اتجاهات مستقبلية

اتجاهات تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة: برلمان معلّق بين اليسار واليمين

 

 

 

 

 

في تحول مفاجئ بين الجولتين الأولى والثانية في الانتخابات التشريعية الفرنسية نجح ماكرون نسبيًّا في انتخاباته المبكرة؛ بينما فشل ريتشي سوناك في مثيلتها، فقد أظهرت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية الفرنسية انتقال السلوك التصويتي للفرنسيين من اليمين المتطرف إلى اليسار في مشهد انتخابي كشف عن متناقضات عدة أسفرت عنها الانتخابات؛ فقد كشف من ناحية عن الذكاء الانتخابي لدى الساسة الفرنسيين والنخبة الحاكمة تحديدًا في تبني استراتيجيات انتخابية مرنة ومُتكيّفة مع تغيرات المشهد الانتخابي على الأرض؛ خاصة عقب جولة انتخابية أولى مخيّبة لآمال أنصار ماكرون وحلفائه، إذ وجه رئيس حزب “التجمع الوطني” الفرنسي اليميني المتطرف “جوردان بارديلا” انتقادًا إلى الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس وزرائه “جابرييل أتال” لتعاونهما مع أحزاب اليسار لتفويت الفرصة على اكتساح اليمين المتطرف، وهو ما وصفه “بارديلا” بـ “حرمان الشعب الفرنسي سياسةَ الإصلاح التي طالب بها على نطاق واسع”.

بَيد أن هذه الاستراتيجية الانتخابية المرنة قد تؤدي إلى جمود سياسي في المستقبل المنظور في الجمهورية الخامسة التي وصفها البعض أنها مهدَّدة، عقب نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الأخيرة. إذ أسفرت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية الفرنسية عن عدم تمكن أي تحالف من تحقيق الأغلبية المطلقة المطمئنة لتنفيذ سياسات عامة واضحة تعبر عن أفكار أي منها حال وجوده في الحكومة القادمة. إذ حلّ التجمع الوطني اليمين المتطرف ثالثًا خلف تحالف الرئيس ماكرون، وفاز تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري بأكبر عدد من المقاعد وفقًا للنتائج الأولية.

ومن الناحية الإجرائية؛ لن يتخذ الرئيس إيمانويل ماكرون أي قرار بشأن تشكيل الحكومة الجديدة قبل إعلان النتائج النهائية للانتخابات، والتشكيل النهائي لمجلس النواب، ونظريًّا يجب الوصول إلى 289 مقعدًا في مجلس النواب لتشكيل ائتلاف متماسك في المجلس المؤلف من 577 مقعدًا، وهو ما يبدو أن أيًّا من التيارات السياسية الثلاثة في فرنسا؛ تيار الوسط الحاكم وتيار اليمين المتطرف وتيار اليسار الجديد لم تنجح في تحقيقه، إذ أشارت التقديرات الأولية إلى أن تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري فاز بأكبر عدد من المقاعد دون عتبة الأغلبية المطلقة وهي 289 مقعدًا، في حين تراجع حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف من الجولة الانتخابية الأولى للجولة الثانية، بفعل استراتيجية التصويت المضاد للتجمع الوطني التي اعتمدها ماكرون في الجولة الثانية بتحالفه الانتخابي المؤقت مع أحزاب اليسار.

وعلى الرغم من عدم اعتياد الناخب أو السياسة الفرنسية هذا النوع من التحالفات الانتخابية على غرار دول أوروبية أخرى كألمانيا وهولندا، لكنها حدثت فعلًا وأسفرت عن تحجيم تنامي اليمين المتطرف انتخابيًّا، وفتحت الباب أمام نشوء تحالف جديد بين تيارَي اليسار والوسط، بما يمثّله من مرونة أكبر في السياسات الفرنسية داخليًّا، وخارجيًّا، واعتبارًا أكثر لاحتمالات تحول مزاج الناخب الفرنسي في القريب نحو اليمين المتطرف.


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

إيكونوميست: هل يمكن لأحد إيقاف زحف اليمين الشعبوي في أوروبا؟

أكد مقال نشرته مجلة إيكونوميست البريطانية أن قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا يواجهون خطر صعود أقصى اليمين الشعبوي، في ظل تراجع نفوذ أوروبا وغرقها في مشاكل اقتصادية، ودخولها في خلافات عميقة مع الحليف الأميركي الذي يدعم اليمين.

وأضافت الصحيفة أن قادة الدول الأوروبية الثلاثة ما فتئوا يحذرون من كوارث إذا تقوّى أقصى اليمين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2خلافات الائتلاف وصعود اليمين تهدد مستقبل ميرتس في قيادة ألمانياlist 2 of 2برلمان النمسا يحظر حجاب الفتيات ومنظمات حقوقية تنددend of list

فقد قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إن حكومته هي "الفرصة الأخيرة" للبلد لتفادي ذلك السيناريو، وتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن "خطر اندلاع حرب أهلية" إذا ما انتصر أقصى اليمين.

بينما وصف رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر حزب الإصلاح بزعامة نايجل فاراج بأنه تحد "لجوهر هويتنا الوطنية".

غير أن إيكونوميست قالت إن خطاب أقصى اليمين الشعبوي يستحق الإدانة في كثير من ملامحه، لكنها شددت على أن الحديث عنه "بلغة كارثية" محكوم عليه بالفشل، مبرزة أن القادة يحتاجون لنهج مختلف لتحقيق الهدف المطلوب.

إخفاقات

وذكرت أن الخطاب التشاؤمي قد يبدو أنه محاولة من القادة الثلاثة لصرف الانتباه عن إخفاقاتهم الذاتية.

وتابعت أن حكومة ستارمر مثلا تنفق كثيرا على الرعاية الاجتماعية، وستفرض ضرائب قياسية في ظل غياب نمو سريع، وذلك بعد 14 عاما من الركود تحت حكم المحافظين.

أما في فرنسا، فقد ألغي قانون ماكرون لرفع سن التقاعد، بينما يدفع رئيس وزرائه الخامس -خلال 3 سنوات- باتجاه المصادقة على الموازنة بشق الأنفس داخل الجمعية الوطنية. وفي ألمانيا، لم يتحقق شيء تقريبا من خطة ميرتس لـ"خريف الإصلاحات".

وذكرت أن تحذيرات القادة الثلاثة غير مقنعة، فبعض حكومات أقصى اليمين ليست خطرة، فجورجيا ميلوني تقود إيطاليا كما يفعل أي سياسي تقليدي، ومستشارو حزب الإصلاح المحليون في بريطانيا يتصرفون حتى الآن "بشكل طبيعي".

في الوقت الذي تتراجع فيه رغبة الولايات المتحدة في قيادة الدفاع الجماعي عن أوروبا، يتبنى أقصى اليمين الأوروبي اعتقاد دونالد ترامب بأن القارة ستكون أكثر أمنا إذا كانت أقل توحدا.

وأوضحت أن عددا كبيرا من الأوروبيين لا يصدقون ما يقال لهم، لذلك باتوا يقتربون من أقصى اليمين الذين كانت تتجنبهم سابقا.

إعلان

ففي فرنسا يلتقي زعيم حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا مع رجال الأعمال الفرنسيين، وحزب الإصلاح ببريطانيا يستقبل سياسيين محافظين منشقين هو في حاجة إليهم، وفقط برلين ترفض التعامل مع حزب البديل من أجل ألمانيا، حتى إن نوابه -ثاني أكبر كتلة في البرلمان- ممنوعون من تولي مناصب نواب رئيس البوندستاغ.

وتابعت أن المشروع الشعبوي الأكثر إقناعا هو الاقتصاد، فأحزاب أقصى اليمين عندما يخاطبون الشركات يركزون على تقليل القيود التنظيمية، محليا وأوروبيا، ويقولون إنهم يريدون حكومة لا تفرض الكثير من الضرائب، بينما تشتكي الشركات من أن الدولة تعاقب روح المبادرة والمخاطرة، وتنفق الكثير على الرعاية الاجتماعية.

وعلى الرغم من أن التكامل الاقتصادي الأوروبي هو المصدر الأبرز للنمو -توضح إيكونوميست- إلا أن أقصى اليمين يتجه نحو صدام مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيقود إلى تآكل السوق الموحدة وتدمير النمو.

وتوضح الصحيفة أن على الأوروبيين أن يقلقوا من رؤية أقصى اليمين لأوروبا، ففي الوقت الذي تتراجع فيه رغبة الولايات المتحدة في قيادة الدفاع الجماعي عن أوروبا، يتبنى أقصى اليمين اعتقاد دونالد ترامب بأن القارة ستكون أكثر أمنا إذا كانت أقل توحدا.

وأكدت إيكونوميست أن الانتخابات الرئاسية ستجرى بعد 18 شهرا في فرنسا، وفي مارس/آذار 2029 بألمانيا، وأغسطس/آب 2029 ببريطانيا، وإذا استمر السياسيون التقليديون في شيطنة اليمين الشعبوي فسيريحهم ذلك نفسيا، لكنه لن يخدم بلدانهم.

مقالات مشابهة

  • إيكونوميست: هل يمكن لأحد إيقاف زحف اليمين الشعبوي في أوروبا؟
  • اتجاهات حكومية: ما بين الانتقال ومنع الصيانة
  • هل يحل البارزاني برلمان كردستان لكسر جمود تشكيل الحكومة؟
  • هل تحالف الإسلام السياسي وقوى اليسار لنصرة فلسطين؟
  • أبرز خمس اتجاهات تدفع الحقبة القادمة من الذكاء الاصطناعي الوكيل في جميع أنحاء المنطقة
  • علي الطلاق بالتلاتة منا واكل.. الإفتاء توضح هل يقع بها انفصال حال حنث اليمين؟
  • الإطار ينفي مشاركة قادة الفصائل في اجتماعه الأخير: حوارات تشكيل الحكومة متواصلة
  • محاضرة حول أصول الفكر المتطرف بمركز الثقافة الإسلامية بدمنهور
  • ائتلاف المالكي:تشكيل الحكومة المقبلة سيتأخر لحين” التوافق”
  • رجي التقى نظيره العماني: عُمان تؤكد دعمها لبسط سلطة الحكومة اللبنانية واسترجاع قرارها الوطني