راءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة - محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، (9- 15)
تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة، الموزع: دار الأجنحة للنشر والتوزيع، الخرطوم.. ناشر الطبعة الثانية: دار بدوي للنشر، كونستانس، ألمانيا، 2022
بقلم بدر موسى
ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000)، جامعة أيوا، الولايات المتحدة
يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم، جامعة أيوا، الولايات المتحدة
bederelddin@yahoo.
المحتفون بالكتاب
البروفيسور ديفيد فاسكيز غوزمان (المكسيك): "إن كتاب الدكتور البشير دعوة لدراسة جذور التنمية الاقتصادية في الفكر الإسلامي، ويدعو القارئ إلى التفكير في الجذور المشتركة في كل من الثقافة الغربية والفكر الإسلامي".
أضاف البروفيسور كوزمان، قائلاً: "إن هذا الكتاب هو تقدير محترم لمساهمات كل من: السيد محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن الحائز على حائزة نوبل في مجال الحرية الفردية والتنمية الاجتماعية". وقال "إن قصة السيد محمود محمد طه محزنة، لأن الأمر قد انتهى به إلى التضحية بحياته من أجل مُثله العليا في التطور التدريجي، وهذا تذكير بأن التخلف عادة ما يكون مصحوبًا بتعصب خالص. فقد تم إعدام السيد محمود محمد طه من قبل خاطفيه في السودان في 18 يناير عام 1985، لمجرد أنه كان ينوي تكييف التفكير الديني لمجتمعه مع التحديات الجديدة التي كانت تمر بها بلاده". وأضاف، قائلاً: "لقد تمكن السيد طه من رؤية البؤس وعدم المساواة وقلة الفرص في بلاده آنئذ، فأراد أن يفعل شيئًا حيال ذلك. لقد كانت رؤيته للحرية الفردية والوصول إلى الخدمات والفرص شيئًا حاول توصيله أثناء تعرضه للهجوم والاضطهاد والسجن أحيانًا. وهنا، يرتبط المنظور الواضح للحرية الفردية الذي كان لدى السيد محمود محمد طه ببراعة من قبل الدكتور عبد الله بمُثُل الحريات والقدرات المعروفة كثيرًا في دراسات التنمية التي أجراها". ومضى البروفيسور ديفيد ليقول: البشير يدرس كتابات أمارتيا سن بعمق ويربط بعضًا من تفكيره مع تفكير السيد طه، لذلك يترك لنا أجندة مفتوحة لما يسميه بفكرة "التقارب الفكري". وبالنسبة لأولئك الذين يتابعون عمل سن في مجال التنمية الاقتصادية، فإن عمل البشير حول مساهمات طه هو رابط منعش يجعلنا نفكر في كيف يمكن أن يكون للأيديولوجيات الأساسية في أدبيات الرفاهية جذوراً مشتركة. مساهمات سن الأساسية في مجال الاقتصاد، حيث غيّر طبيعة منهجية التنمية من كونها عادة إلى العلم، لتكون جزءًا من الدراسة السائدة في الاقتصاد، انطلاقاً من حقيقة ثابتة مفادها أن كل ما نعرفه ونقدره يرتبط بالتنمية الاقتصادية. إن منظور سن الفردي الواضح في كتابه: "التنمية حرية"، من بين كتابات أخرى، هو حجر الزاوية في التنمية الإنسانية، لأننا تعلمنا منه أن الوصول إلى السلع والخدمات فقط ليس كافيًا لإكمال التقدم البشري، ولكن أيضًا، وربما الأهم من ذلك، الطريقة التي نبني بها المجتمعات، بحرية وبمشاركة في بيئة متعددة الأبعاد، فهي مهمة أيضًا. هنا يدرس البشير كتابات سن بعمق ويربط بعضًا من تفكيره مع تفكير السيد طه، لذلك يترك أجندة مفتوحة لما يسميه فكرة "التقارب الفكري"، وهو مفهوم يقول إن بالإمكان أن تكون هناك الروابط المشتركة بين العديد من أرصدة رأس المال البشري.
"ربما لا نكون مختلفين إلى هذا الحد"
سمير البرغوثي (كاتب فلسطيني): "الكتاب يتيح الفرصة لتعارف الثقافات... وبناء الشراكات الإنسانية علاوة على كونه يفتح الباب أمام التساؤل حول علمية القرآن التي طرحها محمود محمد طه".
