مصطفى مراد الدباغ.. رائد بناء المدارس وتربية الأجيال في فلسطين
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
مصطفى مراد الدباغ (1897-1989) واحد من أبرز المؤرخين والمربين والكتاب الفلسطينيين، جعل هدفه في الحياة "تربية الأجيال وتأليف النافع المفيد من الكتب".
فقد اهتم بالتعليم من أجل مواجهة الصهيونية ومشروعها، وركّز على افتتاح المدارس في الأرياف، وترك مكتبة غنية من المؤلفات التاريخية النافعة والمفيدة، كان من أهمها عمله الموسوعي "بلادنا فلسطين" في 11 مجلدا، غطت تاريخ فلسطين وجغرافيتها وسكانها.
ولد مصطفى مراد الدباغ في مدينة يافا عام 1897م، والده مراد الدباغ ووالدته آمنة هيكل.
تزوج من وداد محمصاني وأنجبا ولدين: عمر وصلاح الدين.
تلقى مصطفى مراد الدباغ علومه الأولية في المدرسة الأميرية، ثم أكمل دراسته الثانوية في المكتب السلطاني في بيروت.
مصطفى مراد الدباغ ممن ساهموا بالنهضة التربوية في كل من الأردن وقطر. وأتقن اللغتين التركية والفارسية إلى جانب اللغة العربية. وكان يؤمن بأن التعليم هو أحد الأسباب الرئيسية للنهوض بالفلسطينيين وتمكينهم من مواجهة الخطر الصهيوني ومتطلبات العصر.
منحته منظمة التحرير الفلسطينية وسام القدس للثقافة والفنون والآداب في يناير/كانون الثاني 1990.
الوظائف والمسؤولياتاستُدعي مصطفى الدباغ سنة 1915 للخدمة ضابط احتياط في الجيش العثماني، فتلقى تدريبا عسكريا بمدينة بعلبك في لبنان، وأُرسل إلى معسكرات الجيش في إسطنبول، ثم أرسلت وحدته إلى الحجاز، وما لبث أن نُقل إلى عمل إداري.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، انضم إلى صفوف العاملين مع الشريف حسين، فعمل في الحجاز، لمدة تزيد على سنة، مع الشريف شرف بن راجح، الساعد الأيمن للأمير فيصل في قيادة الجيش العربي.
وعمل مديرا في عدد من المدارس ثم مدرسا في دار المعلمين في القدس سنة 1926، ثم مساعدا ثم ترقى فيما بعد مفتشا للمعارف في كل من نابلس ويافا حتى النكبة الأولى خلال حرب عام 1948.
وغادر يافا في مايو/أيار 1948 في آخر مركب غادر المدينة بعد حصارها وقصفها واحتلالها من قبل القوات الإسرائيلية، مصطحبا معه مجموعة المخطوطات والأوراق التي كان قد كتبها عن تاريخ فلسطين وجغرافيتها.
ولكن المركب البسيط الذي حمله شارف على الغرق، فأمر الربان الرُكّاب بإلقاء ما لديهم في البحر، وهكذا اضطر مصطفى مراد الدباغ إلى التخلي عن أثمن ما لديه، وهو كل ما أنقذه من بين سائر موجوداته عند مغادرته مسقط رأسه.
وبعد النكبة عين أستاذا للاجتماعيات في ثانوية حلب، فمفتشا لمدرسة المقاصد الخيرية في بيروت عام 1949، ثم عين مساعدا لوكيل وزارة المعارف الأردنية عام 1950، فوكيلا للوزارة عام 1954، ثم عين مديرا لمعارف دولة قطر بين 1959 و1961، وفيها ألف كتابه "قطر ماضيها وحاضرها".
اهتمامه بالمدارسكان مصطفى الدباغ علما من أعلام التربية والتاريخ في فلسطين. بدأ حياته الكتابية مبكرا، فمنذ أن كان ضابطا في الجيش العثماني، كان يدون مذكراته ومشاهداته.
