انتهاء تقييم «علامة الهوية الوطنية» بمدارس القطاع الخاص في أبوظبي
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
إبراهيم سليم (أبوظبي)
كشفت الدكتورة سارة السويدي، مدير مكتب الرقابة وضمان الجودة بدائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي، لـ«الاتحاد»، عن انتهاء أعمال تقييم علامة الهوية الوطنية، التي أطلقتها الدائرة عام 2022 والتي شملت جميع مدارس القطاع الخاص بالإمارة، والتي تهدف إلى ترسيخ فهم الطلبة للعادات والتقاليد والقيم الإماراتية، وأكدت أن علامة الهوية الوطنية «ليست مجرد رمز، بل أداة تربط الطلبة المواطنين بالتراث الغني والتقاليد المتأصلة لدولة الإمارات، وترسخ شعوراً عميقاً بالانتماء والفخر»، لافتة إلى الانتهاء من تقييم كافة المدارس، علماً بأن البرنامج سيشمل قطاعات أخرى العام المقبل.
ودعت مدارس القطاع الخاص إلى اتباع آلية يمكن للمدارس تحسين تقييمها، إذ إن التحسين الفعّال يتطلب التزاماً ونهجاً مدروساً يتماشى مع قيم وثقافة دولة الإمارات في الأنشطة المدرسية كافة، ومنها: تطوير وإثراء برامج اللغة العربية، والاستفادة من تجارب المدارس التي حصلت على تقييم «متميز» في برامجها الخاصة بالهوية الوطنية، وتكوين مجلس أولياء الأمور لدعم تعزيز برامج الهوية الوطنية في المدارس وإشراك أفراد المجتمع، وربط التجارب الثقافية مثل الرحلات المدرسية إلى المواقع التراثية بأنشطة المناهج الدراسية لتعميق الفهم وربطها بالسياق المحلي.
وأوضحت أن العلامة في جوهرها تشكل جسراً يربط الطلبة الإماراتيين والوافدين بالجذور الثقافية لدولة الإمارات ومستقبلها الطموح، كما تشجعهم على الإسهام في صون إرثها وتعزيزه لضمان استمراريته للأجيال القادمة، وتشجع الطلبة على الحفاظ على إرث الآباء المؤسسين للدولة والإسهام في بناء مستقبل الإمارات.
ترسيخ الهوية
وأوضحت أن ترسيخ الهوية الوطنية داخل المدارس، يغطي ثلاثة محاور رئيسة «الموروث الثقافي من تاريخ وتراث ولغة عربية، ومحور القيم، ويشمل الاحترام والتعاطف والتفاهم العالمي، ومحور المواطنة، والذي يركز على الانتماء والتطوع والحفاظ على البيئة، بهدف تعزيز النسيج الثقافي والوطني في المجتمع المدرسي».
وقالت السويدي: إن الدائرة استكملت الزيارات التفتيشية التي شملت 60 مدرسة خاصة قبل نهاية العام الدراسي الحالي، ضمن برنامج علامة الهوية الوطنية عام 2022، بهدف ترسيخ فهم الطلبة للعادات والتقاليد والقيم الإماراتية، بعد أن أنهينا في المرحلة السابقة تقييم 153 مدرسة، حيث تمت عمليات التقييم عدة مراحل، ووفقاً لما أعلنته الدائرة حصلت 8 مدارس على تقييم متميز، ونالت 33 مدرسة تقييم جيد، بينما حازت 79 مدرسة على تقييم مقبول و33 مدرسة على تقييم ضعيف.
تقييم المدارس
وقالت الدكتورة سارة السويدي، حول أهمية علامة الهوية الوطنية في عملية تقييم المدارس، إن أهمية علامة الهوية الوطنية لا تقتصر على تقييم المدارس فقط، بل توفر لأولياء الأمور صورة واضحة وشاملة عن برامج الهوية الوطنية وتطبيقها في المدارس الخاصة بأبوظبي، كما تتيح لهم إمكانية اتخاذ قرارات مدروسة لاختيار مدرسة متميزة على المستوى الأكاديمي، بما يسهم في ترسيخ فهم أطفالهم للقيم والموروث الثقافي الإماراتي.
وأكدت أن علامة الهوية الوطنية تمثل حافزاً كبيراً للمؤسسات التعليمية، حيث تشجع المدارس على دمج الهوية الوطنية في مناهجها التعليمية بشكل أفضل، ما يعزز فهم الطلبة من الإماراتيين وغيرهم للتقاليد والعادات والقيم الغنية للدولة.