يقول كوزمان يثيرنا ويحفزنا كتاب البشير فكريًا لدراسة الروابط الفلسفية بين اللاهوت الغربي (الكاثوليكي على سبيل المثال) والدين الإسلامي، كما هو واضح في أعمال الفيلسوف ابن رشد. ويقول إن كتاب الدكتور البشير هو تمرين فكري محفز. وهو دعوة مقارنة تجعلنا نفكر بطريقة متسامحة، مفادها أننا، وبعد كل شيء، ربما لا نكون مختلفين إلى هذا الحد، وربما يكون هناك أيضًا نموذجاً إسلامياً لمفهوم الحرية، وأن التنمية الإنسانية مهمة متعددة الأوجه وتستحق كل جهد ، سواء كانت بحجم الأرض أو بحجم سمكتين و خمسة أرغفة من الخبز ، وبالتالي فإن كل مساهمة ربما تزيد من مستوى تطور كل شخص في هذا العالم المتخلف.
لقيت كتابة البروفيسور كوزمان، تفاعلاً واسعاً من المثقفين، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، علَّق الدكتور محمد جلال هاشم، قائلاً: "هذه يا صديقي نَفَساتُ الفجر والشمسُ لمّا تطلع بعد. فما بالُك عندما تُشرقُ الشمسُ وتصبحُ رأْدَ الضُّحى؟ التاريخُ ينتظرُك يا بولس الرسول، وإن لم تفعلْ، فما بلّغتَ رسالتَك، واللهُ يعصمُك من الدنيا والناس. وهل في مقدورك غيرُ ذلك؟ هذا قدرُك يا صديقي، فقد جئتَ إلى هذا الأمر كما جاء موسى إلى ربِّه على قدرٍ. إنما يُصنعُ التاريخُ هكذا!".
وكتب الصحفي الراحل المقيم هاشم كرار، قائلاً: "هذا الرجل- د. عبدالله البشير- يقوم بدور فعال في تعريف العالم- أكثر وأكثر- بأفكار الأستاذ محمود، وهى الأفكار التي تتسق اتساقاً كلياً مع ماهية الدين، ودوره في التنمية المستدامة.. وتلك تمثل في مجملها اشواق الأنسان المعاصر. الأستاذ محمود- لكأنما هو بأفكاره التليدة- قد سبق زمانه، وعصره. هو لكأنما جاء إلى أمته من المستقبل الذي تتطلع إليه البشرية، باتجاه كمالتها! ".
"المقارنة -في ظني- مقارنة، سيلتفت إليها -باحترام- كل أصحاب النظريات الجبارة، التي تهتم بالإنسان، وأشواقه في الحرية والتنمية، والعدل والاعتدال".
"هذا الرجل، د. عبدالله الفكي، رجل يباركه الله.. ويباركه العلم.. ويباركه الإنسان/ الإنسان!".
بيان الغرض من التنمية وهو إنتاج أفراد أحرار
احتفى البروفيسور جمعة رشيدي كيدوانجا، الأستاذ بمعهد دراسات التنمية، جامعة دار السلام، تنزانيا، بالكتاب وكتب إشادة قوية في رسالة بعث بها إلى عبدالله. كتب كيدوانجا لعبدالله، قائلاً:
"قدم المؤلفان مساهمة جديرة بالثناء في مجال التنمية. لكن طه ذهب إلى أبعد من ذلك ليشير إلى القضايا المهمة الآتية فيما يتعلق بمجال التنمية:
1. جلب الفهم الجديد للإسلام. فالإسلام، عند طه، يحتوي على معرفة (يقينية)، وليس مجرد عقيدة. لقد حققت بعض البلدان في هذا العالم تقدماً من خلال استخدام هذه المعرفة الراسخة في الإسلام.
2. دعوة الناس ليصبح لديهم المعرفة الكاملة عن بيئتهم من خلال الاكتشاف، والإدراك بأن الله هو مصدر المعرفة.
3. بيان الغرض من التنمية، وهو إنتاج أفراد أحرار.
التقط البروفسيور كيدوانجا، أستاذ التنمية، جوهر رؤية الأستاذ محمود تجاه التنمية، وقال أن الأستاذ محمود محمد طه ذهب أبعد من أمارتيا سن، كما ورد أعلاه. ولا يمكن لأحد أن يزايد عليه وهو المتخصص في التنمية.
كذلك نشر الأستاذ سمير البرغوثي، كاتب صحفي فلسطيني، مقالين عن الكتاب بصحيفة الوطن القطرية، وذلك بتاريخ 27- 28 فبراير 2022. أيضاً نشرت الباحثة الكويتية الأستاذة أحلام الظفيري، دراسة بعنوان "فعالية المرأة ودورها في التنمية: المرأة الخليجية بين سندان القوانين المدنية ومطرقة القبيلة"، انطلاقاً من قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن، (مقاربة)، 2022". ونشرتها بمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث، الكويت، في 21 نوفمبر 2022.
جدير بالذكر أن هناك عدد كبير من الذين كتبوا عن الكتاب، ولكن يصعب رصدهم.
