«الجماعة» فوق الوطن.. الإرهاب سبيل الإخوان للسيطرة بالقمع والتهديد ومحاولات الاغتيال
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
لم يتوقف خطر جماعة الإخوان الإرهابية عند كونها تنظيماً يحاول فرض سطوته ونفوذه على المجتمع، بل تخطى الأمر إلى حد تهديد الأمن القومى المصرى، وبدأ بمشاهد سوداء مع اعتلاء الرئيس الإخوانى محمد مرسى سُدة الحكم، بإصداره قرارات رئاسية بالعفو عن المدانين من عناصرها، والمنتمين إلى تنظيمات إرهابية أخرى، وكذلك نقل واستبعاد رجال جهاز الأمن الوطنى من مناصبهم وملفاتهم الرئيسية، خاصة المسئولين منهم عن ملفات أنشطة الجماعات الإرهابية، وذلك بالنقل إلى أماكن أخرى أو بالتقاعد، فضلاً عن محاولات الاغتيال المباشرة لرجال الأمن الوطنى، والذى كان من بينهم الضابط محمد مبروك الشاهد الرئيسى فى قضية التخابر الشهيرة.
كما اتخذت «الجماعة» من أسلوب فرض القوة واستخدام العنف سياسة لها، وهو ما ظهر جلياً، فى 5 ديسمبر 2012، حينما قرر شباب القوى المعارضة والثورية الاعتصام فى محيط قصر الاتحادية، اعتراضاً على الإعلان الدستورى الذى وسَّع صلاحيات محمد مرسى، حيث قام أنصار الجماعة بتوجيه من قياداتها بالاعتداء على المتظاهرين السلميين أمام قصر الاتحادية، الأمر الذى وصل إلى حد التعذيب للمعتصمين فى مخيمات أنشأها رجال الإخوان بالقرب من بوابات قصر الاتحادية لتتحول إلى مراكز للاعتقالات، حيث أسفرت هذه الأحداث عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 748 آخرين، بحسب تقرير للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، وذلك دون أن يتخذ «مرسى» أى قرارات لوقف هذه الاشتباكات.
وتكرر هذا الأمر فى 22 مارس 2013، حينما اعتدى عناصر «الجماعة» على المتظاهرين الرافضين لحكم التنظيم أمام مقر مكتب الإرشاد فى المقطم، حيث قام رجال «الجماعة» باستخدام العنف وإطلاق النار وزجاجات المولوتوف على المتظاهرين، ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة 91 آخرين.
وعملت «الجماعة» على تعميق التواصل والعلاقات مع الجماعات الإرهابية الأخرى، من خلال الإفراج عن عناصرها بعفو رئاسى ممن تم اتهامهم فى قضايا إرهاب وحيازة أسلحة وذخيرة والتجارة فيها، وذلك مقابل تقديم هذه الجماعات الخدمات للإخوان لتمكينها من استمرار سلطتها، حيث رصدت قوات الأمن دخول ما يقرب من «3000» جهادى إلى الأراضى المصرية، وبالتحديد فى سيناء من العائدين من أفغانستان، وسط تجاهل تام من محمد مرسى لجميع التقارير الأمنية التى أكدت خطورة ذلك الأمر وتهديده للأمن العام.
ولعل هذا التنسيق بين الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية الأخرى ظهر بشكل أوضح فى أحداث مايو 2013، حينما تم اختطاف 7 جنود من القوات المسلحة والشرطة فى العريش، عندما طالب «مرسى»، فى بيان جمهورى، القوات المسلحة بضرورة الحفاظ على سلامة حياة الخاطفين والمخطوفين خلال تنفيذ عملية تحرير المختطفين.
وظلت قيادات جماعة الإخوان يلوحون باستخدام العنف وإعلانها مباشرة بأن عزل «مرسى» وجماعة الإخوان سينعكس أثره على تهديد الأمن القومى المصرى، وهو ما قاله بشكل مباشر محمد البلتاجى، القيادى بالجماعة فى 8 يوليو 2013 فى أثناء اعتصام رابعة، حينما أعلنها: «ما يحدث فى سيناء سيتوقف فى اللحظة التى يعود فيها مرسى إلى مهامه».
