يوم جونتينث.. هكذا تحيي أميركا ذكرى انتهاء العبودية
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
واشنطن- تحيي الولايات المتحدة في 19 يونيو/حزيران في كل عام عطلة يوم "جونتينث" الذي أقره الكونغرس قبل 3 سنوات، عندما أضافه لقائمة العطلات الفدرالية، بتأييد 415 عضوا من الأعضاء الـ435 (أي بنسبة 96%)، إحياء لذكرى إعتاق آخر العبيد في عام 1865، والإعلان عن النهاية الرسمية للعبودية في الولايات المتحدة.
ووقع الرئيس جو بايدن على القانون في 2021، أولى سنوات حكمه، على الرغم من تقديم مشروع القانون للمرة الأولى عندما كان الرئيس الأسبق باراك أوباما عضوا بمجلس الشيوخ عام 2006.
ما جذور هذه المناسبة؟
عشية الأول من يناير/كانون الثاني 1863، تجمع الملايين من الأفارقة المستعبدين منهم والأحرار، في الكنائس والمنازل في مختلف أنحاء الولايات المتحدة بانتظار سريان "إعلان تحرير العبيد" الذي وقعه الرئيس أبراهام لنكولن.
وفي منتصف الليل، أعلنت الحكومة الأميركية أن جميع المستعبدين في الولايات الكونفدرالية أحرار قانونيا. ويشير اسم الكونفدرالية إلى الولايات الجنوبية التي انفصلت عن الولايات المتحدة وشكلت حكومة غير معترف بها ودخلت في حرب مع الشمال حتى عام 1965، وكانت معظمها تؤيد استمرار العبودية.
وسار جنود جيش الاتحاد الشمالي، وكثير منهم من السود، إلى المزارع، وعبر المدن والقرى والتجمعات السكانية المختلفة لقراءة ملخص من إعلان تحرير العبيد، والتعديل الدستوري الـ13، لتنتشر أخبار الحرية في الولايات الكونفدرالية التي كانت ترفض منح العبيد حرياتهم. وأنهى هذا الإعلان العبودية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
لم يصبح كل أفريقي أسود حرا في ولايات الجنوب على الفور. وعلى الرغم من أن إعلان تحرير العبيد أصبح ساري المفعول في الساعات الأولى من عام 1863، فإن تنفيذه لم يكن ممكنا في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة القوات الكونفدرالية.
نتيجة لذلك، لم يصبح المستعبدون أحرارا إلا بعد عامين ونصف العام على إعلان تحرير العبيد في ولاية تكساس الكونفدرالية في أقصى جنوب غرب البلاد، عندما وصل حوالي ألفي جندي من قوات الاتحاد إلى خليج غالفستون بولاية تكساس بقيادة الجنرال جوردون غرانغر.
وأعلن الجيش الأميركي أن أكثر من 250 ألفا من السود المستعبدين في الولاية باتوا أحرارا على الفور بموجب المرسوم التنفيذي والتعديل الدستوري. وأصبح هذا اليوم يعرف باسم "جونتينث"، من قبل الأفارقة المحررين حديثا في تكساس. وتعد جونتينث (Juneteenth) كلمة مركبة تجمع بين اسم شهر يونيو (June) ورقم 19.
وينظر الكثيرون إلى إعلان الجنرال غرانغر بإدخال الإعلان حيز التنفيذ في ولاية تكساس على أنه النهاية الحقيقية للعبودية.
تم الاعتراف بيوم جونتينث لأول مرة عطلة رسمية في تكساس في عام 1980. في السنوات التي تلت ذلك، اعترفت كل الولايات -باستثناء داكوتا الجنوبية- رسميا بهذه المناسبة.
وأثناء عمله كسيناتور في مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي، شارك الرئيس السابق باراك أوباما في رعاية تشريع لجعل جونتينث عطلة فدرالية رسمية، لكن القانون لم يتم تمريره حتى بعد أن أصبح رئيسا. واكتسب التشريع زخما بعد احتجاجات حركة "أرواح السود مهمة" (Black Lives Matter) في صيف عام 2020.
وفي الفترة التي سبقت 19 يونيو/حزيران 2021، تحرك مجلس الكونغرس بسرعة لتمرير مشروع القانون، وبتوقيع الرئيس بايدن، أصبح قانونا.
كيف يتم الاحتفال بجونتينث؟تغلق مكاتب الحكومة الأميركية أبوابها في هذا اليوم، وكذلك الشركات العامة والخاصة، والمدارس والجامعات. في حين يحصل موظفو حكومة الولاية على يوم عطلة مدفوع الأجر، وهذا يعتمد على ما إذا كانت سلطات الولاية تحتفل بهذا اليوم عطلة رسمية أم تضعه في إطار مختلف.
وتختلف الاحتفالات والتقاليد المتعلقة بهذه المناسبة من ولاية لأخرى، وفي بعض الولايات، تنظم مسيرات ومهرجانات وحفلات جماعية، حيث يتجمع الناس لمشاركة الطعام وممارسة الألعاب.
