هيروشيما.. ضحية يورانيوم الكونغو الديمقراطية
تاريخ النشر: 15th, June 2024 GMT
أفريقيا– انتصر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بفضل قنبلتين أُعدّت موادهما الأولية من اليورانيوم الأفريقي، وأجبرت الضربتان اليابان على الاستسلام.
ففي السادس من أغسطس/آب عام 1945، ضربت الولايات المتحدة مدينة هيروشيما اليابانية بقنبلة "الطفل الصغير" (الاسم السري للقنبلة) النووية. وفي التاسع من الشهر نفسه ألقت قواتها الجوية قنبلة نووية أخرى تسمى "الرجل السمين" على مدينة ناغازاكي.
"سيدي، إن عنصر اليورانيوم ربما يكون مصدرا جديدا ومهما للطاقة في وقتنا الحالي، وهذا العنصر الفريد قد يقودنا إلى بناء قنبلة ستكون حقيقة نوعا جديدا شديد القوة ولم يعرف من قبل.. وإن أهم مصدر لليورانيوم هو الكونغو البلجيكية".
هكذا كتب عالم الرياضيات والفيزياء النظرية ألبرت آينشتاين، للرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت، في رسالة مؤرخة بيوم الثاني من أغسطس/آب 1939.
نفّذت السلطات الأميركية توصيات الباحثين وبدأت في الاستفادة من "منجم شينكولوبوي" في الكونغو الديمقراطية التي كانت حينها مستعمرة بلجيكية. ويقع المنجم بمقاطعة كاتانغا على الحدود مع أنغولا وزامبيا وتنزانيا، وهي غنية بالمعادن المتنوعة.
وبعد 6 سنوات على رسالة آينشتاين، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية في نوفمبر/تشرين الثاني 1945، كان العمال الكونغوليون المضربون يحتجون على المعيشة المزرية وظروف العمل القاسية في كل من ليوبولد فيل (كينشاسا الآن، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية)، وميناء "ماتادي" الذي تم من خلاله شحن معظم اليورانيوم إلى الولايات المتحدة، لكنهم عوقبوا بقتلهم مع نسائهم وأطفالهم، ولم يهتم أحد لشأنهم، كما يقول ناشطون محليون.
استعمار عنصريكانت الكونغو تحت الاحتلال البلجيكي، وقد عانى سكانها من واقع استعماري تأسس على العنصرية والتفرقة وعدم المساواة. وفي كتابها الأخير "من قتل (داغ) همرشولد؟"، وهو ثاني أمين عام للأمم المتحدة تحطّمت طائرته في الكونغو عام 1961، كتبت الباحثة سوزان وليامز "إن السلطة الأخلاقية للنضال ضد الفاشية لم تقضِ على عدم المساواة والظلم في الكونغو"، وأضافت أن "عمال منجم شينكولوبوي لم يتمتعوا بأية حماية ضد الإشعاع".
وكانت الكونغو البلجيكية تملك أغنى يورانيوم في العالم، إذ كانت مادته الخام تحتوي في المتوسط على نسبة 65% من أكسيد اليورانيوم، مقارنة مع الخام الأميركي أو الكندي الذي تضمن أقل من 1%.
وبعد الحرب، أصبح المنجم بؤرة للصراع في الحرب الباردة بين القوى العظمى، بعدما كان مركزا لانطلاق مشروع مانهاتن خلال الحرب العالمية الثانية.
أُغلق المنجم، لكن لا يزال بعض العمال يذهبون إلى الموقع لاستخراج اليورانيوم والكوبالت، ويقولون إنهم يعملون بشكل مستقل لكسب لقمة العيش.
وبعدما عثرت الكاتبة سوزان على وثائق مهمة كانت مخفية عن الجمهور في محفوظات جامعة أوكسفورد، التي منحتها حق الاطلاع عليها بسبب تقادم قضية "همرشولد"، كتبت تصف كيف أن مكتب أميركا للخدمات الإستراتيجية (أو إس إس) جنّد فرقة لتوصيل اليورانيوم إلى الولايات المتحدة وضمان عدم سقوطه في أيدي ألمانيا النازية.