وتتماشى هذه الجهود مع الأولويات الاستراتيجية للقيادة الرشيدة لدولة الإمارات، ما يؤكد على أهمية تعزيز حضور الهوية الوطنية في المساعي التعليمية.
الفخر بالهوية
وأضافت السويدي: «تمثل علامة الهوية الوطنية الأولى من نوعها منهجية رائدة في أنظمة تقييم المدارس»، ويهدف التقييم السنوي إلى توفير بيئة تعليمية تتميز بأعلى مستويات الالتزام الأكاديمي، إلى جانب تعزيز شعور الفخر بالهوية الوطنية والاعتزاز بالموروث الثقافي لدى الطلبة.
كما تلعب هذه المبادرة دوراً محورياً في بناء مجتمع متماسك يفخر أفراده بالثقافة والهوية الوطنية والإنجازات التعليمية.
وفيما يتعلق بالفرق بين علامة الهوية الوطنية وبرنامج ارتقاء؟ وهل يكملان بعضهما بعضاً؟ أوضحت الدكتورة سارة السويدي أن علامة الهوية الوطنية تركز بشكل خاص على ترسيخ الهوية الوطنية داخل المدارس، وتغطي ثلاثة محاور رئيسة هي: محور الموروث الثقافي، ويضم عناصر التاريخ والتراث واللغة العربية، ومحور القيم، ويشمل الاحترام والتعاطف والتفاهم العالمي، ومحور المواطنة، والذي يركز على الانتماء والتطوع والحفاظ على البيئة، كما تقوم علامة الهوية الوطنية على منهجية هادفة لدمج هذه العناصر في الإطار التعليمي للمدارس في أبوظبي، بهدف تعزيز النسيج الثقافي والوطني في المجتمع المدرسي.
برنامج ارتقاء
وبالمقابل، يقوم برنامج ارتقاء على معايير الإطار الموحَّد لتقييم المدارس والتفتيش في دولة الإمارات، وهو أكثر شمولاً في نطاقه، فضلاً عن تركيزه على معايير الأداء العام للمدارس، وتشمل تقييمات البرنامج ستة معايير رئيسة، بما فيها إنجاز الطلبة، التطوُّر الشخصي والاجتماعي للطلبة ومهاراتهم في الابتكار، التدريس والاختبارات، المنهاج الدراسي، حماية الطلبة ورعايتهم وتوجيههم ودعمهم، والقيادة والإدارة، كما يتضمن كل معيار 17 مؤشر أداء لتقييم الكفاءة الأكاديمية والإدارية في كل مدرسة.
الموروث الثقافي
أما تقييم علامة الهوية الوطنية، فيجري بشكل مستقل مع التركيز على الموروث الثقافي والهوية كإطار للتقييم، بينما لا يمثل ذلك سوى عامل واحد من أصل سبعين عاملاً في برنامج ارتقاء، وتم تصميم كلا النظامين لتزويد المدارس بتقارير مفصلة تسلط الضوء على نقاط القوة ومكامن التحسين.
وأضافت السويدي: نعتمد على هذه النتائج لتقديم الدعم اللازم للمدارس، مما يضمن تعزيز التميز الأكاديمي والتكامل الثقافي، وتقدم علامة الهوية الوطنية وبرنامج ارتقاء منهجية شاملة لتقييم البيئات التعليمية وتحسينها، ما يضمن تلبية المدارس لأعلى المعايير الأكاديمية وترسيخ شعور الفخر بالهوية الوطنية والاعتزاز بالموروث الثقافي لدى الطلبة.
بيئة متعددة
وفيما يختص بمدى أهمية ما يجب على أولياء الأمور من مختلف الجنسيات الاهتمام بعلامة الهوية الوطنية، أوضحت مدير مكتب الرقابة وضمان الجودة في دائرة التعليم والمعرفة، أن أبوظبي تتميز ببيئة متعددة الثقافات تنسجم مع القيم العالمية، ما يجعل من علامة الهوية الوطنية مفهوماً مألوفاً ومهماً لجميع الأسر على اختلاف الجنسيات والخلفيات الثقافية.
وبالنسبة للطلبة الإماراتيين، ليست العلامة مجرد رمز، بل هي أداة تربطهم بالتراث الغني والتقاليد المتأصلة لدولة الإمارات، وترسخ شعوراً عميقاً بالانتماء والفخر، وتشجعهم على الحفاظ على إرث الآباء المؤسسين للدولة والإسهام في بناء مستقبل الإمارات.