وبالإضافة إلى القراءات العامة والغناء والنزهات والخدمات الكنسية، يتم أيضا تنظيم مسابقات لرعاة البقر والحفلات الموسيقية والمسيرات في بعض الولايات.
كما يختار الكثير من الناس التسوق في الشركات المملوكة للسود أو تناول الطعام في المطاعم المملوكة للسود. ويختار آخرون حضور الأحداث الرسمية التي تلفت الانتباه إلى عدم المساواة العرقية المستمرة.
لم يقض إنهاء العبودية على العنصرية تجاه السود. وفي السنوات التي تلت التحرر، تم إنشاء ما يسمى بقوانين "جيم كرو" لفصل السود عن المجتمع الأبيض والحد من حقوقهم المدنية. ولا يزال يجري تفكيك تركة تلك القوانين.
وأثارت وفاة جورج فلويد وبريونا تايلور في 2020، وغيرهما من الأميركيين الأفارقة على أيدي الشرطة احتجاجات مناهضة للعنصرية، مما ساهم في حالة زخم شعبي سمحت بتمرير القانون بعد أشهر من مقتل فلويد.
كما يأتي في الوقت الذي يحتدم فيه الجدل الثقافي حول تاريخ العبودية وكيف ينبغي تدريسها في المدارس والجامعات الأميركية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
النظام العالمي أسسته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية.. هل يهدمه ترامب؟
واشنطن- قبل 80 عاما خرجت الولايات المتحدة كأكبر المنتصرين من الحرب العالمية الثانية، وبعيدا عن الدمار الذي شهدته اليابان ودول جنوب وشرق آسيا، دمرت الحرب القارة الأوروبية خاصة فرنسا وألمانيا وروسيا، وإلى حد كبير بريطانيا، وكبَّدتها ديونا ضخمة، وبدأت معها خسارة إمبراطورياتها الاستعمارية حول العالم.
ولم ينجُ من الخسائر الكبيرة إلا الولايات المتحدة بسبب مشاركتها المتأخرة في القتال، إضافة إلى عزلتها الجغرافية بين المحيطين، الأطلسي شرقا والهادي غربا. ولاغتنام هذه المكاسب، أسست أميركا نظاما عالميا، ماليا اقتصاديا، وسياسيا إستراتيجيا، لتضمن من خلاله هيمنتها على العالم الجديد في عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وظهرت مؤسسات عالمية اقتصادية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، وأصبح الدولار العملة غير الرسمية للتبادلات الدولية، كما أسست واشنطن التنظيم الدولي في مؤسساته الحديثة من هيئة الأمم المتحدة، ومنظماتها المتخصصة، وعسكريا أسست حلف "الناتو"، وعبر هذه الأدوات سيطرت أميركا على العالم خلال العقود الثمانية الماضية.
تضحيات أميركاومنذ بدء فترة حكمه الثانية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربا تجارية على جيرانه وأقرب شركائه التجاريين، كندا والمكسيك، وطالب الدانمارك ببيعه جزيرة غرينلاند وأن تسلم بنما قناتها المائية لأميركا.
إعلانوتحرك ترامب للانسحاب من منظمة الصحة العالمية، التي ساعدت الولايات المتحدة في تأسيسها، وألغى معظم برامج المساعدات الخارجية لفقراء العالم، ويقول إن العالم كله يستغل هذا النظام الدولي لاستغلال أميركا، والإضرار بمواطنيها ومصالحها.
ورغم ذلك، أصدر البيت الأبيض بيانا للاحتفال بما اعتبره "واحدة من أكثر الانتصارات الملحمية لقوى الحرية بتاريخ العالم"، وأضاف البيان "لولا تضحيات جنودنا الأميركيين، لما كُسِبت هذه الحرب، وسيبدو عالمنا اليوم مختلفا تماما، ونجدد التزامنا بالحفاظ على أميركا والعالم بأسره آمنا مزدهرا وحرا".
ويمثل إعلان ترامب في الاحتفال "بيوم النصر" في 8 مايو/أيار 2025، دليلا على إدراكه لأهمية هذا اليوم، بالرغم مما يتخذه من قرارات تعصف بالنظام الذي بني على أساس نتائج هذه الحرب.
ويقول الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي، ماثيو والين، "أشعر بالفزع من المحاولات المتعمدة لتفكيك الأنظمة التي عملت الولايات المتحدة بشق الأنفس لتجميعها على مدى السنوات السبعين الماضية، أخشى أننا فشلنا في تعلم دروس الماضي. لم يكن النظام مثاليا لأي شخص، لكنه أفضل نظام طوره هذا الكوكب حتى الآن".
ليس الوحيدوعلى مدار تاريخها الممتد لـ249 عاما، دفع تيار أميركي قومي قوي إلى انعزال بلاده عن تقلبات ومعارك السياسة الدولية خاصة في الساحة الأوروبية.
