الاتفاق الداخلي والحدودي.. بعد غزّة
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
كل شيء مؤجل الى ما بعد إنتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. هذه هي الخلاصة التي يصل اليها اي مبعوث عربي او غربي يصل الى لبنان، اذ ان وجود "حزب الله" بوصفه ممرا إلزامي لأي تسوية مرتبطة بالاشتباكات جنوباً او بالأزمة السياسية في الداخل، يجعل من اي تسوية مرتبطة بموافقة الحزب الذي لا يبدو جاهزاً للنقاش قبل وقف اطلاق النار في غزة.
تحاول الدول العربية والغربية الفصل بين الأزمة الداخلية في لبنان والحرب بين "حزب الله" وإسرائيل، اذ ان هذه الحرب لن تذهب بإتجاهات تصعيدية كبيرة ما يعني أن نهايتها ستصب بشكل او بآخر في مصلحة الحزب مما يجعله قادراً على اللعب ضمن التوازنات الجديدة التي ستجعله صاحب المكاسب الأكبر في أي حلّ داخلي، وهذا ما يحاول خصومه الاقليميون والداخليون الهروب منه او تجنبه. من هنا يمكن فهم اصرار بعض القوى على عقد تسوية رئاسية وداخلية خلال المرحلة الحالية.
نظرياً، قد يكون انشغال "حزب الله" بالحرب فرصة لخصومه للوصول معه الى تسوية مناسبة لهم، لانه سيكون جاهزاً لتقديم التنازلات كي يخفف الضغوط الداخلية عليه، لكن هذا لم يحصل حتى اللحظة، اذ ان الحرب الحاصلة جعلت "حزب الله" متشدداً أكثر في مطالبه واهدافه الداخلية، مما يؤشر الى تأجيل اي نقاش داخلي،حتى ان بعض المبادرات المتحركة بين فترة وأخرى والتي تقوم بها احزاب وقوى سياسية محلية، لا توصل الى اي نتيجة في ظل التعاطي شبه الصريح من قبل الحزب، بأنه غير جاهز للتسوية.
تنازل "حزب الله" في الداخل، او الاصح قبوله بالتسوية سيكون مرتبطاً بشكل واقعي بحصوله على ما طالب به، اي وصول حليفه رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الى قصر بعبدا، لكن حتى حصول هذا الامر ربما لن يحمسّ الحزب للمضي في التسوية، لانه عملياً يريد تسوية مع القوى الفاعلة اقليمياً كي لا يكرر تجربة الرئيس السابق ميشال عون في الحكم، من هنا يصبح الحديث عن الاتفاق مع المملكة العربية السعودية او الحصول على موافقتها رئاسياً امر مُلزم لاسباب كثيرة، فالحزب ليس مستعجلاً على ايصال رئيس ضمن الظروف الحالية بل يفضل تسوية شاملة تؤمن نجاح العهد لا فشله.
حتى على الصعيد السلطة، يبدو "حزب الله" مرتاحاً للواقع الحالي حيث التفاهم قائما مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، مما يجعله مصرا على عدم خوض اي نقاش داخلي في الوقت الراهن ولا يوجد أي ضغط فعلي على كاهله، لكن الاهم هو ان الحزب يفصل في نقاشه الحدودي مع المبعوثين بين واقع الجبهة الراهن وهو أمر لا نقاش فيه مع أحد، اذ ان الدعم مستمر ما دامت الحرب قائمة في غزة، واطلاق النار سيتوقف فور وقف اطلاق النار في القطاع، وبين مرحلة ما بعد وقف اطلاق النار التي فيها ترتيبات فعلية يجب نقاشها.
