اسطفان الدويهي أول بطريرك ماروني طوباويًا...كان راعيًا صالحًا
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
"لأنه كان كالراعي الصالح، قاد شعبه بعيون جديدة، بنور سماوي وعطايا كارزماتية، منظمًّا الليتورجيا، كاتبًا تاريخ شعبه المضطهد، واضعًا حماسته في خدمة وحدة المسيحيين والرهبانيات، وخّلًا للمظلومين والفقراء"، سمح قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، بعد حصوله على رأي مجمع دعاوى القديسين، بإطلاق لقب طوباوي على خادم الله المكرم البطريرك اسطفان الدويهي، على أن يحتفل به كل عام في 3 أيار يوم ولادته في السماء.
فكلام قداسة البابا عن الطوباوي البطريرك، الذي ينضم إلى مصاف طوباويي لبنان وقديسيه، ليست مجرد "صف حكي"، بل جاء نتيجة تأمل معمّق في سيرة الطوباوي الجديد، الذي عاش بين عامي 1630 و1704، في ظل الحكم العثماني للبنان، "فكان الراعي الصالح"، الذي "يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف وأَمَّا الأَجير، وهو لَيسَ بِراعٍ ولَيستِ الخِرافُ له فإِذا رأَى الذِّئبَ آتياً تَركَ الخِرافَ وهَرَب فيَخطَفُ الذِّئبُ الخِرافَ ويُبَدِّدُها. وذلِكَ لأَنَّهُ أَجيرٌ لا يُبالي بِالخِراف. أَنا الرَّاعي الصَّالح أَعرِفُ خِرافي وخِرافي تَعرِفُني كَما أَنَّ أَبي يَعرِفُني وأَنا أَعرِفُ أَبي وأَبذِلُ نَفْسي في سَبيلِ الخِراف (يوحنا: 10- 11).
فالبطريرك الطوباوي كان ذاك الراعي بما فيه من صفات صالحة تمكّنه من الدفاع عن شعبه المعرّض لشتى أنواع الاضطهادات "فيقوده بعيون جديدة، وبنور سماوي وعطايا كارزماتية". فـ"القيادة" ليست ارتجالية، وهي غير مستمدة من سلطة تسلسلية في المسار التاريخي، بل هي بالمفهوم الإنجيلي والكنسي مسؤولية تفرض على من يتولاها موجبات ملزمة من حيث السلوكية الأخلاقية. فـ "القائد" يجب أن يكون شجاعًا وحكيمًا ومتواضعًا. يقدم حيث يجب الاقدام. ويحجم حيث تستوجب الحكمة ذلك. لا يتهور في اتخاذ القرارات، ولكنه ليس متردّدًا. يستمع إلى الآخرين ويأخذ بمشورتهم. يختلي مع نفسه ومع ربه ليستمد "النور السماوي"، الذي ينير له طريق الحق، فلا يقود شعبه إلى التهلكة، بل يحافظ عليه من خلال "العطايا الكارزماتية" المستمدة من قوة الايمان والممتلئة من مواهب الروح القدس وفيض نعمه.
هذه الصفات القيادية المعطوفة على رعايته الصالحة مكّنت البطريرك الطوباوي من اجتياز مرحلة صعبة من حياة أبنائه الموارنة، الذين تعرّضوا لأقسى أنواع الاضطهادات بسبب تعلقهم بحرية قدّسوها حتى الاستشهاد، فكان من بينهم شهداء كثر، وعلى رأسهم البطريك جبرائيل حجولا.
وعلى رغم الظروف الصعبة، التي كان يمرّ بها الموارنة في حينه لم يهمل البطريرك الطوباوي الليتورجيا في الطقس الماروني فعمل على تنظيمها تحقيقًا للتوازن بين التقاليد الدينية والتحديات الحديثة، وتأسيسه لمؤسسات ومراكز بحثية تسهم في تعزيز الثقافة والتعليم، فأطلق ورشة نهضوية منذ اليوم الأول لتسّلمه مقاليد البطريركية، وبدأ بتنظيم شؤون طائفته وتحديثها متأثراً بتنظيمات المجمع التريدنتيني الرابع في أوروبا. لكنه حافظ على توازن سليم بين الانفتاح على كنيسة روما، حيث حصّل علومه اللاهوتية، وبين الإبقاء على خصوصيات الكنيسة المارونية الأنطاكية السريانية التي تعيش جنباً إلى جنب مع سائر الكنائس الشرقية، وسط مجتمع أوسع غير مسيحي.
فكل ما كتب عن الكنيسة المارونية يعود الفضل فيه للبطريرك الدويهي الذي شكّل مرجعًا أساسيًا في كل ما وصل إلينا من معلومات من مخطوطات ووثائق وضعها البطريرك الطوباوي أو أشرف على تنضيدها وأرشفتها.
