هل أسقطت سياسات الولايات المتحدة في غزّة النموذج الأمريكي والغربي؟
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
رغم أنّ غزة تكاد تتحوّل إلى أثر بعد عين بسبب الدمار الذي ألحقته بها الآلة العسكرية الصهيونية، فإنّ الانكسار الصهيوني حصل بعدُ، ولن يُعيد ركام غزّة وأشلاء شهدائها الماء إلى وجه نتنياهو الشاحب الممتقع.
لقد أصاب حجر طوفان الأقصى "العصفور" الإسرائيلي، ونتنياهو لا يفتأ يردّد أنّ إسرائيل تخوض لأوّل مرّة منذ خمسٍ وسبعين عاما حرب وجود.
يقول بعض قادة حماس إنّ ما تحقّق في 7 أكتوبر أكبر بكثير ممّا خطّطت له المقاومة، وهو قول تؤكده آثار طوفان الأقصى الميدانية وتداعياته الاستراتيجية في فلسطين وفي العالم.
لقد أسهبت التحاليل في تقصّي ما كشفه الطوفان من حقائق عن ضعف إسرائيل، كيانا وجيشا ومجتمعا، كما وفّرت المتابعات الإعلامية التوثيقات الممتعة لإبداعات المقاومة وبسالتها، كما وفّرت صور الألم والصمود لدى الشعب الفلسطيني.
طوفان الأقصى حدث عظيم بلا شكّ، لكننا لن نستعجل الحكم على النتائج العسكرية والسياسية النهائية لمعركة لا تزال دائرة، ولن نخلط بين أمانينا وبين الوقائع الموضوعية. فالهزيمة التي يترتّب عنها تغيير حاسم في ميزان القوة لم تحصل بعدُ. فإسرائيل تخسر لكنّها لا تزال تهاجم، والمقاومة تربح لكنها تدافع، والغرب بقيادة أمريكا، محرَج من الجرائم التي تفتك بالشعب الفلسطيني في غزة، لكنه مُعبّأ سياسيا وعسكريا لمواصلة دعم إسرائيل ومنع تحوّل انكسارها الى هزيمة، بينما يقف العربُ متفرّجين يمنعُهم التواطؤُ والعجزُ، إلّا قلّة قليلة تفعل ما تستطيع شَدّا لعَضُدِ المقاومة.
طوفان الأقصى حدث عظيم بلا شكّ، لكننا لن نستعجل الحكم على النتائج العسكرية والسياسية النهائية لمعركة لا تزال دائرة، ولن نخلط بين أمانينا وبين الوقائع الموضوعية. فالهزيمة التي يترتّب عنها تغيير حاسم في ميزان القوة لم تحصل بعدُ. 7 أكتوبر في رأينا انكسار تاريخي لإسرائيل، والنتائج السياسية المترتّبة عنه يمكن أن تحوّله إلى هزيمة مكتملة. غير أنّه ما زال بإمكان الولايات المتحدة وحلفائها تخفيف وقع الانكسار عبر التضحية بنتنياهو لإنقاذ الكيان.
لقد أصاب طوفان الأقصى "العصفور" الإسرائيلي، وأبلغ ما في الإصابة أنّ 7 أكتوبر أرشَد الفلسطينيين إلى طريق التحرير.
وبقدر ما أثبتت المقاومة جدارتها بتحقيق الانكسار التاريخي لإسرائيل، فإنّ مهمّة ما بعد الحرب ستكون كسر مسار أوسلو وغلق قوسه نهائيا وذلك هو الاستتباع الضروري لمنجز 7 أكتوبر ممثّلا في الانكسار الإسرائيلي. لكنّ كسرَ مسار أوسلو سيكون عملاً شاقّاً لأنه يقتضي من المقاومة أن تبني مع القوى الوطنية تصوّرا لمستقبلٍ فلسطيني وطني جامع يستثمر في مُنجز طوفان الأقصى، كما أنّ كسرَ مسار أوسلو سيكون اختبارا قاسياً للمقاومة وللقوى الوطنية لأنّ عليها أن توقِف منحدر التطبيع الجارف، وتلك مواجهة أخرى قد تقتضي طوفانا آخر.
