تامر عبدالمنعم: عرض «نوستالجيا 80-90» رسالة للدنيا بتاريخ جبار من الفنون على مدار عقود
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
فرض عرض الدراما الاستعراضية الغنائية «نوستالجيا 80-90» المقدم على مسرح السامر بالعجوزة ومسارح الهيئة، نفسه بقوة، على مدار الأيام الماضية، وحقق إقبالاً منقطع النظير، لدرجة أن الجمهور طلب إعادة عرضه مرة ثانية فى الليلة نفسها على مسرح ثقافة بورسعيد، كما رفع العرض لافتة كامل العدد على مدار أيام عرضه خلال الفترة الماضية على مسرح السامر، ومن المقرر أن ينطلق العرض إلى عدد من المدن الساحلية منها الإسماعيلية والإسكندرية ابتداء من الثلاثاء المقبل.
تتناول دراما العمل قصة مواطن يحبس فى غرفته لحل الكلمات المتقاطعة، فتنهال عليه التليفونات والإعلانات فى شكل «فيديو كول»، للمطالبة بسداد متطلبات المجتمع الاستهلاكى، هذا إلى جانب الإعلانات المحفزة على الاستهلاك، وآخرها إعلان عن توفير المقابر، ما يصيبه بالضيق الشديد، ويحاول استرجاع طفولته وذكرياته وأوقات الاستمتاع بالفنون، من خلال زيارة السينما مع والدته، حيث كان والده كان يعد القهوة ببساطة على السبرتاية، فيقول: «أنا كنت صغير ومبسوط، وكنت فاكر لما أكبر هكون أحسن، لكن مفيش أحلى من أيام زمان».
المواطن يخلد للنوم، ويدخل فى حلم، فيستعرض مخزون ذاكراته ووجدانه، ليتحول إلى بطل للأعمال الفنية المحببة لدى الجمهور، حيث يعود لفترة من فترات الإبداع العالى والمتميز للفن المصرى على مختلف الأصعدة، الفترة التى كان بها زخم وتنوع فنى.
وتتضمن المسرحية عدداً من المشاهد المحفورة فى الذاكرة من أعمال تليفزيونية متميزة، مثل مسلسل «هو وهى»، و«ليالى الحلمية»، «بوابة الحلوانى» و«الواد سيد شغال» و«هالة حبيبتى» و«ريا وسكينة» و«شمس الزناتى» وأغانى محمد منير وعمرو دياب وغيرها، ثم يصحو المواطن من نومه، معترضاً على إيقاظه من النوم ورجوعه إلى الحاضر، فى رسالة مقصودة للتأكيد على جماليات ما شهدته هذه الفترة، ورغبة فى استعادتها.
«نوستالجيا 80-90» صناعة قصور الثقافةالعرض رؤية الفنان تامر عبدالمنعم، وكيل الوزارة بالشئون الفنية بوزارة الثقافة، ويحكى لـ«الوطن»، أن العرض بأكمله من صناعة الهيئة، «وقد اخترنا المشاهد بعناية شديدة جداً من الأعمال المحفورة فى وجدان الجمهور، كما قدم الفنانون المشاركون المشاهد على درجة عالية من الإتقان، حيث فى المسرحية 4 من فرقة الفنون الشعبية بقصور الثقافة، روض الفرج، وبورسعيد، والحرية، وسوهاج، بالإضافة لفرقة السامر، الموسيقى قدمتها الفرق الموسيقية بالهيئة بشكل جديد لخدمة الفكرة».
وديكور المسرحية جاء على درجة من الإبهار، كما يشهد احتفاء خاصاً بالمبدعين المصريين، مثل وحيد حامد ومحفوظ عبدالرحمن، والملابس أيضاً جاءت لتخدم العمل، العرض بأكمله من صناعة الهيئة، والملابس أيضاً جاءت لتعبر عن الشخصيات أبطال الأعمال الأصلية لتخدم العمل الفنى.
«نوستالجيا 80-90» العرض يواجه الفن الهابطوالعرض يواجه الفن الهابط، الذى طرأ على المجتمع باستعراض نماذج من الفن المصرى الخالص، بعيداً عن التجارية «فى التسعينات والثمانينات»، لنقول إننا نستند على تاريخ رصين من الثقافة والفن بحجة أن الجمهور عايز كده، حسب تامر عبدالمنعم، الذى أكد على فكرته بقوله: «هى رسالة للدنيا إن لدينا تاريخ جبار من الفنون على مدى عقود، والعرض يبحث عن الهوية المصرية بشكل خاص، وسعيد جداً باستقبال الجمهور للعمل».
ويصف نجاح العرض بأنه غير متوقع: «على مدار 10 أيام، لدرجة إن الجمهور يبحث عن شباك التذاكر ليتمكن من الحضور، مع إن العرض مجاناً، وعرضنا فى 3 محافظات، وسنعرض فى الإسماعيلية والإسكندرية».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: قصور الثقافة نوستالجيا 80 90 الثقافة وزارة الثقافة تامر عبد المنعم نوستالجیا 80 90 على مدار
إقرأ أيضاً:
زمن الخوف الفني.. كيف أصبحت صناعة الإبداع رهينة الرقابة الذاتية وصوت الجمهور الغاضب؟
شهدت الساحة الفنية في السنوات الأخيرة تحوّلًا عميقًا في طريقة تفكير الفنانين وصنّاع الدراما.
