تيم والز.. نائب هاريس الذي يحظى بدعم مسلمي ويهود أميركا
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
واشنطن- بعد أسبوعين من تراجع الرئيس الأميركي جو بايدن عن الترشح لانتخابات 2024، واستبداله بنائبته كامالا هاريس، اختارت هاريس تيم والز حاكم ولاية مينيسوتا ليشاركها بطاقة ترشح الحزب الديمقراطي نائبا لها.
ومن المنتظر أن يشارك والز هاريس في فعاليات انتخابية تبدأ لاحقا اليوم الثلاثاء بمؤتمر جماهيري في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، على أن يظهر معها في 7 ولايات متأرجحة خلال الأيام المقبلة.
ولأنه حاكم ولاية مينيسوتا، التي توجد فيها جالية مسلمة كبيرة نسبيا ذات قيمة انتخابية مرتفعة، يعتبر اختيار والز ترضية للناخبين المسلمين. وفي الانتخابات التمهيدية للولاية، اختار أكثر من 18% من الناخبين الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية للولاية خيار "غير ملتزمين" بدلا من دعم الرئيس جو بايدن كوسيلة للاحتجاج على دعمه غير المشروط لإسرائيل.
وقالت إلهان عمر، وهي من أشد منتقدي إسرائيل، إنها لم تصوت في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في مينيسوتا، على الرغم من أنها أشادت بالناخبين غير الملتزمين لاستخدامهم الانتخابات التمهيدية لإرسال رسالة إلى الرئيس بايدن.
ونظريا، يمكن لوالز -وبصفته حاكم ولاية مينيسوتا- أن يدعم حظوظ هاريس في الفوز بمينيسوتا بعدما قلّ فارق تقدم هاريس على دونالد ترامب خلال الأسابيع الأخيرة، كما أنه يدعم حظوظ الديمقراطيين في 3 ولايات متأرجحة تجاور مينيسوتا، مثل ويسكونسن، أو تقترب منها مثل بنسلفانيا وميشيغان.
وتعد الولايات الثلاث من بين ولايات "حزام الصدأ" الذي منح اختيار ترامب لنائبه جي دي فانس بعض الأفضلية في هذه الولايات لبعض الوقت. ومن شأن اختيار والز أن يستعر السباق على الفوز بهذه الولايات التي يدعي كل منهما، (والز وفانس) أن خلفيته وخبرته تقربه من فهم المزاج العام لناخبي هذه الولايات.
ويتطلع الديمقراطيون للظفر بولايات حزام الصدأ في الغرب الأوسط التي دعمت تاريخيا الديمقراطيين، لكنها صوتت لترامب في انتخابات 2016 قبل أن يسترجعهم بايدن بفارق ضئيل عام 2020، ومن المرجح أن تكون الولايات الثلاث محورية للظفر بالبيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وقال والز مؤخرا إنه يتوقع أن يكون هناك سباق رئاسي متقارب في ولاية مينيسوتا، على الرغم من أنه توقع أن يخسر ترامب للمرة الثالثة. وتفاخر ترامب باحتمال فوزه بالولاية أثناء حملته الانتخابية هناك في الأشهر الأخيرة.
مسلمو مينيسوتا وعدوان إسرائيلبرز الحاكم تيم والز مرشحا لمنصب نائب الرئيس، بسبب دعم قطاع كبير من التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي لمواقفه وسياساته التقدمية. في الوقت ذاته، يمثل اختيار والز رسالة طمأنة للناخبين التقدميين والمسلمين ممن عارضوا موقف إدارة بايدن الداعم للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك على الرغم من سجله الداعم لإسرائيل. فإن هذا الدعم معتدل بمعايير السياسة الأميركية المعاصرة.
وخلال تمثيله الولاية في مجلس النواب، لم يعرف عن والز التطرف في دعم إسرائيل، ونجح في الحصول على تأييد منظمة "أيباك"، أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي، وقال أمام مؤتمرها العام عام 2010 إن "إسرائيل هي أصدق وأقرب حليف لنا في المنطقة، مع الالتزام بقيم الحريات الشخصية، محاطة بجوار صعب جدا".