يصر الحزب على عدم خوض نقاش حول هذه الترتيبات في هذه المرحلة وقد كان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله قد اكد ان كل ما يحكى عن تسوية ناجزة وتنتظر وقف اطلاق النار غير صحيح، وعليه فإن التفاوض سيحصل بعد انتهاء الحرب ووفق التوازنات التي سيفرزها الميدان، وهذا سيشمل طريقة تطبيق القرار 1701 والنقاش حول النقاط المتنازع عليها وحتى بشأن مزارع شبعا وقرية الغجر.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: وقف اطلاق النار حزب الله
إقرأ أيضاً:
دروس الاتفاق اليمني – الأمريكي والمواجهة الباكستانية – الهندية
لا يمكن فهم جزء كبير من التطورات السياسية في العالم، بمعزل عن التطورات الجارية في المجال العسكري، من تقدم في الأسلحة النوعية، خاصة لدى دول الجنوب وروسيا والصين، لأن كل خلل في ميزان القوى العسكري يعني خريطة جيوسياسية جديدة ستأخذ في التبلور. وفي هذا السياق، تشكّل الأحداث الأخيرة في اليمن، إلى جانب المناوشات العسكرية بين الهند وباكستان، مؤشرات تتجاوز الطابع الرمزي، لتعبّر عن تحولات واقعية وملموسة، ذات تأثير متصاعد على المشهد الإقليمي والدولي.
وفي البدء، نستعرض عددا من التطورات السياسية، التي حصلت في هذا الشأن، ما اضطر الولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين في اليمن، من أجل وقف الهجمات المتبادلة، أي وقف الحوثيين استهداف السفن التجارية والعسكرية الأمريكية، مقابل تجميد البنتاغون الهجمات ضد اليمن. وكان هذا الاتفاق الذي جرى بواسطة سلطنة عمان، لافتا لسببين، الأول، أنه لم يشمل السفن الإسرائيلية بالحماية، وثانيا استثنت الولايات المتحدة من الاتفاق باقي السفن الغربية، أي اقتصر على السفن الأمريكية. وهذا الموقف يتعارض مع فلسفة انتشار الأساطيل العسكرية الأمريكية في العالم، التي تؤكد أن هدفها الرئيسي هو تأمين التجارة عبر العالم، خاصة في المعابر الاستراتيجية.
ويتجلى التطور الثاني في سرعة إيقاف المواجهات العسكرية بين الهند وباكستان، بطلب من الغرب، خاصة واشنطن، في وقت كان الرأي السائد هو استمرار هذه المواجهات لمدة أطول، والانتقال من مناوشات إلى حرب حقيقية. لماذا هذا الانتقال؟ لأن الغرب أناط بالهند مسؤولية تقزيم باكستان، كقوة عسكرية ومحاولة إذلالها لوقف تنسيقها العسكري مع الصين ومع تركيا، وربما مستقبلا مع إيران. ويجب فهم جزء من تحرش الحكومة الهندوسية بالمسلمين الهنود والباكستانيين ضمن هذا المخطط. وفي هذا الركن من الجريدة عالجت يوم 27 يناير/كانون الثاني الماضي، التعاون العسكري بين باكستان وتركيا من جهة، وبين الصين وباكستان من جهة أخرى، والقلق الذي يشكله للغرب والهند. وعلاقة بالاتفاق اليمني – الأمريكي، لا يمكن فهمه بمعزل عن فشل البنتاغون، بل الغرب برمته، في القضاء على عملية إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة من طرف الحوثيين. يشرف الغرب على عمليتين لضمان مرور السفن وهي «حارس الرفاهية» بزعامة البنتاغون، وقوة «أسبيديس» بقيادة فرنسا وألمانيا. ولنتأمل ما قاله قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط الأدميرال براد كوبر، خلال مارس/آذار 2024 حول العمليات الأمريكية ضد الحوثيين بأنها «أكبر معركة تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، سفننا الحربية منخرطة في القتال. وعندما أقول منخرطة في القتال، فهذا يعني أننا نطلق النار عليهم، وهم يطلقون النار علينا ونحن نرد عليهم». لقد نجح الحوثيون في إسقاط أكثر من عشر طائرات مسيرة من نوع إم كيو 9، التي تعتبر تاج الدرونات الأمريكية، ستة منها خلال الشهرين الأخيرين. ومنذ الحرب العالمية الثانية لم تعترض البنتاغون تحديات عسكرية في أي حرب ومنها العراقية، في عامي 1991 و2003، مثل الحرب ضد اليمن بقيادة الحوثيين. لقد كان الرئيس دونالد ترامب يهدد بأقسى الردود العسكرية ضد الحوثيين، وانتهى أمام الواقع إلى الرهان على الحوار.