وأضافت "تضمنت الفرقة مجموعة من الضباط المدربين جيدا بغرض التجسس، وكانوا يدّعون أنهم منقبون عن المطاط أو محققون في قضية تهريب الماس، لكنهم لم يتفوهوا يوما بكلمة يورانيوم، بل حتى في البرقيات المشفرة كانوا يشيرون إلى: المواد الخام، والألماس، أو ببساطة الأحجار الكريمة، لكنهم لم يقولوا لماذا كانت الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى تأمين إمدادات منتظمة من خام اليورانيوم عالي الجودة من الكونغو البلجيكية".
ورغم أن اتحاد المناجم حينها باع كميات كبيرة من خام اليورانيوم إلى ألمانيا، فإن إدغار سينجير مدير الجمعية العامة لبلجيكا ورئيس اتحاد المناجم في كاتانغا العليا أثناء الحرب العالمية الثانية، كان حليفا رئيسيا للولايات المتحدة، وقد حصل بعد ذلك على ميدالية الجدارة، التي كانت آنذاك أعلى جائزة مدنية للحكومة الأميركية.
ويروي الباحث الأميركي توم زولنير في كتابه "تاريخ اليورانيوم" كيف أن إدغار سينجير تدخل لصالح الأميركيين وأمدهم بما يحتاجونه لمشروع مانهاتن، إذ "قام بشحن 1000 طن من خام اليورانيوم من منجم شينكولوبوي، وإرساله إلى مستودع نيويورك عام 1939، فضلا عن كمية متواضعة تم جلبها من الغواصة الألمانية "يو 234″ التي أسرت بعد استسلام ألمانيا في مايو/أيار 1945".
وكما أن أمر هؤلاء الجواسيس كان مخفيا، فقد بقي اعتماد المشروع الذري الأميركي على الخام الكونغولي سرا لسنوات طويلة أيضا.
فبعد قنبلة هيروشيما، لفت بيان صادر عن رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل الانتباه إلى "المادة الخام التي لا غنى عنها في المشروع" ويقصد اليورانيوم، وقال إن كندا منحتها، ولم يشر مطلقا إلى الكونغو.
وتلك الاتفاقيات السرية التي لم يتعدّ صداها الحدود الجغرافية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، كان أثرها جليا تماما على المجتمع المحلي.
ذعر دائموفي حديث سابق للجزيرة نت، قال الصحفي والناشط في المجتمع المدني أوليفر تشينوكيا، إن مدينته القريبة من منجم شينكولوبوي "كانت تجلب الخوف للزائرين، فكانوا يحسون بالضيق ولا يعرفون السبب.. لم يكونوا مرضى، كانوا فقط ضيوف مدينة مسكونة بشبح القنبلة".
ويضيف تشينوكيا "هناك تركة رهيبة أخرى، فإلى جانب القنابل التي ألقيت على اليابان والتي كان مصدرها اليورانيوم، كانت النفايات المشعة في شينكولوبوي قد أودت بحياة الكثيرين، وتسببت في تشوهات خلقية وسرطانات قاتلة".
فبعد انهيار أحد أنفاق المنجم، طُلب من الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقيق في الظروف المحيطة بالعمل. وقد وجدت دراسة أن 6 آلاف من عمال المناجم كانوا ينقبون عن الكوبالت على نطاق ضيق جدا و"الجميع كان يعمل دون توقف، غير مكترثين لخطر المشاكل الصحية المتزايدة بسبب المستويات العالية للإشعاع".
أما الباحث المتخصص في صراع البحيرات العظمى ليونارد مولوندا، الذي كان أحد المشاركين في ذكرى كارثة هيروشيما، التي أحيتها الجالية الكونغولية بمتحف جنوب أفريقيا في كيب تاون عام 2016، فتساءل قائلا "هل أخبر صناع القرار سكان منطقة ليكاسي لماذا كان يستخرج اليورانيوم من أرضهم؟ هل تشاوروا معهم إن كانوا لا يمانعون أن يموت 150 ألف ياباني بريء في هيروشيما وحدها باليورانيوم المستخرج من أرضهم؟ طبعا لا".