عندما ورثت أمريكا قيادة العالم
ربما كان كيسنجر على حقّ عندما قال إنّ القرن التاسع عشر هو "قرنُ كلّ العِبر"، وهي في رأينا العِبر التي استفادت منها الولايات المتحدة الأمريكية لتتسلّل إلى قمرة قيادة العالم وتحلّ محلّ القوى الاستعمارية التي حكمت العالم الى حدود الحرب العالمية الثانية. لكنّ العالم في تحوّل دائم والعِبر لا تنتهي، ولعلّ عِبر النصف الثاني من القرن العشرين والربع الأول من القرن الواحد والعشرين أكبر وأهمّ. فخلال ثلاثة أرباع قرن صاغت الولايات المتحدة النظام الدولي بما يؤبّد تفوّقها ويثبّت هيمنتَها طبقا لإرث الحرب العالمية الثانية ثم إرث ما بعد الحرب الباردة.
لقد كان وجود "إسرائيل" أحد الأعمدة الأساسية التي انبنى عليها النظام الدولي، بل إنّ زرع هذا الكيان في فلسطين، في قلب المنطقة العربية، وضمان تفوّقه الأبدي على العرب والمسلمين، متفرّقين ومجتمعين، إنّ زرعه يمثّل أبرز ما في معادلة توزيع أنصبة الهيمنة والخضوع التي قام عليها النظام الدولي الذي منح الغرب التفوّق والهيمنة وأعطى العرب والمسلمين التبعيّة والخضوع.
كانت الولايات المتحدة قوّة صاعدة منزوية خلف المحيط الأطلسي، ولمّا دخلت الحلبة الدولية عرضت نفسها بطريقة جذّابة جعلتها لاحقا زعيمة العالم الحرّ. كان ذلك عندما أطلق الرئيس ويلسن سنة 1914 مبادئه الأربعة عشر، وفي مقدّمتها مبدأ حقّ تقرير المصير الذي أصبح لاحقا أحد الأسس القانونية لتصفية الاستعمار، كما كان دخولها الحرب العالمية الثانية حاسما في هزيمة النازية، وكان دورها رئيسيا في إعادة بناء أوروبا المدمّرة، كما دعّمت عددا من حركات التحرّر الوطني، وكان موقفها حاسما لوقف العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، وقادت الليبرالية العالمية التي واجهت الاتحاد السوفيتي ومنظومته الحديدية وأنهكته وحتّمت انهياره.
الأكيد أنّ كلّ "أفعال الخير" التي قامت بها الولايات المتحدة للعالم منذ إعلان مبادىء ويلسون، كان عائدها لحساب أمريكا.
ولا شك أن كيسنجر، المتوفي مؤخرا، قد لاحظ، وهو من رموز الهيمنة الأمريكية، أنّ الولايات المتحدة لم تتّعظ بما يكفي من عِبر القرن التاسع عشر، وأنّها كرّرت سياسات القوى الاستعمارية في الهيمنة والإخضاع، وأنّها تقود بمفردها نظاما عالميا ظالما بأدوات أكثر بطشا وبشاعة.
بعد الطوفان، هل تخسر أمريكا قيادة العالم؟
لا تفكر الصين في تغيير خارطة الشرق الأوسط، وليست مهتمّة بمصير الشعب الفلسطيني، عدا المواقف التي تقتضيها العلاقات العامّة عند احتداد الأزمات، وكلّ جهدها منصبّ منذ 2013 على تنفيذ مشروع "الحزام والطريق" الذي تريد أن تجعل منه مشروع قرن الصين الذي ينتهي سنة 2049.
لقد كان وجود "إسرائيل" أحد الأعمدة الأساسية التي انبنى عليها النظام الدولي، بل إنّ زرع هذا الكيان في فلسطين، في قلب المنطقة العربية، وضمان تفوّقه الأبدي على العرب والمسلمين، متفرّقين ومجتمعين، إنّ زرعه يمثّل أبرز ما في معادلة توزيع أنصبة الهيمنة والخضوع التي قام عليها النظام الدولي الذي منح الغرب التفوّق والهيمنة وأعطى العرب والمسلمين التبعيّة والخضوع.لكنّ الاستراتيجية الأمريكية تعتبر أنّ الصين "تعمل على تغيير النظام الدولي" ولذلك فهي تمثّل الخطر الاستراتيجي الأكبر الذي يهدّد المصالح الأمريكية ممّا يحتّم التصدّي له واعتباره أهمّ من الخطر الروسي رغم أن روسيا تحارب فعليا الناتو في أوكرانيا. وتنفيذا للاستراتيجية الأمريكية تركزت سياسة واشنطن منذ عقد ونصف على محاصرة الصين وعرقلة تقدمها الاقتصادي والتكنولوجي واستفزازها في ملف تايوان.
