عربي21:
2025-12-12@15:00:50 GMT

متى تنجو مصر من قبضة الجنرال؟

تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT

ليس صادقا أو صريحا مع نفسه قبل غيرها مَنْ لا يعترف بأن الجنرال المصري الحاكم اليوم استطاع أسر البلاد التي يفترض أن ينتمي إليها، وبالتالي صار يتحكم فيها بأسوأ ما يستطيع إنسان أن يفعل حتى لو كان محتلا أو عدوا لنفسه قبل البشرية؛ ومن هنا بات المصريين أسرى لديه ولدى القوة المفرطة التي يحكم بها وكأن لا معقب على حكمه.

. أمِن مكر الغرب، استطاع التحكم في الأهواء الشخصية لمؤيديه بإغداق المال والنفوذ والمصالح عليهم.

ومع الزمن أقر كثير من معارضيه بأن وقوفهم أمامه إما مهلكة للنفس ومجريات الحياة، كما في حالة السجناء والمصابين والمشردين والمفارقين لوطنهم برغمهم، أو أن المعارضة المدعاة لدى البعض أفضل ما يمكن أن يحصلوا عليه، فعبرها وعبر المتاجرة بها ينالون ما لم يكونوا يحلموا به وما أوصلتهم إليه التقاطعات الدولية وحب بعض الدول التلويح للنظام بأن هناك بديلا -ولو مزيفا- له.

والنتيجة أن البلاد وأهلها دخلوا في نفق مذهل لأكثر من عشر سنوات مريرة، ضربوا خلالها الودع وحاولوا الحلم بالفكاك من حكمه بالتعلق بمفاهيم لا تزيد عن كونها أخلاقية مثالية أكثر من حالمة، أدخلوا ترهاتهم نفق السياسة البراجماتي، وذهبوا لسبع سنوات سيدنا يوسف، وعشرية الجزائر حفظها الله وأغاث مصر؛ باختصار أغرقوا أنفسهم في الأوهام والمخدرات الفكرية، ساعدهم المال المتدفق على البعض وشعور آخرين بأن النفق ما هو إلا طريق للعودة للحكم.

لم يفكر الجميع -بمن فيهم الوطنيون المخلصون- في أن مرارة الانتظار سوف تأخذهم نداهتها وأوهامها لأوقات مفتوحة غير ممهورة بتوقيع النهاية، استدرجتهم أكثر قدرة أجهزة المخابرات على ابتزازهم بنشر قصص أقرب للتفاهات حول ضعف الجنرال وتفاهته وقرب قتل أتباعه أو غيرهم له، حتى أنهم ذات مرة؛ وفي البدايات، قالوا إنه مات وبديله راقص يحكم
لم يفكر الجميع -بمن فيهم الوطنيون المخلصون- في أن مرارة الانتظار سوف تأخذهم نداهتها وأوهامها لأوقات مفتوحة غير ممهورة بتوقيع النهاية، استدرجتهم أكثر قدرة أجهزة المخابرات على ابتزازهم بنشر قصص أقرب للتفاهات حول ضعف الجنرال وتفاهته وقرب قتل أتباعه أو غيرهم له، حتى أنهم ذات مرة؛ وفي البدايات، قالوا إنه مات وبديله راقص يحكم. ولا داعي للتعجب من منطقية القصة الطفولية، فما جاء قبلها وبعدها يسمح بما هو أكثر، وما زال حتى اليوم يتخيل البعض أن الغرب قارب الاستغناء عن خدمات السيسي الذي ملَّت اسمه كثرة الأوهام والترهات حول قرب رحيله عن الحكم أو الحياة.

تبقى الحقيقة أن الجنرال الحاكم راحل لا محالة كما رحل فرانكو، وموسوليني، وهتلر، وتشاوسيسكو والعشرات غيرهم، لكن يبدو أن القدر يبدع في تصفية الحسابات مع أمثال السيسي فلن يجيء رحيله -بنوعيه- موافقا للمنطق أو العقل، أو إذا شئنا الدقة سيجيء بعضه هكذا لكن اللمسة الحاسمة المنهية لمسيرته غير الآدمية لن تكون متوقعة.