إلا أن والز، كان في الوقت ذاته، من بين أشد مناصري توصل الولايات المتحدة لاتفاق نووي مع إيران إبان عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وعبر عن غضبه لاحقا من إقدام الرئيس السابق دونالد ترامب على الانسحاب من الاتفاق.
وقبل أسبوع، قالت النائبة المسلمة من ولاية مينيسوتا إلهان عمر "أعتقد أن الحاكم تيم والز لديه كل الصفات التي يحتاجها نائب الرئيس لتحقيق التوازن في البطاقة الانتخابية الديمقراطية. إنه مخضرم، وعضو في نقابة المعلمين ومن الواضح أنه شخص سيكون مثيرا من نواح كثيرة".
وتعد إلهان عمر من أشد أعداء إسرائيل داخل مجلس النواب، ولا يتوقف اللوبي الإسرائيلي عن استهدافها والترصد لها، وهي أهم سياسية مسلمة في مينيسوتا والولايات المتحدة، إلى جانب النائبة رشيدة طليب.
وبعد الانتخابات التمهيدية، وفقدان بايدن لأصوات 18% من الناخبين الديمقراطيين المعترضين على موقفه تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، وطبقا لموقع جويش إنسدير، قال والز في ذلك الوقت، إن الحزب بحاجة إلى التركيز على استعادة هؤلاء الناخبين المناهضين لإسرائيل بدلا من رفض انتقاداتهم، على الرغم من أنه جادل أيضا بأن الناخبين من تيار الوسط يلعبون دورا أيضا.
وقال والز لشبكة سي إن إن "هؤلاء ناخبون قلقون للغاية، مثلنا جميعا. الوضع في غزة لا يطاق، وأعتقد أنه يجب إيجاد طريق يؤدي لحل الدولتين، وبالتأكيد تحرك الرئيس جو بايدن نحو تقديم المساعدات الإنسانية، والمطالبة بالوصول إلى وقف إطلاق النار، هذا ما يطلبونه، وهذا ما يجب أن يسمعوه ويعرفوه".
وكان والز صريحا في إدانته لهجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وما اعتبره حق إسرائيل وواجبها في الدفاع عن نفسها، وأمر بتنكيس جميع أعلام ولاية مينيسوتا تكريما للضحايا الإسرائيليين. كما رفض الرد على نشطاء مناهضين لإسرائيل تجمعوا أمام منزله لحثه على سحب استثمارات الولاية من إسرائيل، كما ألغى اجتماعا مع الفرع المحلي لمنظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين، بسبب إصرار المجموعة على مناقشة سحب استثمارات مينيسوتا من إسرائيل.
وعندما بدأ بعض الطلاب اليهود في الإبلاغ عن شعورهم بعدم الأمان في حرم جامعاتهم خلال ربيع الاحتجاجات الطلابية ضد عدوان إسرائيل على قطاع غزة، أدان والز أي مظاهر أو ممارسات العداء للسامية، في الوقت الذي استمر فيه في الإعراب عن تعاطفه مع رسالة المتظاهرين الأوسع حول المعاناة في غزة.
ويكرر والز في لقاءاته الصحفية مقولة "نتفق جميعا على أن الوضع في غزة لا يطاق، كما أن ما حدث في 7 أكتوبر هو عمل لا يطاق".
شكوك في قيمة نائب الرئيسشككت مجلة الإيكونوميست العريقة في قيمة شخصية نائب الرئيس في السباق الانتخابي الأميركي. وأشارت المجلة إلى أنه في كثير من الحالات يُستغل نائب الرئيس ليقول ما لا يمكن للمرشح الرئاسي قوله.
ويرى محللون أن والز تعود على الهجوم الحاد على المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وهو ما يتيح المزيد من الوقت لكامالا هاريس لتركز على القضايا الحيوية التي تهم الناخب الأميركي بدلا من استهداف ترامب فقط.
ويمكن لاختيارات نائب الرئيس أن تحدث فرقا، ولكن ربما أقل بكثير مما قد توحي به الضجة التي تحيط بلحظة اختياره، في حين أنها قد تضر بحظوظ المرشح الرئاسي إذا كان خيار نائب الرئيس سيئا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الانتخابات التمهیدیة ولایة مینیسوتا على الرغم من نائب الرئیس تیم والز
إقرأ أيضاً:
لماذا يعارض مهندس أميركا أولا الحرب على إيران؟
في صباح يوم الأربعاء 18 يونيو/حزيران 2025، وأثناء فعالية إفطار أقيمت في واشنطن العاصمة، خرج ستيف بانون، كبير الإستراتيجيين السابق في البيت الأبيض وأحد أبرز مهندسي تيار "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد" أو "ماغا"، عن إجماع تيار الصقور المؤيد لدخول الحرب الإسرائيلية مع إيران.
