وجهة بغدادية عصرية.. مقاهي الثقافة والفنون تغادر الصبغة التقليدية
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
منذ فجر التاريخ كانت العاصمة العراقية بغداد نقطة مضيئة في تاريخ الثقافة والفنون والشعر، وتميزت بمقاه وملتقيات للثقافة والفنون حيث التقى الأدباء والمثقفون والشعراء منذ العصر العباسي حتى يومنا هذا.
وحتى الأعوام الماضية، كانت هذه المقاهي وسط الشوارع الرئيسة في المدينة، وفي قلبها القديم، وكان معظم روادها من المثقفين والفنانين والسياسيين والشعراء والمعنيين، وغالبا ما يكونون من الرجال، رغم تسجيل حضور نسائي في أزمان مختلفة ولكن بشكل خجول.
وفي السنوات الأخيرة، تنامت ظاهرة انتشار المقاهي الثقافية والفنية العصرية في بغداد، وفي مناطق متفرقة في العاصمة، فلم تعد حصرا على الشوارع والأسواق الحيوية، بل سادت مختلف المناطق وحتى الأحياء السكنية الراقية منها والشعبية، لتجذب جماهير من فئات عمرية مختلفة، من النساء والرجال، الشابات والشبان، ولم يعد الأمر معنيا فقط بالمثقفين ورواد الأدب والشعر، وما يسمون "بالنخبة الثقافية" بل أصبح كثير منها ملتقى متاحا للجميع، وغدا التردد عليها أشبه بظاهرة اجتماعية مألوفة لدى أهالي العاصمة، وبديلا أكثر رقيا وتنوعا وفائدة لهم من المقاهي التقليدية المعتادة.
مقهى وكتاب
مقهى "قهوة وكتاب" بشكله الجديد في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد، الذي افتتح قبل نحو عقد من الزمن، هو الأول من نوعه إذ مثّل نسخة معاصرة من مقاهي الثقافة والأدب. وبمرور الوقت صار ملتقى للفنانين والأدباء والشعراء مع بقية شرائح المجتمع، حيث يختلط الحضور ويتبادلون الآراء في التجارب المختلفة سواء في المسرح أو الأدب والشعر أو في الموسيقى، وأصبح التردد على هذه المقاهي ظاهرة اجتماعية محببة وبديلا أفضل من المقاهي التقليدية المعتادة.
وفي لقاء مع الجزيرة نت، تحدث لنا خريج معهد الفنون الجميلة حديثا من قسم المسرح أحمد البدري بالقول "قرأت عن مسرحيات لكثير من الفنانين العراقيين الرواد، وكذلك قصائد لشعراء لا يزالون أحياء، كنت أتمنى أن ألتقيهم شخصيا، فأنا معجب بما قدموه من نتاج فني. وفي المقهى الذي بدأت أتردد عليه منذ بضع سنوات أصبح لدي منهم أصدقاء كثر ألتقيهم دائما للنقاش والحوار في مسائل تتعلق بالمسرح والأدب العربي، وحتى في مشروع تخرجي عن المسرح استشرت عددا منهم في كثير من النواحي وقدموا لي المساعدة والمشورة".
ومن هذه التجارب مكتبة "أطراس" التي افتتحت قبل أشهر في حي المنصور الذي يعدّ واحدا من "الأحياء الراقية" في بغداد ويقع في الجانب الغربي من المدينة المسمى الكرخ حيث قامت الشقيقتان زينب وبان الركابي بافتتاح مشروعهما الثقافي الذي دمج بين المكتبة والملتقى الثقافي.
وفي لقاء لها مع الجزيرة نت، أفادت بان الركابي بأنها وشقيقتها لاحقتا حلما قديما بنقل أجواء منزلهما إلى خارج جدران البيت، ليغدو واقعا ملموسا، فقد كان منزل والدهما الروائي العراقي الشهير عبد الخالق الركابي أشبه بمكتبة داخل بيت، وليس العكس، وتتذكر بان جيدا أنه كان ملتقى ثقافيا وأدبيا يجتمع فيه أدباء العراق وكتّابه وشعراؤه وتدور فيه نقاشات كثيرة حول الأدب والفنون والشعر والروايات.