لكن يبدو أنّ طوفان الأقصى أدخل اضطرابا حادّا على الاستراتيجيات الأمريكية. إنّه الحدث القادم من غزّة، والذي مثّل لأوّل مرّة تهديدا وجوديا لإسرائيل، وأرغم الولايات المتحدة على مراجعة أولوياتها واستراتيجياتها، وهو بذلك هديّة للصين وروسيا ولكلّ القوى المتضرّرة من الهيمنة الأمريكية.
لقد وضع طوفان الأقصى وجود إسرائيل في الميزان ممّا يعني أنّ أهمّ أسس النظام الدولي الذي ترعاه الولايات المتحدة يتعرّض إلى خلخلة عظيمة.
وإذا كانت الولايات المتحدة تعتبر أن مشروع الحزام والطريق يمثل خطرا على النظام الدولي، فإنّ طوفان الأقصى في نظرها أشدّ خطرا، ولذلك تعبّىء واشنطن كل إمكانياتها العسكرية والاقتصادية والسياسية لدعم إسرائيل وتجد كل التبريرات لإبادة الشعب الفلسطيني.
طوفان الأقصى وسقوط النموذج الأمريكي والغربي
علينا أن نؤكّد ابتداء أنّ التفوّق الأمريكي، اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا، سيستمرّ، وهو يمتلك مقوّمات استمراره. ولكنّ تواصل التفوّق لا يعني ضرورة استمرار الهيمنة. ويبدو أنّ تصميم الصين على منافسة الولايات المتحدة اقتصاديا هو ما سيعجّل بإنهاء الهيمنة الأمريكية وإن لم يُنهِ تفوّقَها، كما يمكن لانتصار روسيا في حربها على أوكرانيا أن يستحثّ خطى العالم نحو هذا المآل الذي تخشاه واشنطن، وذلك في انتظار أن تصبح للقوى الإقليمية البارزة أدوارا أكثر أهميّة وأقلّ تبعيّة.
الأكيد أنّ حجر طوفان الأقصى لم يصب العصفور الإسرائيلي وحده. لقد أصاب "العصفور" الأمريكي أيضا. فمنذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على غزّة، انخرطت الولايات المتحدة، روحا وجسدا، في حرب إبادة الشعب الفلسطيني. ولم تنفرد بموقفها ذاك، فقد تبعتها القوى الدولية التي لم تتخلّص من روحها الاستعمارية. لقد أسقطت غزّة الغربَ، نموذجاً وقِيماً وأخلاقاً دفعةً واحدةً. وإنّ الذين قرأوا لفوكوياما، عندما يحدّقون فيما يجري في غزة، سيزدَرون النرجسية الغربية حول "نهاية التاريخ" واستقرار الديمقراطية وانتشار الليبرالية، بل إنّهم سيعودون لقراءة هنتغتون وصراع الحضارات الذي يفسّر اليوم سلوك الولايات المتحدة تجاه الصين، كما يفسّر ما يقوم به التحالف المسيحي الصهيوني في مواجهة العرب والمسلمين.
لقد أسقطت سياساتُ الولايات المتحدة في غزّة النموذجَ الأمريكي والغربي ليس فقط في نظر الشعوب المغلوبة "المُولَعَة بتقليد الغالب" بالمعنى الخلدوني، وإنما خسرت نموذجها وأخلاقَها وقيمَها أيضا حتى لدى شباب جامعاتها الذي يخوض حركة دعم مشرّفة للقضية الفلسطينية.
إنّنا نرى اليوم القوى الدولية المتغلّبة وقد عَرّتها غزّة وأفقدَتها جاذبيتَها، وهي منذ 7 أكتوبر، تغادر المدنيّة لتستَوطن الغابة. لقد تبدّدت صورة دولة ويلسن، التي أقبل بها على العالم في بدايات صعود الولايات المتحدة وأعلن نفسه مدافعا عن حق تقرير المصير، ونحن اليوم إزاء دولةِ التحالف المسيحي الصهيوني التي تحمي كيانا يُبيد الشعب الفلسطيني، بل وتشارك في عمليّة الإبادة.