قال بانون حينها أمام حشد من الصحفيين، إن من الخطأ أن تتورط الولايات المتحدة في عمل عسكري مباشر على إيران، حاثًا الرئيس ترامب على التدقيق في المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية، والتروي قبل التصعيد، وتذكُّر أنه "لا داعي للعجلة" في اتخاذ القرارات، مطلقًا تحذيرًا مدويًا "حرب أخرى في الشرق الأوسط ستمزق هذا البلد [الولايات المتحدة] إربًا!"
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا قررت إسرائيل تغيير قواعد الحرب مع إيران؟ هل السر إيال زامير؟list 2 of 2في انتظار نهاية العالم.. السيرة الدينية لسفير أميركا في إسرائيلend of listبعد أيام قليلة فقط، وعندما استهدفت ضربات جوية أميركية ثلاث منشآت نووية إيرانية في الفترة بين 21 و22 يونيو/حزيران، كرَّر بانون موقفه الحذر، مؤكدًا عدم وجود معلومات استخبارية جديدة تشير إلى اقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي.
لم يكن هذا التصريح عابراً؛ بل كان افتتاحية لحملة سياسية وإعلامية مضادة للتصعيد على إيران، يقودها أحد أكثر العقول نفوذاً في تيار اليمين القومي الأميركي.
ابتدأ بانون ندوته الصباحية بنقد قاس لحال الولايات المتحدة الأميركية، تحدث عن "الأزمة الاقتصادية والمالية في أميركا، والتراجع الصناعي، ثم أزمة المهاجرين، وتحدي صعود الصين كقوة عالمية، وترهل النخب السياسية الأميركية، وتقاعس الأوروبيين.."، واعتبر الدخول في مواجهة مع إيران لن تؤدي إلا إلى تفاقم هذه الأزمات؛ في الوقت الذي يحتاج فيه الأميركيون إلى إعادة بناء الداخل، وليس فتح جبهات خارجية، ومحذراً من مخاطر الانصياع لما وصفه "جنون نتنياهو"، وسعي اللوبي الإسرائيلي إلى دفع الولايات المتحدة إلى حرب لا تخدم مصالحها.
وبعد أيام من تحذيرات بانون، نفذت الولايات المتحدة الأميركية ضربتها العسكرية الخاطفة ضد ثلاث منشآت نووية إيرانية في ساعة مبكرة من صباح السبت 22 يونيو/حزيران 2025، حسب توقيت إيران تحت اسم "مطرقة منتصف الليل"، وفي لحظات تشوبها التوترات الإقليمية والتجاذبات الداخلية الأميركية.
إعلانومنذ الإعلان عن الضربات الأميركية على مواقع نووية إيرانية، لم يخف بانون تخوفاته من فتح جبهة حرب على إيران، فقد عارض الهجوم الواسع، واعتبره مقبولاً في حال كان محدوداً واضطرارياً دون الانجرار إلى حرب طويلة، وألمح في بث مباشر على بودكاسته الخاص إلى أن القرار سُرب إليه بعد لقائه ترمب قائلاً: "الحفلة بدأت"، مشيراً إلى بداية جديدة من التصعيد قد تغرق المنطقة في حرب طاحنة.
من هو ستيف بانون؟لفهم موقف بانون بصورة أفضل، علينا تتبُّع مسار حياة بانون من ضابط في البحرية الأميركية (المارينز) خدم في الخليج العربي إلى شخصية شعبوية بارزة في الإعلام.
امتدت مسيرة ستيف بانون البحرية المبكرة بين عامي 1977 و1983، وحملتْه إلى ذات المياه التي ينظر العالم إليها بترقب بعد أن أضحت رمزًا لتدخلات الولايات المتحدة الطويلة الأمد في المنطقة.