ويضيف مولوندا في حديث سابق للجزيرة نت "ليس لدينا حتى سجلات موثقة حول تأثير التعرض للإشعاع على جمهورية الكونغو الديمقراطية على مدى العقود السبعة الماضية.. لقد كنا دائما خارج اللعبة، ودائما كنا وحدنا من يدفع الثمن".
عندما سمع ألبرت آينشتاين بما صنعته القنبلة النووية بأرواح الأبرياء في هيروشيما وناغازاكي، وضع رأسه بين كفيه، وقال "كان عليّ أن أحرق أصابع يدي قبل أن أكتب رسالتي تلك إلى روزفلت"، لكن الأوان كان قد فات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحرب العالمیة الثانیة الکونغو الدیمقراطیة الولایات المتحدة الیورانیوم إلى فی الکونغو
إقرأ أيضاً:
كاتب بريطاني: إبادة غزة كانت متوقعة نظرا لخطاب صراع الحضارات والإسلاموفوبيا لسنوات
حذر كاتب بريطاني من الخطر الذي تمثله طريقة تغطية وسائل الإعلام البريطانية وخصوصا تلك المحسوبة على اليمين، بما في ذلك النهج المعادي للمسلمين أو تكرار الحديث عن الحرب مع روسيا أو الصين.
وتحدث الكاتب والصحفي بيتر أوبورن عن انتشار مصطلحات مثل صراع الحضارات أو محاولة نزع الإنسانية عن الآخرين، مشيرا إلى أنه كان يتوقع حصول إبادة جماعية مثلما يحصل الآن في غزة، نظرا لتصاعد خطاب الإسلاموفوبيا والعداء للإسلام خلال السنوات الماضية.
وأضاف أوبورن خلال ندوة بعنوان "هل نتجه لحرب عالمية ثالثة"، نُظمت ضمن تجمع الجلسة السنوية (Jalsa Salana) للطائفة الأحمدية في بريطانيا: "لننظر إلى اللغة تجاه المسلمين من صحف مثل تلغراف أو التايمز أو الصن، وكذلك الأحزاب البريطانية مثل حزب المحافظين"، موضحا أن هذا الخطاب يستند إلى العنصرية والعداء للإسلام.
وتحدث أوبورن عن التعددية الثقافية، وضرورة القبول بوجود "بريطاني مسلم" أو "بريطاني أسود" مثلا، في حين أن الإعلام البريطاني بطريقة صناعته للخبر ومحور تركيزه يؤثر على الرأي العام، "فإذا سألت الناس عن التهديد الرئيس فسيكون الإسلام"، مشيرا إلى أن الصحف اليمينية تروج بأن "المسلمين يكرهون البلد".
ويأتي حديث أوبورن بعد أيام من نشر نتائج استطلاع أجرته مؤسسة "يو جوف" (YouGov) في بريطانيا، وأشارت إلى أن 53 في المئة من المستطلعة آراؤهم يرون أن الإسلام غير متوافق مع القيم البريطانية، مقابل 25 في المئة فقط رأوا عكس ذلك.
كما عبّر 41 في المئة من البريطانيين عن اعتقادهم بأن للمهاجرين المسلمين تأثيرا سلبيا، بينما لم تتجاوز النسبة 15 في المئة تجاه الهندوس، و14 في المئة تجاه السيخ، و13 في المئة بالنسبة لليهود، و7 في المئة بالنسبة للمهاجرين المسيحيين. وفي المقابل، رأى 24 في المئة فقط وجود تأثير إيجابي للمهاجرين المسلمين.
ولفت أوبورن من جهة أخرى؛ إلى "الانهيار" في النظام الدولي، ومن ذلك العقوبات التي تتعرض لها المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام كريم خان الذي تعرض للتهديد والضغوط فقط "لأنه يقوم بعمله"، بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت على خلفية اتهامهما بجرائم حرب في غزة.
