صراحة نيوز- بقلم / د. منذر الحورات

لم يُطل انتظار المتابعين لسماء المنطقة، إذ ألقت طائرات «بي–2» الأميركية أخيراً بحمولتها الثقيلة فوق المنشآت النووية الإيرانية، وحمولة أخرى محملة بالمفاجآت والفوضى لكل الأقليم داست القانون الدولي والهيئات الدولية وسيادة الدول، ورغم أن البعض رأى في تأخر الضربة مؤشراً على تردد إستراتيجي، مقترن بتقلبات مزاج الرئيس ترامب، إلا أن اللحظة جاءت أخيراً، وتجاوز الرئيس الأميركي عقبات ثقيلة كادت تؤدي إلى انكشاف إستراتيجي خطير لدور ومكانة القوة الأميركية، لكن هذا القرار لم يكن سهلاً ولا سريعاً، فقد وُضعت على طاولة الرئيس معادلات معقدة، أبرزها الذاكرة الجريحة للمغامرات الأميركية في العراق وأفغانستان، هناك، انطلقت واشنطن نحو «تدخلات سريعة» وانتهت إلى فوضى سياسية، واحتلال دام، وخراب مؤسسات، وجراح وطنية لم تندمل بعد، وندوب عميقة في الذاكرة الأميركية، وإيران، بكل تعقيداتها العرقية والدينية، وتسليحها الثقيل، ومعرفتها النووية، تمثل نسخة أشد تعقيداً من تلك التجارب، وانهيار الدولة فيها لن يكون مجرد أزمة، بل كابوساً إستراتيجياً قد يغير وجه الشرق الأوسط لعقود.

فوق هذا كله، تواجه إدارة ترامب معارضة صامتة لكنها مؤثرة، تأتي من عمق قاعدته الانتخابية التي صوتت له على وعد «أميركا أولا»، أي النأي بالنفس عن الحروب الخارجية، تيار «ماغا» والذي  يُذكره دوما بأنه لم يُنتخب ليعيد أميركا إلى نزاعات الشرق الأوسط، بل ليعيدها إلى الداخل، وإلى جانب هذا التيار، يميل الرأي العام الأميركي بوضوح إلى رفض أي تدخل عسكري جديد،  فاستطلاعات الرأي تُظهر رغبةً جامحة رافضة للحرب، وإحساساً عاماً بأن الضربات العسكرية، مهما بلغت دقتها، لم تحل أزمة، بل زادتها تعقيداً، وهنا تبرز معضلة أخرى: الاقتصاد،  فالتصعيد في الخليج يعني تهديداً لأمن الطاقة العالمي، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، ويُطلق شرارة تضخم جديدة داخل الولايات المتحدة  في وقت حساس سياسياً، قد تُقوّض فيه شعبية ترامب، وتُهدد مستقبله الانتخابي.

في المقابل، لم تتوقف إسرائيل عن ممارسة ضغط هائل على واشنطن، فبالنسبة لتل أبيب، فإن أي تأخير في الرد هو تهديد مباشر لأمنها القومي، خصوصاً إذا قررت طهران توسيع ردها ليشمل جبهات متعددة أو مصالح إسرائيلية استراتيجية، لقد وجدت إسرائيل أن الظروف منحتها فرصة ذهبية لاستثمار قوة الولايات المتحدة إلى جانبها،  فاستخدمت كل أدواتها السياسية والإعلامية لدفع الرئيس ترامب لإتخاذ قراره الحاسم، وكانت هذه لحظة فارقة، إذ وقف ترامب أمام مفترق طرق: إما أن يتدخل وينقذ صورة أميركا كقوة رادعة، أو أن يمتنع ويتحمل كلفة فقدان الثقة العالمية بدورها القيادي، ويُغضب إسرائيل، الحليف الأقرب، ورغم أن الضربة نُفذت متأخرة نسبياً، فقد أعادت تأكيد الدور الأميركي في صياغة موازين القوة العالمية، وذكّرت الجميع بأن واشنطن ما تزال تُمسك بخيوط اللعبة الكبرى، لكنها في الوقت ذاته، فتحت أبواباً لفوضى قد يصعب إغلاقها لسنوات طويلة.

 

إذاً تقف المنطقة اليوم على حافة الهاوية، والاحتمال الأقرب هو الانزلاق نحو مواجهة إقليمية أوسع، تُحرّكها شهوة الانتقام وسوء التقدير، ومع ذلك، يبقى الأمل قائماً أمل في نافذة دبلوماسية قد تُفتح في اللحظة الأخيرة، تماماً كما تُفتح أبواب الحرب في غفلة من التاريخ، لكن الواقع يقول إن خيارات ترامب في إيران لم تكن يوماً سهلة، بل بدت، كما في الأمس، كابوسية: محصورة بين رغبته في تفادي الحروب، ونزعة أمريكية مزمنة نحو الحسم، وفي النهاية، ألقى الرئيس كل تلك الخيارات في حضن المرشد الأعلى الإيراني، الذي بدوره يقف على الحافة: بين القلق على بقاء النظام، وبين مواجهة غير متكافئة مع أعظم قوة في العالم.

