جلسة حوارية تناقش صناعة الثقافة والتحديات التي تواجهها
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
مسقط ـ «الوطن»:
انطلاقًا من مشروع حوار المعرفة والذي يسلط الضوء حول مواضيع ثقافية مختلفة تهم أكبر شريحة من المجتمع نظمت صباح أمس وزارة الثقافة والرياضة والشباب متمثلة بالمنتدى الأدبي الجلسة الحوارية عن الاستثمار الثقافي قدَّمتها حمدة بنت سعيد الشامسية وأدار الجلسة غسان الروشدي.
ثراء الدول يقاس
بحجم المعرفة
بدأت حمدة الشامسية حديثها بمقدمة عن أهمية المعرفة، حيث قالت: نعيش في عالم أصبحت قوة الدول فيه وثراؤها يقاس بحجم المعرفة التي تنتجها أو تملكها، ويسري هذا على الأفراد أيضا، فنظرة سريعة إلى العالم اليوم نجد أن أثرى أثرياء العالم يتحكمون في معلوماته، بدءًا من بيل جيتس، ومارك زوكربيرج، وجيفري بيزوس، مرورا بلاري إلسون، وانتهاء بتشانج يمينج، مما استدعى تزايد اهتمام الدول بالاستثمار الثقافي الذي تُعدُّ المعرفة أحد مكوِّناته الأساسية، والإنسان هو رأس ماله ومورده، كونه هو صانع الإبداع، ومنجم المواهب والكفاءات والقدرات في صناعة الثقافة التي باتت الدول تعول عليها اليوم في المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي من جهة، ووضع اسم الدول على خريطة الاقتصاد العالمي.
الاستثمار الثقافي
ثم عرجت إلى التعريف بالاستثمار الثقافي وهو استغلال المكوِّنات الثقافية للفرد والمجتمع لتحقيق دخل مادي يسهم في الناتج الإجمالي للشعوب، من خلال إقامة مشاريع استثمارية تكون الثقافة بمكوِّناتها هي رأس المال المستثمر، ويشمل ذلك مكوِّنات ثقافة المجتمع من عادات وتقاليد، وملبس، وآثار وتراث، ومعالم تاريخية، وفنون شعبية بما فيها الرقصات والأهازيج والألعاب الشعبية، ومسرح وسينما، ويشمل كذلك التصميم والأزياء، والمأكولات الشعبية، والإنتاج الأدبي من شعر ورواية وكتاب، وهذا ربما ما يجعل قياسها صعبًا إلى حدٍّ ما كونها تتداخل في اقتصادات ناعمة أخرى مثل السياحة، ولعل المردود الاقتصادي هو المحرك لنشأة الاقتصاد الثقافي إلا أنَّ هناك عوائد في غاية الأهمية تجنيها الدول من استثمارها في الثقافة لعل أهمها تعزيز الهُوِيَّة الوطنية، وربط الإنسان بحضارته وموروثه الثقافي، فضلا عن تشجيع الابداع والابتكار واستغلال طاقات الشباب فيما يعود بالنفع على المجتمع ككل، ولأهميتها أيضًا في الاستدامة المالية للمشاريع الاقتصادية المرتبطة بها.
تحديات سلطنة عمان
في الصناعات الثقافية
وناقشت الجلسة التحديات التي تواجه سلطنة عمان في الصناعات الثقافية والابداعية، حيث قالت حمدة الشامسية تتميز سلطنة عمان بثراء حضاري وتاريخي وثقافي مادي وغير مادي، حيث جعلها موقعها الفريد ملتقى للكثير من الحضارات التي شكلت على مدى العصور فسيفساء ثقافية وحضارية جميلة، كما تمتاز بغزارة الإنتاج الفكري والأدبي المتمثل في الشعر والرواية والدراسات الفكرية، والفني المتمثل في الموسيقى والأهازيج والفنون الشعبية ، فضلًا عن ثراء وتنوع في الأزياء العمانية بين مختلف المحافظات، والحرف اليدوية التقليدية، أضف إلى ذلك اللهجات العمانية التي تُعدُّ مكوِّنًا رئيسًا من مكوِّّنات الموروث الشَّعبي العماني اللغوي، كما تتميز سلطنة عمان بتراثها المادي الزاخر من قلاع وحصون وحارات وأفلاج، وآثار إضافة الى المطبخ العماني الي يتميز بثراء كبير جدا وتنوع ، ولا ننسى العادات العمانية الجميلة التي ما زال العمانيون متمسكون بها، والتي ما فتئت تثير فضول واهتمام العالم من حولنا، ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في إثارة هذا الفضول والاهتمام به بشكل كبير.
