الجزيرة:
2025-07-06@06:21:47 GMT

الاعتداءات على السوريين في تركيا.. من المستفيد؟

تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT

الاعتداءات على السوريين في تركيا.. من المستفيد؟

ربما لم تكن هي المرة الأولى التي تشهد بعض المناطق التركية، اعتداءات يتعرض لها السوريون ذات صبغة عنصرية.

لكن الهجمات الأخيرة التي شهدتها ولاية قيصري، وسط الأناضول بشكل أساسي، وبعض الولايات الأخرى، كانت هي الأوسع والأشد تأثيرا إنسانيا وإستراتيجيا واقتصاديا.

إذ تكفلت إشاعة معتادة بشأن اعتداء جنسي من صبي سوري على طفلة تركية (اتضح لاحقا أنها سورية أيضا) بانطلاق المئات لتكسير وحرق ممتلكات السوريين المقيمين في الولاية، ثم ما لبثت أن امتدت إلى ولايات أخرى وإن بحجم أقل.

لكن قبل الحديث عن التداعيات، لابد من تسجيل بعض الملاحظات، التي قد تضئ المشهد أكثر أمام القارئ

ملاحظات مهمة أولاً: هذه الاعتداءات وقعت في مدينة في قلب الأناضول حيث قوة وتمركز المحافظين الأتراك، كما شملت مدنا أخرى مثل قونيا وغازي عنتاب، وكلها مدن تعد خزانات انتخابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم. ثانيا: لم تكن هذه الاعتداءات عفوية، حتى وإن بدت كذلك، فالتخطيط لها لا تخطؤه العين، سواء بمتابعة الفيديوهات المنشورة، أو الشرائح الأساسية التي اشتركت في الهجمات، والتي كان أغلبها من الفئات العمرية الأقل من 18 سنة، حيث تم الدفع بهم إلى واجهة الأحداث لضمان عدم المساءلة القانونية. ثالثا: مما يقوي الفرضية السابقة، ما كشفه بيان وزارة الداخلية ، عن دور المسجلين جنائيا، في هذا الاعتداءات، حيث لعبوا دورا بارزا في تجنيد وشحن الأفراد إلى أماكن وجود السوريين. رابعا: حرص المحرضون على بث مقاطع مصورة، على مواقع التواصل الاجتماعي، لاعتداءات مماثلة من ولايات مختلفة، نفذتها مجموعات صغيرة من الصبية، لخلق شعورعام بوجود حالة من الفوضى في البلاد خارجة عن سيطرة السلطات. خامساً: سجل معظم المثقفين والصحفيين الأتراك، على اختلاف توجهاتهم السياسية والإيديولوجية، موقفا إنسانيا مشرفا، بإدانة ورفض الهجمات، حتى وإن اختلف بعضهم مع سياسة الدولة تجاه ملف اللاجئين. تحديات إنسانية خلفتها الهجمات

لم يكن اليمين المتطرف خيارا مفضلا للشعب التركي في أي انتخابات خلال الفترة الماضية، رغم تركيز دعايته على ملف اللاجئين.

ففي انتخابات عام 2023 الرئاسية والتشريعية، حصل سنان أوغان، المرشح الرئاسي حزب الظفر، على 5.1% أي حوالي مليوني و800  ألف صوت، من مجموع قرابة 61 مليون ناخب.

أما حزب الظفر فقد حصل على 2.4%، وهذه النسبة لم تمكنه من دخول البرلمان.

ثم واصل الحزب هبوطه، فحصل في الانتخابات البلدية التي جرت في مارس الماضي، على نسبة 1.7% فقط.

هذه الأرقام تؤكد بجلاء أن المزاج العام للشعب التركي ليس منسجما مع الأفكار اليمينية المتطرفة المعادية للأجانب، وذلك في لحظات الاختيار العقلانية.

كما أن التركيبة العرقية للمجتمع (أتراك – أكراد – عرب – ألبان – بوشناق – لاظ ) إضافة إلى التنوع الديني وإن بنسبة قليلة ( مسلمون – مسيحيون – يهود)، والتنوع المذهبي (سنة – علويون)، كلها أمور رسخت فيه قبول التنوع، والتسامح مع الآخر المختلف عرقيا أو دينيا أو مذهبيا، شريطة أن يترك المجتمع دون تأثيرات سلبية من السياسيين والإعلام.

لكن وبالرغم من ذلك فإن الذاكرة الجمعية للمجتمع التركي، لا زالت تحتفظ بحوادث مماثلة، تركت ندوبا في الضمير العام للمجتمع حتى الآن.

نذكر منها على سبيل المثال، الاعتداء على الأتراك من أصول يونانية في إسطنبول في سبتمبر/أيلول عام 1955، عقب نشر الصحف أنباء تفيد باستهداف منزل مؤسس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك، في مدينة سالونيك باليونان.

تلك الشائعة قادت إلى استهداف الأحياء التي يقطنها ذوو الأصول اليونانية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، وتدمير ممتلكات خاصة، وصولا إلى هجرة شبه جماعية خارج تركيا.

