إصلاح قطاع الأمن في السودان- تحديات الماضي وآمال المستقبل
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
زهير عثمان حمد
يحتاج السودان إلى استراتيجية أمنية وطنية لتوجيه إصلاحات قطاعه الأمني من أداة قمع لإدامة النظام القديم إلى قوة مهنية تحمي المواطنين في ظل نظام ديمقراطي. يتألف قطاع الأمن السوداني من حوالي 227,000 فرد، ويشكل تحديًا كبيرًا بسبب تجزؤه وعدم احترافيته. لتحقيق التحول الديمقراطي، يجب دمج الجماعات المسلحة في هذا القطاع.
التحديات المستقبلية
يجب على السودان وضع استراتيجية للأمن القومي تأخذ في الاعتبار التحديات المحتملة والتغييرات المستقبلية. يتطلب الإصلاح أيضًا التكامل بين الجهات الأمنية المتباينة في كيان وطني واحد.
قطاع الأمن: تحدٍ أمام المرحلة الانتقالية
ستُشكِّل الخيارات المتخذة في معالجة أولويات أي انتقال سياسي ووتيرته وتسلسله درجة الفعالية في إزالة الفجوات المتعلقة بتفكيك النظام الاستبدادي القديم واستبداله بنظام ديمقراطي جديد. هذا ينطبق بشكل خاص على قطاع الأمن الذي يجب أن يتحول من أداة قمع إلى أداة تحمي المواطنين في ظل الديمقراطية.
الإصلاح والتكامل
القطاع الأمني الذي أنشأه نظام البشير مجزأ للغاية وكبير بشكل استثنائي، حيث يتألف من حوالي 227,000 فرد، بعيدًا عن مختلف الجماعات المسلحة المنتسبة إليه، التي يُنظر إلى العديد منها على أنها غير مهنية. ومع انخفاض النفقات العسكرية من ذروتها خلال الحرب الأهلية الطويلة مع جنوب السودان، فإن النفقات العسكرية ما تزال تمثل ما يقرب من 10 في المائة من الميزانية الوطنية، فضلاً عن انخراط الجيش بشكل كبير في أجزاء أخرى من الاقتصاد.
التحديات الخاصة بإدماج الحركات المسلحة
الحركات المسلحة التي تحارب الحكومة، والتي تتميز أيضًا بجنود غير مدربين جيدًا وغير منضبطين، سيتعين الآن إدماجها في هذا القطاع الأمني. تم ترك مسألة عدد المقاتلين الذين يتعين إدماجهم بيد المؤسسات العسكرية المشتركة.
تاريخ جهاز الأمن والمخابرات السوداني: من التأسيس إلى اليوم
فترة نظام جعفر النميري (1969-1985)
التأسيس: تم تأسيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني في عهد الرئيس جعفر النميري بعد انقلابه العسكري عام 1969.
الأهداف: كان الهدف من إنشاء الجهاز هو حماية النظام الحاكم ومراقبة المعارضة السياسية وتأمين النظام من الانقلابات والمحاولات الثورية.
الهيكلة: شهد الجهاز في هذه الفترة تنظيمًا داخليًا متواضعًا نسبياً، لكنه تطور تدريجياً ليصبح أكثر تأثيرًا في المشهد السياسي والأمني.
فترة الديمقراطية الثالثة (1985-1989)
التغيرات: بعد سقوط نظام النميري في انتفاضة أبريل 1985، شهد الجهاز بعض التغييرات في هيكليته ووظائفه.
التوجهات الجديدة: تم توجيه الجهاز بشكل أكثر نحو مكافحة الجريمة وتأمين الحدود، لكن ظلت السياسة جزءًا من مهامه.
فترة نظام عمر البشير (1989-2019)
التوسع والتعزيز: بعد انقلاب 1989 بقيادة عمر البشير، تم إعادة تنظيم الجهاز وتسليحه بشكل كبير. أصبح جهاز الأمن والمخابرات الوطني (NISS) أحد أهم أدوات النظام في قمع المعارضة وحماية النظام الحاكم.
تسليح الجهاز: بدأ تسليح الجهاز وتشكيل كتائب مقاتلة تحت مسمى "كتائب الظل" و"كتائب الدعم السريع"، والتي كانت تُستخدم في العمليات الأمنية والعسكرية الداخلية.
التوسع في المهام: بالإضافة إلى مهامه التقليدية، توسع الجهاز ليشمل مكافحة التمرد في مناطق النزاعات مثل دارفور وجنوب السودان.