نواصل في الحلقة القادمة.
bederelddin@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التنمیة الاقتصادیة الأستاذ محمود فی التنمیة فی مجال فی کتاب
إقرأ أيضاً:
البشير والنذير في القرآن الكريم
د. عبدالله الأشعل
أخبرنا القرآن الكريم أن كل الأنبياء والرسل كسيلٍ لم ينقطع، وعبَّر عنها القرآن بأنَّ قافلة الرسل تترى، أي أنها استمرت من آدم إلى رسولنا الكريم. أما الرسل والأنبياء فهم اختيار الله سبحانه، فهو يعلم حيث يضع رسالته. وقد أوضح القرآن أن رسل الله هم الغالبون ويتمتعون بحصانة مطلقة.
أما لماذا بعث الله النبيين والرسل، فقد أخبرنا القرآن الكريم أيضًا أن الله أرسلهم من بين عامة البشر حتى لا تكون رسالتهم فوق مستوى البشر، وبعثهم الله بسببين لمهمة واحدة هي الإنذار والتبشير، وباختصار: البلاغ برسالات الله إلى الأقوام المختلفة. وأكد القرآن أن الله بعثهم لكل الأمم، وما من أمة إلا خلا فيها نذير. وسأل خزنة النار الداخلين إليها: ألم يأتكم نذير؟ فاعترفوا جميعًا بأنهم كذبوا الرسل، وأوضح القرآن الكريم السببين لبعث الرسل.
السبب الأول هو الإبلاغ والإنذار بأوامر الله ونواهيه، لقوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، وقوله: "وما كنَّا معذبين حتى نبعث رسولا".
السبب الثاني بلفظ القرآن: حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل؛ فالله يعلمنا أن نكون ديمقراطيين وصُرحاء وشفافين، فهو سبحانه غني عن العالمين، ومع ذلك، وتحقيقًا لمبدأ: "ولا يظلم ربك أحدًا"، و"ما ربك بظلام للعبيد".
وهنا نجد أن الله يقسم لبعض خلقه، وخاصة رسولنا الكريم، في قوله تعالى: "لا أقسم بهذا البلد وأنت حلٌّ بهذا البلد". وكذلك قوله: "والضحى والليل إذا سجى، ما ودعك ربك وما قلى". وأعتقد أن سبب القسم للرسول الخاتم ليس نقصًا في التصديق؛ فالرسول أدرى منَّا بموضوع القسم، ولكنه تكريم للرسول الكريم.
أما الجزاء في القرآن الكريم، فيختلف معناه حسب السياق، فأحيانًا يكون معناه العقوبة، وأحيانًا أخرى يكون معناه الأجر والمثوبة والمكافأة. وقد بحثتُ هذه النقطة في الفصل التمهيدي من رسالة الدكتوراه التي قدمتُها عام 1975، وتمت مناقشتها عام 1976 بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وكان موضوعها "الجزاءات غير العسكرية في الأمم المتحدة".
وعندما نظرتُ في آيات الذكر الحكيم لبيان الفرق بين النذير والبشير، وجدتُ أنهما يُستخدمان حسب السياق. فالبشارة تأتي في الخير، والإنذار في العذاب، ومع ذلك، يستخدم القرآن كلا اللفظين وفق السياق، مثل قوله تعالى: "بَشِّر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا" (النساء: 138)، وقوله: وأرسلنا مبشرين ومنذرين، وأيضًا قوله سبحانه: "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا".
وقوله سبحانه: عليك البلاغ وعلينا الحساب. وأوضح القرآن لماذا قصر مهمة الرسل على البلاغ ولم يكلفهم بالهداية؛ حيث اختص الله بها نفسه، فالله سبحانه هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كما في قوله: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".
وهكذا، نجد أن العملية موزعة بين الخالق والرسل، كما هو واضح في القرآن الكريم: يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وأوضح القرآن الكريم أيضًا: "ليس عليك هُداهم ولكن الله يهدي من يشاء".
وبما أن الإيمان محله القلب، ولا يطلع عليه إلّا الخالق، فمن أراد الهداية حقًا هداه الله، ومن أراد الضلال أضله الله حسب استعداد الإنسان؛ بل إن القرآن أشار إلى مرتبة أسمى يُخص بها المستحق من عباده، كما في قوله تعالى: فإنك من تق السيئات فقد رحمته. أي أن العبد إذا جنبه الله السيئات، فهذا فضل من الله بدلًا من ارتكاب المعاصي، ثم يستغفر العاصي ربه، ويطلب التوبة، أي عدم العودة إلى المعاصي.
وقد أوضح القرآن قواعد التوبة، ومع ذلك، فرحمة الله واسعة، كما في قوله: "إنما التوبة للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب"، وألا ينتظر ساعة الوفاة.
الخلاصة.. أن البشارة في الخير، والإنذار في الشر، ومع ذلك، يستخدم القرآن الكريم كلا المصطلحين حسب السياق.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصر