إيكونوميست: لماذا يراكم الرئيس الصيني مخزونات سرية من السلع؟
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
على مدى العقدين الماضيين، التهمت الصين كميات هائلة من المواد الخام، وأصبح سكانها أكبر عددا وأكثر ثراءً وبحاجة إلى المزيد من منتجات الألبان والحبوب واللحوم. وأبدت صناعاتها العملاقة نهما للطاقة والمعادن.
هكذا استهلت مجلة "إيكونوميست" البريطانية تقريرا بدا، في ظاهره، وكأنه يتحدث عن مأزق يواجهه ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلا أن الحقيقة، في جوهرها، غير ذلك.
فعلى الرغم من أن الاقتصاد الصيني عانى في السنوات الأخيرة من سوء الإدارة السياسية وأزمة الملكية، إلا أن المسؤولين في الدولة مصممون على التحول بعيدا عن الصناعات كثيفة الاستهلاك للموارد، ذلك أن المنطق يفرض على البلاد كبح شهيتها للسلع الأساسية، وفق التقرير.
أرقام قياسية من الوارداتبيد أن المجلة ترى أن الواقع على عكس ذلك؛ ففي العام المنصرم سجلت واردات الصين من العديد من الموارد الأساسية أرقاما قياسية، وارتفعت وارداتها من كافة أنواع السلع الأساسية بنسبة 16% من حيث الكم. ولا تزال هذه الواردات آخذة في الارتفاع، إذ زادت بنسبة 6% في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام.
وطبقا للتقرير، فإن الصين تخزن، على ما يبدو، السلع الأساسية باهظة الثمن، في حين يشعر صناع السياسات في بكين بالقلق إزاء التهديدات الجيوسياسية الجديدة، وليس أقلها أن رئيسا أميركيا جديدا "متشددا" قد يسعى إلى "خنق" طرق الإمداد الحيوية إلى الصين.
وتعتقد المجلة البريطانية أن هذا الخوف له ما يبرره ذلك لأن الصين تعتمد على الموارد الأجنبية. وعلى الرغم من أنها تعد مركزا لتكرير وتنقية العديد من المعادن في العالم، إلا أنها تستورد الكثير من المواد الخام حيث تتراوح احتياجاتها من 70% من البوكسيت إلى 97% من الكوبالت. كما تعتمد على وارداتها من الطاقة. ومع أنها تمتلك كميات كبيرة من الفحم، فإن مخزوناتها من أنواع الوقود الأخرى يضطرها إلى استيراد 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي و70% من النفط الخام.
الأشد إلحاحا
على أن اعتمادها على الغذاء هو الأشد إلحاحا، فهي تستورد اليوم 85% من 125 مليون طن سنويا من فول الصويا الذي تستخدمه لإطعام 400 مليون خنزير، وتكاد تعتمد بشكل شبه كامل على المزارعين الأجانب في إنتاج القهوة وزيت النخيل وبعض منتجات الألبان.
وإدراكا منها لهذه الحقيقة، شرعت الصين في بناء مخزون "إستراتيجي" من الحبوب والمعادن المرتبطة بالدفاع في نهاية الحرب الباردة، ثم أضافت إليه في ذروة ازدهارها الاقتصادي مخزونات من النفط والمعادن الصناعية.
3 أحداثوتعزو المجلة السبب في إقدام الصين على زيادة مخزوناتها من السلع والمعادن، إلى 3 أحداث أخيرة؛ أحدها أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان قد فرض، في عام 2018، رسوما جمركية على واردات بلاده من الصين بقيمة 60 مليار دولار، وهذا ما أجبر بكين على الانتقام من خلال فرض رسوم على فول الصويا الأميركي.
والحدث الثاني تمثل في تفشي وباء كوفيد-19، الذي أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد ورفع تكلفة المواد. وأخيرا، تسببت الحرب الروسية في أوكرانيا في تأجيج الأسعار وأظهرت أميركا عزمها على استخدام سلاح الحظر حتى ضد أعدائها الكبار، وفقا للتقرير.
