لا سفر يفرج الهم ولا ...!
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
جاءتْ هذه الحياة مُتغيرة الفصول والأوقات، تتجسد على الأرض: تارة تجعلها جميلة بهية نضرة يتألق الوجود بها، وتارة أخرى تجف أوراقها وتبهت ألوانها، وتموت الحياة بها، ويتبدل عليها كل شيء منه الجديد بالقديم، والحديث بالسيئ، وتذهب عنها الطبيعة المبهجة، والتزين بالجمال والألوان الساطعة.
ففي الصيف تمتاز بلدان بعينها بالحرارة الشديدة، وأخرى بالطقس البارد المعتدل، ويفرُّ قاطنو تلك البلدان مرتفعة الحرارة إلى غيرها من المناطق والأماكن الباردة، بحثا عن جنة الله تعالى في الأرض، كصلالة التي تكتسي بالخضرة والجمال بسبب رذاذ الخريف وسقوط زخات مطرية متفرقة عليها.
وفي فصل الصيف تنتهي اختبارات أبنائنا الطلبة من الصف الخامس حتى الصف الثاني عشر، وتظهر النتائج متباينة ومختلفة، فهناك من نجح وكوفئ، وهناك من حصل على دور ثانٍ وتجاوزه، فإلى هنا انتهى دوام الطلبة والعام الدراسي، وأغلقت المدارس، وصارت البيوت تحظى على مدار 24 ساعة بتواجد أبنائها عليها لأكثر من تسعين يومًا ربما؛ مما شكل ضغطًا على رب الأسرة وعائلها، بضرورة تنظيم جدول للبيت والأسرة، وتوفير الغذاء والكساء لهم، وتأمين متطلبات الراحة واللعب والترفيه، والاستفادة من أوقات الأبناء، لاستغلالها الاستغلال الأمثل الذي يعود عليهم بالنفع، وهذا كثيرًا ما يكون ليس في مقدور رب الأسرة الفقير وذي الدخل المنعدم والمحدود جدًّا.
وفي جانب آخر من هذا المشهد ومن هذه الدورة الحياتية، نجد هنالك في فصل الصيف أيضًا، أسرا وعوائل يمَّموا وجوههم شطر حياة أخرى، وفروا إلى طلب السياحة والنزهة خارج عُمان وداخلها، لما حباهم الله تعالى من نعمة المال والثراء واليسر، وبقيت هذه الأسر الفقيرة يلهبها حر الصيف وارتفاع درجات الحرارة، ويعدد أبناؤها الآثار النفسية وضيق الحال والأحوال، لما هم فيه من حرمان وتواجد كل الوقت في البيت، فها هم سمعوا أن جيرانهم وزملاءهم حزموا أمتعتهم، وجمعوا أشياءهم ومقتنياتهم، وسافروا إلى أقطار باردة وبلدان معتدلة الطقس، بحثاً عن أجواء ودرجات حرارة منخفضة. فأيام الصيف الحارة لا تُطاق، والذين يقضون أيام العطلة الصيفية فيها يشعرون بالأسى والأسف والضيق لعدم مقدرتهم على السفر والتواجد في أجواء خريفية رائعة، والاستمتاع بما تحويه صلالة من مناظر خلابة وطبيعة باردة وأرض مكتسية بالماء والخضرة والوجه الحسن.
إنَّ الأسر الفقيرة تنوء اليوم بمسؤوليات كثيرة وكبيرة تجاه أبنائها، فهي غير قادرة على توفير أدنى متطلبات الحياة اليومية، وغير قادرة على إلحاق أبنائها بمراكز صيفية، حيث يعتبرونها التزامًا آخر كالمدارس. نعم يعتبرونها التزامًا بأشياء متعددة، منها الانضباط في تلك المراكز بأمور كثيرة، وهو ما يُعتبر لدى بعض الأسر الفقيرة أمرًا فيه صعوبة ومشقة مالية وأسرية وحياتية شتى، متحدثين: " نحن ما صدقنا تخلص المدارس، فليس بنا ولدينا قدرة للدفع بأبنائنا إلى تلك المراكز الصيفية وإن كانت بالمجان"، فيحجمون عن إرسال أبنائهم إليها؛ إذ يحتاج الأبناء إلى ملابس مرتبة ونظيفة يلبسونها بشكل يومي، ناهيك عن تأمين احتياجات شخصية فردية لهم، وتحقيق رغبات وتوفير وجبات غذائية ومحفزات معنوية... والكثير. وفي ظل هذه الضغوط كيف لرب الأسرة أن يشعر باستقرار نفسي فعَّال، ويتمتع طوال الوقت بهدوء المزاج وإتزان الأفعال وضبط الانفعال وصحة جسدية ونفسية سليمة جيدة، ما لم يكن هو وأسرته وأطفاله في غاية السعادة، ينعمون أقل تقدير بأقصى درجات الراحة والسعادة الأسرية والمجتمعية. فتعدد المسؤوليات والمهام والأدوار على رب الأسرة، واختلاف الواجبات بدون وجود قدرة مالية يجعله في ضيق دائم وحال وأوضاع سيئة مختلفة، تُمِيت جل الرغبات به، وتقتل بداخله الطموحات، ولا يستطع أن يحصل على حل وتوافق لكل الضغوط.