وخلال عمله في مجال التربية والتعليم بدأ يستشعر ما يتهدد فلسطين من مخاطر فأخذ يجمع المعلومات عن القرى والمدن والقبائل والمواقع، حرصا منه على جمع الذاكرة الفلسطينية.
وأولى عناية خاصة لافتتاح المدارس الريفية الحديثة، فكان يُقنع مسؤولي القرى الفلسطينية بالتبرع بالأرض اللازمة وبناء المدارس على نفقتهم الخاصة، مقابل تولي الحكومة تعيين المعلمين والإنفاق والإشراف عليهم.
بعد الانتهاء من جولاته التفتيشية كان يلتقي مشايخ القرى ومخاتيرها، ليسألهم عن عادات البلدة وتسميتها السابقة وأبرز معالمها، وبذلك اجتمعت لديه معلومات متنوعة عن فلسطين، مما أعانه على تأليف كتابه الموسوعي "بلادنا فلسطين"، وهو مؤلف من 11 مجلدا تغطي فلسطين وقراها.
ومن كتبه الأخرى أيضا:
مدرسة القرية. الموجز في تاريخ فلسطين منذ أقدم الأزمنة حتى اليوم. قطر ماضيها وحاضرها. جزيرة العرب: موطن العرب ومهد الإسلام. القبائل العربية وسلائلها في بلادنا فلسطين. الموجز في تاريخ الدول العربية وعهودها في بلادنا فلسطين. الموجز في تاريخ الدول الإسلامية وعهودها في بلادنا فلسطين.وفي عام 1986 ألف مصطفى مراد آخر كتاب له بعنوان "من هنا وهناك"، وكتب فيه "فإن كان في العمر بقية وفي الوسع والطاقة فضلة صحة فسأواصل البحث في أمجادنا الفلسطينية حتى يقضي الأجل وينقطع العمل".
وفاتهتوفي مصطفى مراد الدباغ ببيروت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1989 ودُفن فيها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بلادنا فلسطین
إقرأ أيضاً:
ضحايا مصايد الموت.. نيران الاحتلال شلَّت رائد المريدي وجوّعت أطفاله
غزة- "كنا مجوَّعين مثل كل الناس وبعد إصابة زوجي اجتمع علينا الجوع والشلل"، تقول الزوجة المكلومة علا عبد العاطي، وهي تشير إلى زوجها الراقد بلا حراك، إثر إصابته بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي في رأسه، تسببت له بشلل كلي.
وتعمَّقت مأساة هذه الأسرة عندما شملت إنذارات الإخلاء الإسرائيلية الأخيرة لمواقع واسعة من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، المنطقة التي كانت تقيم بها داخل خيمة متهالكة، ووجدت علا (32 عاما) نفسها مجبرة على النزوح بزوجها الجريح رائد المريدي (36 عاما) وأطفالهما الخمسة إلى مدينة خان يونس جنوب القطاع.
تقول علا للجزيرة نت "ليته لم يذهب، كان سندنا ومعيلنا، وقد انقلبت حياتنا رأسا على عقب بعد إصابته، أشعر أنني في دوامة لا تنتهي من الألم والحزن والمعاناة، وأصبحت المسؤولة الوحيدة عنه وعن أطفالنا، والله الحمل ثقيل والحياة صعبة".
عاد مشلولا
وصباح يوم 24 يونيو/حزيران الماضي، كانت علا على موعد مع الخبر المفجع، عندما رافق زوجها أصدقاء له، وتوجهوا إلى مركز لتوزيع المساعدات تابع لمؤسسة غزة الإنسانية، المدعومة أميركيا وإسرائيليا، والمرفوضة على نطاق واسع من هيئات محلية ودولية.