و لم يعد الخوف نابعًا من الرقابة الرسمية أو لوائح المؤسسات، كما كان الوضع في الماضي، بل أصبح الخوف ينبع من مصدر جديد أشد تأثيرًا وأسرع بطشًا: الجمهور. أو بالأحرى، الرأي الجمعي الذي تصنعه السوشيال ميديا في لحظات، وتحوّله إلى محكمة طارئة يمكنها إدانة أو تبرئة أي شخص بضغطة زر.
هذا المناخ الجديد خلق طبقة كثيفة من الرقابة الذاتية، رقابة تجبر الفنان على وزن كل كلمة، والمخرج على حساب كل لقطة، والكاتب على تجنب كل فكرة قد تُغضب فئة ما. وهكذا تحوّل الإبداع إلى حقل ألغام، يتحرك فيه الجميع ببطء وحذر، حتى لا تنفجر تحت أقدامهم موجة غضب رقمية تعصف بما تبقى من سمعتهم.
في قلب هذه الأزمة يقف الممثل، الذي لم يعد يتحدث بعفويته المعهودة أصبحت التصريحات مدروسة مثل النصوص، والجمل محسوبة كما لو كانت جزءًا من عمل تمثيلي كلمة واحدة قد تُجتزأ، تعليق بسيط قد يتحول إلى أزمة، ونبرة صوت مختلفة قد تُحمَّل بما لا تحتمل. هذه الحساسية المفرطة دفعت الكثير من الفنانين إلى الصمت، ليس احترامًا للصمت، بل خوفًا من العاصفة. فالممثل الذي كان يومًا ما يتحدث بثقة عن رأيه، أصبح الآن يفضّل الغموض، لأن الوضوح قد يُفهم ضدّه.
أما المخرج، فقد تحوّل من قائد للعمل الفني إلى مدير أزمة قبل حتى أن يبدأ التصوير. المشاهد الجريئة ليست بالضرورة تلك التي تتناول التابوهات، بل حتى أكثر المشاهد اليومية أصبحت تمثل مخاطرة. فكرة جديدة قد تُعتبر إزعاجًا لمجموعة معينة، ومعالجة مختلفة قد تُتهم بأنها إساءة، وتقديم شخصية خارج القوالب التقليدية قد يفتح بابًا لنقاشات لا نهاية لها. هذه الحسابات دفعت البعض إلى إنتاج أعمال آمنة، أعمال يسهل مرورها دون اعتراضات، لكنها تمر أيضًا دون بصمة فنية حقيقية.
وبين هذا وذاك، يعيش النقد الفني مرحلة غير مسبوقة من الضعف. لم يعد الناقد قادرًا على ممارسة دوره الأصلي: التقييم الموضوعي. فهناك من يخشى غضب الجماهير، وهناك من يحاول الحفاظ على علاقته بالفنان، وهناك من اختار الصمت لأن الصراحة لم تعد مستحبة. وبهذا اختفى الصوت الذي كان يوجّه الصناعة من الداخل، ويكشف نقاط القوة والضعف، ويصنع توازنًا بين المبدع والجمهور. ومع غياب النقد، أصبحت الساحة مفتوحة للتجارب المتشابهة والأفكار المكررة، لأن أحدًا لم يعد لديه الجرأة ليقول: هذا لا يصلح.
السوشيال ميديا لعبت الدور الأكبر في هذا المشهد. هي ليست مجرد منصة للتعبير، بل ساحة قتال. الحكم فيها يصدر بسرعة، وأحكام الإعدام الفنية قد تأتي من حسابات مجهولة أو حملات جماعية لا تعرف سياقًا ولا تاريخًا. كل خطأ حتى لو كان شخصيًا أو عفويًا قد يتحول إلى قضية رأي عام، وكل رأي قد يُحمّل ما لا يحتمل. أصبح الخوف من الهجوم جزءًا أساسيًا من حسابات الفنان قبل أي خطوة.
لكن خطورة الخوف ليست على الفنان فقط، بل على الجمهور نفسه. الجمهور يخسر الإبداع الحقيقي، يخسر التجارب الجريئة، يخسر الأصوات التي كانت تملك القدرة على فتح ملفات غير تقليدية. الفن الذي يُنتَج تحت وطأة الخوف يكون بلا روح، بلا مخاطرة، بلا عمق. يصبح مجرد تكرار آمن، يُرضي الجميع لكنه لا يحرّك أحدًا.
الصناعة تحتاج اليوم إلى شجاعة. تحتاج إلى فنان يستعيد صوته، ومخرج لا يخشى التجربة، وناقد يعود إلى موقعه الحقيقي، وجمهور يفهم أن الاختلاف جزء من الإبداع وليس تهديدًا له. الفن الحقيقي يقوم على الحرية، والحرية لا تزدهر في بيئة تخاف من الكلام.
في النهاية، السؤال الحقيقي ليس: لماذا الفنانون يخافون؟ بل: كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ وكيف نستعيد مساحة الإبداع التي فقدناها؟ الإجابة تبدأ حين يدرك الجميع فنانين وجمهورًا وصنّاع قرار أن الخوف يُنتج فنًا ضعيفًا، وأن المواجهة وحدها هي التي تعيد للفن مكانته، وللمبدع شجاعته، وللجمهور ثقته في أن الفن ليس نسخة واحدة تُصنع لإرضاء الجميع، بل مساحة رحبة تتحمل التعدد والاختلاف والجرأة.