في ظل هذه الأوضاع التي تعانيها الأسر الفقيرة التي ليس بإمكانها السفر أو الترفيه عن أبنائها، يجب مُراعاتهم بانتهاج واستحداث آليات معينة تجعلهم يسعدون ولو بالشيء اليسير، بصرف النظر عن من سافر وتنزه واستمتع. يقول الإمام الشافعي في فوائد السفر: تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد: تفريج هم، واكتساب معيشة، وعلم، وآداب، وصحبة ماجد.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
من الغرق إلى الأسر.. مأساة بحارة إترنيتي سي بيد الحوثيين
تواصلت، الخميس، عمليات البحث والإنقاذ في أعقاب غرق سفينة الشحن اليونانية "إتيرنيتي سي" في البحر الأحمر، وسط أنباء متضاربة حول مصير طاقمها البالغ عددهم 22 فردًا، في حادثة جديدة تعمّق المخاوف من تفاقم أزمة الملاحة الدولية في هذا الممر البحري الحيوي.
وأكدت مصادر أمنية بحرية أن فرق الإنقاذ تمكنت من انتشال ستة من أفراد الطاقم أحياء بعد قضائهم أكثر من 24 ساعة في المياه، فيما لا تزال مصائر 16 آخرين مجهولة حتى الآن، وسط ترجيحات باحتجاز عدد منهم من قبل جماعة الحوثي اليمنية التي تبنّت الهجوم.
ونقلت مصادر أمنية أن ميليشيا الحوثي تحتجز ستة من أفراد طاقم السفينة، دون أن تفصح عن هوياتهم أو جنسياتهم، وهو ما عززته أيضًا تصريحات صدرت عن السفارة الأمريكية في اليمن التي اتهمت الحوثيين صراحة بـ"اختطاف" عدد من الناجين من الطاقم.
وقالت السفارة في بيان رسمي: "بعد قتل رفاقهم، وإغراق السفينة، وإعاقة جهود الإنقاذ، اختطف الإرهابيون الحوثيون عددًا من أفراد طاقم سفينة (إترنيتي سي) الناجين"، مطالبةً بـ"إطلاق سراحهم فورًا ودون قيد أو شرط"، مؤكدة أن هذه الممارسات تؤكد مجددًا مشروعية تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية.
من جهتها، أوضحت مهمة الاتحاد الأوروبي البحرية "أسبيدس"، المعنية بتأمين الملاحة في البحر الأحمر، أنها ساهمت في عمليات الإنقاذ، مشيرة إلى أنها تمكنت من إنقاذ 6 من أفراد الطاقم يحملون الجنسية الفلبينية، بالإضافة إلى عنصر أمني بحري يوناني.
وكانت السفينة "إترنيتي سي" قد تعرضت لسلسلة من الهجمات خلال يومي الاثنين والثلاثاء قبل أن تغرق صباح الأربعاء، وفق ما ذكره مسؤولون في قطاع الملاحة البحرية. وقد أسفر الهجوم عن مقتل أربعة أشخاص كانوا على متن السفينة، في حين تمكن بعض أفراد الطاقم من مغادرتها قبل أن تغمرها المياه بالكامل.
وأعلن الحوثيون في وقت سابق مسؤوليتهم عن الهجوم، ضمن سلسلة هجمات بحرية ينفذونها منذ أشهر ضد سفن تجارية، بدعوى ارتباطها بإسرائيل، أو لدعمهم لما وصفوه بـ"الرد على العدوان الإسرائيلي على غزة". في حين أن السفن التجارية التي يتم استهدافها لا تتبع شركات إسرائيلية ولا تمت لتل أبيب بأي صله.
ويُعد غرق "إترنيتي سي" ثاني حادثة من نوعها خلال أسبوع واحد، حيث كانت سفينة الشحن "ماجيك سيز" قد تعرضت لهجوم مماثل قبل أيام، ما يعكس تصعيدًا خطيرًا في هجمات الحوثيين على حركة الملاحة في البحر الأحمر، ويطرح تساؤلات كبرى حول أمن الممرات البحرية الدولية.
وقد أثارت هذه التطورات مخاوف دولية متزايدة من تعطل إمدادات التجارة العالمية، خصوصًا مع تنامي التهديدات المتكررة على واحد من أهم خطوط الشحن في العالم، الذي يمر عبره نحو 12% من حركة التجارة العالمية سنويًا.