم وبحكم احتكاره للسلطة لثلاث عقود، ظلّ موجوداً وممسكاً بمفاصل الدولة، وقد أسس التنظيم واجهات عديدة بمسميات كثيرة لتعكس ظلاله، أو بالأحرى أذرع أخطبوطية يتشبث بها كلما ادلهمت عليه الأيام بلياليها. وقد كانت تلك الواجهات نتاجاً لصيغة التزاوج بينه وبين الانتهازية والأطماع الذاتية، ثم أمسك بتلابيب مَنْ وقع في حبال تلك الواجهات بملفات أقلّها الترهيب، فظل الكثيرون أسرى له، هذه هي ملامح الصورة التي رسمها لنفسه كتنظيم وعلِقت بأذهان الناس من خلال المعايشة. دعونا إذاً نمضي على خطى المسيرة من قبل انقلاب يونيو 1989م وحتى حرب الخامس عشر من أبريل 2023م، في التوقف عند كل محطّة ونقرأ عناوينها ومضامينها بتأنّي ونسقطها على مرجعية من يجب أن يساهم في تشكيل الفترة الانتقالية لنرى ما إذا كان منطق المرحلة سيلفظ المؤتمر الوطني وواجهاته أم سيحتضنه.
• بعد انتفاضة أبريل 1985م، وإدراكاً من القوى السياسية وقتها لضرورة حماية الديموقراطية حتى لا تتكرر الانقلابات، ولكي يتحمل الجميع عبء مناهضة أي انقلاب لاحق، تم إعداد ميثاق حماية الديموقراطية والذي وقّعته في مدينة ود مدني، كل القوى السياسية آنذاك، ولكن رفضت الجبهة القومية الإسلامية التوقيع عليه، وكان ذلك مؤشّراً مبكّراً لنواياها في تنفيذ انقلابها لاحقاً.
• هذا التنظيم عجز عن نيل تفويض الشعب له لممارسة السلطة، في الانتخابات التي أُجرِيت في 1986م، وكان ثالثاً في الترتيب، ثم لعب على تناقضات الحزبين الكبيرين حينها وحُظِي بالدخول إلى الحكومة عبر التحالف ولكن سرعان ما انفض الائتلاف وخرج من السلطة.
• ثم قرر أن يستولى على السلطة بالقوة عبر انقلاب استخدم فيه كوادر عسكرية كان قد جنّدها في داخل المؤسسة العسكرية وآخرين مدنيين من كوادرها المسلّحة والمدرّبة عسكرياً.
• استولى على السلطة وحكم منفرداً على مدى 30 سنة تحت شعار التمكين للتنظيم وللمنسوبين كما دلّت الأقوال والأفعال.
• مضمون التمكين والعدل نقيضين، الأول يحصر الامتيازات على التنظيم ومنسوبيه والثاني يوزع الامتيازات على الشعب كله، وهو قد آثر أن يمضي بالمفهوم الأول.
• لكي يحقق التنظيم الحاكم غايته، اتخذ الوسائل والآليات التي يراها مناسبة.
• أخضع كل مؤسسات الدولة لخدمة مفهوم التمكين، فأحال الآلاف من سائر مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية بالفصل التعسفي، واستعاض عن إزاحة تراكم الخبرات وإحلال مكانهم تراكم الولاءات، فانهارت الخدمة المدنية والعسكرية، وكان ذلك تحقيق أولى مقتضيات التمكين.
• ولأنه يعلم أن استمراره في ذلك سيواجه معارضة من الشعب، استخدم الإكراه والترغيب للطامعين والقهر وسائلاً، الترغيب طمعاً باستمالة الانتهازيين من الشعب، وإكراهاً بإفقار العفيفين لينصاعوا تحت وطأة الحاجة والابتزاز إرغاماً للخضوع لمقتضيات التمكين، وقهراً للمعارضين والمناضلين في المواجهة، بالسجن والتعذيب والإجبار على الهجرة.