خدم بانون عقب "أزمة الرهائن الأميركيين" في إيران عام 1980، مساهمًا في تنسيق الرسائل والاتصالات على متن مدمرة أميركية في الخليج العربي؛ وهي التجربة التي شكّلت مدخله الأول إلى الجغرافيا السياسية للمنطقة. تذكَّر بانون لاحقًا أن تلك المرحلة غرست فيه شكوكًا عميقة تجاه التدخلات العسكرية التي يفرضها القادة التنفيذيون في تهور.
وفي تأمُّلاته الشخصية، وصف بانون تلك الفترة، بأن "فشل تلك المهمة مثّل نقطة تحول جوهرية في رؤيته السياسية"، دافعًا به من حالة اللامبالاة السياسية السابقة إلى ناقد يرفض التدخلات الخارجية. يصف نفسه بأنه "ريغاني الهوى" أي متبنيًا سياسة الرئيس الأسبق رونالد ريغان الرافضة للتدخلات العسكرية الخارجية، وهو ما يقول، إنه تعزز بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.
ظهر ستيف بانون للعالم مع صعود دونالد ترامب داخل الحزب الجمهوري، فقد كان بانون هو العقل الإستراتيجي الذي قاد حملة ترامب الرئاسية الأولى عام 2016، وكان كبير مستشاريه في البيت الأبيض قبل أن يُقال لاحقًا. أسّس بودكاست "وار روم" (War Room) الذي يُعدّ الآن منبرًا مركزيًا لحركة ماغا (MAGA)، والتي تمثل تيارًا يمينيًا قوميًا يرى في الولايات المتحدة مركزًا حضاريًا لا يجب أن تنغمس في حروب خارجية عبثية، حتى أصبح بانون الصوتَ الأعلى حالياً داخل اليمين القومي الشعبوي المعارض للتدخلات الخارجية.
عندما برز بانون على الساحة السياسية ضمن إدارة ترامب، حمل معه رؤية للعالم تقوم على الشعبوية، والاعتداد بالقوة الأميركية التي تقتضي ضبط النفس.
انتقد بانون مرارًا الحروب التي فجرها جورج بوش الابن، وعارض الضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات في سوريا عام 2017، كما شكّك في عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق عام 2020، متسائلًا عما إذا كانت فعلًا عملية "ضرورية". كان موقفه دائمًا واضحًا وثابتًا: يجب أن تتجنّب الولايات المتحدة دور "شرطي العالم".
ورغم تعبيره المتكرر عن دعمه العقدي لإسرائيل، واصفًا نفسه بالفخور بأنه "مسيحي صهيوني"، يعتقد بانون أيضًا، أن على حلفاء الولايات المتحدة الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم، بينما تتراجع واشنطن خطوة إلى الخلف مبتعدةً عن الانخراط المباشر في المواجهات.
إعلان وما هي "ماغا"، وكيف انقسم مؤيدو ترامب؟أما حركة ماغا، فقد أسسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واستخدم شعار "Make America Great Again"، وتعني "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد"، واستخدم الشعار رمزا لحركته السياسية الشعبوية في حملاته الانتخابية.
وتستند أيديولوجية ماغا إلى مزيج قوي من القومية، والانغلاق الاقتصادي، والمحافظة الثقافية. وقد ظهرت هذه الأيديولوجيا بقوة في حملة دونالد ترامب الانتخابية عام 2016، وسرعان ما تحولت إلى حركة شعبوية مؤثرة، شكّلت حولها قاعدة واسعة من الناخبين الجمهوريين، لا سيما من الطبقة الوسطى والعاملة، فالحركة ليست حزباً مستقلاً؛ بل تيارا داخليا يؤثر بقوة في توجيه سياسات الحزب الجمهوري.
استثمرت الحركة في مشاعر الإحباط لدى الناخبين تجاه العولمة والهجرة والتدخلات الأميركية الخارجية التي لا تنتهي. بالنسبة لكثيرين داخل هذا التيار، جسَّد ترامب تمردًا على النخبة الحاكمة، ووعد بإعادة موضع السيادة الأميركية في الداخل، وتقديم مصالح البلاد على حساب الالتزامات الدولية.