كذلك أشارت بان إلى أن المقاهي الثقافية منصة واقعية لاستعراض الآراء والأذواق الثقافية والفنية على أرض الواقع بعيدا عن العالم الافتراضي، وفرصة لروادها للاطلاع على الرأي الآخر، وحافزا للتنافس لزيادة الاطلاع على كل ما له صلة بالأدب والثقافة، وفي شكلها الحديث الذي يقدم الآن، تمثل مساحة أوسع لاحتواء فئات عمرية مختلفة ونشاطات ثقافية متنوعة تلائم مختلف الأذواق.
وذكرت الركابي في حديثها للجزيرة نت "أن شعارنا التأكيد أن أطراس متاحة لجميع الفئات العمرية، ونأمل أن تكون مساحة للتعبير عن الذات واستكشافها. نوفر للجميع مجموعة واسعة من العناوين العالية التقييم من الروايات والشعر والفلسفة والتاريخ والتنمية البشرية وكذلك أدب الأطفال، كما نوفر فرصة قراءة الكتب داخل المكتبة أو الاستعارة، فضلا عن المتعارف عليه بما يخص اقتناء الكتب. وتشمل النشاطات مساحة واسعة لإرضاء مختلف الأذواق، ومنها محاضرات وجلسات شعرية وورش أدبية وفنية ونوادي قراءة وغير ذلك".
وأشارت الركابي إلى أن الهدف الأساسي من المقهى الثقافي هو أن تكون الثقافة والفنون في متناول الجميع مع توفير مساحة هادئة للحرية والاستكشاف ومشاركة التجارب والرصيد المعرفي. وترى أن العاصمة تعيش تنوعا ملحوظا في المشاريع الثقافية، منوهة بخصوصية كل مشروع وتميزه وتفرّد هويته.
أما عن رواد أطراس ففي ظل زحام المدينة وضوضائها والمتغيرات السريعة، يرى بعض منهم أنها قد تكون ملاذا وملجأ لهم، ومنهم طبيبة الأسنان الشابة زينب القريشي التي عبرت عن إعجابها بفكرة المقهى وافتتاحه في هذا الجانب من المدينة فقد كانت تجد صعوبة في وصولها إلى المقاهي الثقافية المعتادة في وسط العاصمة.
جنوبا، في منطقة الدورة المكتظة بالسكان، وهي من أكبر مناطق بغداد، أنشأ مجموعة من الفنانين والمثقفين مشروعا ثقافيا متميزا، هو "كانفاس" الذي صبّ اهتمامه على الفن التشكيلي بداية مرورا بالفنون والمحتويات الأدبية والثقافية الأخرى ومنها الأمسيات الفنية والشعرية والموسيقية.
وفي حديث مع المسؤول عن النشاط الفني في المقهى سجاد حسين، قال للجزيرة نت "فكرتنا أن يكون المقهى معرضا للأعمال الفنية، سواء كانت لوحات مرسومة أو قطع خزف، فضلا عن القطع "الأنتيكة" القديمة، وفي الوقت نفسه أن نوفر للحاضرين المشروبات وغيرها مما يتعلق بالمقاهي، كما ننظم فعاليات فنية وأمسيات شعر وموسيقى وغناء، فضلا عن جلسات الرسم التفاعلية المباشرة مع رواد المقهى التي تكون قريبة من الجمهور. وربما نرى أن هذا الأمر، أي جلسات التشكيل التفاعلية في مقهى عام، يحدث أول مرة في بغداد، حيث يكون الفنان على تماس مباشر مع الجمهور، سواء كان رساما أم نحاتا، وهو أمر ليس سهلا بالطبع".
وأوضح حسين أن هدف افتتاح المقهى هو أن لا يبقى النشاط الفني محصورا في مناطق معينة، "فهذا عامل أساسي في اختيار الموقع، فضلا عن التوجه إلى طيف اجتماعي وشبابي لم يعتد مثل هذه الأنشطة، ضمن السعي لتحقيق مزيد من التأثير ونشر المعرفة بالفنون والثقافة".
وقد أشار مسؤول النشاط الفني إلى نية العمل على معرض افتراضي ومنصة إلكترونية تضم السير الذاتية للفنانين التشكيليين وأعمالهم وكل ما يتعلق بهم.
