ليس واضحًا إن كانت الإدارة الأميركية قد قابلت تهديدات الحوثي باستهداف السفن الإسرائيلية، أو تلك المبحرة نحو موانئها في بادئ الأمر بالسخرية ذاتها التي قابل بها سفيرها السابق في اليمن جيرالد فايرستاين شعار الحوثي المعادي لأميركا، ووصفه له خلال مؤتمر صحفي عقده بصنعاء منتصف العام 2012 بالمضحك والسخيف، وذلك قبل سنتين من انقلاب الحوثي على المسار السياسي، وسيطرة جماعته المسلحة على العاصمة صنعاء، أم أنها أخذته على محمل الجِد.

محاولة للهروب

فمنذ بدء الهجمات التي يقول الحوثي إنه ينفذها إسنادًا للمقاومة الفلسطينية في غزة والأنظار تتجه نحو البحر الأحمر ومدخله الجنوبي وصولًا إلى بحر العرب. ورغم تشكيك البعض في قدرة جماعة الحوثي على مواصلة هذه الهجمات خصوصًا أن حرب إسرائيل على غزة قد أخذت مدى زمنيًا غير مسبوق، وسخرية القوى اليمنية المناوئة لها، فإن هجمات الجماعة ضد السفن الإسرائيلية، وتلك المتجهة إلى موانئها، وأيضًا السفن الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر، وخليج عدن أخذت شكلًا تصاعديًا منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" وحتى يومنا هذا. وفي المقابل كثف التحالف الأميركي البريطاني المسمى بتحالف (حارس الازدهار) غاراته الجوية مؤخرًا على مواقع للحوثيين في شمال اليمن، ووسع من دائرة أهدافه.

وكانت المخابرات الأميركية قد كشفت قبل أيام عن تأثر نحو 65 دولة جراء هذه العمليات، وتغيير ما لا يقل عن 29 شركة من شركات الشحن والطاقة الكبرى مساراتها بعيدًا عن المنطقة، وتعرّض أكثر من 12 سفينة تجارية للقصف بين نوفمبر/تشرين الثاني، ومارس/آذار، ناهيك عن محاولات الخطف، وإن كانت قليلة، كما انخفض شحن الحاويات عبر البحر الأحمر بنسبة 90 ٪؜ تقريبًا، وارتفعت أقساط التأمين، وذلك وفقًا لما أورده موقع أكسيوس الأميركي.

ولابد من التوضيح هنا أن الحوثي الذي يتحدث عنه المسؤولون الأميركيون ووسائل الإعلام الأميركية، وكذلك الحوثي الذي انبهرت بهجماته التضامنية مع غزة، الجماهير العربية والإسلامية منذ انطلاقها، يختلف تمامًا عن الحوثي الذي عرفه اليمنيون منذ ظهوره المشؤوم في شمال اليمن، مطلع القرن الحالي، والكثير منهم ينظرون إلى تصعيده في البحر الأحمر وخليج عدن، على أنه مجرد محاولة للهروب من أزماته الداخلية، وأنه استفاد من غزة أكثر من استفادة أهلها ومقاومتها منه.

وبالنظر إلى الأحداث التي شهدها البحر الأحمر كممر حيوي للتجارة الدولية خلال النصف قرن الأخير، على الأقل، فقد كان لافتًا نشر وزارة الدفاع المصرية مطلع هذا العام، وفي خضم معركة "طوفان الأقصى" وفي خطوة غير مسبوقة وثائق تاريخيّة للحرب العربية الرابعة التي شنتها مصر بالتعاون مع سوريا ضد إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 1973؛ لاستعادة أراضٍ عربيةٍ محتلة، ومن ضمن هذه الوثائق أمر بتحريك وحدات بحرية مصرية للتمركز في ميناء مدينة عدن اليمنية – المدخل الجنوبي للبحر الأحمر – قبل اندلاع الحرب بحوالي شهرين وتكليفها باعتراض السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل.