وكان بانون، بصفته كبير مستشاري ترامب سابقًا، ثم شخصية إعلامية مؤثرة، من أبرز من صاغ هذا الإطار الأيديولوجي، مؤكدًا القومية الاقتصادية، وتشديد الرقابة على الحدود، والارتياب العميق تجاه السياسات الخارجية التي تقوم على التدخل.
ومع تطور ماغا، بدأت الخلافات تظهر بين جناحها القومي والشعبوي المحافظ من جهة، وبين صقور الحزب الجمهوري التقليديين الداعمين للتدخلات العسكرية في الخارج من جهة أخرى.
وقد برز هذا التوتر الأيديولوجي في عدة محطات حاسمة، مثل قرار سحب القوات من أفغانستان وسوريا، والنقاشات في الموقف من روسيا والصين، وصولًا إلى الانخراط في الحرب الإسرائيلية الحالية على إيران. يعبر تحفّظ بانون تجاه الحرب الأميركية ضد إيران عن اصطفافه الواضح مع الجناح الرافض للتدخلات الخارجية، ويعكس في الوقت ذاته الرغبة العميقة داخل "ماغا" لإعادة تشكيل السياسة المحافظة الأميركية على أسس تُعلي من شأن الداخل الأميركي وتنبذ الحروب الخارجية التي لا طائل منها.
إذاً تنطلق معارضة بانون الحرب على إيران من منظومة فكرية جيوسياسية وقومية شاملة تعيد تعريف أولويات الدولة الأميركية، وليس من مجرد موقف تكتيكي يتم اتخاذه بناء على ضغط من إسرائيل، "لا حروب بلا نهاية، لا حروب من أجل الآخرين، لا شكر لنتنياهو"، وعلى إسرائيل أن تنهي ما بدأته بنفسها.
ويرى بانون، أن الحرب على إيران في ظل حالة عدم الاستقرار العالمي، تهدد أمن الولايات المتحدة القومي ولا تعززه، فالمعركة الاقتصادية مع الصين، وأزمة الحدود والمهاجرين، والتضخم المتصاعد، أولى بالاهتمام من الدخول في حرب مفتوحة في الخليج. بينما يهاجم بانون بشدة "مؤسسة الأمن القومي"، كتعبير عن الدولة العميقة، ويصفها بـ "الوحش"، ويراها تسعى دوماً إلى إبقاء أميركا في صراع، لتعزيز سلطتها على حساب المواطنين.
لماذا يرفض بانون الحرب على إيران؟يؤكد بانون أنه في حال إجراء استطلاع للرأي العام الأميركي وسؤال الناس "هل تؤيدون دخول القوات الأميركية في قتال مباشر ضد إيران هذا الأسبوع؟، ستكون النتيجة صفر تأييد مقابل 100 معارضة" من منطلق أن الشعب مثقل بأزمات داخلية ذات أولوية على فتح جبهة قتال خارجية.
يقول بانون: "لقد قالها الشعب الأميركي بوضوح، نريد الخروج من حروب الشرق الأوسط، ولهذا السبب احتفل الجميع عندما أعلن الرئيس ترامب سياسة جديدة خلال زيارته الأولى للمنطقة: "سلام وازدهار، لا للإملاء الثقافي، لا لتصدير قسري للديمقراطية".
بينما اعتبر بانون قناة "فوكس نيوز" مصنعاً للدعاية والتضليل وليست منبراً للحقيقة في إشارة لترويج القناة لضرورة الرد العسكري على إيران، وهي التي لعبت دوراً حاسماً في تسويق الحرب على العراق سابقاً، وها هي تعود إلى نفس النموذج الدعائي "إقناع الشعب أن العدو يمتلك سلاحاً نووياً، وعلينا التحرك الآن"، وأضاف "جورج بوش خدعنا، فهل سنخدع من جديد؟"، كما أوضح أن "جزءا من الشارع الجمهوري لم يعد يثق في صقور الإعلام المحافظ، فالقناة لم تعد تنقل الخبر؛ بل تصنعه وفق أجندة بعض النخب التي ترتبط بمصالح إستراتيجية في المنطقة".
ينطلق بانون من مبدأ "لا للحروب التي لا تنتهي" الذي كان أحد أعمدة حملة ترامب 2016، ثمّ حوله إلى مرجع في الأوساط اليمينية القومية، خصوصاً أن الحرب على إيران لن تكون قصيرة أو محدودة كما يتم تسويقها، وقد تؤدي إلى تفجير الإقليم بأكمله، واستهداف الجنود الأميركيين المنتشرين في الخليج والعراق وسوريا.