أليس أفضل من مرارة الانتظار المضني لأكثر من 10 سنوات أن تتكاتف المجهودات وتنقى الصفوف؟ يستبعد تجار الدماء والحروب، يعتذر المخطئون وما أكثرهم، يتوقف الجميع عن محاولة إرضاء الغرب والتقاطعات الدولية التي تستخدمهم، يجتمع المخلصون على عصف فكري يذهب بركام وأنقاض فترة مظلمة ربما ندر أن تشهد مصر مثيلا لها
جزء من هذه المنظومة أن الجميع فشل في التعامل معه وفي معرفة فعاليات أبجدياتها في السيطرة على الرئيس الراحل محمد مرسي بل جماعته والإسلاميين الذين ناصروهما، فضلا عن مناصرة قوى يفترض أنها وطنية للجنرال أملا في أن "يرثوا" الحكم مكان مرسي، والنتيجة أن الواقع انهار بالجميع، فلا الإخوان كانوا مؤهلين للحكم؛ ساروا بخطى واثقة على نهج نظام حسني مبارك، أقصوا المخالفين بل المختلفين معهم وغير المتماهين فيهم، ظنوا أن الله خصهم بنعمة وبركة الحكم فلن يزيلها عنهم أحد، تمادوا في الأوهام أكثر، ورحم الله القائل منهم قبل الانقلاب بـ72 ساعة فحسب إن زمن الانقلابات قد ولى، والنتيجة أن هزيمتهم -بحسب تعبير الراحل القيادي نائب المرشد السابق الدكتور إبراهيم منير- جاءت مدوية أكثر مرارة من 1954م، كما أن الخيبة تجاوزتهم للوطن بأكمله، فقد أنهكه حكم العسكريين لأكثر من 70 عاما مع تجريف تربته وشعبه من الإبداع والمهارة إلا القليل من رحمة الله.

لكن ما سبق يقود لسؤال أكثر من واجب: أليس أفضل من مرارة الانتظار المضني لأكثر من 10 سنوات أن تتكاتف المجهودات وتنقى الصفوف؟ يستبعد تجار الدماء والحروب، يعتذر المخطئون وما أكثرهم، يتوقف الجميع عن محاولة إرضاء الغرب والتقاطعات الدولية التي تستخدمهم، يجتمع المخلصون على عصف فكري يذهب بركام وأنقاض فترة مظلمة ربما ندر أن تشهد مصر مثيلا لها، فيرحموا المشردين والمقهورين فضلا عن المسجونين والمصابين.

إننا بلا تنقية للصفوف وتعال فوق الخلافات وانعدام الضمير والمنطقية في أفعالنا؛ نورث الأجيال المقبلة بلدا يكاد يكون معدما أكثر من مديون ومعدوم القدرات ومنهك الموارد، فهل هذا مما يرضي ذا ضمير؟ ثم نسأل أنفسنا من بعد: كيف حكم الجنرال؟ ولماذا يستمر؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري السيسي الإخوان مصر الإنقلاب السيسي الإخوان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لأکثر من أکثر من

إقرأ أيضاً:

من همس متقطع إلى صوت يصل إلى الجميع.. رحلة شفاء من التأتأة بالكتابة

بيروت- لم تكن التأتأة بالنسبة للبنانية كارين الحر، ابنة بلدة حومين الفوقا في جنوب لبنان، مجرد اضطراب لغوي عابر، بل تجربة عميقة شكّلت طفولتها ورافقت محاولاتها الأولى لفهم العالم والتواصل معه. فمنذ سنواتها المبكرة، كانت الكلمات تتجمع عند طرف شفتيها قبل أن تتشابك، معلقة بين رغبتها في التعبير وخوفها من ردود الفعل من حولها.