وبعد سقوط حكم الإخوان عقب ثورة 30 يونيو، شهدت البلاد موجة من الأعمال الإرهابية التى حاولت تهديد الأمن القومى، على يد كيانات مسلحة منبثقة من التنظيم الأم بعد سقوطه، من بينها «حسم، العقاب الثورى، المقاومة الشعبية، لواء الثورة، كتيبة الإعدام، وكتائب حلوان»، حيث نفذت هذه الكيانات عدة عمليات إرهابية ومحاولات اغتيالات لشخصيات سياسية وعامة كانت لهم مواقف ضد جماعة الإخوان خلال فترة حكمها.
وبجانب نهج الجماعة وتهديدها للأمن القومى باستخدام العنف والإرهاب، فقد حاولت الجماعة الإرهابية فرض سيطرتها ونفوذها وأخونة مفاصل الدولة بشكل يهدد أمنها القومى، ففى أعقاب وصول الإخوان إلى كرسى السلطة، زاد نهمهم للسيطرة على مصادر القرار، فعملوا على إلحاق أعضاء الجماعة بالأجهزة المهمة فى الدولة لتطبيق فكرة «أخونة الدولة» وجعلها حقيقة على أرض الواقع، ففى تقارير وردت بالملف الذى سلمه حزب النور «السلفى» إلى «مرسى» شخصياً خلال رئاسته للدولة، كشف الحزب عن تعيين التنظيم لـ1300 إخوانى فى الجهاز الإدارى للدولة، ونتيجة ذلك شن الإخوان حملة ممنهجة ضد حزب النور، وسخروا كل أعضائهم وحلفائهم للهجوم على الحزب، وعملوا على معاقبته بإقالة خالد علم الدين أحد قيادات «النور»، والذى كان ضمن أعضاء الهيئة الاستشارية لـ«مرسى» بحجة تورطه فى ملفات فساد. ورد حزب النور حينها على هذا القرار قائلاً: «سنقف لعملية أخونة الدولة بالمرصاد، وعلى جماعة الإخوان الكف عن إخفاء الحقائق التى يلمسها ويشاهدها عموم الشعب، وإلا سننشر ملف أخونة الدولة فى الإعلام تفصيلياً إذا استمر هذا النهج».
طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، قال لـ«الوطن» إن الإخوان كان لديهم مخطط وهمى قائم على فكرة مشروع النهضة، وهذا المشروع يعتمد على قدر كبير من العبثية، وكان لديهم اعتقاد راسخ بأن المشروع قادر على نقل مصر إلى مساحة أخرى، ولكن المشروع كان يفتقد كلياً إلى الضوابط والمحددات.
وأوضح «فهمى» أن أخونة مصر لم تكن مخطط الجماعة الرئيسى، ولكن كان المخطط الرئيسى هو السيطرة على مفاصل الدولة المصرية، وتولّى زمام الأمور فى جميع أجهزة الدولة، عن طريق مخططاتهم التى تعتمد على استبدال أجهزة الدولة بأجهزة إدارية بديلة، وأجهزة إعلامية بديلة تؤيد سياستهم وتحقق أهداف الجماعة، وأجهزة أمنية بديلة تكون خاضعة لسيطرتهم، وتم العمل على ذلك بعقد اللقاءات بين مسئولى أعضاء الجماعة خيرت الشاطر وعصام العريان وحسن مالك، كخلية مشكّلة تهدف إلى إعادة بناء الدولة المصرية وفق مقاربة إخوانية. وأكد أستاذ العلوم السياسية أن الإخوان كانوا ينظرون إلى مصر أنها دولة ممر لدولة الخلافة الإسلامية، وبدأوا مشروع أخونة الدولة المصرية وتجزئتها وتفكيك مؤسساتها، كما أرادوا أن يبنوا حرساً ثورياً مصرياً على غرار الحرس الثورى الإيرانى، بهدف استحداث مؤسسات أجهزة عميلة وأمنية بديلة داخل الدولة.
وقال إبراهيم ربيع، القيادى الإخوانى المنشق، والباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، إن عقيدة تنظيم الإخوان الإجرامى قائمة على رباعية تدميرية تتضمن: «التكفير، الإرهاب، العنصرية، والطائفية»، ولذلك حكموا بالإرهاب والتهديد، وأيديولوجيتهم مبنية على العنف والمصلحة، فمصر قضت عاماً تحت حكم التنظيم مارَس خلاله القتل للوصول إلى مصالحه وأغراضه.