طوفان الأقصى حدث عظيم، والأحداث الكبرى تسرّع حركة التاريخ. لذلك فإنّ خسائر الولايات المتحدة قد لا تتوقف عند تبديد رصيد النموذج الغربي والأمريكي. فبعد أن تُخرِس المقاومةُ السلاح الإسرائيلي في غزة، ستكون هزيمة أوكرانيا ثأرا تأخذه روسيا لسلفها الاتحاد السوفيتي من الولايات المتحدة، وقد تدفع هزيمة أوكرانيا الدول الأروبية نحو انتهاج سياسات أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة. وفي انتظار حسم المنافسة على الريادة الاقتصادية والتكنولوجية، فإنّ الصين تشقّ طريقا من الحرير إلى الأسواق العالمية، ولا تريد أن يحدث تشويش يعطّل غزوها الناعم للعالم، بما في ذلك استعجال استعادة تايوان.
أمّا طوفان الأقصى فهو رسالة بأنّ الشعب الفلسطيني قد عرف الطريق إلى التحرير، وأنّ من حقّ شعوبنا التطلّع بعد ذلك إلى مقعد في قمرة القيادة العالمية.
*ناشط سياسي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير فلسطين المواقف امريكا احتلال فلسطين مواقف رأي أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة العرب والمسلمین الشعب الفلسطینی طوفان الأقصى ة والخضوع
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة والفيتو الأمريكي
تعاني الأمم المتحدة الأمرين عند محاولة تصديها للقضايا التي تهدد الأمن والسلام في العالم على ضوء ميثاقها الذي يهدف إلى وقف التصعيد في الحروب والصراعات في العالم. ولعل تلك المعاناة واجهتها الأمم المتحدة نتيجة استخدام الفيتو من قبل الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي استخدمت مؤخرا قرارا دوليا في مجلس الأمن يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والذي يواجه سكانه البالغ مليوني نسمة أوضاعا قاسية حيث ندرة الغذاء والدواء وتدمير القطاع الصحي من قبل قوات الاحتلال الصهيوني.
إن استخدام الفيتو الأمريكي كان عملا غير إنساني ويفتقر إلى أبسط القواعد الأخلاقية، وليس هناك مسوغ لاستخدام حق النقض، خاصة وأن كل أعضاء مجلس الأمن الدولي وافقوا على القرار بهدف إنقاذ سكان قطاع غزة من المجاعة والظروف القاسية التي يعيشها سكان القطاع لأكثر من ١٨ شهرا، حيث تواصل آلة القتل الإسرائيلية أعمال الإبادة الجماعية ضد المدنيين وتدمير المستشفيات، ومن هنا فإن السلوك الأمريكي في مجلس الأمن الدولي يثبت مجددا الانحياز الأمريكي السافر ضد عدالة القضية الفلسطينية بل وضد قرار أممي إنساني يهدف إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع من خلال إشراف الأمم المتحدة.
إن الولايات المتحدة الأمريكية وعبر تاريخها الحديث أي منذ قيام منظمة الأمم المتحدة عام ١٩٤٥ مارست حق النقض الفيتو ضد القضية الفلسطينية عشرات المرات وأثبت السلوك الأمريكي السلبي بأنه غير موثوق، من هنا كانت هناك خيبة أمل داخل مجلس الأمن من التصرف الأمريكي حيث إن تمرير القرار الإنساني كان سوف يخفف على سكان قطاع غزة من خلال إدخال الشاحنات التي تحمل الأدوية والمؤن الغذائية وغير ذلك من المستلزمات التي يحتاجها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
إن هيكلة الأمم المتحدة أصبح ضرورة خاصة على صعيد مجلس الأمن الدولي حيث توسيع عضوية مجلس الأمن بإدخال أعضاء من آسيا وإفريقيا والمنطقة العربية بحيث يكون التوزيع الجغرافي عادلا. كما أن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على القرار الدولي له سلبيات كبيرة، خاصة القضية الفلسطينية.