إعلانفي حين إن الاندفاع نحو الحرب من وجهة نظر بانون نابع من معلومات استخبارية غير موثوقة، وفشل في تقييم العواقب الإستراتيجية، فيقول: "الإسرائيليون يدّعون أن لديهم معلومات استخبارية، لا أفهم لماذا لا نزال نعتمد على جهاز استخبارات أخفق وفشل فشلا ذريعاً في يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفي واحدة من أسوأ الهفوات الاستخبارية منذ 11 سبتمبر/أيلول".
إرث العراق وأفغانستان… ذاكرة شعبية تؤطر الرفضاستحضر بانون تجربة حرب العراق باعتبارها "الخطيئة الأصلية" التي أدت لضياع ثقة الشعب في الحكومات والمؤسسات، مثّلت "صدمة ورعبا"، وتم الترويج بأن احتلال بغداد خلال 3 أشهر، ثم ماذا؟ 20 عاما في العراق، و7 تريليونات دولار، و8000 قتيل.
يؤكد بانون، أن الرأي العام الأميركي بات واضحاً، فهو لا يريد المزيد من الحروب في الشرق الأوسط على حد وصفه.
ويحذر بانون من أن إيران بعكس الأنظمة التقليدية، تقاتل من خلال شبكة من الوكلاء والمليشيات الإقليمية التي من الممكن أن تشعل الصراع من عدة جبهات، وقال: "الهجوم على إيران قد يمزق البلاد من الداخل، هناك 40 ألف جندي مهدّدين داخل شريط من الأزمات يمتد من العراق إلى اليمن"، وقد وصف ذلك بقوله "جنودنا لا يقاتلون دولة، بل شبكة ذات امتداد غير مرئي".
الصين: الخطر الإستراتيجي الأعظميشدّد بانون على أن التركيز الإستراتيجي الحقيقي للولايات المتحدة يجب أن يكون موجهاً للصين لا إيران، حيث يُضعف الانخراط العسكري الأميركي في الشرق الأوسط من قدرة واشنطن على مواجهة التحدي الجيوسياسي الأعظم الذي تمثله بكين، وهو ما وصفه "الجنون الإستراتيجي" الذي يشبه الهروب من الجبهة الأساسية.
وفق تقرير وزارة الدفاع الأميركية السنوي لعام 2024 عن الصين، فإن الصين تبني بسرعة ترسانتها النووية بحيث تتجاوز 1000 رأس نووي عملياتي بحلول عام 2030، وتعمل على تحقيق تفوق إقليمي بحلول 2035، وتحدي الهيمنة الأميركية عالمياً بحلول 2049، مع تطوير الصين القدرات والمفاهيم العسكرية في عام 2023 نحو تعزيز قدرة جيشها على "خوض الحروب والانتصار فيها على عدو قوي".
ووفق التقرير فإن الصين تعمل على تجميع عناصر القوة الوطنية من خلال التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي والعسكري لتحقيق "النهضة الكبرى للأمة الصينية" بحلول عام 2049، ومن خلال هذه القوة ستعمل الصين على إعادة تشكيل النظام الدولي بما يدعم نظام حكمها ومصالحها الوطنية.
متطفّلون: تقاعس أوروبايوجه بانون انتقاداً لاذعاً للحلفاء الأوروبيين، ويقول "نحن نخسر طائراتنا لحمايتهم.. أنتم لستم حلفاء، أنتم متطفلون"، ويعلّق على جهود الولايات المتحدة العسكرية في البحر الأحمر، "لم تكن هناك مساعدة حقيقية، فبينما نشرت واشنطن مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات، وعشرات السفن، ومئات الطائرات، وآلاف الجنود، لتأمين الممرات البحرية وخطوط الملاحة نحو قناة السويس، لم ترسل أوروبا سوى ثلاث قطع بحرية: مدمرة بريطانية واحدة، فرقاطة إيطالية، وكورفيت فرنسي".