وأصيب رائد بـ"شظية أو عيار ناري" لا تعلم الزوجة على وجه الدقة، وتقول: إن الإصابة أحدثت مدخلا ومخرجا في رأسه، وسقط أرضا ينزف دم مثل "ماء يتدفق من نافورة" حسب شاهد عيان ساعد بنقل زوجها للمشفى، ليُعلن إصابته بشلل كلي.
سبق لرائد أن ذهب لمركز التوزيع مرتين قبل هذه "المصيبة"، تصف الزوجة، وتشير إلى أنه "كان يرجع إلينا وكأنه عائد من بين براثن الموت، بملابس رثة محمَّلة بالكثير من التراب والغبار، وبوجه حرقته أشعة الشمس، ويحدثنا عن مشاهد مروعة من إطلاق النار وتساقط الشهداء والجرحى بين أوساط حشود المجوَّعين، الذين تفوق أعدادهم أضعاف المتوفر من كراتين (طرود) المساعدات".
وفي المرة الأولى عاد رائد لأسرته بكيلوغرامين من الطحين فقط، وفي الثانية لم يكن من المحظوظين الذين وصلوا باكرا لمركز التوزيع للحصول على نصيبه من المساعدات الشحيحة، وأعطاه صديق سبقه للمركز عبوة بسعة لتر واحد من الزيت النباتي.
إعلانوأصبح رائد أحد ضحايا هذه المراكز، التي وصفتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بـ"مصايد موت"، وتسببت منذ افتتاحها في 27 مايو/أيار الماضي باستشهاد أكثر من ألف مجوَّع، بينهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 6 آلاف، ولا يزال 45 في عداد المفقودين، حسب توثيق المكتب الإعلامي الحكومي.
وبحرقة تتساءل الزوجة علا "أليست مراكز لتوزيع المساعدات الإنسانية، فلماذا كل هذا القتل بحق المجوعين؟ وهل باتت دماؤنا سهلة ورخيصة لهذا الحد؟ نقتل بالقصف وبالتجويع منذ عامين والعالم يكتفي فقط بالكلام".
وترفض الأمم المتحدة الخطة الإسرائيلية وترى أنها تفرض مزيدا من النزوح، وتعرّض آلاف الأشخاص للأذى، وتَقْصر المساعدات على جزء واحد فقط من غزة ولا تلبي الاحتياجات الماسة الأخرى، وتجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، كما تجعل التجويع ورقة مساومة.
وقبل يومين، أجريت لرائد عملية جراحية في "المستشفى الميداني الأردني" في خان يونس، وحُوِّل لقسم الجراحة في "مجمع ناصر الطبي" بالمدينة، المكتظ بالجرحى والمرضى وحالات سوء التغذية، حيث تقدر إدارته نسبة الإشغال بأقسامه المختلفة بنحو 250%.
ويحتاج رائد لعمليات جراحية متقدمة في الخارج، لا تتوفر الإمكانيات لإجرائها في مستشفيات القطاع التي تواجه حالة انهيار جراء الاستهداف المباشر والحصار الخانق، ومنع الاحتلال إدخال الوفود الطبية الأجنبية والأجهزة والإمدادات الطبية.
تقول علا إن الأطباء أخبروها بوجود أمل ضعيف بإمكانية عودة الحياة والحركة لنصف جسد زوجها الأيمن، فيما يظل النصف الأيسر مشلولا بقية حياته.
وبقلب يعتصر ألما، تواصل علا مشيرة للمسؤولية الثقيلة التي باتت تتحملها وحدها "الحياة قاسية للغاية، ولدي 5 أطفال، أكبرهم 13 عاما، وأصغرهم رضيع بعمر 3 أشهر، وزوج جريح قد يبقى مشلولا طوال حياته".
وتضيف "عندما ذهب رائد إلى مركز توزيع المساعدات لم يكن لدينا طحين أو أي طعام نأكله منذ نحو 10 أيام، لكنه كان بيننا ويساعدني بتربية الأطفال وتحمل أعباء الحياة. واليوم، باتت حياتنا أكثر تعقيدا ومأساوية، أرافقه للمستشفيات، وأترك أطفالي في الخيمة وحدهم لساعات طويلة دون حماية أو طعام".