وأضاف أن أيديولوجية «الإخوان» قائمة على العنف والمصلحة، وكان شعارها إما أن تكون مع الجماعة وإما كافراً مرتداً وعدواً للإسلام، على اعتبار أن التنظيم هو الإسلام، كما استغلوا جماعات الإسلام السياسى كقطعان لتحقيق غايتهم، مشيراً إلى أن جماعة الإخوان الإرهابية حكمت مصر بالترهيب والتهديد، فلا وجود للدولة أمام مصلحتها، وهو ما تجلى فى كل السياسات الاستفزازية المتبعة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: 30 يونيو الاخوان الإرهاب الإخوان جماعة الإخوان
إقرأ أيضاً:
الإخوان والحكم قبل الثورة.. كيف فهم البنا شرعية النظام الملكي؟ (2)
في سياق مراجعة فكرية وسياسية شاملة تخوضها جماعة الإخوان المسلمين، لإعادة ضبط مفاهيمها المتعلقة بالسلطة والشرعية والعنف، تنشر "عربي21" الحلقة الثانية من هذه الدراسة التأسيسية، التي تستعرض الأسس المرجعية والعملية لرؤية الجماعة تجاه الحكم والعمل السياسي. هذه الورقة، التي تمثل جزءًا من مشروع داخلي معمّق، تتناول بتركيز وتحليل موقف الإمام المؤسس حسن البنا من "شرعية الحكم" في عصره، وهي مسألة ترتبط عضوياً بموقف الجماعة من استخدام القوة السياسية أو العنف، إذ إن الطعن في شرعية الحاكم هو الباب الأخطر الذي يُفتح نحو منازعته أو مقاومته.
فما هي محددات هذه الشرعية في فكر الإمام البنا؟ وما موقفه من الحكومة والملك؟ وهل كان يعتبر النظام السياسي القائم في مصر آنذاك شرعياً؟ وما العلاقة بين هذا التصور النظري والممارسة العملية للجماعة؟ أسئلة تطرحها هذه الورقة بأدوات تحليلية تضع النقاط على الحروف، وتكشف كيف تنقّل الإمام البنا بين الولاء الخطابي والموقف الواقعي، بين النقد الدستوري والموقف الشرعي، بين تفاؤله المبكر بالملك فاروق، وتشككه اللاحق بشرعية النظام كله.
كيف نظر الإمام حسن البنا إلى شرعية الحكم في عصره؟
هناك ارتباط وثيق بين شرعية الحكم، ومسألة استخدام العنف موضوع هذه الورقة. فغياب هذه الشرعية يفتح الباب أمام استخدام العنف في مواجهة الحكام، فترى كيف نظر الإمام حسن البنا إلى شرعية الحكم في عصره؟.
بدايةً.. كان الإمام البنا واضحا في رسائله من أن الجماعة ( لا تعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه.. وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام). وقد صارح الإمام البنا بذلك في رسالة "إلى الشباب" في مطلع الاربعينيات، وظلت تلك الفكرة مستقرة لديه طيلة ذلك العقد حتى عبّر عنها مرة أخرى ـ قبل استشهاده بشهور قليلة ـ في مقالته الشهيرة بعنوان "معركة المصحف"، حيث أعلن (أن الإسلام شريعة ربانية جاءت بتعاليم إنسانية، وأحكام اجتماعية، وكلت حمايتها ونشرها، والاشراف على تنفيذها بين المؤمنين بها، وتبليغها للذين لم يؤمنوا بها إلى الدولة، أي إلى الحاكم الذي يرأس جماعة المسلمين ويحكم أمتهم.. وإذا قصر الحاكم في حماية هذه الأحكام لم يعد حاكما إسلاميا، وإذا أهملت شرائع الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية.. أين نحن من هذا كله؟.. يا دولة رئيس الحكومة أنت المسئول بالأصالة.. يا معالي وزير العدل أنت المسئول بالاختصاص.. ويا أيتها الأمة أنت المسئولة عن الرضا بهذا الخروج عن حكم الله لأنك مصدر السلطات.. ففاصلي حكامك).
الموقف من الحكومة والملك
ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل القدح في الشرعية ـ في هذه الحالة ـ يقتصر على الحكومة المقصرة فقط أم يمتد للنظام الحاكم بأكمله وعلى رأسه ملك البلاد؟
للإمام البنا عبارات قديمة في أن (جلالة الملك هو حاكم البلاد الشرعي، وهو والحمد لله ـ ومن جميل توفيقه يؤدي الفرائض، ويعمل على ما فيه إعزاز الإسلام والمسلمين، فموقف الإخوان من السراي موقف الولاء والحب.. ولا يمنع ذلك من توجيه النصيحة الواجبة)..