التورط في انتهاكات حقوق الإنسان: تعرض الجهاز لانتقادات واسعة النطاق بسبب تورطه في انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري.
فترة الانتقال الديمقراطي بعد سقوط البشير (2019-الآن)
التفكيك والإصلاح: بعد سقوط نظام البشير في أبريل 2019، أعلنت الحكومة الانتقالية عن نيتها إصلاح الجهاز الأمني وتفكيكه إلى حد ما.
إعادة التنظيم: تم تغيير اسم الجهاز إلى جهاز المخابرات العامة، مع توجيه تركيزه نحو جمع المعلومات الاستخبارية بدلاً من المهام القتالية.
محاولات الإصلاح: رغم الجهود المبذولة لإصلاح الجهاز وتقليص نفوذه، لا تزال هناك تحديات كبيرة في تحقيق هذه الأهداف بالكامل، نظراً للتعقيدات الأمنية والسياسية في البلاد.
تسلسل زمني لأهم الأحداث
1969: تأسيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني في عهد الرئيس جعفر النميري.
1985: سقوط نظام النميري وانتقال الجهاز إلى مرحلة جديدة مع بعض التغييرات في مهامه.
1989: انقلاب عمر البشير وتعزيز وتسليح جهاز الأمن، وتشكيل كتائب مقاتلة.
2003-2005: توسع دور الجهاز في دارفور ومناطق النزاع.
2019: سقوط نظام البشير ومحاولات إصلاح الجهاز من قبل الحكومة الانتقالية، وتغيير اسمه إلى جهاز المخابرات العامة.
شهد جهاز الأمن والمخابرات السوداني تطورات وتحولات كبيرة منذ تأسيسه في عهد نميري، حيث انتقل من كونه جهازًا أمنيًا بسيطًا إلى أحد أهم أدوات السلطة في قمع المعارضة وحماية النظام الحاكم خلال فترة البشير. بعد الثورة السودانية وسقوط نظام البشير، تتواصل محاولات إصلاح الجهاز لتتناسب مع تطلعات السودانيين نحو نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان.
الحاجة لتوجه استراتيجي
يتطلب إصلاح قطاع الأمن السوداني مع الجمع بين الجهات الفاعلة الأمنية المتباينة في كيان وطني واحد وقتًا وتفكيرًا جديدًا. يشمل ذلك تغيير طريقة النظر إلى الأمن والتخطيط له وإدارته وتسليمه إلى الشعب السوداني. المضي قدمًا بدون هذا التوجه الاستراتيجي يمكن أن يؤدي إلى انهيار عملية الإصلاح برمتها بسهولة.
دور المدنيين في الأمن
في ظل الديمقراطية، يكون للمدنيين دور حيوي في تحديد رؤية القطاع الأمني وسياساته الاستراتيجية. يجب أن يضطلع أعضاء البرلمان والمجتمع المدني بمهام رقابية مهمة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب وزارات مثل العدل والمالية والهجرة والجمارك دورًا في ضمان أمن السكان.
تحديات تسلسل مراحل الانتقال الأمني
تسلسل مراحل الانتقال الأمني في “اتفاق السلام” يطرح تحديات. تحديد حجم القوات المسلحة الجديدة وإصلاحها يحدثان دون أي توجيه استراتيجي.
التمثيل والكفاءة المهنية
التوفيق بين التمثيل والكفاءة المهنية في قطاع الأمن يمثل تحديًا في المرحلة الانتقالية بعد انتهاء الصراع. تهيمن بعض الجماعات العرقية على الفصائل المسلحة، وتميل إلى أن تكون ممثلة تمثيلاً زائدًا في الحكومة الانتقالية، التي تكافئ بدورها أولئك الذين يحملون الأسلحة، كما هو الحال في جنوب السودان.
التجزؤ والتشتت
يعاني قطاع الأمن في السودان من تجزؤه وتشتته بين مختلف الجهات الأمنية، مما يؤثر على التنسيق والتعاون بينها. يجب توحيد الجهود وتحقيق التكامل لتحقيق الكفاءة المطلوبة.
التدريب والتحديث المهني
يحتاج أفراد الأجهزة الأمنية إلى تدريب مستمر وتحديث مهني لمواكبة التطورات الأمنية وتحسين أدائهم. يجب تعزيز القدرات الفنية والتكنولوجية للأجهزة الأمنية.