منذ الأيام الأولى للحرب وأسرة رائد تنزح من مكان لآخر، بعد مغادرتها منزلها في حي الزيتون بمدينة غزة، الذي تعرض لاحقا لتدمير كامل، وتتابع علا "أشعر وكأنني في كابوس مرعب".
وباتت علا أكثر خشية على أطفالها إثر إصابة زوجها واشتداد التجويع، وقد عدمت كل الوسائل من أجل تدبير احتياجاتهم الأساسية، وهي نفسها تواجه سوء تغذية حاد، يحرمها القدرة على إرضاع مولودها "ساجد"، بينما تعاني طفلتها رزان (5 أعوام) من سوء التغذية.
وأصيبت رزان بآلام استدعت نقلها لنقطة طبية تابعة لهيئة دولية في خان يونس، وتقول الأم علا "هناك أخبرني الطبيب أنها تعاني من سوء تغذية، وكذلك أنا أعاني مثلها، وقد انخفض وزني في الفترة الأخيرة من 58 إلى 49 كيلوغرام".
إعلانوتشكو علا عدم توفر مكملات غذائية لأطفالها، أو حليب صناعي لرضيعها، فيما الأسواق خاوية، لا تحوي سوى كميات شحيحة من الخضار وبقايا مواد معلبة، وبأسعار باهظة لا يقوى عليها غالبية الغزيين، الذين فتكت الحرب بهم وأفقدتهم كل أموالهم ومدخراتهم.
ويكتظ "مبنى التحرير" في مجمع ناصر الطبي حيث مستشفى الأطفال والتوليد بأطفال يواجهون الموت في كل لحظة، بسبب التجويع وسوء التغذية الحاد، وغياب الحليب الصناعي.
ويقول مدير المستشفى الدكتور أحمد الفرا للجزيرة نت إن حليب الأطفال من النوعين الأول والثاني، الذي يعتبر الغذاء الوحيد للرُضَّع دون 6 أشهر، غير متوفر تماما، وإذا ما وجد، فيكون غالبا منتهي الصلاحية، وبأسعار باهظة.
"مقتلة جماعية"
ويمنع الاحتلال منذ تشديد الحصار وإغلاق المعابر في الثاني من مارس/آذار الماضي إدخال حليب الأطفال، ووفقا للطبيب الفرا فإن أمهات لجأن لإطعام أطفالهن الرُضَّع أغذية معلبة، تسببت باختناقهم ومضاعفات استدعت دخولهم المستشفى وخضوعهم لعمليات جراحية.
وفي بيان أصدره، السبت، حذَّر المكتب الإعلامي الحكومي من كارثة إنسانية غير مسبوقة وشيكة، تعصف بنحو 100 ألف طفل أقل من عامين، بينهم 40 ألف رضيع أعمارهم أقل من عام، ويواجهون خطر الموت الجماعي خلال أيام قليلة، في ظل انعدام حليب الأطفال والمكملات الغذائية بشكل كامل.
وارتفعت حصيلة شهداء سوء التغذية إلى 122، بينهم 83 طفلا، ويقول المكتب الحكومي "نحن أمام مقتلة جماعية مرتقبة ومتعمدة ترتكب ببطء ضد الأطفال الرضع الذين باتت أمهاتهم ترضعهم المياه بدلا من الحليب، نتيجة سياسة التجويع والإبادة التي ينتهجها الاحتلال".
وقد سجلت المستشفيات والمراكز الصحية خلال الأيام الأخيرة -وفق المكتب الحكومي- ارتفاعا يوميا بمئات حالات سوء التغذية الحاد والمهدد للحياة، دون أي قدرة على الاستجابة أو العلاج بسبب شبه الانهيار للقطاع الصحي وانعدام الموارد الطبية والغذائية.