ومع أن بعض المسؤولين الأوروبيين بدأوا يتحدثون عن نية رفع إنفاقهم العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن بانون يشكّك في تلك التصريحات، ويدعو للنظر في الوقائع على الأرض، ويقول للأوروبيين: "لا تحسبوا الصفقات الخضراء، أو الرعاية الصحية، ضمن ميزانية الدفاع… أروني القوات القتالية، أروني العمليات العسكرية.. أين تلك القوات التي وعدتم بها أوكرانيا؟ لا شيء ولن ترسلوا شيئاً، لأنكم لا تستطيعون".
واتهم بانون أوروبا، أنها أفرغت نفسها ذاتياً من قدراتها الصناعية والاقتصادية، وعلى مستوى الجهوزية والموارد، حيث تعاني ألمانيا من أزمة صناعية بسبب سياسات نزع الكربون، وكذلك فرنسا وبريطانيا تعانيان من مأزق اقتصادي لا يقل حدة، ومن زاوية أخرى، يرى بانون أن اندفاع واشنطن نحو الحرب مع إيران يجري بينما تتقاعس أوروبا عن المشاركة الجدية.
كيف تفاعل الشارع والنخبة الأميركية مع موقف بانون؟تماهت كثير من التعليقات التي رافقت الضربة الأميركية تجاه المنشآت النووية الإيرانية على وسائل التواصل الاجتماعي -خاصة من قاعدة ترامب الانتخابية- مع موقف بانون أكثر مما أيدت العمل العسكري، إذ أظهرت استطلاعات على منصات يمينية مثل Gettr وTruth Social أن 57% من المستخدمين يرون أن الضربة "لم تكن ضرورية في هذا التوقيت"، بينما اعتبر 41% أن "إسرائيل تؤثر أكثر مما يجب في القرار الأميركي". وهو ما يدل على اتساع الفجوة بين الإدارة وأنصارها من جهة، والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى.
إعلانكتبت النائبة اليمينية مارغوري تايلور غرين والموالية للرئيس ترامب في رسالة نشرتها قبل الضربات الأميركية المفاجأة "في كل مرة تكون فيها أميركا على وشك العظمة، نتورط في حرب أجنبية جديدة، لم تكن القنابل لتسقط على شعب إسرائيل لو لم يكن نتنياهو قد أسقط القنابل على شعب إيران أولاً، إسرائيل دولة تمتلك السلاح النووي، هذه ليست معركتنا، السلام هو الحل".
أما الصحفي الاستقصائي غلين غرينوالد كتب: "عندما يصبح بانون أكثر حكمة في السياسة الخارجية من قادة الحزبين، فهذه لحظة يجب أن نتوقف عندها"، بينما وصف نعوم تشومسكي الضربة بأنها "جزء من السيرك الإستراتيجي الدائم الذي يدير الحروب عبر الشاشات".
ورغم كافة الانتقادات، يؤكد بانون أن حركة ماغا لن تنقلب على ترامب، ففي تعليقه الأخير قال: "نحن نعارض الحرب حتى النهاية، لكن القاعدة ستبقى مع ترامب"، لكن هذا الموقف بحد ذاته يكشف عن انقسام داخلي في التيار المحافظ بين من يرى في ترامب زعيماً متسقاً مع مبادئهم، ومن يرونه قد بدأ بالتخلي عن شعاره الأبرز "أميركا أولاً"، ويتجه للإذعان لضغوط المؤسسة التقليدية -الدولة العميقة- التي وصفها بانون بـ "الوحش".
بانون نفسه، بدأ يشعر بالتهميش التدريجي داخل البيت الأبيض، مع صعود تيار أكثر قرباً من البنتاغون ووزارة الخارجية، لكنه رغم ذلك لا يزال يمتلك تأثيراً كبيراً عبر برنامجه الذي يتابعه ملايين الأميركيين يوميا.
وهو سيظل يكرر ما يقوله طوال الوقت، إذ إن المسألة لا تقتصر على معارضة الحرب فحسب، بل تتعلق بضمان ألّا يُخاض أي نزاع مستقبلي إلا بوضوح في الهدف، وبإجماع شعبي، ولأسباب وجيهة لا يمكن دحضها. وحتى يحين ذلك الوقت، يبدو أن بانون يعتقد أن أفضل ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة للشرق الأوسط هو أن تتركه وشأنه.