الشفافية والمساءلة
يجب تعزيز الشفافية وتعزيز آليات المساءلة للأجهزة الأمنية، مما يساهم في تحسين الأداء والكفاءة.
إصلاح قطاع الأمن في السودان يتطلب توجهًا استراتيجيًا شاملاً يأخذ في الاعتبار التحديات المختلفة ويسعى لتحقيق التكامل بين الجهات الأمنية المتباينة. التدريب المستمر، الشفافية، والمساءلة كلها عوامل حيوية لضمان نجاح هذه الإصلاحات وتعزيز أمن واستقرار السودان في ظل نظام ديمقراطي.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: نظام دیمقراطی إصلاح الجهاز نظام البشیر قطاع الأمن سقوط نظام الأمن فی جهاز ا
إقرأ أيضاً:
هل قتلت قوات الدعم السريع الصحفي السوداني معمر إبراهيم؟
انتشرت أخبار مكثفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بوفاة الصحفي السوداني المعتقل لدى قوات الدعم السريع معمر إبراهيم، داخل مكان احتجازه في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.
وفي إفادة للجزيرة نت، أكد محمد إبراهيم، الشقيق الأكبر للصحفي المعتقل منذ أكتوبر/تشرين الأول أن مصدر الإشاعة التي نفى صحتها ما زال مجهولا، وأن معمر بخير ولم يتعرض لأي أذى، مشيرا إلى أنه استطاع الاطمئنان عليه عقب ورود إشاعة وفاته مساء أمس الأربعاء.
وأضاف شقيق الصحفي الذي عمل مراسلا لدى قناة الجزيرة مباشر أن آخر تواصل مباشر معه كان عقب ظهوره إلى جانب المتحدث باسم الدعم السريع الفاتح قرشي مطلع الشهر الماضي، غير أن ثمة تواصلا غير مباشر يسعون عبره إلى الاطمئنان على معمر وتأمين احتياجاته.
وأكد المتحدث باسم تحالف السودان التأسيسي -الذي يقوده الدعم السريع- علاء الدين نقد في تصريح للجزيرة مباشر أن الصحفي معمر بـ"أمن وأمان"، وفق تعبيره.
ما مصير الصحفي معمر إبراهيم؟
الناطق باسم تحالف السودان التأسيسي يجيب #الجزيرة_مباشر #السودان #الفاشر pic.twitter.com/JpygwAP36v
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 16, 2025
مطالبات بظهور الصحفيوتعليقا على تصريح نقد، دعا الصحفي السوداني مزمل أبو القاسم إلى السماح لزميله معمر بالظهور على شاشة قناة الجزيرة مباشر للتأكد من سلامته، وكتب عبر حسابه على فيسبوك بأن معمر تعرض لإخفاء قسري واحتجاز غير مشروع وإهانة وضرب وتعذيب ظهرت بجلاء في مقاطع فيديو عقب سقوط مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور.
لكنّ الإشاعة حفّزت حالة القلق على سلامة معمر وعدد غير معلوم من الصحفيين المعتقلين والمختفين قسريا في السودان، ورغم نفي الأمر، يبدي نقيب الصحفيين السودانيين عبد المنعم أبو إدريس قلقه بشأن سلامة الصحفي معمر، مطالبا بإطلاق سراحه على الفور.
إعلانويقول أبو إدريس للجزيرة نت "معمر كان يؤدي مهنته كصحفي وهي ليست جريمة حتى يُحتجز بسببها، وما يمرّ به يُعد خرقا للقوانين الدولية والإنسانية"، مناشدا المنظمات المهتمة بحرية الصحافة للتضامن مع معمر وسائر الصحفيين السودانيين في ما يقاسونه من تحديات وتهديدات جراء الحرب.
سي بي جيه: صحة معمر متدهورة ونريد دليلا على حياتهوفي تصريح لها مساء الأربعاء، أعربت لجنة حماية الصحفيين "سي بي جيه" (CPJ) عن قلقها إزاء تقارير تفيد بأن الحالة الصحية للصحفي معمر قد تدهورت بشكل خطير أثناء احتجازه، داعية إلى الإفراج الفوري عنه لتمكينه من تلقي الرعاية اللازمة.