وقالت التحدي الأول والأكبر ربما هو في وضع إطار موحد لأنشطة الاستثمار الاقتصادي من أجل تنظيمها، وقياس عائدها، والاستفادة منها في تنمية القطاعات المختلفة، أيضًا لأن الاستثمار الثقافي هو مجال إبداعي فهو يحتاج إلى مساحة تمكنه من استغلال ملكات الإبداع عند الجيل بما يتناسب مع التطورات الحاصلة اليوم، كما يحتاج القطاع أيضًا إلى أنظمة تشريعية مواكبة للتغيرات، ولأنَّ الرأس المال البشري هو أهم مكوِّنات هذا الاقتصاد، فالأمر يتطلب العناية بتعليم الشباب، وتأهيلهم وتمكينهم من أجل النهوض بهذا الفرع من الاقتصاد. وأشارت من التحديات التي تواجهها صناعة المعرفة في سلطنة عمان أيضا حقيقة كون السلطنة مازالت مستوردة للتقنية التي هي من أهم مقومات نجاح الاستثمار في هذا العالم المترابط والمتنامي، ومن ضمن التحديات التي يواجهها الاستثمار الثقافي في السلطنة ضعف مشاركة القطاع الخاص في المشاريع الثقافية وفي بناء القدرات والكفاءات لتكون قادرة على المنافسة في اقتصاد معرفي فعال، وإن كان التحدي المالي هو أقوى هذه التحديات نتيجة تراجع العوائد النفطية، وضغط المصروفات الحكومية التي تمثل المصدر الوحيد للإنفاق على البحث العلمي والابتكار.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: التحدیات التی سلطنة عمان
إقرأ أيضاً:
السلاح.. صناعة للموت وإبادة للشعوب
في مطلع ديسمبر الجاري، حذر الملياردير الأمريكي بيل جيتس حكومات العالم من أن قرابة خمسة ملايين طفل حول العالم قد يموتون قريبًا، في إشارة منه إلى أن ناقوس الخطر يجب أن تقرع أجراسه. وعزا جيتس ذلك التخوف إلى انخفاض سريع في حجم المساعدات الدولية للمنظمات والهيئات الإنسانية، مشيرًا إلى أن مع نهاية الشهر الجاري سيتجاوز عدد وفيات الأطفال أربعة ملايين ونصف المليون وفاة من هم دون سن الخامسة، موضحًا أن العدد الفعلي لهذه المأساة سيرتفع مع السنوات المقبلة.
وليس بعيدًا عن تصريحات جيتس، نجد أن الرئيس الأمريكي ترامب نصح الشركاء الأوروبيين بزيادة ميزانيات الدفاع إلى أرقام قياسية، وشراء الأسلحة والعتاد العسكري المتطور على حساب الخدمات الأخرى التي كان من الممكن توجيه الأموال إليها. بالمقابل، خفضت الولايات المتحدة مساعداتها الإنسانية للمنظمات والهيئات الدولية منذ مطلع العام الجاري، وامتدت هذه التخفيضات إلى جهات مانحة أخرى مثل بريطانيا وألمانيا وغيرها.
وبات برنامج التنمية المستدامة التابع للأمم المتحدة والمتعلق بالحد من الفقر وتحسين مستويات الصحة عاجزًا عن الوفاء بالتزاماته الدولية والإنسانية.