تبادل المعرفة
أضافت سارة السويدي: تمثل بالنسبة للطلبة الوافدين فرصةً لتبادل المعرفة والتجارب الثقافية، ويساعد هذا التفاعل على ترسيخ فهمهم للتاريخ والموروث الثقافي والقيم والمفاهيم المجتمعية، مما يعزز التعاون والاحترام المتبادل والانسجام الاجتماعي.
وتسهم الخبرات التي يكتسبها الطلبة خلال فترة وجودهم في أبوظبي بإثراء تجارب حياتهم، وترسخ لديهم قيم الاحترام والتقدير لدولة الإمارات والتي ترافقهم في حياتهم المستقبلية.
وتشكل العلامة في جوهرها جسراً يربط الطلبة الإماراتيين والوافدين بالجذور الثقافية لدولة الإمارات ومستقبلها الطموح، كما تشجعهم على الإسهام في صون إرثها وتعزيزه لضمان استمراريته للأجيال القادمة.
إرث زايد وهويتنا
حول أهمية الهوية الوطنية في دعم النمو الشامل للطالب، أفادت السويدي بأن الهوية الوطنية تؤدي دوراً مهماً في النمو الشامل للطالب، لأنها تربط تطوره الشخصي بالقيم الثقافية والأخلاقية لوطنه.. ولقد ترك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، القائد المؤسس لدولة الإمارات، إرثاً عظيماً لا يزال يلهم هويتنا الوطنية، ويشكل التزامه بقيم التعاطف والتسامح والاستدامة عنصراً أساسياً في الثقافة الإماراتية، وهي قيم إنسانية عالمية تترك أثراً عميقاً لدى الطلبة من مختلف الخلفيات الثقافية.
المنظومات الثقافية
ويساعد دمج هذه القيم في التجربة التعليمية الطلبة على تشكيل منظور شامل يدعم نموهم كمواطنين عالميين، كما يطور قدرتهم على فهم مختلف المنظومات الثقافية. وتشجع هذه المنهجية الطلبة على تجسيد هذه القيم في حياتهم اليومية، مما يعزز قدرتهم على المساهمة بشكل إيجابي، سواء ضمن مجتمعاتهم أو خارجها.
وبالتالي، تأتي أهمية الهوية الوطنية في التعليم من نقطتين هما، تعميق شعور الطلبة بذاتهم وبهويتهم الجماعية، وتزويدهم بالقيم الإنسانية التي تتيح لهم الانسجام والتعاون مع مختلف الثقافات.
وتسهم هذه المبادئ في إعداد الطلبة لمواجهة التحديات العالمية بفضل ما تزودهم به من قيم التعاطف والنزاهة والإحساس العميق بالمسؤولية.
منح الأولوية
وحول الجوانب التي يجب على المدارس التركيز عليها لتحسين علامة الهوية الوطنية الخاصة بها، قالت السويدي: يتعين على المدارس منح الأولوية لتكوين فهم شامل حول محاور التقييم والعناصر التي تقوم عليها.
ومن أبرز النتائج التي لمسناها حتى الآن، هي ضرورة تعزيز فهم الطلبة لأهداف مختلف الأنشطة التي يشاركون فيها ودلالاتها، بما فيها المشاريع والرحلات الميدانية والمبادرات الرامية لترسيخ الهوية الوطنية لدولة الإمارات، حيث يسهم ذلك في تكوين ارتباط حقيقي وهادف بالقيم والموروث الثقافي الإماراتي.
خطوات هادفة وجدية
أكدت السويدي أنه يتعين على المدارس بذل الجهد والوقت اللازمين لفهم إطار علامة الهوية الوطنية ومعاييره فهماً تاماً لمواءمة استراتيجياتها معها بشكل فعال. كما يمكن للمدارس الاستفادة من تجارب المدارس الأخرى التي حصلت على تقييم «متميّز»، والاستفادة من ممارساتها ومبادراتها الناجحة. ومن الضروري أيضاً أن تحدد المدارس مكامن الضعف ومجالات التحسين في منهجيتها الحالية، حيث يجب اعتماد نظرة حيادية في تقييم برامجها وقدرتها على ترسيخ فهم متعمّق للهوية الوطنية لدى طلبتها.
وبينت أنه من المهم تعزيز مشاركة جميع أفراد المجتمع المدرسي، بمن فيهم أولياء الأمور، حيث يسهم ذلك في بناء بيئة تعليمية داعمة وغنية لا تقتصر على الفصول الدراسية. ويتعين على المدارس تقديم برامج ومبادرات مستمدة من البيئة والمجتمع.