#السودان: "نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بأن الحالة الصحية للصحفي السوداني معمر إبراهيم، المحتجز لدى قوات الدعم السريع، قد تدهورت بشكل خطير أثناء احتجازه. إذ أصبح طريح الفراش ويعاني من آلام شديدة، في وقت ترفض فيه قوات الدعم السريع نقله إلى المستشفى أو الإفراج عنه. وتدعو… pic.twitter.com/Sx0zRTfVMq
— CPJ MENA (@CPJMENA) December 10, 2025
وقالت المديرة الإقليمية للّجنة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا سارة القضاة إن معمر أصبح طريح الفراش ويعاني من آلام شديدة، في وقت ترفض فيه قوات الدعم السريع نقله إلى المستشفى أو الإفراج عنه.
لكنْ في اليوم التالي، الخميس، صدر تصريح آخر للّجنة الدولية، يفيد بأنها راسلت قوات الدعم السريع مطالِبة بتقديم أي دليل على أن الصحفي معمر إبراهيم على قيد الحياة، وذلك بعد ورود تقارير تفيد بأنه قُتل أثناء احتجازه، في حين لم تجزم اللجنة بنفي الأخبار المتداولة.
تؤكد لجنة حماية الصحفيين أنها راسلت قوات الدعم السريع مطالِبةً بتقديم أي دليل على أن الصحفي السوداني معمر إبراهيم على قيد الحياة، وذلك بعد ورود تقارير تفيد بأنه قُتل أثناء احتجازه لدى قوات الدعم حيث يقول زملاؤه إنها مزاعم غير مؤكدة حتى الآن." سارة القضاة. pic.twitter.com/HZujvEmIel
— CPJ MENA (@CPJMENA) December 11, 2025
وكانت شبكة الصحفيين السودانيين في الـ18 من الشهر الماضي أعربت عن قلقها البالغ على مصير الصحفي، عقب تصريحات لوزير الصحة في حكومة التأسيس علاء نقد خلال لقاء له عبر قناة الجزيرة، ذكر فيها جملة من التهم الموجهة للصحفي، وقال إنه كان سببا في تأجيج الحرب.
وقالت الشبكة في بيان آنذاك إن "سيل الاتهامات التي أطلقها نقد في حق معمر تجعلنا في قلق شديد من المصير الذي ينتظره".
الصحفي بوصفه مدني بموجب القانون الدولي الإنساني يجب حمايته من أطراف النزاع ويحظر احتجازه أو معاملته بقسوة أو الاعتداء عليه.
ندعو @ICRC للعمل على ضمان سلامة الزميل الصحفي معمر إبراهيم @MUAMMAR_SUD الذي ظهر محتجزا ويعامل بقسوة من قبل عناصر الدعم السريع وفقا للمقطع أدناه. pic.twitter.com/fw1WsD4j1S
— Mojahed Taha (@mojahedashw2k) October 26, 2025
وظهر معمر إبراهيم اليوم الثاني لسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر 26 أكتوبر/تشرين الأول، في مقطع فيديو صُوّر ليلًا مع مجموعة من المسلحين، وقال فيه إنه حاول الخروج من المدينة، وقد قُبض عليه قبل أن يتمكن من ذلك.
إعلانوفي الرابع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بثت قوات الدعم السريع مقطعا مصورا ظهر فيه إبراهيم إلى جانب الفاتح قرشي، الذي قال إن الصحفي يواجه تهمة الإساءة لقوات الدعم السريع بسبب استخدامه كلمتي "مليشيا وجنجويد" توصيفا للدعم السريع، معتبرا الوصفين إخلالا بالحيادية المطلوبة لدى الصحفيين.
وقبل نحو أسبوعين، اغتالت قوات الدعم السريع الصحفي تاج السر محمد سليمان، مدير مكتب وكالة السودان للأنباء (سونا) في منزله مع شقيقه بحي الدرجة في مدينة الفاشر.
وأشار وزير الإعلام السوداني خالد الإعيسر في بيان نعيه الصحفي سليمان، إلى أن قوات الدعم السريع اعتقلت عددا من الصحفيين السودانيين العاملين لدى وسائل إعلام مختلفة، ونقلتهم من الفاشر إلى مدينة نيالا في جنوب دارفور غربي السودان.
وناشد الإعيسر المنظمات الدولية المعنية بحماية الصحفيين الاضطلاع بدورها في متابعة الصحفيين المعتقلين والعمل على ضمان سلامتهم.
وغطى إبراهيم أخبار الحرب في دارفور على مدى العامين الماضيين، ويُعدّ من بين الصحفيين القلائل الذين بقوا لتوثيق التطورات في الفاشر رغم الغارات الجوية المستمرة وانقطاع الاتصالات والأزمة الإنسانية الحادة.