كتب البطريرك الدويهي تاريخ شعبه المضطهد فكان عالِمًا تاريخيًا، وساهم في إعادة اكتشاف الهوية المارونية، فركز في أبحاثه على التراث الماروني، بحيث حدّد بدقة الأسباب والأهداف التي دفعته إلى الكتابة: "أما نحن فقد حملتنا الغيرة لنشرح عن ملتنا المارونية، لا لأجل الثناء والافتخار، ولا لنلتمس محامدها، ولنصف للقارئين شرف السلفاء والخلفاء من رؤسائها، بل لننقذها من الثلب الباطل الذي أوجبه أصحاب التواريخ من زعمهم الباطل. لج علينا ناس كثيرون، غرب وقرب من أصحاب العلم والصداقة حتى نمدهم بصحة الإعلام عن أصل جماعتنا الموارنة، وعن اتحادهم مع الكنيسة الجامعة، بسبب أننا طفنا جميع الكنائس والأديرة، وغربلنا الكتب التي وقفنا عليها، وجمعنا رسائل الباباوات وأصحاب الولايات المبعوثة إلى البطاركة وفحصنا كافة رتب البيعة، وشرحنا على تواريخ بلدان الشام منذ بدء الهجرة إلى وقتنا هذا، مما نظرناه في كتب النصارى والمسلمين لنحظى بصحة الأخبار".
ليس صدفة أن يسمح قداسة البابا فرنسيس بإعطاء الاذن لإعلان البطريرك الدويهي طوباويًا لبنانيًا يرتقي على مذابح الكنيسة جمعاء شفيعًا لدى الله، يضاف إلى كوكبة من القديسين والطوباويين والمكرمين، الذين كانوا قدوة في الحياة الكهنوتية والرهبانية.
يتزامن تطويب البطريرك الدويهي، بعد سنوات طويلة من الانتظار مع معاناة تلف لبنان بزنار من المآسي والأزمات، وقد لا يكون آخرها تعرّضه لهزات أمنية تزعزع الاستقرار والسلام في جنوبه المغلوب على أمره، وتمتد إلى ضاحيته الجنوبية، وقد لا تتوقف عند حدود معينة، خصوصا أن لغة العنف هي السائدة والمسيطرة.
ولكن يبقى توقيت التطويب في هذه الظروف الصعبة بارقة أمل في النفق المظلم وكوة مفتوحة على السماء بعدما باءت المحاولات الأرضية بالفشل، "وإن بدت السماء بعيدة إن الذي فوق السماء قريب" (الامام الشافعي). المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
صالح:العراق دخل عصر الجباية الإلكترونية
آخر تحديث: 1 يونيو 2025 - 10:58 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، الاحد، أن ترتيب العراق ثالثاً عربياً في عدد البطاقات المصرفية المصدرة يعد مؤشراً مهماً على تطور القطاع المالي وتزايد الثقة المجتمعية والدولية بالإجراءات الحكومية.وقال صالح في تصريح صحفي للوكالة الرسمية : إن “العراق سيدخل عصر الجباية الالكترونية بشكل كامل منتصف العام الحالي، وهذا الأمر يعزز ثقة المؤسسات المالية والمصارف الاستثمارية العالمية بأن العراق يتجه نحو اقتصاد أكثر شفافية واحترافية بأساليب متقدمة تضمن تحقيق الازدهار الاقتصادي”.وأضاف أن “الجباية الالكترونية من شأنها أيضا أن تمنح انطباعاً بأن البيئة المالية العراقية باتت أكثر استعداداً لاستقبال حلول التكنولوجيا المالية والاستثمارات في القطاعات المصرفية والتأمينية الرقمية بشكل جاذب ومتسارع”، مشيراً الى أن “هذه الخطوة تمثل انعكاساً للجهد الحكومي الاستراتيجي الساعي الى تحديث البنية التحتية المالية وتسهيل التعاملات غير النقدية”.وتابع أن “العراق احتل المرتبة الثالثة عربياً في عدد البطاقات المصرفية المصدرة، الأمر الذي يعد مؤشراً مهماً على تطور القطاع المالي وتزايد الثقة المجتمعية والدولية بالإجراءات الحكومية”، مبيناً أن “الحكومة تسعى بشكل حثيث نحو التحول المالي الرقمي لبلوغ مستويات متقدمة في التنمية المستدامة وفقاً لمؤشرات خطة التنمية الوطنية ٢٠٢٤-٢٠٢٥ والبرنامج الحكومي الراهن”.وأوضح، أن “التقدم الذي حققه العراق في مجال استخدام المدفوعات الرقمية المصرفية، يؤشر من دون شك مقدار التقدم الاستراتيجي المتسارع المتحقق في نشر استخدام البطاقات المصرفية، وبدء تحقيق تحول هيكلي في الاقتصاد العراقي نحو الاقتصاد الرقمي”.وذكر أن “الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، سيتيح للعراق تحقيق قفزات نوعية في الشمول المالي وتعظيم القيمة المضافة في الاقتصاد الوطني وخفض الفقر والبطالة، فضلاً عن تسهيل الإصلاحات الاقتصادية على نطاق أوسع”، لافتاً الى أن “هذا الأمر يعد في الوقت نفسه نجاحاً كبيراً للبرنامج الحكومي المتعلق بالحوكمة الالكترونية وتنفيذ بنية تحتية رقمية متكاملة وأساسية تمهيد للتحول إلى اقتصاد رقمي وشمول مالي واسع” .