تجربة مريرة

أكدت الوثائق المصرية حديثة النشر ما سبق أن تحدث عنه الرئيس السابق للشطر الجنوبي من اليمن علي ناصر محمد، والذي كان يومها وزيرًا للدفاع، بأن حكومته استقبلت في تلك الفترة سفن الأسطول البحري المصري في عدن وباب المندب، وكانت تتنقل بين عدن والغردقة وبعض الجزر لنقل المواد الغذائية والتموينية، وأنه تم إغلاق مضيق باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية، ولم يُفتح إلا بعد اتفاق مصر وإسرائيل على وقف إطلاق النار.

وذكر في مقال نشره قبل نحو سنتين بمناسبة الذكرى السنوية لحرب أكتوبر/تشرين الأول آنفة الذكر، أن حكومته ردت على الضغوط الإسرائيلية عبر حليفها آنذاك الاتحاد السوفياتي بقولها إنها معركة عربية.

ولذلك كانت إسرائيل ولا تزال حريصة كل الحرص على أن يكون لها حضور ما في الدول المطلة على البحر الأحمر، وفي جزره لإدراكها التام – ومن واقع تجربة مريرة – أهميته، وقلقها الدائم من أي استهداف مباشر أو غير مباشر يأتيها منه.

والمتتبع للمشهد على ضفتَي البحر الأحمر ومدخله الجنوبي، يلاحظ التسابق الدولي على التمركز العسكري فيه منذ فترة طويلة بداية بالقاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي التي تأسّست مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أي بعد حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول بسنوات معدودة، وقبل أن يتحول هذا البلد الصغير إلى وجهة عسكرية لمعظم الدول الكبرى، بفضل موقعه المطل على غرب مضيق باب المندب الإستراتيجي، فأنشأت الولايات المتحدة الأميركية فيه أكبر قواعدها العسكرية في القارة السمراء، واختارته الصين لتمركز قاعدتها العسكرية الوحيدة خارج حدودها الجغرافية، وفيه قاعدة عسكرية يابانية هي الأولى لها خارج أراضيها منذ الحرب العالمية الثانية، ويستضيف على أراضيه قاعدة إسبانية، وأخرى إيطالية.

وبالقرب من جيبوتي لم يغب الجيش الأميركي عن الصومال، رغم خسارته القاسية فيما يعرف بمعركة مقديشو عام 1993 وإن بحضور محدود، وافتتحت تركيا الدولة العضو في حلف الناتو أكبر قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في العاصمة مقديشو قبل نحو ثماني سنوات، رغم الاضطرابات الأمنية التي تعصف بالصومال، وتوجت وجودها العسكري في القرن الأفريقي بتوقيع اتفاقية للدفاع عن المياه الإقليمية الصومالية، وإعادة تنظيم قواتها البحرية في فبراير/شباط الماضي وعينها على سواكن السودانية، فيما خابت آمال الروس حتى يومنا هذا على الأقل في التموضع العسكري ببورتسودان، لاسيما بعد دخول السودان في دوامة الحرب الأهلية.

احتشاد بحري

وفي الضفة الأخرى للبحر الأحمر وخليج عدن كادت الولايات المتحدة أن تتمركز عسكريًا في مدينة عدن جنوبي اليمن عقب الهجوم الذي استهدف المدمرة يو إس إس كول في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2000 إلا أن حساباتها الأمنية حالت دون ذلك، واكتفت كما المملكة المتحدة بالحضور العسكري المحدود في اليمن تحت مبررات تدريبية وتنسيقية.

في ظل هذا الاحتشاد البحري سواء تحت مسمى عملية "حارس الازدهار" بقيادة أميركا وبريطانيا أو عملية "أسبيدس" التي أطلقتها دول أوروبية لحماية سفنها التجارية، تبدو الصين القطب التجاري الأكثر أهمية في عالم اليوم كمن يراقب الأحداث بصمت، فيما بادرت جارتها – اللدود – الهند إلى استغلال الأحداث لاستعراض عضلاتها ونشر قطعها البحرية قبالة السواحل الهندية، وصولًا إلى خليج عدن تحت غطاء الاستجابة السريعة، وتقديم المساعدة للسفن المستهدفة، دون أن تعلن انضمامها إلى أي تحالف بحري.