وقالت: «يتعين على المدارس اتخاذ خطوات هادفة وجدية، فليس من المجدي مثلاً زيادة عدد الرحلات المدرسية إلى مواقع ثقافية من دون دمج هذه التجارب ضمن إطار تعليمي شامل ومتّسق، ويتطلب التحسّن الحقيقي في تقييم علامة الهوية الوطنية التزام المدرسة بمنهجية مدروسة تدمج تراث دولة الإمارات وقيمها في مختلف جوانب الحياة المدرسية».
الانتماء والفخر
قالت د. سارة السويدي: قدمت ست مدارس طلبات لإعادة التقييم، وسررنا بحصول أربع من هذه المدارس على تقييم أعلى نظراً لالتزامها بتحسين برامج الهوية الوطنية الخاصة بها، ومن أبرز الأمثلة على ذلك مدرسة الياسمينة التي حققت نتائج لافتة وتمكنت من تحسين تقييمها بدرجتين، وجاء هذا التحسن نتيجة المشاركة الفاعلة لأولياء الأمور.
النتائج الاجتماعية
وحول إمكانية وجود نتائج سلبية تترتب على إغفال المدرسة لعلامة الهوية الوطنية، أفادت الدكتورة سارة السويدي بأنه قد يوثر عدم حرص المدرسة على علامة الهوية الوطنية بشكل سلبي على النتائج الاجتماعية للطلبة، ما قد يعيق التنمية الشاملة لهم بشكل غير مقصود، ويمنعهم من التميز كأفراد فاعلين في المجتمع.
بيئة تعليمية تعزز الترابط الاجتماعي
لفتت السويدي إلى أنه قد تواجه المدارس التي تقلل من أهمية علامة الهوية الوطنية مشاكل في إرساء بيئة تعليمية تعزز الترابط الاجتماعي، حيث يركز التقييم على قيم الاحترام والتسامح والتفاهم المتبادل، وهي قيم أساسية لبناء بيئة تعليمية تحتفي بالتنوع الثقافي، ومن الممكن أن يؤدي تجاهل هذه القيم إلى افتقار الطلبة لهذه المهارات الاجتماعية الأساسية في إعدادهم لتولي أدوارهم المستقبلية كمواطنين مسؤولين وفاعلين.
كما أن عدم التركيز على تعزيز مشاعر الانتماء والفخر بالموروث الثقافي لدى الطلبة قد يحول من دون ارتباطهم بشكل وثيق بتراثهم وقيمهم الوطنية، ما يمكن أن ينتهي بعواقب سلبية تتجاوز حدود الصف المدرسي وتؤثر على قدرتهم على التفاعل والمساهمة في مجتمعاتهم.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: أبوظبي مدارس القطاع الخاص المدارس الخاصة مدارس أبوظبي الإمارات دائرة التعليم والمعرفة دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي الهویة الوطنیة فی الموروث الثقافی لدولة الإمارات تقییم المدارس ترسیخ الهویة بیئة تعلیمیة على المدارس لدى الطلبة على تقییم فی أبوظبی فی بناء
إقرأ أيضاً:
التوظيف الإلزامي: حلّ أم تحدٍ جديد للقطاع الخاص؟
في ظلّ التحديات الاقتصادية المتلاحقة التي يواجهها القطاع الخاص، من تداعيات جائحة كورونا إلى تقلبات أسواق النفط، وصولا إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي نتيجة الحرب التجارية بين الكبار، برز قرار وزارة العمل بفرض توظيف مواطن واحد لكل سجل تجاري مضى عليه عام، كأحد الحلول التي تهدف إلى معالجة أزمة الباحثين عن عمل في سلطنة عُمان. إلا أن هذا القرار أثار تساؤلات جوهرية حول مدى توازنه مع واقع القطاع الخاص، لا سيّما بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وقدرتها على الاستمرار في بيئة تشغيلية تزداد تعقيدًا.
تشير أرقام وزارة العمل إلى 100 ألف باحث عن عمل، مقابل حوالي 245 ألف سجل تجاري يعمل فيها ما يقارب مليون وافد. ومع تشبّع الجهات الحكومية، تبقى المسؤولية الكبرى في استيعاب الباحثين عن العمل تقع على كاهل القطاع الخاص. وعلى الرغم من أهمية تعزيز التعمين كمسؤولية وطنية، فإن التحدي الحقيقي يكمن في مدى إدراك السياسات العامة لهشاشة الوضع المالي والإداري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
فالمؤسسات التي توظف أعدادا كبيرة من العمالة الوافدة قادرة على الالتزام بهذا القرار بسهولة، بل قد تتجاوزه بأريحية. لكن في المقابل، تواجه المؤسسات الصغيرة ـ التي لا يتجاوز عدد موظفيها بضعة أفراد ـ ضغوطا متزايدة نتيجة الضرائب، والرسوم، والاشتراكات التأمينية، وهو ما يقلص هوامش أرباحها إلى حد كبير.