وأشارت المجلة إلى احتمال عودة ترامب، "الذي لا يخفي رغبته في عرقلة الصين"، إلى السلطة مجددا، وهذا ما ينذر بتقييد صادرات بلاده الغذائية إليها، والتي كانت قد شهدت انتعاشا بعد رحيله عن البيت الأبيض في عام 2020. ويأمل المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية في أن تحذو دول كبيرة منتجة للمواد الغذائية، مثل البرازيل والأرجنتين، حذو الولايات المتحدة.
بيئة أكثر عدائيةويبدو أن الصين -كما تقول إيكونوميست- تعد نفسها لمواجهة بيئة أكثر عدائية، من خلال زيادة مرافق بنياتها التحتية اللازمة لتخزين الإمدادات، ورفع قدراتها التخزينية من النفط الخام من 1.7 مليار برميل في عام 2020، إلى ملياري برميل.
وتوخيا لمزيد من الحذر، توقف خبراء الإحصاءات الصينيون عن نشر بيانات حول مخزونات العديد من السلع الأساسية.
على أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة، برأي إيكونوميست، يكمن في الجهود التي تبذلها الصين لإخفاء المعادن والوقود. ونقلت المجلة عن توم برايس من بنك "بانروم ليبروم" الاستثماري البريطاني أنه اكتشف، من خلال تقديراته لمخزونات الصين من النحاس والنيكل والعديد من المعادن الأخرى التي كان من الممكن أن تستهلكها بشكل موثوق ومقارنتها بإجمالي العرض، أن تراكم تلك المخزونات -منذ عام 2018- كان كافيا لتغطية ما بين 35% إلى 133%، على الأقل، من احتياجاتها السنوية، حسب السلعة.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت مخزونات النفط الخام بمتوسط 900 ألف برميل يوميا منذ بداية العام، وفقا لتقديرات شركة "رابيدان إنرجي" لاستشارات الطاقة، وبمعدلات ملء تقدر بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم في يونيو/حزيران، وهي تعد الأسرع خلال العام. وأوشكت الصين على الاقتراب من تخزين 1.3 مليار برميل، وهو ما يكفي لتغطية احتياجاتها من وارداتها النفطية لمدة 115 يوما (بالمقارنة مع 800 مليون برميل تحتفظ بها أميركا).
للصمود الطويلإن الإمدادات التي تسعى الصين للحصول عليها هي بالضبط تلك التي تحتاجها للصمود في صراع طويل الأمد، ربما أثناء حصارها لتايوان.
وتنسب إيكونوميست إلى المحلل السابق في وزارة الدفاع الأميركية، غابرييل كولينز، القول: "بإضافة هذا إلى الحشد العسكري الصيني، فإن ذلك يثير قلقا بالغا".
وتقول المجلة إن الرأي الأرجح هو أن لجوء الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تخزين تلك الموارد يوحي بأنه "إجراء دفاعي" طالما أنه لم يرق حتى الآن إلى المستوى الذي يجعله في مأمن إذا نشب صراع عنيف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات
إقرأ أيضاً:
البنتاغون يضخ 400 مليون دولار لاحتكار المعادن النادرة.. كيف تنوي أمريكا قلب الطاولة على الصين؟
في خطوة غير مسبوقة لتعزيز الأمن القومي وتقليص الاعتماد على الصين، استحوذت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) على حصة تبلغ 15% من أسهم شركة MP Materials، الشركة الوحيدة التي تدير منجماً للمعادن الأرضية النادرة في الولايات المتحدة، وذلك مقابل استثمار مباشر بقيمة 400 مليون دولار، ضمن حزمة تمويلية إجمالية تتجاوز المليار دولار.