وفي كل مرة حاولت فيها المشاركة في أحاديث الصف، كانت النظرات الفاحصة والنصائح الجاهزة من نوع "احكي على مهلك.. خدي نفس" تزيد الفجوة بين صوتها وما تريد قوله. ومع مرور الوقت، لم يعد تعثر الكلام مجرد صعوبة لغوية، بل عبئا اجتماعيا يربط بين الطريقة التي يخرج بها الصوت وبين الشخصية والثقة والقدرة.

كبرت كارين وهي تتساءل بصمت: لماذا يُعامل التلعثم كعيب؟ ولماذا تتحول الهفوة الصوتية إلى معيار للحكم على الإنسان؟ لم تكن تبحث فقط عن طريقة تتجاوز بها التأتأة، بل عن مساحة ترى فيها نفسها كاملة، حتى لو خرج صوتها متقطعا.

ومع تقدمها في العمر، تغيّر منظورها. فتحولت التأتأة من مصدر قلق إلى رحلة اكتشاف ذاتي، أدركت خلالها أن صوتها، بكل ارتباكاته، يحمل شجاعة خاصة لا يشعر بها إلا من عاش التجربة فعلا.

في كتابها الأول "ت ت تَأتأة" تقدّم كارين رحلة مصالحة مع الذات تتجاوز مجرد اضطراب لغوي (الجزيرة)رحلة شفاء

في كتابها الأول "ت ت تَأتأة"، لا تقدّم كارين الحر حكاية عن اضطراب لغوي فحسب، بل مسارا شخصيا طويلا نحو التصالح مع الذات. أرادت منذ اللحظة الأولى أن يكون الكتاب صادقا إلى حد يعرّي التجربة دون تزيين، وأن يسمح للقارئ بالاقتراب من عالمها الداخلي كما هو، لا كما يُفترض أن يكون.

كتبت بلغتها التي تشبهها، وتركت الأفكار تتدفق على الورق من دون رقابة. تقول في حديثها للجزيرة نت: "كنت أكتب وأترك الأشياء تخرج وحدها، كأن الورق كان ينتظر هذه المشاعر التي حملتها سنوات". وبذلك تحوّل النص إلى مساحة تحرّر، أسقطت عليها ما ظل عالقا بين الصوت والقلب لوقت طويل.

إعلان

اختارت كارين عنوان الكتاب بعناية. تكرار حرف التاء لم يكن زخرفة لغوية، بل إعلان مواجهة. فما كانت تخجل منه يوما جعلته في الواجهة، كأنها تقول للقارئ: "هذا صوتي الحقيقي، بهذه التأتأة أوجد وأحكي". لقد أرادت استعادة ملكية صوتها، ووضعه في مكانه الطبيعي: جزءًا من هويتها لا يمكن فصله عنها.

وراء هذه الرحلة، كانت هناك عائلة احتضنتها دون شروط. وتؤكد كارين أن ثبات والدتها وأختها منحها القدرة على الوقوف في وجه العالم، وأن إيمانهما المتواصل بصوتها كان حجر الأساس في بنائها الداخلي. هذا الدعم ذكّرها دائما بأن المشكلة لم تكن يوما في صوتها، بل في الطريقة التي يتلقى بها المجتمع اختلافه.

وتعود بذاكرتها إلى سنوات المدرسة الأولى، حين كانت تحاول نطق كلمة بسيطة، فتتقدمها ضحكات أو نظرات شفقة. تقول: "الضحك كان يؤلمني، لكن كلمة يا حرام كانت أشد وجعا". وتضيف: "مع الوقت صار الخوف من ردّة فعل الناس أصعب من التأتأة نفسها".