مصير إيران والمنطقة وربما النظام الدولي بأسره يتوقف الآن على قرار رجل في طهران،  لكن المؤكد أن واشنطن، رغم كل شيء، أعادت رسم المشهد، ووضعت خصومها ومنافسيها أمام مأزق استراتيجي غير مسبوق.

فهل سيجد هؤلاء طريقهم للرد؟ أم أن الكرة ستبقى معلقة في ملعب أميركي مزدحم بالأزمات والضغوط، يفتقر إلى الوقت واليقين؟

المصدر: صراحة نيوز

كلمات دلالية: اخبار الاردن عرض المزيد الوفيات عرض المزيد أقلام عرض المزيد مال وأعمال عرض المزيد عربي ودولي عرض المزيد منوعات عرض المزيد الشباب والرياضة عرض المزيد تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام

إقرأ أيضاً:

ترامب يصل إسرائيل.. الرئيس «هرتسوغ ونتنياهو» في استقباله

وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الإثنين، إلى إسرائيل لإلقاء كلمة أمام الكنيست قبل التوجه إلى شرم الشيخ بمصر للمشاركة في قمة دولية يشارك فيها عدد من قادة العالم وتركز على سبل إنهاء حرب غزة.

وحلقت طائرة ترامب على علو منخفض فوق ميدان الرهائن في تل أبيب قبل هبوطها في مطار بن غوريون، وسط حالة من التأهب والترقب في إسرائيل نظرًا لدور ترامب البارز في التوصل إلى اتفاق غزة.

وكان في استقبال الرئيس الأميركي بالمطار كل من الرئيس إسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وفي تصريحات سابقة للصحفيين في واشنطن، أكد ترامب أن الهدف من زيارته هو المشاركة في مراسم توقيع اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة، قائلاً: “أنهينا الحرب في غزة.. وسنسعى إلى استعادة الرهائن يوم الإثنين أو الثلاثاء.. وهذا اليوم سيكون سعيدًا”.

وأضاف: “سنتوجه إلى المنطقة ونحن نعمل على تحديد التوقيت.. سنتوجه إلى مصر لتوقيع الاتفاق بشكل رسمي”.

في سياق متصل، انتشرت في إسرائيل حملة دعائية تروّج للدور الذي لعبه ترامب في وقف الحرب وحماية حياة الرهائن. وأظهرت بعض اللوحات الإعلانية صورة ترامب إلى جانب العلمين الأميركي والإسرائيلي، مع عبارة: “كورش الكبير على قيد الحياة”.

من هو كورش الكبير؟

كورش الكبير، أو سايرس، كان ملكًا فارسيًا وليس يهوديًا، لكنه يحتل مكانة بارزة في التراث اليهودي القديم لاعتباره حاكمًا عادلاً ومتسامحًا، أصدر مرسومًا يسمح لليهود المنفيين في بابل بالعودة إلى القدس وإعادة بناء الهيكل بعد سقوط مملكة يهوذا.

ويُنظر إليه أيضًا كأول حاكم في التاريخ أصدر مرسومًا عالميًا لحرية المعتقد، ما جعل منه رمزًا للتسامح والعدل في الذاكرة اليهودية.

آخر تحديث: 13 أكتوبر 2025 - 10:33

مقالات مشابهة

  • ترامب يصل إسرائيل.. الرئيس «هرتسوغ ونتنياهو» في استقباله
  • الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصل إلى إسرائيل
  • عاجل.. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصل إلى إسرائيل
  • ترامب يغادر واشنطن لزيارة إسرائيل وحضور قمة شرم الشيخ
  • إيران تشكك في اتفاق غزة وتتهم واشنطن بالانحياز لـإسرائيل
  • الحرب الاقتصادية الأميركية الصينية: من التعرفة الجمركية إلى معركة المعادن النادرة وانعكاساتها على الإقليم واليمن
  • إيران ترفض حديث ترامب عن تطبيع محتمل مع إسرائيل وتصفه بـ”أحلام يقظة”
  • العراق يعرب عن أسفه للعقوبات الأميركية على جهات مرتبطة بالحشد الشعبي ويشكّل لجنة لمراجعتها
  • كيف تنظر إيران لمشاركة أميركا بمشروع باسني الباكستاني؟
  • إيران توضح موقفها من حديث ترامب عن تطبيع علاقتها مع إسرائيل