كان الإمام البنا واضحا في رسائله من أن الجماعة ( لا تعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه.. وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام).وتتكرر الفكرة في "رسالة المؤتمر السادس": (نحن مخلصون للعرش وللجالس عليه، ونسأل الله أن يمده بعنايته وتوفيقه، وأن يصلح به البلاد والعباد، ذلك لأنه رئيس الدولة الأعلى، ومظهر النظام الحكومي).. والرسالة بعد ذلك تحمل نقدا قاسيا ليس فقط للحكومة القائمة وقتها، ولكن ( للحكومات المصرية على مختلف ألوانها)..
وعندما يتكلم البنا عن المسئولية عن تحريم المنكرات ـ في قضية تحطيم الحانات ـ فهو يذكّر الحكومة ويتحدث عن سحب الثقة منها إن قصرت في ذلك..
بل إنه عندما يتحدث عن قيام الزعامة الشعبية ومن خلفها الأمة بسحب الثقة والعزل، نجده يحدد مبررات ذلك نصًا بأنه يتم (عند انحراف القيادة ـ الحكومة ـ عن الصراط المستقيم)..
والحقيقه أن مسؤولية الملك تمثل نقطةً قابلةً للجدل دستوريا، وقد أشار إلى ذلك الإمام البنا ذاته في رسالة "مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي"، حيث لاحظ أن (الأصل في المسؤولية في النظام النيابي، أن المسؤول هو الوزارة ولا مسؤولية على رئيس الدولة، وقد جرى على هذا الوضع الدستور الإنجليزي والدستور المصري، فصرح كل منهما بمسئولية الوزارة، وإخلاء رئيس الدولة من كل مسئولية واعتباره لا يخطئ، واعتباره ذات مصونة لا تمس)..
إلا أن الامام البنا اعتبر أن تحديد مسؤولية الملك، من النقاط الغامضة في الدستور التي تتطلب إيضاحا أكبر.
على أننا هنا لسنا معنيين بدقائق الناحية الدستورية قدر عنايتنا بالحقائق على أرض الواقع.. وقد أكدت هذه الحقائق طيلة العقود الثلاثة للحكم الملكي منذ دستور 1923 ـ والتي عايش أغلبها الإمام البنا ـ على الوزن الكبير والدور الواسع للملك في توجيه الحياة السياسية بما يفوق بكثير وزن ودور الوزارات المتعاقبة، فإذا كان الأمر كذلك فمثل هذه الحقائق لم تكن لتخفى على الامام البنا، ومن ثم فنحن في حاجة للتروي لدى سعينا لتفهم المنهجية التي كان يسير عليها والتي عرضنا إليها هنا.
تفاؤل بالملك الشاب
والذي يغلب على الظن أن البنا كان متفائلا في بداية عهد فاروق أنه يمكن بشئ من المساندة من بعض الشخصيات الوطنية القريبة منه أن يسلك الطريق المأمول، ثم تحولت سياسة البنا ـ مع انحدار أوضاع فاروق ـ إلى نوع من المداراة والمناورة لتحقيق قدر من الموازنات، ولتقليص حجم العداوات التي واجهتها الجماعة مع تنامي وزنها السياسي... ولعل هذا يفسر استمرار البنا على ذات المنهجية في خطابه تجاه الملك طيلة وجوده على رأس الجماعة وحتي في صياغته للشكوى التي رفعها إلى الملك من قرار النقراشي بحل الجماعة.
لقاء البنا ويوسف رشاد وتعليق الملك
ولعله من المفيد هنا أن نثبت هذه الرواية التي دارت عام 1945 عندما تم لقاء بين الإمام البنا ويوسف رشاد؛ أحد رجال الملك المقربين، عن طريق أنور السادات، وبعدها حكي رشاد للسادات أنه حاول ـ إثر هذا اللقاء - إقناع الملك بإخلاص البنا له فضحك الملك قائلا له: "لقد سخر منك البنا".. وعبر السادات عن دهشته من هذا الموقف. ويعقب اللواء صلاح شادي في مذكراته على دهشة السادات (الحقيقه التي ربما غاب عن السادات إدراكها، ولم تغب عن الملك، هي أن حسن البنا لم يحمل له ولاءً، ولا للنظم القائمة)..