من هنا فإن التحدي الماثل أمام العيان، والذي يحذر منه كتَّاب ومثقفون، ألا تتدحرج الأحداث، لتعيد إنتاج ما حدث في 1955 مرة أخرى.

خاصة وأن المجتمع التركي يعيش حالة من الاحتقان نتيجة الأزمة الاقتصادية، التي أثرت سلبيا على المزاج العام.

فالسنوات الأولى للثورة السورية شهدت ترحيبا واسعا بالسوريين، وانتشر مفهوم "المهاجرون والأنصار" على نطاق واسع، لكن حالة من التبدل والتغير لا يمكن إنكارها، يأتي المتغير الاقتصادي في قمة أسبابها.

بالطبع فثمة أسباب أخرى لا يمكن إنكارها، منها تزايد أعداد المهاجرين، وطول أمد الثورة السورية مع عدم وجود حل في المدى القريب، إضافة إلى عدم التصدي للدعايات السوداء بحق اللاجئين، والكثير منها يدخل في إطار الشائعات الممنهجة، وللأسف فإن الذي يتولى كبر نشرها بعض الساسة والإعلاميين المعروفين!

كل هذه العوامل قادت إلى الاعتداءات الأخيرة، والتي ستخصم دونما شك من الصورة الحقيقية لتركيا باعتبارها دولة لا تزال حتى الآن تستضيف ملايين المهاجرين على أراضيها، وتوفر لهم الرعاية والخدمات المختلفة.

لذا فإن مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية عليها أن تكثف جهدها لمعالجة هذه التداعيات الإنسانية، خاصة وأن شهادات المواطنين الأتراك بشأن ما حدث ليلة الاعتداءات التي طالت جيرانهم السوريين مروعة ومفزعة

التداعيات الأمنية والإستراتيجية

أعلنت وزارة الداخلية التركية، اعتقال أكثر من ألف شخص على خلفية تلك الاعتداءات، فيما صدرت أوامر الرقابة القضائية بحق العشرات.

هذه الإجراءات رغم أهميتها، إلا أنها ليست كافية، إذ يجب الوصول إلى العقل المدبر والمخطط لها.

فإذا كان هناك منفذون يتحركون على الأرض لدوافع عنصرية، فإن ثمة عقل سياسي يختبئ خلفهم، يخطط جيدا لاستخدام ورقة اللاجئين لتحقيق مآرب سياسية.

فخلال الفترة الماضية تعالت أصوات في المعارضة تطالب بإجراء انتخابات مبكرة، وحيث أن المعارضة لا تملك العدد الكافي برلمانيا لتمرير هذا القرار، فثمة مسلك أخير وهو دفع البلاد إلى الفوضى، أملا في أن يقود ذلك إلى التعجيل بخيار الانتخابات المبكرة.

فالذاكرة الوطنية التركية لا تزال تذكر كيف قاد اقتتال الشوارع بين اليمين واليسار إلى انقلاب 12 سبتمبر 1980 بقيادة الجنرال كنعان إيفرين.

والتداعيات لن تتوقف على الداخل، بل امتدت خارجيا إلى سوريا وخاصة مناطق الشمال، والتي تمثل عمقا إستراتيجيا وأمنيا مهما لتركيا، وقد تابعنا حجم التوتر الأمني الذي ساد تلك المناطق في اليوم التالي مباشرة لهجمات قيصري، ما ولد انطباعا أوليا بوجود تنسيق بين الحدث الأصلي وتوابعه!

في الشمال السوري يمثل الحاضنة الشعبية للمناطق التي تشهد عمليات الجيش التركي ضد تنظيم حزب العمال وفروعه في سوريا مثل وحدات الحماية الكردية.

ومن مصلحة أنقرة إبقاء العلاقة بينها وبين سكان تلك المناطق على استقامتها. في ظل وجود جماعات وتنظيمات مثل تنظيم الدولة "داعش"، وحزب العمال "PKK" من مصلحتها تفخيخ هذه العلاقة.

كما أن الجيش التركي الذي يستعد لعملية عسكرية كبيرة في شمال العراق، وربما الشمال السوري أيضا، ليس في حاجة إلى مثل هذه الأزمات التي قد تشتت تركيزه ومجهوده العسكري الأساسي.

أيضا التداعيات لم تتوقف عند ذلك، بل امتدت إلى الاقتصاد، وخاصة مجالات السياحة والاستثمار والصناعة.

فالهجمات العنصرية في مدينة قيصري الصناعية، حالت دون خروج حوالي 30 ألف عامل سوري من منازلهم، والالتحاق بالمصانع التي يعملون فيها.

من هنا فإن المعالجة المرتقبة للأزمة، يجب أن تشمل حزمة من الإجراءات الناجزة والفاعلة، على جميع المستويات القانونية والأمنية والحقوقية والإنسانية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

الجزيرة تبث مشاهد حصرية لكمينين نفذتهما القسام ضد الاحتلال في خان يونس

حصلت الجزيرة على صور حصرية لكمينين نفذتهما كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في خان يونس جنوبي قطاع غزة، ضمن سلسلة حجارة داوود، وقتلت خلالهما جنودا ودمرت دبابات وآليات عسكرية.