ويهدف الاستثمار إلى إنشاء مصنع جديد لإنتاج مغناطيسات المعادن النادرة، التي تُعد مكوناً أساسياً في الصناعات العسكرية والتقنية، مثل الطائرات المقاتلة F-35، والغواصات والصواريخ الموجهة، فضلاً عن استخدامها في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح.
وتأتي هذه الخطوة في سياق مساعي إدارة الرئيس دونالد ترامب لفك الارتباط مع الصين في سلاسل التوريد الحيوية، بعدما فرضت بكين قيوداً على تصدير المعادن النادرة خلال الحرب التجارية، وهو ما اعتُبر تهديداً مباشراً للأمن القومي الأميركي.
وتُنتج الصين نحو 90% من مغناطيسات المعادن النادرة الدائمة، وتتحكم بـ55% من القدرة العالمية على التعدين، و85% من طاقات التكرير والمعالجة، ما يجعل منها لاعباً مهيمنًا في هذا القطاع الحيوي.
وسيشمل المشروع، المعروف باسم “المنشأة 10X”، إنشاء مصنع جديد يُتوقع أن يبدأ التشغيل التجريبي في 2028 بطاقة إنتاجية تبلغ 10 آلاف طن سنوياً من مغناطيسات النيوديميوم والبراسيوديميوم، وهما عنصران أساسيان في أنظمة الأسلحة.
وبموجب الاتفاق، تلتزم وزارة الدفاع بشراء كامل إنتاج المصنع على مدى عشر سنوات بسعر لا يقل عن 110 دولارات للكيلوغرام الواحد، لضمان حماية الشركة من تقلبات السوق وتوفير استقرار مالي طويل الأمد.
وأسهمت الصفقة في صعود أسهم MP Materials بنسبة 60% في بورصة نيويورك، بينما ارتفعت أيضاً أسهم شركات عاملة في القطاع مثل “Lynas Rare Earths” الأسترالية بنسبة 20%، وسط توقعات بمزيد من الاستثمارات في سلاسل التوريد الغربية.
واعتبرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” أن الخطوة الأميركية تشكل تدخلاً نادراً من الحكومة في القطاع الخاص، لكنها مبررة في ظل التحديات الجيوسياسية الحالية، خاصة أن المعادن النادرة تُصنَّف كصناعات استراتيجية، وقد يؤدي غيابها إلى شلل في قطاعات كاملة مثل الدفاع والطاقة والتكنولوجيا.
وأشار محللون من مؤسسة Jefferies إلى أن هذه الخطوة قد تؤسس لنموذج اقتصادي جديد للمعادن النادرة في الغرب، يُحفز المزيد من الاستثمارات في البنية التحتية للتعدين والمعالجة والتكرير، ويوفر بديلاً مستداماً للهيمنة الصينية.
في ظل توترات مستمرة مع بكين، تسعى واشنطن إلى تقليص نقاط الضغط الصينية، لا سيما في مجالات حساسة مثل المعادن النادرة، التي استخدمتها الصين سابقاً كورقة تفاوض في النزاعات التجارية.
وفي أبريل الماضي، فرضت الحكومة الصينية قيوداً إضافية على تصدير سبعة عناصر من المعادن النادرة، ما أدى إلى اضطرابات واسعة في أسواق السيارات والدفاع والتكنولوجيا، وخلق حافزاً إضافياً لدى واشنطن للإسراع في تطوير سلسلة إمداد محلية.
يُنتظر أن يسهم المشروع في تعزيز قدرة الولايات المتحدة على إنتاج المغناطيسات الدائمة داخلياً، وتوفير عشرات الآلاف من فرص العمل، بالإضافة إلى تقوية الصناعات الدفاعية وتقنيات الطاقة النظيفة.
ويُذكر أن البنتاغون ضخّ أكثر من 430 مليون دولار منذ عام 2020 لتأسيس سلسلة متكاملة للمعادن النادرة تشمل عمليات الاستخراج، والفصل، والتكرير، والتصنيع، في إطار خطة طويلة المدى لإعادة بناء قدرة أميركا الصناعية في هذا المجال الحيوي.