• لكم أن تتخيلوا ما يمكن أن تتصوروه من موبقات بين بداية التمكين في يونيو 1989م وقمة التمكين في ديسمبر 2018م.
• النتيجة النهائية بعد 30 سنة إنه قاد البلاد إلى كارثة من الدمار بالحروب والفقر وانعدام القيم وانفصال ثلث الوطن بسكانه.
• ثم جاءت ثورة ديسمبر السلمية 2018م، امتداداً لثورات متتالية ورفعت شعار "حرية سلام وعدالة"، وهو شعار يناقض التمكين، فالشعب يدعو للحرية بينما يقولون "فالتُرق منهم دماء" والشعب يدعو للسلام فيقابلونه بشعار "فالتُرَق منّا دماء" ويطالب الشعب بالعدالة فيقولون "فالتُرق كل الدماء".
• الخطوة الطبيعية التي كان يجب أن يتخذها المؤتمر الوطني، إنه يقدّم اعتذاراً وندماً للشعب السوداني ويقبل بحكمه تجاه مساءلة المتهمين بارتكاب جرائم عما حدث ويرتضي التغيير وينزوي ويقيّم تجربته بغرض العودة في الديموقراطية بعد المرحلة الانتقالية ويطرح حينها إن أراد برنامجه السابق قبل 34 سنة أو برنامجه بعد تقييم تجربته ويبحث عن السلطة عبر تفويض من الشعب من خلال الانتخابات التي ستقوم على التعددية السياسية والتبادل السلمي للسلطة.
• المؤتمر الوطني بواجهاته لم يفعل ذلك، بل حارب مساعي التغيير، وحاول بتواجده وتمكينه السابق في مفاصل الدولة إفشال مساعي التغيير بمحاربة الحكومة الانتقالية بدافع العودة إلى السلطة ففشل.
• كاد أن يغرق لكنه استخدم أذرعه الاخطبوطية وقام بانقلاب 25 أكتوبر 2021م، في مسعاً آخر للعودة إلى الدكتاتورية والشمولية والتمكين، لكنه فشل.
• فجاء الاتفاق الإطاري عنواناً ومضموناً لتواصل إرادة الشعب نحو الدولة المدنية، وشكّل ذلك رعباً آخر لهم، حاولوا إفشاله لكنهم فشلوا.
• أشعلوا حرب 15 أبريل 2023م، كآخر طلقة على أمل العودة للانفراد بالسلطة وللتمكين ولحصرية الامتيازات.
• عندما أحسوا بأنهم لن يتمكنوا من كسب الحرب، قرروا أنها أي الحرب، يجب أن تستمر وذلك برفض المفاوضات عندما شعروا بأنها ستقود إلى حلول، لأن أي حلول تعني إبعادهم من العودة إلى السلطة والتمكين وإبعادهم من تخريب الفترة الانتقالية وبالتالي إبعادهم من عودة الديموقراطية والتعددية السياسية الانتخابات الحرة النزيهة والتداول السلمي للسلطة، الواقع عودة دولة الحرية والسلام والعدالة.
• الحلول التي تطرحها القوى المدنية التي تنادي بالدولة المدنية والديموقراطية والتداول السلمي للسلطة، تحت شعار "حرية سلام وعدالة"، شعار ثلاثي الأضلاع في شكل إكليل من مضامين تطمئن الشعب وتأتي بحلول تستهدف اجتثاث مفهوم التمكين القائم على شعار ثلاثي الأضلاع هو "فالتُرق منهم دماء أو تُرق منّا دماء أو تُرق كل الدماء" والذي نهايته إغراق الشعب والوطن في بحيرة دماء.