وهنا نتحدث عن ضرورة إيجاد نظام متعدد الأقطاب في العالم بعيدا عن تلك الهيمنة وكان هناك نقاش من المجتمع الدبلوماسي في نيويورك وعواصم إقليمية ودولية حول ضرورة إيجاد نظام دولي متعدد الأقطاب ومن خلال احترام ميثاق الأمم المتحدة ولجم الكيان الصهيوني الذي أصبح كيانا منبوذا على الصعيد الإقليمي والدولي.
ولعل الإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي المحتل في قطاع غزة قد فتحت عيون العالم على همجية الكيان الصهيوني وعصابته التي تحكم وعلى رأسها نتنياهو وحكومته المتطرفة. ومن هنا فإن المشهد السياسي في العالم يدعو للرثاء حيث سقوط مفاهيم حقوق الإنسان وحماية الحريات والمدنيين في قطاع غزة إلى حد استخدام حق النقض ضد دخول المساعدات الإنسانية لمساعدة شعب يعاني الأمرين على مدى ١٨ شهرا.
إن استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد إدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة وتحت إشراف الأمم المتحدة هو قرار وتصرف مدان وينم عن عدم كياسة دبلوماسية لإدارة ترامب. كما أن تمرير القرار كان ينسجم مع الشعوب بمن فيهم الشعب الأمريكي الذي خرج في مظاهرات كبيرة مساندا حق الشعب الفلسطيني في نيل الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية. وعلى ضوء ذلك فإن واشنطن تثبت بصرف النظر عن إدارتها بأنها لا تنحاز إلى الكيان الإسرائيلي فقط ولكن تكرس سياسة سلبية غير أخلاقية على صعيد قضايا العدل والإنصاف والسلام العادل.
إن الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدولي هو سلوك ينم عن انحياز سافر ضد شعب اعزل وينم عن سيطرة الصهيونية العالمية على الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية. ولعل أحداث لوس أنجلوس هي نموذج على السلبية وسلب حقوق الآخرين وهو الأمر الذي يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية دولة لا تنصت إلى المعايير الدولية والى احترام ميثاق الأمم المتحدة ولا تعبر تلك السياسة الأمريكية عن ضمير العالم الذي انتفض في كل مكان خاصة في المدن الغربية، وحتى على صعيد القرار السياسي لدول الاتحاد الأوروبي والذي كان معبرا عن الرفض الأوروبي لممارسة الكيان الصهيوني باستهداف المدنيين واستباحة القيم الإنسانية والأعراف الدولية.
الولايات المتحدة الأمريكية تعيش أزمة ضمير إنساني خلال العقود الأخيرة حيث شنت عددا من الحروب دون سند قانوني ولعل حربها ضد أفغانستان والعراق هي نماذج على التعدي ضد القانون والشرعية الدولية. ومن هنا فإن الاعتماد على واشنطن في التوسط في الصراع العربي الإسرائيلي هو وهم لا ينبغي على العرب الاعتماد عليه.
كما أن واشنطن أصبحت أداة للمتنفذين من الصهاينة في واشنطن ولعل منظمة الايباك هي نموذج على قوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية وهذه هي الحقيقة من خلال نشر عشرات الكتب والبحوث. وعلى ضوء ذلك فإن المقاومة الفلسطينية تبقى هي العامل الأهم نحو فرض معادلة سياسية في قطاع غزة سوف تؤدي في النهاية إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وهناك اتجاه عالمي في هذا الإطار بعد أن ارتكب المحتل الإسرائيلي مجازر يندي لها جبين الإنسانية.
كما أن مجرمي الحرب مثل نتنياهو وحكومته المتطرفة سوف يختفون من المشهد السياسي إلى غير رجعة كمجرمي حرب مطلوبين للعدالة من خلال مذكرات اعتقال صادر بحقهم من محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية. أما الفيتو الأمريكي فسوف يظل في أرشيف الأمم المتحدة كشاهد للأجيال على عدم مسؤولية الدولة الأمريكية والتي فشلت في قيادة العالم، وأصبح هذا العالم بحاجة ماسة إلى عالم متعدد الأقطاب يقود العالم إلى السلام والاستقرار والأمن بعيدا عن الهيمنة والغطرسة الأمريكية.