ورأى أن القادة الغربيين يدمرون النظام الدلي الذي أرساه أصلا قادة غربيون مثل رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل وغيره.
ولفت أوبورن إلى تكرار كبار المسؤولين في الغرب الحديث عن الحرب مع روسيا أو الصين، رغم أن هذه الدول لا تشكل تهديدا للهيمنة الأمريكية وفق تقديرها، مرجعا ذلك ما وصفها بـ"صناعة الحرب" في العالم.
وحمّل وسائل الإعلام الرئيسية في بريطانيا مسؤولية خلق شعور بوجود تهديد، "المسلم مثلا يشعر بأنه مهدد، أو يتم خلق شعور بالتهديد الصيني أو بإمكانية وقوع حرب، وهذا خطير ويضع الناس تحت الخوف، وهي الأجواء التي أدت للحرب العالمية الثانية".
وأشار أوبورن إلى الحديث عن الحرب في غزة باعتبارها "صراعا بين الحضارات، وأن الإسرائيليين يقومون بالمهمة بالنيابة عنا (الغرب)"، إضافة إلى "نزع الصفة الإنسانية" عن مجموعات من الناس. وقال إن هذا كان يحدث في عهد حزب المحافظين ويحدث الآن أيضا مع حزب العمال.
ورأى أن "فشل المجتمع الدولي تجاه غزة خلق ضميرا عالميا جديدا وإدراكا لفشل الغرب وضياع القيم العالمية التي تم ترسيخها على مدى عقود"، مستبعدا في الآن ذاته احتمال التوجه لحرب عالمية ثالثة.
لكنه لفت إلى أن هذا لا يتعلق بالغرب فقط، بل بالمنطقة العربية أيضا، مشيرا إلى أن منع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ شيخ الأزهر أحمد الطيب من الحديث في قضية رفع الحصار عن غزة، بحسب أوبورن.
من جانبه، أشار السكرتير الإعلامي للطائفة الأحمدية، عابد خان، إلى ضعف الأمم المتحدة وشرعيتها وافتقادها للقوة في يدها، وقال إن الوضع اليوم بات أكثر خطورة وأصبح احتمال نشوب حرب عالمية جديدة "حقيقيا"، وهو ما يذكر بأجواء الحرب العالمية الثانية في ظل فشل عصبة الأمم آنذاك.
وحذر من الانزلاق نحو تطبيق القانون الدولي على مجموعة محددة أو دين معين، مشددا على قضية "العدالة" في تطبيق القانون الدولي.
وأشار خان أيضا إلى المنحى السلبي الذي تتخذه كبرى وسائل الإعلام البريطانية في تغطيتها لقضايا المسلمين، موضحا أنها تركز على الجوانب التي يمكن أن تشكل عامل إثارة لكنها لا تعطي الاهتمام للجوانب التي يمكن أن توصف بأنها إيجابية. وذكر حادثة في هذا السياق، وقال إنه في إحدى المرات تواصل مع وسائل إعلام لتغطية وقفة تحث على السلام، لكنه لم يجد تجاوبا، في حين أن إحدى الصحفيات أبلغته "نصف ساخر ونصف حقيقية" بأنه لو كانت المناسبة لحرق العلم البريطاني لكان الأمر يستحق التغطية.
ويشار إلى أن الجلسة السنوية للطائفة الأحمدية (Jalsa Salana) تقام في مزرعة خاصة بمنطقة ريفية في مقاطعة هامبشاير جنوب إنكلترا، وهي بمثابة اجتماع ضخم لأتباع الطائفة من مختلف أنحاء العام. ويتوقع المنظمون أن يشارك أكثر من 40 ألف شخص في هذه المناسبة التي تستمر لثلاثة أيام (حتى الأحد)، وتتضمن ندوات وكلمات وأنشطة دينية، بحضور زعيم الطائفة ميرزا مسرور أحمد، الذي يطلقون عليه لقب "الخليفة"، وهو الخامس منذ تأسيس الطائفة.