وأظهرت المشاهد إغارة مقاتلين من القسام على آليات وجنود إسرائيليين في منطقة المحطة بوسط خان يونس -أمس الجمعة- حيث استهدفوا دبابتين "ميركافا" بعبوتي شواظ من المسافة صفر.

كما استهدف المقاتلون ناقلة جند بقذيفة "الياسين 105″، قبل أن يشتبك المقاتلون مع قوة الإنقاذ الإسرائيلية التي وصلت للمكان.

مواجهات من المسافة صفر

وتسلل 4 من مقاتلي القسام بين البيوت المدمرة في ساعات النهار حتى وصلوا إلى موضع تحرك ناقلة جند ودبابة قال أحد المقاتلين إنهما تتبعان السرية الثالثة للجيش الإسرائيلي، قبل أن تظهر دبابة أخرى في المكان.

وتقدم أحد المقاتلين في منطقة مفتوحة -حاملا عبوة شواظ- باتجاه الدبابة الإسرائيلية حتى وصل إليها وفجرها من المسافة صفر، وعاد إلى بيت مدمر كان يتمركز فيه مقاتلون آخرون. قبل أن تنفجر الآلية الثانية بينما أحد المقاتلين يهتف "الله أكبر.. ولعت".

بعد ذلك قام مقاتل آخر بتفجير آلية أخرى وعاد إلى زملائه حيث قاموا جميعا بالانسحاب من المكان تحت إطلاق نار كثيف من الجنود والآليات الإسرائيلية.

ولاحقا، ظهر المقاتلون وهم يشتبكون بالأسلحة الخفيفة من داخل أحد البيوت مع قوة الإنقاذ الإسرائيلية التي وصلت المكان من على بعد أمتار قليلة، وبدا أنهم أصابوا جنديا بشكل مباشر وهو إلى جوار دبابته.

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن -أمس الجمعة- عن مقتل اثنين من جنوده أحدهما في شمال القطاع والآخر في جنوبه، وقال إن 4 أصيبوا بينهما اثنان بجروح خطيرة بينهم قائد سرية.

كما أظهرت المشاهد أيضا استهداف 3 ناقلات جند في منطقة المجمع الإسلامي وشارع البيئة بوسط خان يونس، الخميس الماضي،  حيث خرج المقاتلون من بيت الأنقاض واستهدفوا الآليات واشتبكوا من الجنود بالأسلحة الخفيفة.

إعلان

عملية لسرايا القدس

وفي وقت سابق اليوم، بثت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مشاهد توثق تفجير عبوة ناسفة بآلية عسكرية إسرائيلية والاستيلاء على طائرات مسيّرة شرق مدينة خان يونس جنوبي القطاع.

كما بثت الجزيرة -أمس الجمعة- مشاهد حصرية توثق كمينا مركبا ونوعيا نفذته سرايا القدس ضد رتل إسرائيلي في مربع الهدى بشرق الشجاعية، الأربعاء الماضي.

وصعدت فصائل المقاومة من عملياتها خلال الشهرين الماضيين وتمكنت من قتل وأصابة عدد كبير من الجنود الإسرائيليي، وقالت صحيفة "يديعوت آحرونوت" إن يونيو/ حزيران كان الأكثر دموية في صفوف الجيش منذ بداية العام، حيث قتل 20 جنديا وضابطا من بين 32 قتلوا منذ عاودت إسرائيل الحرب في مارس/ آذار الماضي.

ونقلت وكالة "الأناضول" عن إذاعة الجيش الإسرائيلي أن عدد قتلى الجيش ارتفع منذ بدء التوغل البري في غزة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى 440 ضابطا وجنديا، فضلا عن 6032 مصابا بينهم 2745 بالمعارك البرية في القطاع.

مقالات مشابهة

  • الجزيرة تبث مشاهد حصرية لكمينين نفذتهما القسام ضد الاحتلال في خان يونس
  • الأمن الداخلي في اللاذقية: توقيف عدد من ضباط النظام البائد والمجرمين المتورطين في انتهاكات بحق السوريين
  • مفوضية شؤون اللاجئين تطالب بتمويل عاجل مع عودة 1.4 مليون أفغاني
  • الاحتلال الإسرائيلي يصعّد في الجنوب اللبناني.. وتحذيرات من فرض وقائع جديدة
  • حماس: الاعتداءات الصهيونية على الأقصى هدفها السيطرة المطلقة عليه
  • المعرض التركي الأول للنسيج بدمشق يوفر خيارات واسعة للصناعيين السوريين
  • وزير الإعلام: الهوية البصرية الجديدة تشبه كل السوريين وتعبر عنهم
  • مفوضية اللاجئين : عودة أكثر من 100 ألف لاجئ سوري من الأردن إلى بلادهم
  • "النصيرات 274: مجزرة الرهائن" استقصائي جديد من إنتاج الجزيرة 360
  • رغبة ألمانية في مباحثات مباشرة مع طالبان بشأن اللاجئين