وإذا كانت القطع البحرية العسكرية لمعظم دول العالم المتحالفة والمتصارعة على حد سواء، بدءًا من أميركا، ووصولًا إلى إيران، لم تبرح مياه البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب منذ سنوات، تحت مبرّر مواجهة القرصنة التي نشطت بالقرب من باب المندب خلال الفترة الماضية، انطلاقًا من الأراضي الصومالية، فإنّ تزاحمها اليوم يضع المنطقة برمتها أمام سيناريوهات مفتوحة، قد يكون من الصعب التنبّؤ بمآلاتها، خصوصًا أنّ صراع القوى الكبرى في تصاعد مستمرّ، رغم التحذيرات المتكررة، والتأكيد على حاجة العالم الملحّة لخفض التوتر والتصعيد، وضمان تدفّق سلس ومتواصل لسلاسل الإمداد، وذلك للتغلب على تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي الذي تسبّبت به حرب روسيا على أوكرانيا، وتداعيات جائحة كورونا.

وبغض النظر عن النوايا الحقيقية سواء لتلك الدول التي سارعت في إرسال سفنها وبوارجها الحربية إلى البحر الأحمر وخليج عدن أو لجماعة الحوثي وبعد نحو تسعة أشهر من عملية "طوفان الأقصى، فإن هناك تساؤلات كثيرة تبحث عن إجابات.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أکتوبر تشرین الأول الأحمر وخلیج عدن البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

احذر هذا الإنذار الصامت في معدتك.. أول طريق لسرطان قاتل دون أن تشعر

صورة تعبيرية (مواقع)

في ظل تزايد حالات الإصابة بأنواع السرطان الصامتة، أطلقت تقارير طبية تحذيرًا خطيرًا بشأن علامة شائعة قد يستهين بها كثيرون، لكنها قد تشير إلى بداية إصابتهم بأحد أخطر أنواع السرطان على الإطلاق: سرطان المريء.

هذا المرض، الذي يصيب الأنبوب العضلي الواصل بين الحلق والمعدة، غالبًا ما يتطور بصمت ودهاء، دون أن يترك وراءه أعراضًا واضحة، ليُكتشف في مراحل متأخرة، حين تكون خيارات العلاج محدودة ونسب النجاة منخفضة.

اقرأ أيضاً خلطة مذهلة لتبييض الأسنان في المنزل.. وطبيب يفجّر مفاجأة لا يعرفها 75% من الناس 5 يوليو، 2025 صواريخ تهز البحر الأحمر.. وبريطانيا تُطلق "تحذير الطوارئ" 5 يوليو، 2025

اللافت أن بداية القصة لا تبدو مرعبة، بل قد تبدأ بمشكلة يعاني منها كثيرون: الارتجاع الحمضي المزمن. لكن وفقًا للخبراء، فإن تجاهل أعراض هذا الاضطراب – حتى وإن بدت خفيفة – قد يفتح الباب أمام سلسلة من التغيرات الخلوية الخطيرة داخل المريء، تقود في النهاية إلى الإصابة بسرطان غدي خطير.

مراكز طبية مرموقة مثل "عيادة كليفلاند" حذّرت من تجاهل الإنذارات الخفية التي قد يطلقها جسدك، مثل السعال الليلي المستمر، أو صعوبة بلع الأطعمة الجافة، أو حتى التغيرات في الأسنان مثل اصفرارها أو تآكل ميناها. وقد تبدو هذه الأعراض معزولة، لكنها حين تتكرر وتتزامن مع حرقة المعدة أو الشعور بثقل في الصدر، فإنها تستدعي تحركًا عاجلًا.

الخطورة لا تكمن فقط في الأعراض، بل في الإحساس الزائف بالأمان. فواحد من كل ثلاثة مصابين بارتجاع مريئي مزمن لا يعاني حتى من حرقة المعدة. وهذا ما يجعل المرض أكثر خفاءً من غيره، وأشد فتكًا إذا تُرك دون متابعة طبية.

الدراسات الحديثة أظهرت أرقامًا مقلقة: ما يقرب من 90٪ من مرضى سرطان المريء لا يعيشون أكثر من عشر سنوات بعد التشخيص، بسبب الاكتشاف المتأخر للمرض. وهذا ما يدفع الأطباء للتأكيد على أهمية الفحص الدوري، خاصة لمن تجاوزوا سن الخمسين، أو يعانون من السمنة، أو لديهم تاريخ عائلي مع هذا المرض.