كارين تواصل إطلاق مشاريع جديدة لتعزيز الوعي بالتأتأة (الجزيرة)بين التأتأة والمرض

ورغم أن التأتأة انتزعت من كارين الكثير في طفولتها وشبابها -من جرأتها ومن اندفاعها الفطري نحو الكلام- فإنها منحتها في المقابل حساسية عالية تجاه الآخرين وقدرة استثنائية على الإصغاء. وتوضح قائلة: "أحب التواصل والكلام، لكن الخوف كبلني لفترة طويلة. لاحقا أدركت أن المشكلة لم تكن في الصوت بل في الخوف نفسه. ومع ذلك، التأتأة منحتني القدرة على أن أسمع بصدق".

ولا تخفي كارين أن المجتمع لا يزال يخلط بين التأتأة والمرض، فحين يتحدث شخص يتأتئ أمام الآخرين، يسارع البعض إلى تقديم نصائح عفوية تثقل عليه أكثر مما تساعده. وتقول: "نحن نعرف كيف نتعامل مع التأتأة، لسنا بحاجة لمن يعلّمنا كيف نتكلم. هذه العبارات تضع الشخص تحت ضغط كبير". لكنها ترى في الوقت ذاته أن الوعي يتحسن تدريجيا، وأن السخرية يجب أن تتوقف تماما. وبالنسبة إليها، يأتي كتابها خطوة في مسار أطول لنشر الوعي، لا خاتمته.

وعندما جاء يوم توقيع الكتاب، شعرت كارين للمرة الأولى بأن صوتها يُستقبل كما هو، بلا تصحيح ولا مقاطعة. وتقول: "كان أجمل يوم في حياتي. أحبّ الناس من حولي، وشعرت بفخر وراحة، وخوف جميل، ذلك الخوف الذي يرافق كل بداية حقيقية".

بالنسبة إلى كارين، كانت الكتابة مسارا شِفائيا كاملا. جلست أمام الورق لتُفرغ ما ظل محبوسا لسنوات: الخوف، الوجع، وانكسارات الصوت. ومع الوقت تحولت الكتابة من فعل تعبيري إلى ملجأ يومي، طقس يعيد ترتيب الداخل ويهبه قدرا من الطمأنينة. تقول: "حين أكتب، أتنفّس. وأترك خوفي على الورق".

واليوم، بعد صدور كتابها، تمضي كارين في العمل على مشاريع جديدة تُعنى بالتوعية حول التأتأة، ساعية إلى خلق مساحة أوسع تتقبل اختلافات الصوت واللغة وطريقة التعبير، وتتيح لمن يعيش التجربة أن يشعر بأنه مسموع بلا أحكام.

وفي ختام حديثها، توجّه رسالة إلى كل من يمر بالطريق نفسه: "أصواتكم جميلة، وطريقتكم ليست خطأ. على المجتمع أن يسمعكم كما أنتم، لا كما يريدكم أن تكونوا. وإذا لم يسمعكم جيدا. فالمشكلة ليست فيكم".

إعلان

مقالات مشابهة

  • في قبضة الجلاد
  • مجلس الذهب العالمى: ارتفاع أسعار الذهب لأكثر من 60% فى عام 2026
  • صدور كتاب جديد يوثّق الإبادة الجماعية للكورد الفيليين ومعاناتهم لأكثر من قرن
  • دعم الصحة مسئولية الجميع
  • غزة: تحذير من هطولات مطرية لأكثر من 24 ساعة.. آخر تطوّرات المنخفض الجوي
  • بريطانيا تواجه أسوأ شتاء.. إصابات بالأنفلوانزا ترتفع لأكثر من 50%
  • واشنطن تبحث عن حل يرضي الجميع في أوكرانيا
  • اصطدام على طريق مطروح.. أسرة تنجو بأعجوبة من كارثة مفاجئة
  • من همس متقطع إلى صوت يصل إلى الجميع.. رحلة شفاء من التأتأة بالكتابة
  • تدشين صرف المساعدات النقدية لأكثر من 16 ألف أسرة فقيرة في عمران