وبالطبع فإنه من غير المتوقع أن نجد تأكيدا لشهادة الأستاذ صلاح شادي هذه في كلام الإمام البنا المنشور إلا أننا نجد تعزيزا لها في بعض ما قام به من أنشطة توحي بعدم قناعته بشرعية النظام القائم؛ مثل إنشاء النظام الخاص، وترتيب تكوينات تابعة للجماعة في الجيش، وأيضا تأكيده الدائم على ضرورة الاستعداد للجهاد دون الإعلان عن هدف محدد لهذا الجهاد.
ومن الواجب هنا المسارعة بالتحفظ بأن قناعة الإمام البنا بعدم شرعية النظام القائم لم تكن تعني بالضرورة إقراره لوجوب استخدام العنف تجاه الحكام، فلم ينسب إليه هذا الإقرار مباشرة أو ضمنا، ولكنها تعني أن استخدام القوة أمر وارد إن كان ذلك ضروريًا ومجديًا وفق ما سبق وأن عرض إليه في "الرسائل".
ولعله من المفيد أن نلاحظ هنا أن هناك إشارة قوية لقناعة البنا بعدم شرعية النظام الحاكم تتمثل في ذلك الفهم الذي أورثه لمن بعده، والذي سمح لقيادة الجماعة وعلى رأسها مرشدها المستشار الهضيبي بالمشاركة في حركة الجيش في 23 يوليو دون أي اعتبار لشرعية النظام الذي يجري إسقاطه، علما بأن مشيئة الله فقط هي التي قدرت أن تكون هذه الحركة سلمية، وكانت الاحتمالات القائمة عند اتخاذ قرار المشاركة لا تخلو من الاضطرار لاستخدام القوة بصورة أو أخرى.
نظرة حسن البنا لانحرافات أهل الحكم.. تبعية وعمالة أم استبداد وفساد؟
أهل الحكم، المقصودين هنا تلك الفئات التي تلي أمور البلاد، وليس مجرد رأس السلطة؛ ملكا كان أم رئيسا.
الملفت أن البنا مقلٌ في تطرقه ـ وهو يتحدث عن أهل الحكم في عصره ـ لضرورة مؤاخذتهم على تورطهم في الاستبداد والفساد، بينما غلب على حديثه عنهم ملاحظته لما هم عليه من تبعيةٍ للمحتل الأجنبي تصل إلى حد العمالة في بعض الأحيان، وهي نظرة قد تفسر الغموض والتعميم الوارد في عبارات البنا بشأن استخدام القوة فيما يتعلق بالجهة المستهدفة؛ فاستخدام القوة ضد المحتل الاجنبي أمر مقطوع بشرعيته، وهو ما يفتح الباب بالتبعية أمام استخدامها ضد عملاء وتابعي هذا المحتل من مدخل عمالتهم وتبعيتهم.وأهمية تحديد الموقف الشرعي من الحكام فيما يتعلق بقضية ممارسة العنف واضحة، فهم الخصم المعني بهذه الممارسة. هب أن واحدة من الحركات الإسلامية رأت أن الطرف الحقيقي الذي تواجهه هو ذلك المحتل الأجنبي، وأن الحكام من أهل البلاد ليسوا إلا أداة لا وزن لها، ومن ثم فلا شرعية حقيقية لهم، فإذا اتجهت لاستخدام العنف ضدهم فإنها لا ترى أنها خرجت على ولاة الأمور الشرعيين، وإنما نالت من مجرد عملاء تابعين للمحتل الأجنبي.
ترى كيف نظر البنا لهؤلاء الحكام في حينه؟
الملفت أن البنا مقلٌ في تطرقه ـ وهو يتحدث عن أهل الحكم في عصره ـ لضرورة مؤاخذتهم على تورطهم في الاستبداد والفساد، بينما غلب على حديثه عنهم ملاحظته لما هم عليه من تبعيةٍ للمحتل الأجنبي تصل إلى حد العمالة في بعض الأحيان، وهي نظرة قد تفسر الغموض والتعميم الوارد في عبارات البنا بشأن استخدام القوة فيما يتعلق بالجهة المستهدفة؛ فاستخدام القوة ضد المحتل الاجنبي أمر مقطوع بشرعيته، وهو ما يفتح الباب بالتبعية أمام استخدامها ضد عملاء وتابعي هذا المحتل من مدخل عمالتهم وتبعيتهم.