والمفاجأة؟ طبيب أسنانك قد يكون أول من يلاحظ العلامات المبكرة للمرض! فالتآكل غير المبرر في الأسنان أو تغير لونها قد لا يكون مجرد إهمال نظافة، بل إشارة صامتة إلى ارتجاع حمضي مزمن يهدد حياتك.

في النهاية، يتفق الخبراء على أمر واحد: لا تستهِن بأي عرض هضمي مستمر، ولا تُهمل جسدك حين يهمس لك بالتحذير. الكشف المبكر هو خط الدفاع الأول في مواجهة هذا النوع القاتل من السرطان.

الوسومالسرطان سرطانمساحة نت5 يوليو، 2025 فيسبوك ‫X لينكدإن ‏Tumblr بينتيريست ‏Reddit تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة اقرأ أيضاً تعرف على سبب الفرقعة الكهربائية التي تحدث لجسمك عند ملامسة جسم آخر7 يوليو، 2024 الريال اليمني يواصل تدهوره أمام العملات الأجنبية في عدن وصنعاء: تحديث مباشر3 مارس، 2025 تصريح جديد هام من قوات صنعاء حول البحر الأحمر.. تفاصيل25 نوفمبر، 2023 هل تصطحب هاتفك إلى الحمام؟.. إليك ما قد يحدث لك18 يونيو، 2024شاهد أيضاً إغلاق أخبار اليمن الأرصاد يحذر المواطنين من أمطار غزيرة على هذه المحافظات في الساعات القادمة 25 مارس، 2024أخر الأخبار احذر هذا الإنذار الصامت في معدتك.. أول طريق لسرطان قاتل دون أن تشعر 5 يوليو، 2025 خلطة مذهلة لتبييض الأسنان في المنزل.. وطبيب يفجّر مفاجأة لا يعرفها 75% من الناس 5 يوليو، 2025 صواريخ تهز البحر الأحمر.. وبريطانيا تُطلق "تحذير الطوارئ" 5 يوليو، 2025الأكثر شعبية تطور مفاجئ في ملف المرتبات.. والمبعوث الأممي يُقصي الرئاسي من مشهد التفاوض 2 يوليو، 2025 ترامب ينفجر غاضبًا: "خدعة نووية بـ30 مليار دولار لإيران؟ لم أسمع بها في حياتي" 28 يونيو، 2025التصنيفاتأخبار الخليجأخبار السعوديةأخبار اليمنأخرىتقنيةصحةفن ومشاهيرفيديومقالاتمنوعاتفيسبوك‫Xتيلقرامصفحاتأرشيفالأكثر مشاهدةالرئيسيةتواصل معناسياسة الخصوصيةعالممن نحن جميع الحقوق محفوظة 2025فيسبوك‫Xتيلقرام فيسبوك ‫X واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوك‫Xتيلقرام إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • تداول 12 ألف طن بضائع ووصول 362 سيارة لميناء بورتوفيق
  • تحوّل بوصلة التوتر الإقليمي.. البحر الأحمر من الخلفية إلى مركز الصراع
  • محافظ البحر الأحمر عن حادث جبل الزيت: يوجد 3 مفقودين والبحث جارٍ
  • الصورة التي أربكت العلماء.. «الشبح الأحمر» يظهر بوضوح في الفضاء!
  • احذر هذا الإنذار الصامت في معدتك.. أول طريق لسرطان قاتل دون أن تشعر
  • صواريخ تهز البحر الأحمر.. وبريطانيا تُطلق "تحذير الطوارئ"
  • تحليل أمريكي: هل لايزال الحوثيون يمتلكون الجرأة لمنع الملاحة في البحر الأحمر؟ (ترجمة خاصة)
  • ياسين سعيد نعمان: الحوثي كـ "الضبع" بقوته الغاشمة التي تعكس البطش المحمول على سيقان مرتعشة
  • وزير السياحة يستمتع بعطلة عائلية في منتجعات البحر الأحمر.. صور
  • فرق الهلال الأحمر تنقذ مصابًا في عرض البحر بجزر فرسان