ويشير خبير الشؤون الدولية، ولغانغ بوستزتاي، إلى أن ترامب لم يخترع نهج "الانعزالية الأميركية"، بل كان منذ جورج واشنطن أحد مفاهيم السياسة الخارجية الرائدة، وأكثرها شعبية خاصة بين الجمهوريين، ويضيف "هيمنا على معظم القرن التاسع عشر وحتى الهجوم على بيرل هاربر (1942). غالبا ما تم دمجها مع التدخل في نصف الكرة الغربي".
إعلانويقول للجزيرة نت، إن هذا النهج الانعزالي العام لإدارة ترامب يتم تجنبه من خلال الإجراءات التي تعزز المصالح الوطنية الأميركية على مستوى العالم وعند الضرورة. وأضاف "يجب النظر إلى جميع إجراءات السياسة الخارجية لترامب من هذا الجانب. فعندما لا يكون هناك شيء ما في المصلحة الوطنية بوضوح، يتم لعب ورقة الانعزالية".
"أميركا أولا"
من جانبه، أشار والين إلى أن الهدف المعلن للرئيس ترامب في "زعزعة" النظام الدولي الأميركي الصنع هو محاولة لإعادة التوازن إلى علاقة أميركا بالعالم لمعالجة ما يراه "ظلما" في العلاقة. وهو يعتقد "أن الاختلالات في الإنفاق التجاري والدفاعي تأتي على حساب الولايات المتحدة".
فيما أشار بوستزتاي إلى أن المنظمات والتحالفات الدولية هي "أداة إستراتيجية" للأداة الدبلوماسية لسلطة الدولة، وتستخدِم معظم الدول هذه الأداة وفقا لمصالحها الوطنية، وتلعب الأمم المتحدة دورا رئيسيا في النظام العالمي.
وبما أن أميركا -يقول بوستزتاي- لم تعد تؤمن بهذا النظام، على الأقل ليس بشكل كامل، فقد تراجعت أولوية الأمم المتحدة لدى واشنطن، وينعكس ذلك أيضا "بخفض التمويل المقدم لها ولمنظماتها الفرعية".
وعن الناتو، قال بوستزتاي إن "الحلف" كان أداة مهمة لأميركا لاحتواء النفوذ الروسي على مستوى العالم والسيطرة على سوق الدفاع الأوروبي الضخم.
كما يوفر الناتو للولايات المتحدة مجموعة من الشركاء عند الحاجة للعمليات العسكرية في جميع أنحاء العالم لمواجهة التهديدات المشتركة، كما يعد وصول أميركا إلى أراضي الناتو ميزة جيوستراتيجية هائلة، ويوفر الوصول إلى القواعد الأمامية للعمليات العالمية، بما في ذلك الدفاع الصاروخي الباليستي والحرب المضادة للغواصات.
لذلك، توقع ولغانغ أن تظل أميركا "ملتزمة" بالناتو خلال رئاسة ترامب، وتدفع الأوروبيين إلى إنفاق المزيد على الدفاع. ويضيف "لن يزيد هذا الفرص المتاحة لصناعة الدفاع الأميركية فحسب، بل سيساعد في تحرير الموارد لمنطقة المحيط الهادي لمواجهة طموحات الصين المتنامية".
إعلانوعن فهمه لما تعنية رؤية ترامب "أميركا أولا" لهذا النظام الدولي، قال والين إن عقيدة أميركا في ظل إدارة ترامب تشير إلى أنها لن تنظر بعد الآن في قيمة العلاقات الدولية التي لا تُظهر أي فائدة للولايات المتحدة. كما أنها "لن تلتزم" بأي اتفاقيات لا تظهَر مظهر انتصار واضح لأميركا التي تتوقع من هذه المنظمات الدولية أن تفعل المزيد لنفسها".
البديلفيما قال والين للجزيرة نت إن البديل عن "النظام العالمي" -رغم عيوبه- هو الهيمنة الروسية أو الصينية والعودة إلى معايير ما قبل الحرب العالمية الثانية لحل الصراع.
بينما يرى بوستزتاي أنه ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يعد هناك نظام قائم على القواعد في العلاقات الدولية، ويتطلب مثل هذا النظام على الأقل أن تلتزم الجهات الفاعلة الرئيسية بالقواعد وأن هناك طرقا جادة لمعاقبة أولئك الذين لا يفعلون ذلك.
وقال إن البديل هو مزيج من "النظام العالمي" وعالم من التحالفات والقوة العسكرية الاقتصادية متعدد الأقطاب، وهذا يعني أنه يمكن للفاعل التعامل مع بعض الجهات الأخرى بناء على النظام العالمي، بينما يتعين عليه التعامل مع الآخرين الذين يعتمدون على قوته وعلى التحالفات.
وأضاف "بشكل عام، هذا لا يجعل العالم أكثر أمانا، ولكن من الناحية الواقعية، سيكون هذا هو الحال لمدة 10 سنوات على الأقل، وربما لفترة أطول".