لقد نجح الحوثيون، رغم عنف القصف الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، في جعل البوارج العسكرية الأمريكية تتمركز بعيدا جدا عن سواحل اليمن، وفق الخرائط التي ينشرها المعهد البحري الأمريكي، المتخصص في البحرية الأمريكية، ليكون لها وقت أكبر للمناورة عندما يطلق الحوثيون صواريخهم. ويوجد غموض حول إسقاط الحوثيين مقاتلات إف 18، بينما يقدم البنتاغون تفسيرات غير مقنعة حتى الآن في هذا الشأن. وبدأت أنظمة الدفاع الجوي الأمريكي والإسرائيلي تفشل في اعتراض الصواريخ فرط صوتية اليمنية، علما أن اليمن الآن يجد صعوبة في إطلاق الصواريخ، بسبب المراقبة الدقيقة للرادارات والأقمار الاصطناعية، لكن التكهن العسكري يؤكد أنه كما ينجح الحوثيون الآن في إسقاط إم كيو 9 بسهولة، فسينجحون في تسديد ضربات دقيقة بالصواريخ فرط صوتية بعد إصلاح الخلل في التصويب، وطريقة تفادي كثرة الصواريخ الاعتراضية. كما تبرز هذه الحرب أنه رغم الخسائر التي يتكبدها اليمنيون في الوقت الراهن، فهم سيؤمنون مستقبلا قادرا على الوقوف في وجه الاعتداءات لعقود طويلة. ويمكن الاستشهاد بالتاريخ الغربي، فقد خسر الغربيون كثيرا في الحرب العالمية الثانية، منها ملايين من الأرواح والتدمير في المدن، وذلك لكي ينعموا بعقود من الاستقرار. والآن يعتقدون أنه يجب التضحية كثيرا في الحرب الأوكرانية – الروسية لكي يتجنبوا الخطر الروسي لعقود مقبلة.
علاقة بملف الهند وباكستان، يتحدث الخبراء والمهتمون بالخسائر الهندية في المواجهة مع باكستان ومنها، إسقاط الجيش الباكستاني لمجموعة من الطائرات المسيرة من صنع إسرائيلي، ثم إسقاط ما بين واحدة إلى ثلاث مقاتلات رافال الفرنسية التي تعتبر من أهم المقاتلات العالمية. ونجح الباكستانيون في إسقاطها بفضل المقاتلة الصينية تشنغدو 10 وصاروخ PL-15E ويمكن تلخيص آراء الخبراء، فيما نشره موقع «ذي أفيونيست» المتخصص في الطيران الحربي، بأن إسقاط رافال هو تنبيه إلى الصناعة العسكرية ليس الفرنسية وإنما الغربية برمتها، من التقدم الصيني المذهل في مجال تصنيع الأسلحة. ويبرز موقع «أرمي ريكونيشن» كيف أن باكستان تلعب بذكاء بالاستثمار في الصواريخ الدقيقة والحرب الإلكترونية، وكيف أن هذه المواجهة تكشف مسبقا من سيهيمن على أجواء آسيا مستقبلا.
إن التطورات الأخيرة، بدءاً من الاتفاق الأمريكي – اليمني، مروراً بنتائج المواجهة العسكرية بين الهند وباكستان، تمثل مؤشرات قوية على أن التقدم في صناعة السلاح، واقتناءه بذكاء، أصبحا من أهم عوامل الصمود في خريطة جيوسياسية بات فيها القانون الدولي مسألة ثانوية، ليحل محله منطق القوة العسكرية. وفي ظل هذه التحولات، أصبحت المواجهات العسكرية من هذا النوع تدفع العديد من دول العالم، لاسيما دول الجنوب ذات الميزانيات المحدودة، إلى المراهنة على السلاح، الذي يحمل العلامات التركية، الصينية، الإيرانية، أو الباكستانية، بدلاً من الاعتماد على السلاح الغربي الباهظ الثمن، الذي غالباً ما يكون مشروطاً بشروط استخدام مجحفة.
(القدس العربي)