التشكيلي محمد كاطع، وهو من رواد المقهى الثقافي، لفت إلى أن افتتاح المقاهي الثقافية في أنحاء بغداد ظاهرة إيجابية بعد أن كان يقتصر وجودها على مناطق معينة، خاصة مع تزايد إقبال الناس عليها من مختلف الفئات، إذ توفر فرصا أكبر لهذه الفئات بالاطلاع والتفاعل المباشر مع الفنون والثقافة وتجارب الفنانين والأدباء.
وأفاد في حديث مع الجزيرة نت بالقول "كانت هناك قطيعة بين الجمهور والفن، وكان الأمر محصورا على النخبة الثقافية في ما يخص حضور المعارض والمناسبات الفنية والثقافية. ولذلك كان مناسبا إنشاء هذا المكان في هذا الموقع للتقرب من الجماهير، وفعلا هذا ما حدث وفوجئنا بذلك؛ فالحضور فاق التوقعات منذ الأيام الأولى وكان الجمهور كبيرا ومتنوعا ولم يقتصر على فئة معينة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المقاهی الثقافیة فی بغداد فضلا عن
إقرأ أيضاً:
البنية التحتية الإعلامية عصرية وتتيح التوسع والنمو
دبي: محمد ياسين
قالت ميثا السويدي، المدير التنفيذي لقطاع الاستراتيجية والسياسات الإعلامية في مجلس الإمارات للإعلام، إن قانون تنظيم الإعلام الجديد استند إلى استبيان وطني شامل شارك فيه مختلف المعنيين بالقطاع، وتبين من نتائجه أن 56% من التحديات تتعلق بتنمية المواهب الإعلامية، فيما رأى 65% من المشاركين أن هناك حاجة ملحة لتطوير السياسات والتشريعات الخاصة بقطاع الإبداع والرواية.
ووفقاً للاستبيان، فقد أشار 70% من الطلبة إلى رغبتهم في العمل ضمن المجال الإعلامي، بينما أكد 66% سهولة الحصول على التمويل والاستثمار لا سيما في إمارتي دبي وأبوظبي، و90% من المشاركين أن البنية التحتية الإعلامية تتمتع بجودة عالية، واعتبر 88% أن هذه البنية عصرية، وتتيح إمكانات واسعة للتوسع والنمو.
وقالت، إن القانون الجديد يعدّ أول تشريع شامل لتنظيم قطاع الإعلام يصدر منذ أكثر من 40 عاماً؛ بهدف تطوير بيئة تشريعية واستثمارية حديثة قادرة على مواكبة التحولات المتسارعة في المشهد الإعلامي، وتنظيم الأنشطة الإعلامية بكافة أشكالها وأنواعها، والارتقاء بالمحتوى المحلي، وتحفيز إنتاج محتوى يتماشى مع معايير دقيقة وواضحة تضمن الجودة وتعزز من حضور الرسالة الإعلامية الإماراتية.
وتضمن القانون ولائحته التنفيذية 20 معياراً للمحتوى الإعلامي يتم اعتمادها عند التداول والنشر داخل الدولة، حرصاً على حماية المجتمع والحفاظ على الهوية الوطنية، ودعماً لمسيرة الابتكار والتميز في القطاع، كما يشمل القانون سياسات تنظيمية متكاملة تغطي مختلف القطاعات الإعلامية، مثل التصنيف العمري وضوابط وشروط الإعلانات وسياسات متابعة المحتوى الإعلامي والمنصات الإخبارية.
كما يمنح القانون ولأول مرة تصريحاً مطولاً يمتد لثلاث سنوات، ويعزز من تمكين المحتوى المحلي، ويتيح للمستثمرين والشركات مرونة أوسع وخيارات متعددة لترخيص منشآتهم الإعلامية وفق ضوابط محددة، كما يتيح لجميع الأفراد تملك الوسائل والمؤسسات الإعلامية ضمن شروط واضحة، بما يُسهم في رفع تنافسية القطاع على المستوى المحلي، ويمكّن الجهات المحلية من الإسهام الفاعل في تطوير صناعة الإعلام، ويدفع نحو خلق تخصصية إعلامية أعمق على مستوى كل إمارة، مما يشكل خطوة نوعية نحو بناء مشهد إعلامي إماراتي أكثر ابتكاراً وتكاملاً.