إلى ذلك، هناك سبب آخر في تزايد وفيات الأطفال، منها حالة التقشف التي تنتهجها الكثير من الدول لمواجهة تدهور ديونها الخارجية، ومحاولة تقنين أوضاعها. ولهذا أصبحت أنظمة الصحة العلاجية في تلك الدول في انحدار مستمر. ومن المحزن جدًا أن التقارير الدولية تشير بشكل صريح إلى احتمالية وفاة ما بين 12 إلى 16 مليون طفل إضافي بحلول عام 2045 إذا لم يتغير وضع المساعدات والمنح التي كانت تقدم للدول الفقيرة والشعوب الأكثر فقرًا حول العالم.
بالمقابل، تنفق الكثير من دول العالم أموالًا طائلة في مجال الدفاع، وتضع سنويًا خططًا وبرامج ذات ميزانيات ضخمة تساوي ميزانية "دول بأكملها" وذلك لشراء الأسلحة من السوق العالمي، بينما تجار السلاح يتحكمون في بوابات العطاء والإغلاق حسب مصالحهم، أما فاتورة الشراء فهي بالمليارات.
هذه الأسلحة التي تستخدم كضمان استراتيجي في نظر الدول من جهة، ودرعًا وتخويفًا من جهة أخرى، قد تصبح مع الوقت أداة فعالة لإبادة الشعوب الأخرى في حال نشوب خلاف يتحول تدريجيًا إلى مواجهة عسكرية. من المثير في الأمر أن بعض الدول العظمى يصبح لديها رغبة ملحة في تجربة السلاح المخزن أو المجمد في الثكنات العسكرية أو في أماكن سرية، والطريقة في ذلك هي اختلاق المشكلات والنزاعات مع الدول الأخرى.
إن امتلاك السلاح ليس حكرًا على بعض الدول العظمى، بل دخلت على الخط دول جديدة، وأصبحت تشتري وتنتج أنواعًا عدة من تلك الأسلحة التقليدية، بينما السلاح النووي لا يزال مقيدًا في يد القوى العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وبريطانيا وكوريا الشمالية والصين، إضافة إلى الهند وباكستان وغيرها من الدول القليلة المتبقية في القائمة، وهي من تتحكم بهذا النوع من الأسلحة المدمرة للعالم والبشرية معًا.
وإذا كنا نريد الحديث عن السلاح الذري، فإنه ليس مجرد سلاح عادي، بل يمكنه أن يقتل الآلاف وربما يصل مداه إلى ملايين البشر، ويلوث أرضًا واسعة بالإشعاع، كما هو الحال في اليابان، التي لا تزال تعاني بعض الأماكن فيها من التلوث الإشعاعي الذي جاء نتيجة الضربتين الأمريكتين في الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في مدينتين ناجازاكي وهيروشيما.
من الملاحظ أن بعض قطع السلاح تنتشر في دول عدة من العالم، ولهذا السبب تجد أن الحروب المسلحة في بعض الدول تكون في أيدي الجماعات والعصابات، كما هو الحال واضحًا في هايتي ونيجيريا وبعض الدول الأخرى التي أصبحت زيارتها صعبة وخطرة للغاية.
وبرغم أن الحكومات تحاول السيطرة على الأوضاع الداخلية في هذه الدول، إلا أن سوق السلاح وعمليات التهريب وغيرها تسهم في إحداث اضطرابات كثيرة.
إذن، السلاح ليس في كل مرة يمكن أن يكون في يد الحكومات، بل يمكن أن يصل إلى الجماعات المسلحة وإيجاد مجموعات متشددة تقوم بعمليات نهب وسرقة وقتل وتشريد للسكان، ولذا فإن صناعة الموت هي من تنشر السلاح بين الدول والجماعات والعصابات.
ولهذا يمكننا القول بكل وضوح: "صناع الموت"هم المستفيدون أولًا من حدوث القلاقل في العالم، وهم من يتحكمون في تسير بعض الأمور السياسية في بعض الدول، فكلما زاد السلاح في يد الجماعات المسلحة لم تستطع الدول السيطرة على أراضيها أو الاستفادة من ثرواتها، فبعض العصابات تكون يدها أطول في استغلال الثروات وإحداث نوع من الاضطراب السياسي.