• إذن، من أجل التعافي، فالمنطق يقتضي إبعاد المؤتمر الوطني وواجهاته من المساهمة في الفترة الانتقالية التي هي فترة تأسيس وتعافي للدولة السودانية المدنية التي هي لتأسيس دولة المواطنة العادلة. الرافض للشيء لا يدعمه والمؤتمر الوطني رافض لدولة الحرية والسلام والعدالة ومتبنّي مشروع التمكين، لذا بديهي لن يدعم تأسيس عادل. الشيء الثاني، لا بد من محاسبة المسئولين ممن ارتبكوا الجرائم والفساد، أما عضويته من غير الذين ولغوا في أي نوع من الفساد والجرائم هم مواطنون مثلهم ومثل بقية المواطنين، ويتمتعون بالحقوق والواجبات، أما المؤتمر الوطني فلينتظر ويأتي للانتخابات إن شاء تحت راية شعار التمكين أو بأي شعار جديد.
إذن، فالقوى المدنية بخلاف المؤتمر الوطني وواجهاته والساعية للتغيير ولدولة المواطنة وبحكم أن الوطن للجميع، لا بد لها أن تتحاور للوصول إلى أرضية مشتركة مهما اختلفت الرؤى، وتنسيقية القوى الديموقراطية المدنية "تقدّم" والتي أعلنت عقب مؤتمرها التأسيسي مبادأة التواصل مع سائر القوى لبدء الحوارات، تعلم أنه ومن أجل أن يبلغ الحوار نتائج إيجابية، لا بد له أن يستند إلى مرجعيات أساسية تمثّل مبدئين محوريين هما أساس نجاح الدولة المدنية ويجب على كل القوى أن تعلن التزاماً مشهوداُ بهما وتتمثل في الآتي:
• يجب أن تُحكم وتُدار الفترة الانتقالية بسلطة مدنية كاملة
• الخضوع الكامل للمؤسسات الأمنية والعسكرية بما فيها قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة للسلطة المدنية
طرفا الحرب الحالية والعديد من الحركات المسلّحة كانوا معاً قبل الحرب وأيضاً كانوا معاً في انقلاب 25 أكتوبر 2021م، فمن تراجع منهم عن مفاهيمه السابقة في احتكار الدولة وتماهى مع التغيير المنشود الداعي لاستعادة سلطة الشعب في دولة مدنية ديموقراطية وفقاً للمبدأين المرجعيين السابق ذكرهما، مرحباً به في قطار التغيير، والبداية بوقف الحرب وما بعد ذلك ترتّبه الحلول السياسية التي تتولاها القوى المدنية.
jabdosa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الفترة الانتقالیة یجب أن
إقرأ أيضاً:
251 مسيرة حاشدة في حجة تحت شعار” ثبات مع غزة وجهوزية واستنفار في مواجهة العدوان”
الثورة نت /..
احتشد أبناء محافظة حجة اليوم، في 251 مسيرة جماهيرية نصرة للشعب الفلسطيني تحت شعار ” ثبات مع غزة وجهوزية واستنفار في مواجهة العدوان”.
ورفع أبناء محافظة حجة العلمين الفلسطيني واليمني ورددوا شعار البراءة من أعداء الإسلام أمريكا وإسرائيل.. مؤكدين الثبات مع غزة واستمرار الجهاد في سبيل الله والدفاع عن قضايا الأمة.
ونددوا في المسيرات بمركز المحافظة والمديريات بجرائم الكيان الصهيوني التي يرتكبها بحق النساء والأطفال في غزة بدعم أمريكي وتواطؤ عربي معيب.
وأكد أبناء حجة في المسيرات التي تقدمها أمين عام المجلس المحلي بالمحافظة إسماعيل المهيم ومسئول التعبئة حمود المغربي، ووكلاء المحافظة والشخصيات الاجتماعية، أن الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير الأراضي المحتلة وإفشال مخططات الأعداء.
وجددوا التفويض والتأييد لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في اتخاذ الخيارات المناسبة لإسناد المقاومة الباسلة في غزة والدفاع عن الأرض والعرض والسيادة الوطنية.