ولعل هذا المنطق أيضا يفسر التباين في موقف البنا من خرق القانون في موقفين مختلفين:
الأول هو مهاجمة حانات الخمور، هنا فقد تضمن تعقيب البنا عليه اعتراضه الواضح على ما حدث من خرق للقانون رغم تسليمه بنبل دوافع من فعلوا ذلك (نحن لا نوافق على تحدي القانون بهذه الصورة، وليس من منهاجنا ـ نحن الإخوان المسلمين ـ أن نسلك هذا السبيل)، من تراث الإمام البنا ـ الكتاب الثامن ـ ص 191.. مقال تحطيم الحانات ـ النذير 17-1-1939.
أما الموقف الآخر فقد رواه اللواء صلاح شادي في مذكراته ( استدعاني المرشد حسن البنا، وسألني عن إمكانية إخفاء حسين توفيق لحين تدبير فراره من مصر فأجبته أن هذا ممكن، ورتبت أمر الإيواء في منزل أحد الإخوة. صلاح شادي - حصاد العمر - ص 75
وكان حسين توفيق قد قتل أمين باشا عثمان الوزير الوفدي الذي كان من أنصار الإنجليز، وكان يرى علاقة مصر وإنجلترا كزواج كاثوليكي لا ينفصم.
وبالطبع فقد كان ما قام به الإمام البنا هنا من ترتيب إيواء وتهريب القاتل يمثل خرقا للقانون كذلك، واستساغة الإمام البنا له هذه المرة إنما تأتي في إطار موقفه من العمالة للمحتل الأجنبي.
وهنا ملاحظتان جوهريتان في هذا الشأن:
ـ الملاحظة الأولى: أن مدخل إجازة استخدام القوة ضد أطراف مصرية بمسوغ تبعيتهم وعمالتهم للمحتل الأجنبي مدخل لا يفتقد للموضوعية نظريا في ظل استخدام هؤلاء بالفعل كأدوات في يد الأجنبي، ولكنه مدخل شائك للغاية، خاصة في ظل الدولة الحديثة التي تهيمن علي أوضاع المجتمعات، فإذا وجهت الحركة الإسلامية سهامها لشريحة من أهل الحكم بدعوى عمالتهم، فما الحد الفاصل بين الحكام الوارد في حقهم العمالة، وبين جهاز الدولة الذي يمارس مهامه الوظيفية الطبيعية، خاصة أن هؤلاء الحكام لايتأتى لهم الوفاء بواجبات العمالة والتبعية ـ المفترضة ـ إلا بمعاونة وحماية شرائح متتابعة من العاملين بجهاز الدولة.
وعلي أية حال فلعل التجارب تشير إلى أن استباحة استخدام العنف في مواجهة أهل الحكم بدعوى عمالتهم مثلت ثغرة نالت من الحركة الإسلامية عامة أكثر مما أفادت مشروعها.
ـ الملاحظة الثانية: أن عزوف قيادات الجماعة عن اعتماد هذا المدخل في التعامل مع الحكام منذ عودتها لنشاطها العام في السبعينات واستخدامهم – عمليا - لمدخل الاستبداد والفساد عزز إنتفاء دواعي استخدام القوة تجاه الحكام، ومعلوم أن للطرح الإسلامي موقفًا أكثر حدة من العمالة والتبعية للمعتدي الأجنبي بالقياس لموقفه من الاستبداد والفساد مع رفضه لكليهما، وعليه فإننا هنا أمام حالة تطبيقية لإعادة تقدير الواقعة وإطلاق الوصف الفقهي المناسب عليها توطئة لاختيار النص الذي يتناسب إنزاله مع هذه الواقعة.
فحكام السبعينيات وما بعدها ليسوا كحكام الأربعينيات وما حولها، فلم يعد عيب الحكام الأبرز هو التبعية والعمالة..
وكذلك الجماعة ليست هي جماعة العهد الملكي فقد زاد وعيها بخطايا استبداد الحكام بعد محنها القاسية، ولعله قد اتضح لها أن الاستبداد مدخل التبعية، وأن في علاجه علاجها كذلك.
إقرأ أيضا: الإخوان المسلمون" يفككون علاقتهم بالعنف.. ملامح السلمية في تجربة الجماعة (1)