وقد يُفضي تراكم الأعباء المالية والقانونية إلى تقويض ثقافة ريادة الأعمال التي بدأت مؤخرًا تجتذب أعدادا متزايدة من الشباب. وفي الوقت الذي كان فيه قرار وزارة التجارة عام 2019 بإنشاء «شركة الشخص الواحد» خطوة رائدة لدعم هذا القطاع، إلا أن القرارات المتلاحقة التي تفرض نفقات إضافية ـ دون وجود حوافز موازية مثل التمويل المدعوم أو الإعفاءات ـ تهدد بتقويض هذا التقدم.
النماذج العالمية تؤكد نجاح المرونة في بيئات الأعمال، كما في الصين التي تضم أكثر من 200 مليون عامل مستقل يعملون في عدة قطاعات ، وفقًا لمجلة The Economist. هذه المرونة تخلق فرص عمل جديدة وتمنح المؤسسات الصغيرة فرصة النمو الذاتي دون إثقالها بقيود بيروقراطية.
ومن هنا، تبرز الحاجة إلى التمييز بين الشركات الناشئة والكيانات الكبرى ذات الأصول الضخمة والعمالة المكثفة.
فلا يمكن معاملة مؤسسة صغيرة برأس مال محدود كشركة راسخة منذ عقود. قد يبدو القرار منصفا على مستوى الشكل، لكنه يغفل الفروقات الجوهرية في الإمكانيات والظروف.
حتى المهلة التي مُنحت للمؤسسات ـ ستة أشهر أو سنة ـ قد لا تكون كافية لتغيير واقع التشغيل، كما أن تعقيد الإجراءات المصاحبة لتشكيل لجان الاستثناء قد يؤدي إلى إغلاق آلاف المؤسسات. المطلوب هو إصدار لائحة تنفيذية مرافقة للقرار، تتضمن استثناء مباشرا للمؤسسات غير القادرة على التوظيف، استنادا إلى البيانات المتاحة.
تشير الدراسات إلى أن ما بين 20% إلى 30% من المؤسسات الصغيرة تفشل خلال عامها الأول، و70% لا تتجاوز السنوات الثلاث الأولى. لذا فإن سياسات التوظيف يجب أن تراعي هذه الحقائق، إذ إن هذه المؤسسات قد لا تكون قادرة على التوسع اليوم، لكنها ضرورية لتنويع الاقتصاد الوطني، سواء بتحويل الباحثين عن عمل إلى رواد أعمال، أو بتوفير فرص عمل حقيقية بعد تجاوزها مرحلة التأسيس.
وعليه، فإن تطوير هذا القطاع الحيوي يتطلب البحث عن حلول توافقية، تشمل مراجعة شاملة للمنظومة التشريعية والضريبية والإدارية، وتقديم إعفاءات تشغيلية للمؤسسات الناشئة، وتفعيل شراكة ثلاثية بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية لسد فجوة المهارات.
كما يجب تعديل سياسات التعمين بما يراعي الفروقات بين المؤسسات، ويستثني الشركات محدودة الدخل أو حديثة التأسيس، والوظائف التي لا يُقبل عليها المواطنون. ويمكن كذلك احتساب العمل الجزئي، أو المؤقت، أو التدريب ضمن متطلبات التعمين، كما فعلت مبادرة «ساهم» في القطاع الحكومي.
كذلك، يجب تعزيز الشفافية في آليات التوظيف، وتمكين المنصات الرقمية لضمان مطابقة حقيقية بين العرض والطلب، وإعفاء المؤسسات من التوظيف الإلزامي في حال عدم وجود كفاءات مناسبة أو عدم التقدم للوظائف خلال فترة زمنية محددة.
في النهاية، فإن نجاح قرار التوظيف الإلزامي لن يتحقق بمجرد فرضه، بل بتهيئة البيئة المناسبة لتطبيقه، بما يضمن توازن المصالح، واستدامة المؤسسات، وتحقيق الهدف الأسمى: إيجاد فرص عمل لائقة للمواطنين، دون التضحية بكيان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
خالد الكلباني باحث في شؤون الاقتصاد والطاقة