وأعلنت الجماهير الجهوزية والاستنفار في مواجهة العدوان وأدواته ومرتزقته والاستعداد لتقديم التضحيات انتصارا للمظلومين والمستضعفين ورفع راية الإسلام.
وأدان بيان صادر عن المسيرات استمرار صمت معظم الأنظمة العربية والإسلامية عن الجرائم البشعة والمجازر الكبرى ومختلف جرائم الإبادة الجماعية بالقتل والتجويع والتدمير التي يمارسها العدو الصهيوني ومعه الأمريكي بحق أهالي غزة.
واستنكر الصمت والتواطؤ والتخاذل العالمي والاكتفاء بالمواقف الكلامية المخادعة التي تفتقر إلى أدنى مستويات الفعل المؤثر والتي تشجع العدو على الاستمرار في جرائمه وهو مطمئن ألا أحد من هؤلاء سيحرك ساكناً حتى لو أباد الشعب الفلسطيني بأكمله ولو هدم المسجد الأقصى واستباح كل المقدسات.
وأكد أن هذه الحالة الخطيرة التي وصلت إليها الأمة أصبحت للأسف الشديد تهديداً حقيقياً وفعلياً لحاضرها ومستقبلها في الدنيا والآخرة.
كما أكد أن الشعب اليمني بقيادته الحكيمة ومشروعه القرآني العملي التحرري الواضح الفعالية والتأثير وبهويته الإيمانية الراسخة والمتجذرة وتحركه الجهادي الصادق لن يتراجع عن مواقفه العظيمة الثابتة المناصرة لغزة وكل فلسطين والأقصى الشريف ولم ولن ترهبه تهديدات الصهاينة والأمريكان وأدواتهم.
وجدد البيان استعداد أبناء حجة لأي تصعيد مهما كان حجمه أو مصدره متوكلين على الله في كل ذلك ومعتمدين عليه وواثقين به.. مشيرا إلى أن الأعداء يعرفون الشعب اليمني وتشهد ميادين المواجهة على صدق وثبات مواقفه.
وأكد أيضا أن التراجعات والتنازلات ليس لها مكان في ثقافة أهل الحكمة والإيمان ووعيهم بل إن الصبر والجهاد والثبات والإعداد والاستعداد والاستجابة لله هي الخيارات والقناعات والتوجهات.
ونوه البيان بالمواقف البطولية الأسطورية لعظماء وعظيمات الشعب الفلسطيني في غزة والضفة واستمرار وثبات غزة شعباً ومقاومة في مواجهة أشرس عدوان رغم جسامة التضحيات وفداحة المواجع والآلام.. لافتا إلى أن هذه المواقف ستبقى محط اعتزاز وافتخار ونموذجاً ملهما ونهجاً واضحاً لبقية الشعوب بأن الاستسلام والخنوع للأعداء لا تبرره إطلاقاً قلة الإمكانات أو صعوبة الظروف إذ لا يوجد من هو أصعب حالاً أو أقل قدرة من غزة وأهلها.
وذكر البيان أن أبناء فلسطين وغزة لم يقبلوا الخنوع ولم يجنحوا للاستسلام بل سطروا أروع ملاحم التضحية والصبر والثبات والفداء والاستبسال حتى عجز العدو بكل ما يملك من إمكانات هائلة عن كسر إرادتهم وأمام ذلك فاعتبروا يا أولي الأبصار.
ودعا العرب والمسلمين شعوباً وأنظمة لمقاطعة بضائع ومنتجات الشركات الإسرائيلية والأمريكية التي تساهم في دعم الكيان الصهيوني المجرم الذي يرتكب أبشع جرائم الإبادة في غزة.. مؤكدا أن المقاطعة سلاح فعال ومؤثر ومتاح للجميع كأقل موقف تجاه ما يرتكبه العدو الصهيوني من جرائم في غزة وكل فلسطين ولا عذر للجميع أمام الله.